الفصل الثاني
(ظلامٌ كامل، صمتٌ كامل.)
(يُسمَع صوت دقَّاتٍ عنيفة على بابٍ خشبي.)
(الدقَّات تزداد عُنفًا حتى يَنكسِر الباب.)
(صوت وقعِ أحذيةٍ جلديَّةٍ سميكةٍ تجري على الأرض بسرعة.)
(صوت أنفاس تلهَثُ بسرعةٍ جدًّا.)
(صوت امرأةٍ حادٌّ وقوي): لأ.
(ظلامٌ وصمتٌ كامل.)
(صوتُ صرخةِ طفلٍ مولود عمرُه أيام قليلة.)
(ظلامٌ وصمتٌ كامل.)
(صوت الأحذية الثقيلة على الأرض لكنَّها لم تعُد سريعة.)
(وقع الأقدام بطيء. يضعُف ويضعُف الصوت حتى ينعدِم تمامًا.)
(ظلامٌ وصمت كامل.)
(صوت مفتاحٍ يدُور في الباب ثلاثَ دورات، صرير باب حديديٍّ ينفتِح.)
(ظلامٌ وصمتٌ كامل.)
(وقع أقدامٍ ثقيلة على الأرض بطيئة.)
(ظلام وصمت كامل.)
(صوت مفتاح يدُور في الباب ثلاثَ دورات. صرير بابٍ حديدي ينفتح.)
(ظلامٌ وصمتٌ كامل.)
(صوت المفتاح يدور في الباب ثلاثَ دورات، صرير باب حديدي ينغلِق.)
(ظلامٌ وصمتٌ كامل.)
(وقع أقدامٍ ثقيلةٍ على الأرض وبطيئة.)
(ظلامٌ وصمتٌ كامل.)
(صوت مفتاح يدُور في الباب ثلاثَ دورات. صرير باب حديديٍّ ينغلِق.)
(وقع أقدامٍ ثقيلة على الأرض وبطيئة. يخفُّ الصوت تدريجيًّا حتى ينعدِم تمامًا.)
(ظلامٌ وصمتٌ كامل.)
(ينقشِع الظلام بالتدريج عن نفس المَنظر في الفصل الأول.)
(العنبر في السجن.)
(واقفة عند باب العنبر الحديدي المُغلَق سجينةٌ جديدة هي عليَّة إبراهيم شوقي. طويلة
القامة،
شابَّة ممشوقة يبدو عليها الغضب. شعرُها غزير قصير. ترتدي ثوبًا أبيض بسيطًا وعاديًّا.
في يدِها منديل
يدٍ أبيض. تتأمَّل العنبر بعينيها الحادَّتَين النفَّاذتين.)
(حبل الغسيل لا زال يقسِم العنبر. وفي الجزء الأيمن ترقُد الأخوات المُحجَّبات. وفي الجزء
الأيسر ترقُد المجموعة الأخرى.)
(الجميع نائمات.)
(سالمة تنهَض وترى عليَّة. تقترِب منها في دهشة.)
سالمة
:
مين انت؟
علية
:
أنا عليَّة إبراهيم شوقي، جيت دلوقتِ.
سالمة
:
جابوكي منين؟
عليَّة
:
من بيتي. وانت جابوكي منين؟
سالمة
:
من الشارع. كنت ماشية في الشارع رايحة أزور أمي مِسكوني. وأنت خدوكي من بيتك؟ دخلوا
بيتك ازَّاي؟
عليَّة
:
كسَروا الباب ودخلوا. الأول خبَّطوا، وفضلوا يخبَّطوا، سيبتهم يخبَّطوا.
سالمة
:
معقول حدِّ يفتح لهم الباب.
عليَّة
:
وماكانش معاهم أمر رسمي من النيابة ولا من المحكمة ولا من القضاء، ولا قانون ولا أي
حاجة.
سالمة
:
هم بيقولوا حاجة خالص، ده مسكوني كده على طول من غير ما اعمل حاجة، وأنا ماشية في
الشارع. وانت ماكنش معاكي حدِّ في البيت؟ ماكنش فيه جيران، ناس كده تزعَّق والَّا تصوَّت؟
يا ريتهم كانوا جُم خادوني من البيت؛ كانت الحارة كلها اتلمِّت عليهم وضربوهم لما موِّتوهم.
إلا خلُّوني ماشية في الشارع ومسكوني. وتعرفي لو قالولي انهم واخدينِّي السجن، كنت صوَّت
ولمِّيت
عليهم الشارع، إلا كِذبوا عليَّ. تعرَفي الضابط قالِّي إيه؟
عليَّة
:
قالك إيه؟
سالمة
(تبتسِم في سذاجة الأطفال)
:
قال: انت رايحة فين يا شاطرة؟ قلت له: رايحة لأمي. قال:
طيب تعالي معانا واحنا نودِّيك لأمك، بس الأول حناخد منك كلمتين. قلت له: كلمتين إيه؟
قالي:
كلمتين بس. وراح مدخَّلني العربية. تعرفي لولا كده والله والله ما كانوا يقدروا ياخدوني
أبدًا؛ ده أنا ألمِّ عليهم الناس، والناس كتير قوي، الشارع مليان ناس، وحارتنا مليانة
ناس.
