النبي العربي والروم
ولما اشتدت الحرب بين الفرس والروم وبلغت أنباؤها إلى العرب، كان النبي والمسلمون
منحازين بعاطفتهم إلى الروم؛ لأنهم كانوا — في نظرهم — أهل كتاب مثلهم، فأما كفار
العرب فكانوا يَميلون بعاطفتهم إلى الفرس؛ لأنهم مثلهم أميون، ولا أَدَلَّ على ذلك
من أن أبا بكر الصديق، وهو طليعة المسلمين، قد راهن أُبيَّ بن خلف، وهو من وجوه
الكفار، على مائة بعير؛ أن الروم سينتصرون.
وكان الرسولُ قد استطاع أن يجمع حول رسالته عددًا مِنْ أَهَمِّ قبائل العرب، وكان
قد استقرَّ في يثرب واتخذها قاعدةَ عمله، ولكنه كان يسعى سعيًا حثيثًا لفتح مكة
قاعدة العرب الدينية، وكان اليهودُ قد ناصبوه العداء، وأظهروا له الشر وقاتلوه،
فانهزموا وخرجوا من يثرب شمالًا إلى حُدُود الروم، وبعضهم وصل إلى أذرعات «درعة» في
حوران، وكانوا يتصلون بالمشركين العرب فيحرِّضونهم على المسلمين، فعاد النبيُّ إلى
قتال اليهود، فضربهم ضربة شديدة في خيبر، ولما طلبوا الصلح فيها بعث إلى أهل فدَك
يخيِّرهم بين أن يُسلموا أو يسلِّموا أموالهم، فصالحوه على نصف أموالهم من غير
قتال.
وتجهَّز الرسول للعودة إلى المدينة عن طريق وادي القرى، فتَجَهَّزَ يهودُها لقتال
المسلمين وقاتلوهم، ولكنهم اضطروا للصلح، ففعلوا، وقبل يهود تيماء دفع الجزية بدون
حرب، أما يهود واحات الجرباء ومَقْنا وأذرح؛ فإنهم كانوا أَبْعَدَ إلى الشمال، وكان
النبيُّ لا يزال يستعد لفتح مكة وفرض سلطته عليها، فرأى — فيما يظهر — أَنْ لا بد
مِنْ جولة ثانية في الشمال يُرهب بها اليهود هناك ويؤمِّن مؤخرتَه قبل الزحف على
مكة مطمح أنظاره.
ويؤخذ من بعض النصوص أن النبي أرسل بعد صلح الحديبية خمسة عشر رجلًا إلى ذات
الطَّلْح على حُدُود الشام، يدعون إلى الإسلام في منطقة هؤلاء اليهود الشماليين،
فكان جزاؤهم القتل ولم ينجُ منهم إلا رئيسُهُم.
١
وجاءَ في بعض المراجع العربية أيضًا أن الرسول أَوفد بعد الحديبية إلى هرقل وكسرى
والنجاشي، وإلى المقوقس، والحارث الغساني، والحارث الحِمْيَري، رُسُلًا ورسائلَ
يدعوهم بها إلى الإسلام، وأنه صنع لنفسه خاتمًا من فضة نقش عليه: «محمد رسول الله.»
وختم به رسائله، وأنه كتب في رسالته إلى هرقل ما يلي: «بسم الله الرحمن الرحيم، من
محمد بن عبد الله إلى هرقل عظيم الروم، سلامٌ على من اتبع الهدى، أما بعد، فإني
أدعوك بدعاية الإسلام، أَسْلِمْ تسلمْ، يؤتك الله أجرك مرتين، فإنْ توليت فإنما
عليك إثم الأريسيين.»
وتذكر هذه المراجع نفسها أن النبي دفع برسالته هذه إلى دِحْيَة بن خليفة الكلبي،
وأن دحية هذا سافر إلى هرقل، فالتقاه في حمص في طريقه إلى المدينة المقدسة، وأن
هرقل لم يغضب ولم تَثُرْ ثائرتُهُ، وأنه ردَّ على الرسالة ردًّا حسنًا.
وجاءَ في هذه المصادر العربية أيضًا: «أن الحارث الغساني بعث إلى هرقل يُخبرُهُ
أَنَّ رسولًا جاءَه من محمد بكتاب يدعوه فيه إلى الإسلام، وأَنَّ الحارث استأذن
سيدَه بأنْ يقوم على رأس جيشٍ لمحاربة صاحب هذه الدعوة، وأن هرقل أجاب الحارث
بِأَنْ يوافيَه إلى المدينة المقدسة.»
ومما جاءَ في المصادر العربية أيضًا أن شرحبيل بن عمرو الغساني قتل الحارث بن
عمير الأزدي رسولَ النبي إلى صاحب بُصرى في حوران، وأن النبي أَنْفَذَ حملةً إلى
حُدُود الروم؛ ليقتصَّ ممن جَرُؤَ على قتل رسوله.
