إنجيل لوثر
لم يكن مارتن لوثر ليعزو الإنجيل لنفسه قَطُّ، لكنْ ثمَّة أسبابٌ وجيهة لتسمية هذا الفصل بهذا الاسم؛ «إنجيل لوثر». لقد أمضى لوثر وقتًا أطول في ترجمة الإنجيل مما أمضاه في تأليف أي كتاب آخَر، وظلَّت ترجمته إلى اللغة الألمانية بمساعدة زملائه (التي ما تزال تُدعَى إلى الآن بإنجيل لوثر) رمزًا ثقافيًّا لقرابة ٥٠٠ عام. وكانت ترجمة لوثر للعهد الجديد التي أتمَّها في غضون ثلاثة أشهر في فارتبورج الأكثر مبيعًا آنذاك، فبعد أن نُشِرت في سبتمبر عام ١٥٢٢ — لتُعرَف من ثَمَّ ﺑ «عهد سبتمبر» — نَفِدَ ما بين ٣٠٠٠ و٥٠٠٠ نسخة منها في غضون ثلاثة أشهر، وصدرت في ديسمبر طبعة جديدة منها، ثم ظهرت طبعات أخرى يقارب عددها المائة طبعة على مدى الاثني عشر عامًا التالية، حتى بلغ عدد نُسَخ ترجمة لوثر للعهد الجديد، التي وُزِّعت في البلاد بحلول الوقت الذي صدر فيه إنجيل فيتنبرج الكامل قبل عام ١٥٣٤؛ حوالي ٢٠٠ ألف نسخة.
سأظل مختبئًا هنا حتى عيد الفصح، وأنوي أثناء تلك الفترة أن أكتب تعليقاتٍ توضيحيةً على الإنجيل، وأن أترجم سِفْر العهد الجديد إلى العامية كما يرغب أصدقاؤنا. سمعت أنك تقوم بالمِثل. واصِلْ ما بدأتَ. آه لو أن لكل مدينة مترجمَها الخاصَّ، وأمْكَنَ العثورُ على هذا الكتَاب بكل اللغات، ووصل إلى جميع الأيدي والأبصار والأسماع والقلوب.
عندما قَدِمَا [مريم ويوسف النجار] إلى بيت لحم كانا من المستَتْفَهِين المُزدَرين. كان عليهما أن يُفسِحَا للجميع حتى اقتيدا إلى إسطبل، اضْطُرَّا فيه إلى مشاطرة الحيوانات في الإقامة والطعام والنوم، فيما احتلَّ الكثير من الأوغاد بالحانة مناصب الشرف وعُومِلوا كالأسياد. لم ينتبه أحد أو يفهم ما الذي يفعله الرب في إسطبل للحيوانات. ترك المنازل الكبيرة والغرف الباهظة خاوية، لكن سمح لهم أن يأكلوا ويشربوا وأن يبتهجوا، إلا أن هذا العزاء — وهذا الكنز [في المزود] — خفي عن أهل بيت لحم. لا شك أن ظلام بيت لحم كان حالك السواد حتى يخفي معه هذا النور.
حفظ لوثر أيضًا جزءًا كبيرًا من الإنجيل عن ظهر قلب، لا سيما سِفْر المزامير الذي أنشده هو وغيره من الرهبان يوميًّا، وتمتلئ محاضراته عن أسفار الإنجيل على مدى أربعة وثلاثين عامًا بإشارات لفقرات من الإنجيل استشهد بها من ذاكرته، ولكن ليس كما وردت بالضبط باللغة العبرية أو الإغريقية أو اللاتينية أو الألمانية، بل إن لوثر لم يترفع عند ترجمة الإنجيل عن إضافة كلمة إلى النص الأصلي لتعزيز معنى الفقرة. ومن الأمثلة الواضحة، والمثيرة للجدل، على ذلك هو إضافته لكلمة «وحده» إلى نص رسالة رومية في الآية الثامنة والعشرين من الإصحاح الثالث التي تقول: «رَأينا إذًا أنَّ الإنسان يَتبَرَّر بالإيمان [وحده]، بدون أعمال الناموس.» وقد أوضح ردًّا على نقد هذه الإضافة أنها لا تعبر وحسب عن روح النص، ولكنها كذلك من أساليب الألمانية الفصيحة، وتجعل النص المترجَم أكثر وضوحًا وقوة. فقد رأى أن ترجمته يجب أن تعبِّر عن روح اللغة الألمانية لا الإغريقية أو اللاتينية، وعلى المترجم ألا يسأل النص اللاتيني كيف يتحدث بألمانية فصيحة، بل يجب أن تُرشده «لغة الأم في المنزل، والأطفال في الشارع، والعامة في الأسواق».