(سميرة ترفع رأسها وهي راقدة.)
سميرة
(في تشكُّك)
:
واقفة تكلِّمي مين يا سالمة؟
سالمة
:
دي واحدة مسجونة جديدة.
(سميرة تنهض وتسير نحو عليَّة. عليَّة لا تزال واقفةً عند الباب.)
سميرة
:
انت مُسلمة ولَّا مسيحية؟
عليَّة
:
سؤال غريب قوي. ماحدِّش سألني السؤال ده من تلاتين سنة. كان عمري ست سبع سنين،
والناظرة سألتني السؤال ده، ومعرفتش أجاوب عليه.
سميرة
(في ضيق)
:
لازم مسيحية.
عليَّة
:
لأ.
سميرة
:
أمَّال إيه؟ مُسلمة؟
عليَّة
:
لأ.
سميرة
(في فزَع)
:
يا مصيبتي!
(لبيبة تنهَض من نومِها مفزوعة.)
لبيبة
(في غضب)
:
مش معقول، كل يوم نصحي على الزعيق ده!
(عزة تنهَض هي الأخرى.)
عزَّة
:
إيه فيه إيه، صرصار والَّا راجل المرَّة دي.
سميرة
:
لأ مش راجل، ده لو كان راجل كان أرحَم.
جت لنا مسجونة جديدة، كافرة من جميعه ولله
الحمد!
(عزَّة ترى عليَّة.)
عزَّة
(في فرح)
:
علية! مش معقول!
(تنهَض عزَّة وتجري وتُعانِق عليَّة.)
(بسيمة تنهض وتجلس في مكانها.)
(الأُخرَيات ينهضن.)
عزَّة
:
أنا مبسوطة قوي إنِّك جيتي معانا.
بسيمة
:
مبسوطة إيه يا شيخة، حدِّ يتبِسط لما حدِّ يدخُل السجن؟ والله أنا زعِلت لما شُفتها.
عزَّة
:
بصراحة أنا ما زعِلتش، ماقدرش أكذب. علية صاحبتي وأنا باحبَّها. يا ريت كل اللي باحبُّهم
يكونوا معايا هنا.
بسيمة
:
دي أنانية منِّك يا عزَّة.
مديحة
:
فعلًا أنانيَّة.
عزَّة
:
لأ مش أنانية، دي صراحة.
عليَّة
:
عزَّة صريحة، وأنا باحبِّ الصراحة.
سالمة
:
أنا الست عليَّة عاجباني وشكلها كِده مش لايق على السجن، بس فيه حاجة واحدة مزعَّلاني
منها.
علية
:
إيه هي؟
(سالمة تهمس في أذن علية، علية تضحك.)
عليَّة
:
أبويا مُسلم وجدِّي أبو أبويا مسيحي، وأمي مُسلمة وجدَّها أبو أبوها قِبطي، يبقى أنا
إيه؟
سالمة
:
تبقِي مُسلمة ما دام أبوكي مُسلم.
علية
:
خلاص يا ستِّي ماتِزعليش بَقَه.
سالمة
:
خلاص مش زعلانة، أصلك كده عاجباني قوي، وكنت مِستخسَراكي، والحمد لله طِلعتِ
مسلمة.
(سالمة تسير وتدخُل دَورة المياه.)
(عليَّة تجلس إلى جوار عزَّة.)
عليَّة
:
إيه حكاية مُسلِمة ومسيحية دي؟
عزَّة
:
اسكتي احنا هنا مش في سجن، احنا في مُرستان.
(عزَّة تنظر إلى عليَّة. عليَّة يبدو عليها الألم والحُزن.)
عزَّة
:
وانتِ يا علية، عَمَلوا فيكي إيه؟ وعملتِ إيه في ابنك؟ ده انت لسه والدة قُريب. هو عمره
كام دلوقتِ؟
عليَّة
(في ألم)
:
بُكرة يبقى أربعة وأربعين يوم.
عزَّة
:
يا خبَر! ده لسه صغيَّر قوي، وسيبتيه مع حد؟
عليَّة
:
ليَّ جارة كويِّسة أخدِته عندها مع ولادها لغاية مارجع.
(عزَّة تصمِت في ألم.)
عليَّة
:
وانت عِملت إيه مع بِنتك؟
عزَّة
:
بنتي مهما كانت كبيرة وتعرف تاخد بالها من نفسها.
(مديحة تُولِّع الوابور لتعمل شايًا. نجاة تُساعِدها. لبيبة تنهَض وتسير ناحية الباب.
سميرة
والأخوات المُسلمات يُصلِّين ويقرأن القرآن. بسيمة فتحت حقيبتها تُخرج بعض الفُوَط والصابون.
تُخرِج
فوطةً وصابونة. تظهر الشاويشة فهيمة في الفناء الخارجي.)
(لبيبة تراها وهي واقفة عند الباب.)
لبيبة
:
الشاويشة جايَّة.
(بسيمة تُغلِق الحقيبة بسرعة.)
بسيمة
:
الشاويشة جاية، اللي معاها حاجة تشيلها.
(تفتح الشاويشة باب الحوش. يُسمَع صوت دَورات المفتاح الثلاث. تدخُل إلى الحوش، ثم تفتح
باب
العنبر، تُعلِن وهي خارجة عن قدوم ضابط المباحث.)