ومما تَشتملُ عليه المصادر العربيةُ أيضًا أن المقوقس حاكم مصر بعث إلى النبي في
الرد على رسالته يقول: إنه يعتقد أن نبيًّا سيظهر، ولكنه سيظهر في الشام، وتُضيف
هذه المصادرُ أن المقوقس بعث إلى النبي جاريتين وبغلةً وحمارًا وكميةً من المال
وبعض خيرات مصر، وأن النبي قَبِلَ هذه الهديةَ، وتَزَوَّجَ من إحدى الجاريتين
ماريا، فولدتْ له إبراهيمَ، وأنه أهدى شيرين الجارية الثانية إلى شاعره حسان بن
ثابت، وأنه أسمى البغلة الفريدة في بياضها دلدل، والحمار عُفيرًا أو
يعفورًا.
ويختلف علماء الفرنجة من رجال الاختصاص في تاريخ الروم والعرب في أمر هذه
الرسائل؛ ففريقٌ يراها صحيحةً وآخرُ يشك في صحتها، وفي طليعة الفريق الأول بتلر
صاحب كتاب فتح مصر، وبيوري صاحب التآليف العديدة في تاريخ الروم،
٢ وبين الفريق الآخر كايتاني وديل،
٣ والحجة الرئيسية لمن يعترض على صحة هذه الرسائل أن ابن إسحاق أقدم من
كَتب في السيرة لا يذكرها.
٤
ولكن لا يخفى أن سكوت المصادر لا يُتخذ حجة إلا بشروط معينة أَبَنَّاها في كتابنا
المصطلح،
٥ والبحثُ في صحة هذه الرسائل يَستوجبُ الرجوعَ إلى القرآن نفسه؛ لنرى
إذا كان المرادُ به رسالة للعالمين أو رسالة خاصة بالعرب، وهو — في نظرنا — رسالةٌ
للعالمين دونما ريب، والنبيُّ الذي حمل هذه الرسالة — بادئ ذي بدء — إلى أفرادٍ
قلائلَ من أقربائه أرادها في النهاية قوةً تسيطر على العالم أجمع.
٦
أما قول غريمَّه وكايتاني في أن القرآن أُريد رسالةً للعرب دون سواهم فإنه قولٌ
ضعيفٌ لا يُركن إليه.
٧
ومهما يكن من أمر هذه الرسائل التي صدرت عن النبي إلى هرقل وغيره؛ فإن المراجع
الأولية — العربية واليونانية — تُجمع على أن النبي قد أنفذ في السنة ٦٢٩ حملةً
مؤلفةً من ثلاثة آلاف مقاتل إلى حُدُود الروم، إلى قرية المشارف، وأن المسلمين
وصلوا إليها ثم انحازوا عنها إلى قريةِ مؤتة ليتحصنوا بها، وأن معركةً حاميةً دارتْ
رحاها في مؤتة وأسفرتْ عن مَقْتَل عدد كبير من المسلمين، بينهم قائد الحملة زيد بن
حارثة ربيب النبي، وجعفر بن أبي طالب، وأن خالد بن الوليد «دافع بالقوم وحاشى ثم
انحاز وتحيز حتى انصرف بالناس.»
٨
وأيًّا كانت الخاتمة التي لقيتها هذه الحملة، فإن نتائجها وآثارها كانت بعيدة
المدى، فبينما رأى الروم فيها غارةً كتلك التي اعتاد البدوُ أن يشنوها للسلب
والنهب؛ كانت حملة ربيب النبي من نوعٍ جديدٍ ولم يقدِّر الروم أهميتها، فهي غارة
منظمة قامت لتؤدي مهمة خاصة، وغدا انهزامها وقتل قائدها باعثًا جعل المسلمين
يتطلعون بأعينٍ واسعةٍ إلى الشام، كذلك أضحى تحرُّق المسلمين للأخذ بثأرهم قوةً
دفعتْ الأداةَ الحربية الإسلامية في انطلاقها السريع تطوي تلك البلاد.
٩
«ولما أُصيب جعفر ذهب محمدٌ إلى منزله ودخل على زوجه أسماء بنت عميس، وكانت قد
عجنت عجينها وغسلت بنيها ودهنتهم ونظفتهم، فقال لها: ائتيني ببني جعفر، فلما أتته
بهم تشممهم وذرفت عيناه الدمع، ورأى ابنة مولاه زيد قادمة فربَّت على كتفيها وبكى.»
١٠
فلما كان العام التالي؛ أي السنة ٦٣٠، قام الرسول بنفسه إلى حُدُود الروم في
ظروفٍ قاسيةٍ حرجة «في زمن عسرة من الناس وجدب من البلاد، وحين طابت الثمار
وأُحبَّت الظلال.»