على الرغم من أن نص الإنجيل لم يُترجَم دائمًا حرفيًّا، فقد ظل مأخوذًا على محمل الجد. ورفض لوثر فكرة أن الكتاب المقدس ﮐ «أنف من الشمع» أو «ضلع أعوج» يمكن أن يُطوَّع لدعم الآراء الشخصية، فتعزيز المعنى الأصلي للفقرة الواردة باللغة الإغريقية أو العبرية بجَعْلِها تتحدث باللغة الألمانية؛ يختلف عن تحميلها معنى خارجًا عن نصها لكون هذا يتفق مع آراء المترجم. وعندما يتعذر فهم النص العبري أو الإغريقي، وتتعارض المخطوطات القديمة بهاتين اللغتين بعضها مع بعض؛ قد يصبح المعنى الدقيق للفقرة ملتبسًا، ولاكتشاف المعنى لم يعتمد لوثر على مهارته اللغوية وحسب، حتى عندما ترجم رسائل العهد الجديد، وهي مهمة — حسبما أقر — فاقت قدرته. ففضلًا على الاسترشاد بنسخة إراسموس اللاتينية، استعان على أقل تقدير بإنجيل أو اثنين من الأناجيل الألمانية الثمانية عشرة المطبوعة التي كانت متوفرة قبل عام ١٥٢٢، وأرسل قبل عودته إلى فيتنبرج جزءًا من ترجمته إلى سبالاتين الذي أرسلها بدوره إلى ميلانشتون أستاذ اللغة الإغريقية الجديد بجامعة فيتنبرج، والذي نَقَّح معه المُسَوَّدة الأولى للترجمة في الفترة ما بين عودته إلى فيتنبرج في مارس ونشر العهد الجديد بالألمانية في سبتمبر.
برز المزيد من جهود التعاون تلك أثناء ترجمة العهد القديم، فكان لوثر في عشرينيات القرن السادس عشر جزءًا من فريقٍ ضمَّ ميلانشتون وماثيو أوروجالوس، الذي قَدِمَ إلى مدينة فيتنبرج عام ١٥٢١ لتدريس العبرية، وبلغ المدينة في الوقت المناسب للعمل على الترجمة. كان كلٌّ من ميلانشتون وأوروجالوس أكثر إلمامًا بالعبرية من لوثر، لكن إجادة الأخير لها كانت قد تحسَّنت مع إلقائه المحاضرات عن سِفْر المزامير مرتين، وإعداده ترجمة وشرح لمزامير التوبة السبع، والتي ظهرت في عام ١٥١٧. غير أنه تَبيَّن أن ترجمة العهد القديم تستغرق وقتًا طويلًا حتى مع أداء فريق من العلماء لها، فكانت مهمة ترجمة سِفْر أيوب بَالغة الصعوبة، حتى إنه كان بالإمكان ترجمة ٣ أسطر فقط من السِّفْر كل ٤ أيام، وبعض أسفار العهد القديم ظهرت وحدها قبل تضمينها في الإنجيل الألماني الكامل الذي نُشِر في فيتنبرج عام ١٥٣٤. وبحلول ذلك الوقت كان سِفْر المزامير قد ظهر بالكامل في عدة طبعات، نُشِرت أفضلها عام ١٥٣١، بعد أن اجتمع فريق الترجمة لستة عشر عصرًا وليلة لعمل التعديلات النهائية على الترجمة. وقال لوثر دفاعًا عن ترجمته: «كانت ترجمتنا في بعض الأحيان حرفية، رغم أنه أمكننا أن نترجم المعنى على نحوٍ أوضح بطريقة أخرى؛ لأن كل شيء يتوقف على الكلمات نفسها.» وساق مثالًا على ذلك الآية الثامنةَ عشْرةَ من الإصحاح الثامن والستين من سِفْر المزامير التي تقول: «قد صعدت إلى الأعالي، وسبيت الأسر.» والتي جرت طقوس العبادة الكنسية على الربط بينها وبين صعود المسيح إلى السماء، فرأى لوثر أن الألمانية الفصحى تقضي بترجمة الآية كالآتي: «قد أطلقت الأسرى.» لكن هذه الترجمة لا تعبِّر عن ثراءِ وجمالِ معنى العبرية الذي يدل على أن المسيح لم يطلق الأسرى وحسب، بل هَزَمَ قدرة الخطيئة على أَسْر الآثمين وأتى بالخلاص الأبدي.