الشاويشة
:
ضابط المباحث جاي لكم كمان شوية. خلُّوا بالكم جايز يكون فيه تفتيش. خبُّوا الوابور،
واللي معاها حاجة تشيلها. أنا النهاردة تعبانة وسايبة الراجل عيَّان في البيت. دماغي
وَجْعاني
ومش عاوزة وجَع دماغ (تترك باب العنبر مفتوحًا، ثم تُغلِق باب الحوش وتخرج).
عزَّة
(في ضيق)
:
أهو كل يوم من ده. عَكنَنَة وقرَف ووَجَع دماغ. هو الراجل ده مالوش شُغلة غيرنا
والَّا إيه؟
(عليَّة صامِتة شاردة.)
بسيمة
:
أنا مش شايفة معاكي شنطة ولا حاجة. إنت جايَّة من غير هدوم.
عليَّة
:
هدوم إيه؟ ده كسَروا الباب والضابط كذب وقالي ساعتين اتنين وترجعي البيت.
(بسيمة تُغلِق حقيبتها وتضعها في الرُّكن. تحمِل فوطةً وصابونة وتدخُل دورة المياه.)
(عزَّة تنهض. تفتح حقيبةً صغيرة تُخرِج منها جلبابًا وفوطة. تمزِّق الفوطة نِصفين.)
عزَّة
:
خُدي يا عليَّة. أنا عندي جلبيتين، إنت واحدة وانا واحدة، وعندي فوطة واحدة، إنت نُص
وانا نص. أنا كمان كذبوا عليَّ لكن أُختي بَعتِت ليَّ شوية حاجات، ويمكن تبعت لي تاني.
الهدوم بس
هي المسموح دخولها لنا وأي حاجة تانية لأ، والأكل ممنوع من برة، عندنا أكل السجن وبس.
حاجة تقرِف!
(مديحة تُناوِل عليَّة كوب شاي.)
عليَّة
(تبتسِم)
:
على العموم كويس إن فيه شاي، ده أنا كنت مُتصوِّرة السجن مافهوش حاجة خالص ولا
حتى شاي.
(تخرج بسيمة من دورة المياه، تُشعِل سيجارة.)
عزَّة
:
شاي وسجاير.
(تسكت عزَّة لحظة.)
عزة
:
شاي وسجاير وبرشام وماكس واسفكس!
(عزَّة تضحك. عليَّة تُشاركها الضحك.)
عزَّة
:
دي حاجات لزوم عنبر الدِّعارة.
عليَّة
:
ويا ترى فيه دورة مية هنا والَّا جردل البول؟
بسيمة
:
هي اسمها دورة الميَّه، لكن هي إيه؟ مش مُهِم!
عليَّة
:
المُهم فيها ميَّه أغسل وشي أو آخد دش.
بسيمة
:
ميه باردة زيِّ التلج.
(تنهض عليَّة ومعها الفوطة والجلباب وتسير نحو دورة المياه.)
عليَّة
:
باردة باردة. أنا واخدة على الميه الباردة. كويس إن فيه ميه. أنا كنت مُتصوِّرة السجن
مافيهوش ميَّه.
(تدخل إلى دورة المياه وتُغلِق الباب خلفَها.)
(تظهر الشاويشة في الفناء الخارجي وهي تسير، ومن خلفِها رجل. تلمحها نفيسة وهي جالسة
تقرأ
القرآن قُرب باب العنبر.)
نفيسة
(تنهَض بسرعةٍ وهي تصرخ)
:
راجل!
(الأخوات المُسلِمات، كل واحدة منهنَّ تجري وترتدي نِقابها وعباءتها.)
(سالمة تلفُّ طرحتها بسرعةٍ حول رأسها وتنظر من خلال قضبان الباب. الشاويشة لا تزال تفتح
باب
الحوش ومن خلفِها الرجل.)
سالمة
:
ده ضابط المباحث!
(سالمة تُردِّد وهي تضحك في سخرية.)
سالمة
:
ده ضابط المباحث مش راجل يا جماعة!
(سميرة تنظر إليها في غضبٍ وتشكُّك.)
سميرة
:
طبعًا، مبسوطة، مبسوطة قوي، جاي ياخد منك المعلومات.
سالمة
(في دهشة)
:
معلومات إيه؟
سميرة
:
المعلومات اللي بتجمعيها مننا.
سالمة
(في ضيق وألم)
:
أنا مش فاهمة، إنت بتقولي إيه.
سميرة
(في سخرية)
:
هو انتي بتفهمي حاجة يا مسكينة!
(ضابط المباحث ينتظر لحظةً في الحوش. يرتدي نفس النظارة السوداء.)
الشاويشة
:
جاهزين يا جماعة، لابسين يا بنات يا مُنقَّبات، ضابط المباحث موجود.
(تُطِلُّ الشاويشة من الباب. الجميع جاهزات مُرتدِيات النقاب والحجاب والعباءات. الأخريات
جالسات في أماكنهن المُعتادة. مديحة أخفتِ الوابور وأكواب الشاي. بسيمة أشعلت سيجارة.