١١ فوصل بجمعه إلى تبوك، ولم تشتبكْ رجالُهُ مع أي قوة رومية، ولكنه صالح
أهل جرباء وأذرح ومقنا، وصالح يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة في خليج العقبة: «بسم الله
الرحمن الرحيم، هذه أمنة من الله ومحمد النبي رسول الله ليوحنة بن رؤبة وأهل أيلة
سفنهم وسياراتهم في البرِّ والبحر، لهم ذمة الله ومحمد النبي ومن كان معهم من أهل
الشام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثًا فإنه لا يحول ماله دون نفسه،
وإنه طيِّبٌ لمحمد أخذه من الناس، وإنه لا يحل أن يمنعوا ماءً يردونه ولا طريقًا
يردونه من برٍّ أو بحرٍ.» ودفع يوحنا مقابل هذا ثلاثمائة دينار جزية في كل
عام.
وصالح النبي أكيدر بن عبد الملك ملك دومة — وكان نصرانيًّا أيضًا — وذلك على جزية
يدفعها كل عام،
١٢ واكتفى النبيُّ بهذا، وعاد إلى المدينة بعد أَنْ أقام في تبوك أُسبوعين
من الزمن.
أبو بكر الصديق والروم
وبقيتْ ذِكْرَى هزيمة مؤتة تَسْتَفِزُّ المسلمين، فتُوجه أنظارَهم شطر الشام،
فلما كانت السنة ٦٣٢ أَعَدَّ النبي جيشًا جديدًا لمهاجمة الروم، وأمَّر عليه أسامة
ابنَ ربيبِهِ زيدِ بن حارثة الذي سقط في ميدان مؤتة، على أَنَّ الوفاة عاجلت النبي
في الثامن من حُزيران من السنة نفسها قبل أَنْ يتحرك الجيشُ، وتولى الخلافةَ بعده
أبو بكر، وحدث ارتدادٌ في القبائلِ العربية، ونصح الناصحون للخليفة ألا يفرِّق عنه
جماعة المسلمين، ولكن الخليفة قال: «والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع
تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله.»
١٥ وغزا أُسامة يبنة بين عسقلان ويافة وسَلِمَ وغَنِمَ وعاد في أربعين يومًا،
١٦ ونهض في هذه السنة نفسها خالد بن سعيد إلى بلاد الروم، وأوغل في بلاد
الشام حتى اقترب من دمشق، فانهزم وعاد إلى المدينة.
وبعد انتهاء حرب الردة أَعَدَّ أبو بكر جيوشًا أربعة وسيَّرها على الشام وعقد
ألويتها لأبي عُبيدة بن الجرَّاح ولعمرو بن العاص وليزيد بن أبي سفيان ولشرحبيل بن
حسنة، وأمر أبا عبيدة أن يتجه نحو حمص، وأمر عَمْرًا أن يقوم إلى فلسطين، وأمر يزيد
أن يصل إلى دمشق، وأمر شُرَحبيل أن يأتي الأردن،
١٧ فانتصر يزيدُ بنُ أبي سفيانَ في أوائل السنة ٦٣٤ على سرجيوس بطريق
فلسطين، في وادي عربة المنخفض العظيم جنوبي البحر الميت، وكان حاملُ اللواء
الإسلامي معاويةُ — مؤسسُ الدولة الأُمَوية فيما بعد — وارتد الروم على غزة فاقتتل
الطرفان مرة ثانية في داثن في الرابع من شباط من السنة نفسها واندحر الروم مرة
أخرى، أمَّا الجيوش الثلاثة الأخرى فقد أوقع بها الروم ووقفوا تيار زحفها.
ويرى المستشرق المستعرب كارل بكِّر أن نجاح أبي بكر بحروب الردة في قلب الجزيرة
العربية؛ قد أكسبه مهابةً وعظمة في نُفُوس عشائر بكر بن وائل الضاربة عند حُدُود
العراق الغازية في أطرافه، وأن هذه المهابة جعلتْ تلك العشائر تُصادق مَن وراءَها
من العشائر والقبائل الأُخرى التي كانت قد اعتنقت الإسلام، ويزيد بكِّر أن المثنى
بن حارثة كبير بني شيبان الوائلي الذي اشتهر بانتصاره على الفرس في موقعة ذي
قار (٦٠٤ أو ٦٠٦) هو الذي استدعى خالد بن الوليد
وجماعته إلى حدود العراق لمحاربة الفرس.
ومن الناحية الثانية يرى بكِّر أن أبا بكر ومن حوله اضطروا اضطرارًا أن يُلهُّوا
من أسلم من القبائل العربية بغزو العراق؛ كي لا تعود هذه القبائل إلى
غزو بعضها — كما جرت عادتُها من قبل — فتنتهك
بذلك حرمة الإسلام، والمسلم أخو المسلم، ويرى أيضًا أن خُرُوج العرب المسلمين إلى
العراق سَبَقَ خروجهم إلى الشام.