طُبِعت أول نسخة كاملة من الإنجيل بالألمانية عام ١٥٣٤ في ورشة هانز لوفت في فيتنبرج، وكانت طبعة عام ١٥٤١ هي أكثر طبعة أخضعها لوثر وفريقه للمراجعة الدقيقة من بين الاثنتي عشرة طبعة الإضافية التي أصدرتها مطبعة لوفت قبل عام ١٥٤٦. ذهب الفضل الأكبر على هذه التراجم للوثر قبل وفاته وبعدها، فبعد وقت قصير من صدور الطبعة الأولى أعرب الإصلاحي أنتون كورفينوس عن حماسته لظهور إنجيل ألماني بترجمة منقطعة النظير «على يد لوثر العزيز»، وامتدح ميلانشتون لوثر في رثائه للأخير في جنازته؛ لأنه نقل الكتاب المقدس إلى الألمانية بهذا الوضوح الذي يهتدي به المزيد من القرَّاء في المستقبل أكثر مما يهتدون بالشروح. وضم هذا الإنجيل الكامل أيضًا مقدمات لوثر التمهيدية للعهدين القديم والجديد وأسفار الأبوكريفا، وللأسفار المتعددة في كلا العهدين القديم والجديد والأبوكريفا. وتشمل هذه المقدمات الكثير من أفضل تعليقاته حول قراءة الكتاب المقدس وتفسيره، وقد أتيحت لكلِّ مَن اطَّلَع على الكتاب المقدَّس، كما وُجِدت في الحواشي تعليقاتٌ بليغة، كَتَبَها لوثر دفاعًا عن ترجمته، وقدَّمت تفسيرًا للنص، وأسهمت ورشة لوكاس كراناش في هذا الإنجيل الكامل بأكثر من ١٢٠ صورة توضيحية مطبوعة بكليشيه محفور على الخشب، وتظهر ملونة يدويًّا على نحوٍ جميلٍ في نسخة عام ٢٠٠٣ من إنجيل لوثر المكوَّن من مجلدَيْن.
تتصل عبارة «إنجيل لوثر» أيضًا بفهم الكيفية التي فَسَّرَ بها لوثر الكتاب المقدس ونظر بها إلى سلطته، فقد ورث نهج القرون الوسطى في استنتاج المستويات المختلفة للمعنى من فقرات الإنجيل، غير أنه لم يطبِّق هذا النهج على الدوام. ففي بعض الأحيان كان يتبنَّى تفسيرًا مجازيًّا، لكنه في الأغلب كان يتأرجح بين التفسير الحرفي والروحاني، وتتجلى تفسيراته الروحانية في إشارته — شأنه شأن كَتَبَة أسفار العهد الجديد — إلى أن فقرات الكتاب المقدس بالعبرية كانت تشير إلى يسوع المسيح، وهذا التفسير ينبئ عن مذهب جليل في تناول كلا العهدين على أنهما كتاب مقدَّس واحد، لكنه لم يقدِّم إرشاداتٍ محدَّدةً عن الكيفية التي يجب أن يستجيب بها المسيحي لأوامر العهد القديم، كالأوامر الواردة في سِفْر اللاويين. فكان جوابه العامُّ على ذلك منمَّقًا وبسيطًا؛ فيجب إجلال كلمات العهد القديم وردُّها إلى المسيح في المواضع التي تقدِّم فيها وعودًا إلهية بالرحمة والخلاص، ويجب الالتفات إليها في المواضع التي تقدِّم فيها الأمثلة على الإيمان والكفر، أما في المواضع التي تقدِّم فيها الأحكام والقوانين، فيجب أن يتساءل القارئ هل تنطبق على المسيحيين، وأن يستخدمها كما يرتضي وفقًا لمصلحته؟ وفيما يتصل بالتقاليد المسيحية رأى لوثر أن الوصايا العشر تتفق مع ناموس الطبيعة، وتمثِّل مرآةً للحياة يرى الجميع فيها مواضع قصورهم، من ثَمَّ كانت الوصايا العشر موضوع عدد من عظات لوثر، وشكَّلت شروحه لها الجزء الأول من الملخصات التي وضعها للعقيدة المسيحية في قالب سؤال وجواب.