عزة
ولبيبة ونجاة جالسات إلى جوار بعض. عليَّة لا تزال في دورة المياه، لم تخرُج بعد.)
الشاويشة
:
اتفضل يا بيه.
(يدخُل ضابط المباحث. ينظر إلى كلِّ واحدةٍ ببرود ودِقة. يدور على كلِّ واحدة فيهن وينظر
إليها.)
ضابط المباحث
:
أُمَّال فين الستِّ عليَّة إبراهيم شوقي؟
(ولا واحدة تردُّ عليه.)
ضابط المباحث
(ينادي بصوتٍ عال)
:
عليَّة إبراهيم شوقي.
(تخرج علية من دورة المياه، ترتدي الحجاب الطويل الذي أخذَته من عزَّة. على كتفها نصف
الفوطة.
شعرها مبلول وقد أخذت دُشًّا باردًا. قامتها طويلة ممشوقة. رأسها مرفوع يبدو عليها النشاط
والقوَّة والتحدِّي.)
(تسير بخطواتٍ بطيئةٍ واثقة، وتقترب من ضابط المباحث حتى تُصبِح على بُعد خطوةٍ منه.
تنظر إليه
نظرةً واثِقةً وقوية، ثم تقول بصوتٍ هادئ مليءٍ بالقوة والثقة بالنفس.)
عليَّة
:
أنا عليَّة إبراهيم شوقي.
ضابط المباحث
(بصوتٍ بارد فيه نوع من الأدب أو التأدُّب المُزيَّف)
:
مُتأسِّف يا ستِّ عليَّة، بس أحب آخُد من حضرتك شوية بيانات ناقصة.
عليَّة
(في اندِهاش)
:
بيانات ناقصة؟ غير معقول!
ضابط المباحث
:
غير معقول ليه؟
عليَّة
(في سخرية)
:
عندكم أجهزة حديثة، آخر اكتشاف تكنولوجي، وخبراء من برَّه.
ضابط المباحث
(في غيظ)
:
حضرتك يعني عارفة البير وغطاه.
(عليَّة تنظر حولها في العنبر ثم تنظر إليه.)
عليَّة
:
لا عارفة البير بس! هو ده البير بصحيح، بير تحت الأرض!
ضابط المباحث
:
باين عليكي مش مبسوطة من الجوِّ هنا.
عليَّة
(وهي تتمشَّى في العنبر وتتلفَّت حولها)
:
بالعكس، الجو هنا أحسن من الجو برَّه، على الأقلِّ
مانشوفش جرايد ولا صُور.
(في هذه اللحظة تصطدم عيناها بالصُّورة المُعلَّقة العلوية.)
(تتوقف عن الكلام لحظة.)
علية
:
هي الصورة دي هنا كمان.
فوق الأرض وتحت الأرض ورانا ورانا؟!
ضابط المباحث
:
حضرتك ساكنة فين يا ستِّ عليَّة؟
عليَّة
:
في البيت اللي مسكتوني فيه.
ضابط المباحث
:
آه، مُتأسِّف، و… و… حضرتك مُتزوِّجة؟
عليَّة
:
لأ.
ضابط المباحث
:
حضرتك غير مُتزوِّجة؟
عليَّة
:
لأ.
ضابط المباحث
:
حضرتك أرملة؟
علية
:
لأ.
ضابط المباحث
:
حضرتك لامؤاخذة مُطلَّقة؟
عليَّة
:
لأ مش مُطلَّقة، إنما …
ضابط المباحث
(في دهشة)
:
إنما إيه يا فندم؟
علية
:
مُطلِّقة، بكسر اللام.
الضابط
:
بكسر اللام! يعني إيه يا فندم؟
علية
:
يعني الفاعل مش المفعول به.
ضابط المباحث
:
آه، متأسِّف ماكنتش عارف.
(يكتب في الورقة اللي معه.)
ضابط المباحث
:
الفاعل مش المفعول به. ويا ترى اسم المفعول به إيه يا فندم؟
عليَّة
:
مش مُتذكرة الاسم.
ضابط المباحث
:
آه متأسِّف. وحضرتِك عندك أولاد.
عليَّة
:
لأ.
ضابط المباحث
(في دهشة)
:
أمال مكتوب عندي إن عندك طفل عمره يبقى بكرة أربعة وأربعين يوم
بالتمام والكمال.
عليَّة
:
ولمَّا عندك كل البيانات باليوم والساعة، بتسألني ليه؟
ضابط المباحث
:
آه، مُتأسِّف، ويا ترى اسم ابنك إيه؟ عاوزين اسمه بالكامل، الاسم
الثُّلاثي.
عليَّة
:
وعاوزين تعرفوا اسمه بالكامل ليه؟
ضابط المباحث
:
دي مُجرَّد بيانات. خانة عندنا لازم تتمِلي، اسم الأب، اسم الأم، اسم الابن،
اسم الزوج، اسم الجدِّ وهكذا.
عليَّة
(تقلِّد ضابط المباحث في طريقة كلامه)
:
آه، مُتأسِّفة، ماكُنتش عارفة!
الضابط
:
أيوه، أنا مُنتظر، الاسم إيه؟
عليَّة
:
الاسم ده بالذات حاجة تخصِّني أنا، وملكي أنا، وأنا مُمتنِعة عن الرد.