١٨
«وشجا جموع المسلمين في الشام وأشجوا.» فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد أن
يؤمِّر على العراق المثنى، وأن يسير إلى الشام، فهبَّ خالدٌ على رأس جماعته وكانت
حروب الردة والعراق قد صهرت جُنُودَه وأورثتهم مناعةً وقوةً.
بدأ بالزحف من الحيرة إلى صندوداء فلقيه أعرابُها فظفر بهم، ثم لقيه جمعٌ بالمصيخ
والحصيد، عليهم ربيعة بن بجير التغلبي، فهزمهم، ثم سار من قراقر إلى سوَّى فأغار
على أهل سوَّى واكتسح أموالهم وقتل حرقوص بن النعمان البهراني، ثم أتى أرك فصالحوه،
وأتى تدمر فتحصنوا ثم صالحوه، ثم أتى القريتين فقاتلهم، فظفر بهم، وأتى حوَّارين
فقاتلهم، فهزمهم، وأتى قصم فصالحه بنو مشجعة من قضاعة.
وأتى مرج راهط من مضارب الغساسنة قُرب عذراء وعلى بعد عشرين كيلومترًا من دمشق
فأغار على غسان في يوم فِصْحِهِم وقتل وسبى، ووجه بعض رجاله إلى الغوطة فأتوا كنيسة
فسبوا الرجال والنساء وساقُوا العمال إلى خالد، ونزل على قناة بُصْرَى وعليها
أبو عبيدة وشُرحبيل ويزيد، فاجتمعوا عليها، فرابطوها حتى صالحت على الجزية
في آذار من السنة ٦٣٤.
١٩
وكان عمرُو بنُ العاص قد سلك طريق أَيلة «العقبة» فأَغَارَ على جنوبي فلسطين حتى
غزة وقيصرية، فقطع المواصلات بين المدينة المقدسة وبين الساحل، فجيَّش هرقل جيشًا
كبيرًا في نقطةٍ وقعت إلى جنوبي دمشق وعقد لواءَ هذا الجيش إلى أخيه القبقلار ثيودوروس،
٢٠ وصعب على ثيودوروس أَنْ يستجلي خطة خصمه في الحرب، ولعل سبب ذلك أن هذه
القبائل المُغيرة لم تكن لها خطةٌ عسكريةٌ واضحة، وتقدم ثيودوروس ببطءٍ واتجه
جنوبًا للدفاع عن المدينة المقدسة، فرابط في أجنادين بين القُدس وغزة، وخشي خالدٌ
سُوءَ العاقبة على إخوانه في الجنوب، وكان مُتَرَفِّعًا نبيلًا، فلم يَحفل بإمكانات
السلب والنهب بل أَسْرَعَ إلى الجنوب عبر شرقي الأردن، وجمع الجموع في وادي عربة،
ثم دفع بها إلى فلسطين لمجابهة ثيودوروس، وفي الثلاثين من تموز سنة ٦٣٤ نشبت معركة
حامية بين الروم والعرب المسلمين في أجنادين، وكُتب النصر للعرب، فجلا الرومُ عن
أرياف فلسطين كلها، ولم يبقَ لهم فيها سوى مدنها المحصنة،
٢١ ويستدلُّ من العظة التي ألقاها صفرونيوس بطريرك المدينة المقدسة يوم
عيد الميلاد من هذه السنة؛ أَنَّ العرب غشَوْا فلسطين كلها بعد أجنادين وأن الفوضى
عمَّت الأرياف بأسرها، وأنهم تقدموا شمالًا حتى حدود حمص.
٢٢
عمر الكبير والروم
وتُوُفي أبوك بكر بعد أجنادين، وتولى الخلافةَ عمر بن الخطاب، وكانت قبائل اليمن
وما يليها من الجنوب قد بدأت تسمع بانتصارات خالد وغيره، فهَبَّتْ تلبي النداء
بمجموعها رجالًا ونساءً وأطفالًا، فرأى الخليفةُ الكبير — بثاقب بصره — أَنْ لا بد
من التنظيم، فوحَّد الجيوش، ووحَّد القيادة، وعقد لواءها إلى خالد بن الوليد، وجمع
هرقلُ البقية الباقية من جُنُوده في دمشق، واستدعى أخاه ثيودوروس إلى القسطنطينية
وأَمَّر على الجيش في سورية القائدَ بانس.