كان المعيار الذي استخدمه لتفسيره للكتاب المقدَّس هو الإنجيل؛ الذي عرَّفه بأنه — «بمنتهى الاختصار» — «حديث عن المسيح، وعن كونه ابن الرب، وعن أنه صار بشرًا من أجلنا، ومات وبُعِث ونُصب سيدًا لجميع الأشياء». كان الإنجيل هو «دليلنا ومرشدنا في الكتاب المقدس»، وقد استخدمه لوثر لتقدير مدى نفع الأسفار في كلا العهدين الأخرى، فصنَّف في مقدمته للعهد الجديد إنجيل يوحنا ورسائل بولس وبطرس في مرتبةٍ تعلو على مراتب الأسفار الأخرى؛ إذ كشفت عن المسيح، وعلمت كل ما هو ضروري عن الخلاص. وفي هذه المقدمة نفسها وصف لوثر رسالة يعقوب بأنها «ليست ذات أهمية»؛ لأنها لا تمتُّ للإنجيل بِصِلَة. لكن رغم هذا التعليق المشين، لم يكن لوثر على استعداد لنبذ رسالة يعقوب من الإنجيل؛ فقد امتدح في المقدمة المخصَّصة لسِفْر يعقوب ويهوذا هذا السِّفْر؛ لأنه أعلن بقوةٍ قوانينَ الرب واشتمل على العديد من الأقوال الطيبة المأثورة، إلا أنه لم يرَ أن رسالة يعقوب كُتِبت على يد أحد حواريي يسوع، ولم يُحصِها من بين أسفار الإنجيل الرئيسة؛ ومن ثَمَّ فَصَلَ فهرس العهد الجديد الألماني، الذي صدر عام ١٥٢٢، بين سِفْر يعقوب وثلاثة أسفار أخرى من جهة — هي سِفْر الرسالة إلى العبرانيين وسِفْر رسالة يهوذا وسِفْر رؤيا يوحنا — وبين الثلاثة والعشرين سِفْرًا الأوائل من العهد الجديد من جهةٍ أخرى، بمسافة كبيرة في أسفل صفحة الفهرس، وكان هذا الفصل هو أكثر ما أبرز بقوةٍ العبارةَ التي اقتُبِست كثيرًا عن لوثر: «كل الأسفار الأصيلة المقدَّسة تتفق في هذا الجانب: جميعها يعظ عن المسيح ويرسخه في الأذهان.»
حضرة الأب المبجَّل، أُرسِلُ إليك نسختين من ترجمتي الخرقاء لرسالة أهل غلاطية. لَسْتُ راضيًا عنها كما كنتُ في بادئ الأمر، وأعتقد أنه كان بإمكاني أن أقدِّم لها شرحًا أكثر وضوحًا ووفاءً، لكن مَن ذا الذي يستطيع أن يفعل كل شيء في وقت واحد؟ ليس هناك في الواقع مَن يمكنه أن يقدِّم الكثير على الدوام، رغم هذا أنا واثق من أن رسالة بولس تُرجِمت بوضوح أكثر من ذي قبلُ، مع أنها لم تَرُقْ لذوقي بعدُ.