ضابط المباحث
(في هدوء)
:
مُمتنِعة دي كلمة مش باحبِّ أسمعها.
عليَّة
:
وأنا باحب أقولها.
ضابط المباحث
:
وأنا مش باحبِّ أسمعها.
عليَّة
:
وأنا باحب أقولها.
ضابط المباحث
(في ضيق)
:
وبعدين معاكي؟ أنا ماسك أعصابي، بعدين مش حيحصل طيب.
عليَّة
:
ده تهديد والَّا إيه؟
ضابط المباحث
:
مُتأسِّف لا تهديد ولا حاجة، بس أنا عاوز أخلَّص شُغلي وأمشي؛ ورايا غيرك كتير.
عليَّة
:
كتير قوي، انتو خليتو حد!
ضابط المباحث
:
إن كان عليَّ أنا ماكنتش دخَّلت حدِّ السجن. أنا مُجرَّد واحد بيأدِّي الواجب اللي
عليه.
عليَّة
:
كده؟ آه! مُتأسِّفة.
ضابط المباحث
(في ضيق)
:
إنت بِتعامليني كأني أنا اللي دخَّلتك السجن، كأن السجن ده
بتاعي!
عليَّة
(في دهشة)
:
أُمَّال السجن ده بتاع مين؟
ضابط المباحث
(في غضب وزهق)
:
معرفش بتاع مين! بتاع ربِّنا!
عليَّة
(في برود)
:
آه، بتاع ربنا، ماكنتش عارفة إنه بتاع ربنا، هو ربنا عنده سجون؟
ضابط المباحث
(في ضيق)
:
أيوه ربنا عنده سجون، خلصيني بَقَه!
(سميرة تنتفِض من جلستها في غضبٍ وتصيح بصوتٍ حادٍّ عال):
سميرة
(في غضب، تحرِّك يديها في غضبٍ وعصبية)
:
استغفِر الله العظيم من كل ذنبٍ عظيم. ازَّاي
تقول يا أستاذ إن ربنا عنده سجون؟ السجون دي بتاعة الظالم، السجون بتاعة الظالم، الظالم،
مش بتاعة ربنا!
(تشوِّح بيديها في غضب. ودون قصد تُشير يدُها وهي تتحرَّك بعصبيةٍ إلى الصورة العلوية.)
سميرة
(تردِّد)
:
الظالم، الظالم، الظالم.
(تنتاب سميرة حالةٌ عصبيةٌ هيستيرية وهي تردِّد كلمة الظالم ثم تبكي وتتشنَّج بعصبية،
الأخوات
يُسرِعن إليها.)
عزَّة
(في غضب)
:
حضرتَك كل يوم تيجي تتلِف أعصابنا كده، كفاية بَقَه يا شيخ.
ضابط المباحث
:
أنا قُلت حاجة.
رشيدة
(في غضب)
:
أيوه قُلت، بقَه هو ربِّنا عنده سجون؟ بقَه يصِحِّ إن واحد زيَّك يتكلِم عن ربنا
بالشكل ده؟ يا أخي استغفر ربنا!
ضابط المباحث
(في ارتباك)
:
هو أنا قُلت حاجة على ربنا. أستغفِر الله العظيم، إنتم حتكفَّروا
الواحد وهو مش دَريان والَّا إيه؟ هو أنا قُلت حاجة على ربنا أستغفر الله العظيم. عاوزين
تكفَّروني
على آخر الزمن؟ أنا عارف ربنا كويس، كويس قوي، أكثر منكم. أنا مسلم زيكم وأكثر. الإسلام
مش
هدوم الواحد يلبِسها أو ما يلبسهاش. الإسلام إيمان في القلب، وإيمان بالعقل. ثم أنا ماقُلتش
حاجة تمسِّ ربنا خالِص. بالعكس، أنا قُلت إن ربنا يملك كل حاجة حتى حتَّة الأرض اللي
أنا واقف
عليها دلوقتِ. ربنا سُبحانه وتعالى هو الله، بيملك السماوات كلها والأرض وما عليها، والسجون
مش جزء من الأرض وما عليها والَّا عاوزين تقولوا إن السجون خارج ملكوت السماوات
والأرض؟
عزَّة
(في غضب)
:
والله يا أستاذ محمد إحنا مش عاوزين حاجة خالص. عاوزين إن حضرتك تسيبنا في
حالنا، كفاية اللي احنا فيه (في غضب) مش كفاية السجن، كل يوم بيانات بيانات، كفاية بقَه
طلَّعت روحنا.
ظابط المباحث
:
أنا اللي طلَّعت رُوحكم والَّا هي اللي طلَّعِت روحي، لو قالت الاسم كُنَّا خِلصنا من
زمان. فيه إيه بس الاسم؟
عليَّة
(في غضب)
:
وعاوزين الاسم ليه؟ عاوزين إيه من ابني تاني؟ طفل رضيع مولود انتزعوه من
أمه! عاوزين إيه تاني؟ (في غضب) عاوزين إيه تاني؟!
(صمتٌ يُخيِّم على العنبر كله. سكونٌ ووجومٌ يخيِّم على الجميع، حتى سميرة أصبحَت جالسةً
هادِئةً
شاردة.)