ورأى هذا القائد أن يصمد في وجه العرب في فِحْل التي كانت تسيطر آنئذٍ على مجاز
الأردن في جنوب بحيرة طبريا وتحمي الطريق المؤدية إلى دمشق، وهدم بانس سُدُود
المياه ليعرقل سُبُل الفاتحين، ولكن هؤلاء استولوا على فِحْل بالقوة في الثالث
والعشرين من كانون الثاني سنة ٦٣٥ وتابعوا السير إلى دمشق. وفي الخامس والعشرين من
شباط سجلوا نصرًا آخر على جيش الروم في مرج الصُّفر على بعد ثلاثين كيلومترًا من
دمشق إلى جنوبيها، وفي ظرف أسبوعين من الزمن ظهروا أمام أسوار دمشق وضربوا الحصار
عليها وشَدَّدُوه، فتضايق السكان، فتآمروا على الجند المدافع فاتصلوا بالعرب، فكتب
إليهم خالد يقول:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى خالد بن الوليد أهل دمشق إذا دخلها،
أعطاهم أمانًا على أنفسهم وأموالهم وكنائسهم، وسور مدينتهم لا يهدم، ولا يسكن
شيئًا من دورهم، لهم بذلك عهدُ الله وذمة رسوله
ﷺ والخلفاء والمؤمنين،
لا يعرض لهم إلا بالخير إذا أعطوا الجزية.
٢٣
وفتح الباب الشرقي في آب أو أيلول من السنة ٦٣٥ ودخل العرب المسلمون إلى دمشق
واستولوا عليها وجعلوا الجزية دينارًا وجريبًا، وهو مكيال من الحنطة على الرجل
الواحد، «ثم تساقطت بعد ذلك حمص وبعلبك وحماه وسواها من المدن كتساقُط أوراق الخريف»،
٢٤ وذلك في أواخر السنة ٦٣٥، وخرج أهل شيزر يكفِّرون ومعهم المُقَلِّسون فأذعنوا.
٢٥
وكان هرقل في أثناء هذا كله يسعى بنشاط بين أنطاكية والرها لتجييش قوة كبيرة،
يتمكن بها مِنْ صَدِّ العرب، وإنقاذ سورية الجنوبية وفلسطين والعربية، وبرغم خسارته
الكبيرة في الرجال إبان الحرب الفارسية، وبرغم قِلَّة المال في الخزينة؛ فإنه حشد
في خريف السنة ٦٣٥ من الروم والأرمن والعرب حوالي خمسين ألفًا، وأمَّر عليهم
ثيودوروس تريثوريوس، وأنفذهم في ربيع السنة ٦٣٦ إلى سورية، وكان خالدٌ آنئذٍ في حمص
يتفقد الجبهة، فلما علم بقدوم هذا الجيش الكبير جلا عن حمص ودمشق وسائر المدن
المجاورة، وجمع ما لديه من الرجال خمسة وعشرين ألفًا، وانتقى وادي اليرموق، أحد
روافد الأردن الشرقية، فصمد فيه، وقام الروم من حمص عبر البقاع إلى جلِّين واتخذوها
قاعدة لهم.
وتناوش الفريقان وتناول بعضهم بعضًا في معارك صغيرة ردحًا من الزمن، وفيما خالد
ينتظر وُصُولَ المدد، كان الروم يتخاصمون فيما بينهم بدافع الحسد وقلة الانضباط،
فانهزم ثيودوروس في عدد من تلك المناوشات، فنادى الجُند ببانس فسيلفسًا، وامتنع
حلفاء الروم من العرب عن القتال وانسحبوا من الميدان، فجاءت هذه الفوضى وجاء هذا
الانسحابُ في مصلحة العرب المسلمين، واغتنم خالدٌ هذه الفرصة السانحة، فقام بحركةِ
التفاف حول الروم من الشرق فقطع خط اتصالهم بدمشق، ثم احتل الجسر فوق وادي الرقاد
فحرمهم إمكان التراجع غربًا.
وفي الثاني والعشرين من آب سنة ٦٣٦ انقضَّ عليهم بفرسانه المجربين فقتل مَن قتل
وشرَّد من شرَّد، وبذلك انقطع كل إمكان للروم بأن يصمدوا في سورية.
وفي خريف هذه السنة نفسها عاد العرب إلى دمشق فدخلوها آمنين، وكان الخليفة
أَعْلَمَ الناس بخالد، يقدر مواهبه ويعرف مواضع ضعفه، وكانت الحرب قد تطورت تطورًا
كبيرًا في مصلحة العرب الفاتحين ولكن إدارة البلدان المفتوحة كانت لا تزال ضعيفة
تفتقر إلى التنظيم، وكانت ثمة مشاكلُ إداريةٌ وسياسية، ولم يكن خالدٌ رجل إدارة
وسياسة، فرأى عمر أن لا بد من وجود والٍ أَعْلَى يمثل الخليفة في الشام ويدير
سياستها بحكمة ولباقة، فانتقى لهذا المنصب أبا عبيدة وأرسله إلى الشام حاكمًا
مفوضًا، ووصل أبو عبيدة قبيل موقعة اليرموق ولكنه أبقى القيادة بيد خالد؛ لأنه كان
أَعْلَمَ منه بتفاصيل الحرب وأقدر عليها، فلما انتهت المعركة تسلم أبو عبيدة مقاليد
الأمور فوزَّع السلطات العسكرية بحكمة ودراية واحتفظ بخالدٍ ملحقًا به، واتجه
شمالًا ولم يَلْقَ مقاومة تُذكر قبل قنسرين «خلقيس»، فدخل بعلبك وحمص وحلب وأنطاكية بسهولة.