في عام ١٥٢١، كتب لوثر تعليقًا مماثلًا إلى ناخب ساكسونيا الأمير فريدريك حول محاضراته عن المزامير الاثنين والعشرين الأولى من كتاب المزامير، والتي وصفها بأنها مهمته الجارية. ومُقرًّا بأنه لا يدري إنْ كان قد وقع على الدوام على التفسير الصحيح، رأى لوثر أن معاني المزامير لم يَفِهَا مُفَسِّرٌ حقَّها تمامًا من التفسير من قبلُ، مهما بلغت شهرته، فكل شارح للإنجيل قصر عن ذلك رغم أن بعض الشارحين تفوقوا على غيرهم؛ فانتبه لوثر في كتاب المزامير إلى ما لم ينتبه إليه أوغسطين، وانتبه بعده آخرون إلى ما لم يكتشفه هو. كان السبيل الوحيد لشارحي الإنجيل هو أن يساعد أحدهم الآخَر، وأن يغفروا لمَن يقصر منهم، فالجميع — بما في ذلك لوثر — يقصرون في نهاية المطاف عن التفسير الوافي؛ فمَن ذا الذي يجرؤ حقًّا على أن يزعم أنه فهم مزمورًا واحدًا فهمًا تامًّا؟ في هذا يقول لوثر — هنا وفي مواضع أخرى: «حياتنا تتألف من بدايةٍ ثم ازدهارٍ، ولكن لا تصل أبدًا إلى الاكتمال.» ولخَّص في مقدمته للمجلد الأول من أعماله الألمانية المجمعة لعام ١٥٣٩ منهجَه في تفسير الإنجيل في ثلاث كلمات تكشف تكوينه الرهباني: الدعاء والتأمل ثم التجربة؛ أيْ على المرء قبل الشروع في تفسير فقرات الإنجيل أن يتوجه بالدعاء إلى الروح القدس طلبًا للإرشاد، وأن يرسِّخ في ذهنه كلمات النص بالتأمل، وألَّا يَفِرَّ من أعبائه الشخصية أو نقد الآخرين له. أما التجربة، فسوف تعلِّمك «ليس فقط أن تعرف وتفهم، بل أن تختبر مدى صحة وحقانية وعذوبة وجمال وقوة وتشجيع كلمة الرب، إنها حكمة لا تُضاهَى». كان لوثر هنا يقصد تجربته مع البابوية وعلماء اللاهوت في النظام البابوي؛ إذ زعم أنه مدين لهم بشدة لهجومهم واضطهادهم وتضييقهم الشديد عليه إلى الحد الذي جعله «عالم لاهوت جيد إلى حدٍّ ما»، ولولا هذا لما كان كذلك.
من المهم بالقدر نفسه أن تقترن مرجعية الكتاب المقدس بمبدأ الحرية المسيحية الذي فسَّره لوثر بتبسيط بليغ في مقاله عام ١٥٢٠ عن الموضوع ذاته، وفي عظاته بفيتنبرج عام ١٥٢٢. عَنَتِ الحرية المسيحية — وفقًا لما جاء في الكتاب المقدس — أن الإيمان بالمسيح يجب أن يكون شرط الخلاص الوحيد، وفيما عداه لا يُفرَض على المسيحي شيء آخَر. فلو كان الإنجيل ليُستخدَم — على سبيل المثال — كسلطة وهمية لعزل واستبدال كبير أساقفة روما، لما كان لحركة الإصلاح الديني غاية. وكما فطن لوثر وزملاؤه أثناء تنظيمهم للكنائس البروتستانتية، كان من الضروري وَضْع بعض القواعد والسياسات التي يقوم مبدؤها الرئيس، لا على اتباع الآيات والتقاليد الإنجيلية بحذافيرها، بل على تيسير الحرية المسيحية وحمايتها. ويقول لوثر بوضوح شديد: «أنا أعلِّم الناس ألَّا يثقوا إلا في يسوع المسيح وحده، لا في الدعاء أو فضائلهم أو حتى أعمالهم.» لعل الكتاب المقدس كان في حد ذاته المرجع الرئيس للبروتستانتيين الآخرين، إلا أنه لم يكن كذلك للوثر؛ كان مرجعًا لأن قصته عن الوعد والخلاص عرفت الحرية المسيحية وأصرت عليها.
لا يستطيع أحد أن ينغمس في الكتاب المقدَّس كليًّا، ما لم يكن قد حكم الكنائس لألف عام، مع الرُسل. نحن فقراء إلى الكنيسة. إنها الحقيقة.