ضابط المباحث
(في اعتذارٍ وألَم)
:
مش عارف أقول إيه، أنا مُتأسِّف برضه، لكن الخانة دي لازم
تتملي، ماقدَرش ما ملَهاش وإلا أبقى مُقصِّر في شُغلي واتحاسب. والله العظيم أتحاسب،
وممكن بيتي
يتخِرب فيها.
(يسكت لحظةً بشيءٍ من المَسكنة.)
يعني فِكركم أنا عاجباني الشُّغلانة دي. لولا لُقمة العيش، أظن مافيش واحدة فيكم ترضى
إنها
تقطَع عيش واحد زيِّي مالوش في الطور ولا في الطحين. أنا مجرَّد واحد بينفِّذ أوامر،
إعمل كده حاضر،
ماتعملش كده حاضر. هات البيانات دي أجيب البيانات دي، بلاش البيانات دي يبقى بلاش البيانات
دي، اسمح لهم بدخول الأكل، نسمح بدخول الأكل، ممنوع الأكل، يبقى ممنوع الأكل، اسمح لهم
بزيارات الأهل، نسمح بزيارات الأهل، ممنوع الأهل، يبقى ممنوع الأهل، فترة تكدير، حاضر
فترة
تكدير، شوية عكنَنَة، حاضر شوية عكننة. هي الحكاية كده بِمُنتهى الصراحة. ومافيش داعي
تزعَّلوني ولا
أزعَّلكم. وأرجوكم خلوا الفترة دي اللي احنا قعدناها سوا مع بعض تفُوت على خير لغاية
ما ربنا
يفرج عنكم ويفرج عني أنا كمان؛ ما هو أنا محبوس برضه زيكم.
سالمة
(تنهَض بسرعةٍ وتقترب منه في سذاجة)
:
وانت محبوس في إيه؟ ومين اللي حابسك؟
(صمت. وبعد الارتباك والحرج، الضابط يرفع يديه إلى فوق.)
الضابط
:
ربنا.
(عن دون قصدٍ تُشير يده إلى الصورة العلوية المُعلَّقة.)
الضابط
(وقد تدارك الخطأ)
:
آه مُتأسِّف، أحسن الأُخت سميرة تكفَّرني تاني، طبعًا ربنا مش بيحبِس
حد، اللي حابِسني هو اللي حابِسكم.
سالمة
(تقترب منه أكثر في سذاجة)
:
وهو مين اللي حابِسنا؟
الضابط
:
اقعدي يا سالمة كفاية أسئلة، خلي اليوم يفوت على خير.
(يتَّجِه ناحية عليَّة.)
الضابط
:
أرجو إني أكون وضَّحت نفسي كويس، نخلَّص بقَه يا ستِّ عليَّة؟
عليَّة
:
تخلَّص إيه؟
الضابط
:
البيانات، ناقص بس الاسم، خانة بس اللي ناقصة وبعد كده أُقسِم إنكم ما تشوفوا وشِّي
تاني هنا.
(عليَّة صامتة لا تردُّ عليه.)
الضابط
:
لسة مُمتنِعة؟
(عليَّة صامتة لا ترد.)
الضابط
:
أقسِم لك إن المسألة مُجرَّد استكمال بيانات. احنا مش عاوزين حاجة من ابنك خالص. إحنا
مالنا ومال الأولاد؟ مالناش دعوة بحدِّ من أفراد الأسرة أبدًا، وأفراد الأسرة مالهم؟
كل
واحد مسئول عن نفسه، والزوجة مسئولة عن نفسها والابن مسئول عن نفسه، احنا لا يُمكن نمس
الأولاد، لا يمكن، وخصوصًا الأطفال، ماحنا كلنا عندنا أطفال، أنا عندي طفل عنده تلت
سنين، وطفل تاني اتولد من تلت أسابيع، ولغاية النهاردة ماشفته، والله ماشفته. كلموني
في
التليفون وماقدرتش أسيب الشغل وأروح بني سويف. يعني أنا غاوي أقعد هنا؟
عزَّة
:
على الأقل بتقدَر ترفَع التليفون وتسأل، لكن احنا اللي مش عارفين حاجة خالص عن أي حاجة
خالص. وبرضه أنت مطمِّن شوية؛ مراتك في البيت وواخدة بالها من ولادك، لكن احنا ولادنا
لوحدُهم خالص لا أم … (تسكت لحظة) ولا حتى أب.
الضابط
:
ما هو إنتم اللي عاوزين كده، عاوزين شغل، واستقلال، وسياسة (يسكت لحظة) والسياسة
هي كده، مرَّة في السجن، ومرة فوق، فوق، فوق.
(يرفع يدَه ويشير إلى الصورة.)
(سالمة تُتابع يدَه بعينيها وتنظر إلى فوق، إلى الصورة.)
سالمة
(تهمِس في أذُن اعتدال)
:
ياخويا هو كل حاجة فوق، فوق، فوق، دي حاجة تقلب
الدماغ.
اعتدال
(تلكِزها في كتِفها)
:
اسكتي يا بتِّ إنت مالك ومال اللي فوق والَّا اللي تحت، اسكتي
خالص.