٢٦
عودة الروم إلى الميدان
وقضى هرقل سنة مستجمًا بعيدًا عن ميدان القتال، وكانت الجزيرةُ بين العراق والشام
لا تزالُ خاضعةً للروم، فراسلتْ قبائلها العربية النصرانية هرقل تطلب منه العون على
مهاجمة العرب المسلمين، فراسلها بِدَوْرِهِ، وحضَّها على التجمُّع ريثما تتلقى
مددًا يأتيها بحرًا من مصر، وأقبل هرقل يعد الجيوش مرة أخرى، وجدد الأمل بنوعٍ
خاصٍّ لأن معظم ثغور الشام على البحر كانت لا تزال خاضعة له وطريق البحر لا يزال
مفتوحًا أمامه، وفي السنة ٦٣٨ أبحرت جيوش الروم من الإسكندرية بقيادة قسطنطين بن
هرقل، وألقت الحملة مرساها في اللاذقية أو السويدية وزحفت على أنطاكية فاستولت
عليها وانضمت إلى القبائل العربية النصرانية في الجزيرة،
٢٧ وأَلفى أبو عبيدة نفسه محصورًا في حمص، على حين يَسير أعداؤُهُ
لمحاربته برًّا وبحرًا، فكتب إلى الخليفة في الحجاز يستنجده كما عقد مؤتمرًا
عسكريًّا للتشاوُر في الوضع الحربي، فاستقر الرأي على التزام التريُّث والدفاع،
ولكن خالدًا قال بالمبادرة إلى مهاجمة العدو. وأمر الخليفةُ في الوقت
نفسه القعقاعَ — أحد قادة المسلمين في العراق —
أن يتوجه بأسرع ما يمكن لإمداد أبي عبيدة، وجمع الخليفةُ النجدات من الجزيرة
العربية، وسار بنفسه على رأسها متجهًا نحو الشام.
وكانت خطة المسلمين — فيما يظهر — ترمي إلى إخراج القبائل العربية النصرانية في
الجزيرة مِنْ دائرة الدفاع البيزنطي، وبذلك يتيسر للعرب المسلمين أن يلاقوا الجيش
البيزنطي وحده معزولًا، فانطلق سُهيل بن علي وعبد الله بن عتبان للقيام بحركة
التفاف حول أراضي الجزيرة بين العراق والشام ومهاجمة قبائلها، وكان لتعجيل المسلمين
في إرسال النجدات وسرعة حركاتهم أثرٌ في إلقاء الرعب في نفوس القبائل في الجزيرة،
فتخلت هذه القبائلُ عن الروم وقفلتْ راجعةً إلى مضاربها مؤثرة السلامة،
٢٨ وبادر العرب المسلمون بالهجوم على الروم، فأظهر هؤلاء بأسًا كان كفيلًا
بِصَدِّ المسلمين العرب لو ظلت القبائلُ النصرانيةُ على تعضيدهم ومساعدتهم، ولكن
مقاومة الروم انهارتْ، وانسحبوا بحرًا إلى الإسكندرية والقسطنيطينية.
٢٩
نصارى الشام والعرب
ويرى عددٌ من المستشرقين المستعربين، ومن رجال الاختصاص في تاريخ الروم أَنَّ
اختلافَ النصارى حول الطبيعة الواحدة والمشيئة الواحدة وضغط الروم على من لم
يشاركهم قولهم في العقيدة؛ قد حمل قسمًا كبيرًا من نصارى الشام على الترحيب بالعرب
الفاتحين، ويَغيب عن بال هؤلاء أن هذه القبائل العربية التي وقفت إلى جانب هرقل في
وجه العرب الفاتحين كانت درع من قال بالطبيعة الواحدة، وأن هرقل كان قد ثبَّت في
رئاسة الكنيسة الأنطاكية بطريركًا قال بالطبيعة الواحدة، هو أثناسيوس المشار إليه
في الفصل السابق، وأن بابا رومة أونوريوس وجميع البطاركة — ما عدا صفرونيوس بطريرك
المدينة المقدسة — كانوا قد وافقوا هرقل على القول بالمشيئة الواحدة، أو سكتوا عن
ذلك.
فلا يجوزُ — بإزاء هذه الحقائق الناصعةِ — أَنْ نَتَقَبَّلَ قول أفتيخيوس إن
أبناء حمص رأوا في هرقل إمبراطورًا «مارونيًّا» عدوًّا للدين القويم؛ لأنه قال
بالمشيئة الواحدة،
٣٢ولا أن نتبنى قول البلاذري بأن نصارى الشام آثروا عدل المسلمين العرب
على استبداد الروم وإهانتهم؛
٣٣ لأن الشهادتين بحاجة إلى الجرح والتعديل؛ فالشاهدُ الأولُ دوَّن في
القرن العاشر، والثاني في القرن التاسع، والحوادث المروية جَرَتْ في القرن السابع،
وكذلك فإن القولين صَدَرَا في وقتٍ كان النصارى فيه بحاجةٍ إلى المُلَاطفة
والمُداهنة والتملُّق. ونرى أيضًا أن المستشرق المستعرب ده غويه يَضِلُّ فيعدل عن
الحق عندما يرى في حُرُوب الفتح محاولةً لتحرير عرب الشام مِنْ ظُلم الروم واضطهادهم.