لبيبة
(بانفعال محكوم مؤدَّب)
:
أنا ماليش دعوة يا محمد بيه بالسياسة خالص، أنا موظَّفة عادية،
قاعدة في مكتبي، سألوني رأيي، قلت رأيي، آدي كل الحكاية، أنا ماعملتش حاجة.
بسيمة
(في انفعال محكوم أيضًا)
:
ويعني احنا يا لبيبة اللي عملنا حاجة؟ احنا ناس قُلنا
رأينا بصراحة، قالوا لنا فيه ديمقراطية، مارسنا الديمقراطية. وآدي النتيجة اللي حضرتك
شايفها.
مديحة
(في انفعال محكوم أيضًا)
:
يا محمد بيه إحنا مقدَّرين الكلام الإنساني اللي حضرتك قلته
دلوقتِ، لكن بصراحة المسألة طالت ومش عارفين لها نهاية.
الضابط
(وقد بدأ عليه الزهق)
:
أنا كمان مش عارف والله، احنا مُنتظرين الأوامر
الجديدة.
عزَّة
:
فيه أوامر جديدة تاني، مش كفاية السجن، ومش كفاية رفدونا من وظائفنا، أوامر إيه
تاني؟ هو فاضل حاجة ماعملوهاش؟!
(ينظر في الساعة، يتَّجِه إلى عليَّة.)
الضابط
:
أظن بعد كل ده مش مُمكن تكوني لسَّة مُمتنِعة.
(عليَّة لا تردُّ عليه.)
الضابط
:
يا ستِّ عليَّة، ردِّي عليَّ أرجوكي.
(عليَّة لا ترد.)
الضابط
(بغضبٍ بسيط)
:
لسَّة مُمتنِعة؟
(علية لا ترد.)
(يزداد غضبُ الضابط بالتدريج وهو يسألها): مُمتنِعة؟
الضابط
(في غضبٍ شديد وقد كشَف عن قسوةٍ مُفاجئة شديدة)
:
مافيش حاجة عندنا اسمها مُمتنعة! لازم
تقولي! بالذوق تقولي! بالعافية تقولي! مافيش حاجة عندنا اسمها مُمتنِعة عندنا أبدًا،
أبدًا،
أبدًا، ماحصلش قبل كده إن حدِّ امتنع، ماحصلش!
(ينظر في الساعة ويتَّجِه نحو الباب.)
الضابط
(مُحذرًا عليَّة)
:
وفكري كويس قوي يا ستِّ عليَّة. بقول فكري كويس قوي؛ مافيش داعي
للمشاكل، ما تضطرنيش إني أتَّخِذ إجراءات مش كويسة. دي من حقِّي، من حقِّي إني أخليكي
تتكلِّمي. وإذا
ما تكلمتيش من حقِّي إني استخدِم كل وسائل أخرى، ومافيش داعي أقول الوسائل الأخرى، كلكم
عارفينها، سلامو عليكم.
(يخرج ضابط المباحث مُسرِعًا، وتخرُج من خلفِه الشاويشة تهروِل في اضطراب. تُغلِق وراءه
باب الحوش
ثم تعود إلى العنبر.)
الشاويشة
:
يا مصيبتي! ليه بس يا ستِّ عليَّة تعمِلي فيه كده! ده راجل شرَّاني، وإنتم مش عارفينه،
أنا اللي عارفاه، ده امبارح كان واقف من بعيد بيراقب البت زوبة وهي خارجة من عندكم. مِسكها
وقالي فتِّشيها. خلاني قلَّعتها مَلط وفتشتها. خلاني حتى أفتِش جسمها، لا مؤاخذة من جوه،
والحمد
لله مالقِتش حاجة معاها، عارفين لو لَقِيت معاها، كانت راحت في داهية، وأنا رُحت في داهية،
وأنتم كمان رحتم في داهية. الحمد لله ماكانش معاها حاجة. إوعوا تدُّوها جواب والَّا ورَقة
تهرَّبها
برَّه، إوعوا والنبي أحسن تودُّوني في داهية، أنا أول واحدة حتروح في داهية. أنا اللي
قافلة
عليكم ومسئولة عنكم. ولو لقوا حاجة حيسألوني أنا ودول ناس مافيش في قلوبهم رحمة.
(صمتٌ ووجومٌ يُخيِّم على الجميع حتى الشاويشة.)
الشاويشة
(تُخاطب عليَّة)
:
بكرة يقولِّي ودِّيها التأديب. حاجي أخدِك على التأديب على طول، وان قالِّي
اضربيها حاضربك، وإذا أنا مقدرتِش عليكي حايجيبوا لك رجَّالة من سِجن الرجال، أجمَد
منِّي، يضربوكي، حُطِّي في بالك إن السجن سجن، ومافيش يامه ارحميني. الصراحة كويسة،
وأنا صريحة معاكم. (تقترِب من عليَّة وتهمِس بصوتٍ عال) ده أنا
معاكم، لكن لازِم قُدَّامهم أعمل إني أنا مش معاكم. أنا مش عاوزة أقطع عيشي،
والأولاد ياكلوا منين بس يا ربي؟ ياكلوا منين الولاد والراجل عيان وقاعد في البيت
مابيشتغلش؟
الشاويشة
(وهي تمسَح دموعها)
:
مرَّة خلوني أضرَب واحدة غلبانة، غلبانة قوي، أغلَب من صباح
الشحاتة اللي بتشوفوها كل يوم دي، وضربتها، وضربتها، كنت عارفة إنها مظلومة لكن ضربتها،
أعمل إيه، ضربتها وقلت يا رب سامحني، وروَّحت البيت عيَّانة، رَقدت فيها أسبوع (تمسح دموعها وتسكت)
هو احنا مش بني آدمين؟ ده إحنا بني آدمين زيُّكم والله، ويمكن أكثر كمان.