٣٤
عمر وفتح مصر
وجاءَت حركة هرقل الأخيرة في أنطاكية وشمالي سورية حافزًا قويًّا حَمَلَ قادة
العرب المسلمين على إعادة النظر في الموقف الحربي، فعقد الخليفة مؤتمرًا في الجابية
درس فيه الموقف مع قادة جيوشه، وكانت مصر هي القاعدة التي انسحب إليها الأرطبون
Areteon، «وكان الأرطبون أدهى الروم وأبعدهم غدرًا.»
٣٥ ولعله رأى أن التجمع في منطقة آمنة يشنُّ منها هجومًا جديدًا على العرب
المسلمين أَجْدَى من البقاء في الشام؛ ولذا تراجع عن فلسطين وذهب إلى مصر.
وكانت مصرُ أيضًا القاعدةَ التي انطلقتْ منها حملةُ قسطنطين بن هرقل على أنطاكية،
وكان البحرُ لا يزالُ في أيدي الروم يمدون منه قيصرية فلسطين بالمؤن والذخائر
والرجال، وكانت قيصرية لا تزال صامدة في وجه عمرو بن العاص،
٣٦ فهي لم تسقط في أيدي العرب المسلمين قبل السنة ٦٤٠، وكانت مصر تُطل على
الحجاز، على مكة والمدينة، وقد ينطلق الروم منها إلى الحجاز مباشرةً فيصيبون الحركة
الإسلامية في منابعها الرئيسة، وكانت مصر أيضًا لا تزال أهراءَ القسطنطينية ومركز
تموينها، وجاءَ في كتاب فتح مصر لابن عبد الحكم أن عمرو بن العاص كتب إلى عمر يقول:
«إنْ فتحتها كانت قوةً للمسلمين وعونًا لهم، وهي أكثر الأرض أموالًا.»
٣٧
ولا بد من أن يكون قد شارك عمرو في رأيه هذا رجالُ الثروة والمال في مكة،
فطبيعيٌّ أن يكون هؤلاء قد لمسوا عظمةَ التجارة بين الشرق والغرب، تلك التجارة التي
كانت تَمُرُّ عبر مصر ولبنان وسورية، وبعضها كان يمر بين أيدي الأثرياء المكيين
قادمًا من الجنوب ليبلغ إلى ساحل مصر وفلسطين. وليس مِنَ المستبعَد أن يكون عمرو بن
العاص، وعثمان بن عفان، والمغيرة بن شعبة، وغيرهم من تجار مكة؛ قد زاروا مصر قبل
الإسلام، وشاهدوا بِأُمِّ العين اتساعَ الحركة التجارية فيها — كما جاءَ في أخبار
ابن عبد الحكم وأخبار السيوطي.
٣٨
ويرى المستشرق المستعرب فيات
Wiet أن مدينة قفط
في الصعيد كانت قد أصبحت نصف عربية قبل الإسلام.
٣٩
وهكذا، فإن الدوافع التي حملت الخليفة عمرَ في مؤتمر الجابية أن يمنح عَمْرًا
سُلطةَ فتح مصر؛ كانت دوافعَ جوهرية، ولم يكن هذا الخليفةُ الكبير مغامرًا؛ فإنه
عُرِفَ بحبه لِلتَّأَنِّي، وحِرْصِهِ على أن لا يعرِّض قواته للخطر؛ ولهذا يجب
إعادةُ النظر في الكتاب الذي قيل: إنه أرسله إلى عمرو، وعمرو في طريقه إلى مصر،
يأمرُهُ فيه بالعودة إن لم يكن قد وصل إلى مصر أو بالسير قدمًا في وجهته إن كان قد
دخل الأرض المصرية عند تَسَلُّمه الكتاب؛ فهذا قولٌ لا تشجع الحوادث على قبوله، ولا
يتفق وما عرف من كياسة عمر الخليفة الكبير.
٤٠
وسار عمرو بن العاص من قيصرية فلسطين إلى مصر في كانون الأول من السنة ٦٣٩، على
رأس بضعة آلاف مقاتل، فلقي مقاومةً في الفرما
Pelusium شرقيِّ بورسعيد أوقفته شهرًا كاملًا،
ثم تغلب عليها في أوائل السنة ٦٤٠، وتقدم منها إلى بلبيس، فأُمِّ دنين
Tendounya، فتَحَصَّنَ الرومُ في حصن بابليون
على رأس الدلتا، وعسكر العربُ في عين الشمس
Heliopolis، واشتدت مقاومةُ الروم برئاسة
البطريرك كيروس «المقوقس» وقيادة ثيودوروس أخي الفسيلفس، واستنجد عمرو الخليفةَ
فَأَمَدَّهُ ببضعة آلاف رجل بقيادة الزبير بن العوَّام، وبرغم تضاعف القوة فإن
العرب المسلمين لم يقدروا على مهاجمة الحصن؛ لأنه كان منيعًا، ولأنهم كانوا في فقر
إلى أدوات الحصار، فاكتفوا بسد المنافذ على الحصن، وطال الحصار بضعة أشهر، وكانت
مفاوضاتٌ بين كيروس وعمرو، وسافر كيروس إلى القسطنطينية؛ ليعرض نتيجةَ هذه
المفاوضات على الفسيلفس، فاتهمه هذا بالخيانة ونفاه، وتُوُفِّيَ هرقل في الحادي عشر
من شباط سنة ٦٤١، فانبعثت اختلافاتٌ داخليةٌ قديمةٌ، حالت دون إرسال المدد إلى حصن
بابليون، فدخله العرب في السادس من نيسان من هذه السنة نفسها.
٤١
وبسُقُوط حصن بابليون مفتاح مصر السفلى والعُليا انتشر العرب في ريف مصر السفلى،
وتجمعت حاميات الروم بالإسكندرية، فسار عمرو بن العاص لمحاصرتها، وكانت حصونُها
منيعة تحميها غياض وبحيرات، وكان البحر لا يزال بيد الروم فكان يأتيها منه المدد،
فطال أمر حصارها. وخلف هرقل ابنه قسطنطين الثالث، وكان لا يزال حدثًا وشاركتْه
والدتُهُ مرتينة في الحكم. وكثرت القلاقل في عاصمة الروم، واستفحل أَمْرُ
اللومبارديين في إيطالية، فأعادت مرتينة البطريرك كيروس إلى الإسكندرية؛ ليفاوض
العرب في الصلح، فَلَمَّا بلغها سار توًّا إلى بابليون وفاوض عمرو بن العاص، فانتهى
الأمرُ بينهما إلى صُلح الإسكندرية في الثامن من تشرين الثاني سنة ٦٤١. وأبرز
شُرُوط هذا الصلح الجزية لمن بقي في مصر، والأمن لِمَنْ رحل عنها، والهدنة أحد عشر
شهرًا؛ ليتسنى للجيش ولغيره من المدنيين الرحيل.
٤٢
موقف الأقباط من العرب الفاتحين
ويختلفُ المؤرخون المحدثون في هذا، فَبِتْلَر صاحب كتاب فتح العرب لمصر
٤٣ يرى أن الإسلام لم يدخل مصر من غير حرب، وأن القبط لم يرحبوا بالفتح
العربي، وينبري للرد عليه نفرٌ من المؤرخين، نذكر منهم الدكتور شكري فيصل، الأستاذ
في الجامعة السورية؛ فهو يرى أن المتقدمين مِنْ مُؤَرِّخِي الإسلام يذكرون في
مواقفَ كثيرةٍ أن الأقباط كانوا عونًا للمسلمين في فتوحهم وأن من يتتبع هذه النصوص
الأولية يخرج بفكرة: أن ميول القبط لم تكن — على الأقل — معادية للحركة الإسلامية،
وأن الاضطهاد الذي حَلَّ بالأقباط في السنوات العشر التي قضاها المقوقس «البطريرك
كيروس» على رأس الإدارة المدنية والدينية في مصر؛ قد دفع الأقباط أن يستشرفوا في
حركة الفتح العربي نوعًا من الإنقاذ.
٤٤
وقد فات حضرة الزميل المؤرخ أنه لما وصل كيروس إلى الإسكندرية وتَبَوَّأَ العرش
البطريركي فيها كتب اعترافًا بإيمانه بالمشيئة الواحدة، ودعا مَنْ قال بالطبيعة
الواحدة من الأقباط في مصر للموافقة عليه، فقبله الساويريون فورًا فلاينهم
البطريرك، ورفضه اليوليانيون فضيَّق عليهم،
٤٥ وفاته أيضًا أن شهادة الأسقف يوحنا النقيوسي أقرب في الزمن إلى الحوادث
المروية من شهادات المراجع الإسلامية العربية،
٤٦ وقد تكونُ الحقيقةُ التاريخيةُ المنشودةُ وسطًا بين القولين؛ أي أن
معظم الأقباط وقفوا إلى جانب النصرانية والروم، وأن بعضهم؛ أي اليوليانيين،
رحَّبُوا بالعرب المسلمين.
هذا، وقواعد المصطلح تقضي بالابتعاد عن التعميم في أُمُور تشمل الألوف ومئات
الألوف من الناس.
٤٧