(تمسح دموعها وتسكت وهي واقفة أمامهم، ثم تستدير وتخرج إلى الحوش. تغلق وراءها باب الحوش
بالمفتاح. يُسمع صوت المفتاح يدُور ثلاث دوراتٍ في الباب.)
(صمت في العنبر ووجوم. بسيمة تُشعل سيجارة.)
بسيمة
:
أنا خايفة عليكي يا عليَّة؛ جايز تسبِّبي لنفسك مشاكل بالشكل ده. مافيش داعي تِعملي
معارك معاهم من الأول كده على حاجات بسيطة. المسألة مش مستاهلة.
مديحة
:
فِعلًا يا عليَّة، خليكي «فليكسبل» شوية.
سالمة
:
فليكسبل يعني إيه؟
عزَّة
(تضحك فجأة)
:
يعني «مرِنة» بالإنجليزي.
سالمة
:
مرنة؟ مرِنة يعني إيه؟
عزَّة
:
يعني مرِنة؛ يعني راسها مش ناشفة.
لبيبة
(في غضب)
:
عليَّة طول عمرها راسها ناشفة زي الحجر، ودايمًا تجيب المشاكل لنفسها واللي
معاها.
نجاة
:
إنتِ خايفة يعملوا حاجة في ابنك؟ مش متهيَّألي إنهم مُمكن يعمِلوا حاجة في طفل عمرُه
أيام. كفاية حرموه من أمه. مش مُمكن يعملوا حاجة أكثر من كده.
عزَّة
(وهي شارِدة في ألَم)
:
مافيش حاجة عندهم اسمها مش مُمكن. كل حاجة مُمكنة، وأي حاجة مُمكنة، إنتِ ماعندكيش فكرة
يا نجاة الناس دول شكلهم إيه وغضبهم شكله إيه، اسأليني أنا.
نجاة
(في دهشة)
:
مالهم ومال الولاد الصغيَّرين؟
عزَّة
:
لما مايقدَروش على الكبار يتشطَّروا على الصغيَّرين، وإذا ماقدروش علينا يقدروا على
الأضعَف منَّا، إذا ماقِدروش على زينب القتَّالة يضربوا زينب دِعارة، وإذا ماقدروش على
زينب
دِعارة يضربوا زينب المُتسوِّلة، وهكذا، الدنيا ماشية.
بسيمة
(تضحك)
:
وإذا ماقدروش على زينب القتَّالة يضربوا مين؟
عزَّة
:
يضربوا بنتها!
بسيمة
:
وإذا ماقدروش على عليَّة هنا يضربوا مين؟
عزَّة
:
يضربوا واحدة أصغر، يضربوا نجاة أو اعتدال أو سالمة.
سالمة
(تضرب على صدرها في فزَع)
:
يا مصيبتي يضربوني كمان! هو أنا عملت حاجة!
(الجميع يضحكن ما عدا سميرة التي تُسبِّح وتقرأ القرآن وهي جالسة صامتة، ثم فجأةً تنتبِه
لسالمة.)
سميرة
(في ضيق وسخرية)
:
لأ ماتخافيش إنت! لو ضربوا كل الناس مش حيضربوكي إنت.
(تسكت لحظة) عمرهم ما يضربوا الناس بتوعهم.
سالمة
(في سذاجةٍ وسرور لم تفهم كلام سميرة)
:
إلا الضرب، أنا أستحمِل كل حاجة في الدنيا
إلا الضرب، وأنا كمان مِستويَّة من الضرب، أبويا وأمِّي وجوز أمي ضربوني لما قالوا يا
بس، حتى
ستِّي العجوزة دي اللي مابتشوفش، عليها بنت الإيه، حتِّة قلم!
(سالمة تضحك كالأطفال.)
(جميع الأُخرَيات يبدو عليهن الكآبة والضيق.)
(بسيمة تُمسِك حقيبتها، تفتحها، وتُخرج منها بعض المأكولات.)
بسيمة
:
اعملي لنا شاي يا مديحة.
(مديحة تنهَض لتعمل الشاي، نجاة تنهَض معها لتُساعِدها.)
مديحة
:
حدِّ عاوز شاي كمان غير الأستاذة بسيمة؟
سالمة
(تجري إلى مديحة)
:
أيوة أنا.
(بسيمة تنظر إليها بشيءٍ من الضيق.)
بسيمة
:
أكثر واحدة بتشرب شاي في العنبر إنتِ يا سالمة.
سالمة
:
أصلي أنا باحبِّ الشاي قوي، وحُطِّيلي يا مديحة شوية سُكر زيادة؛ مش باحبِّ الشاي وهو
مُر.
(سالمة تنظر ناحية بسيمة. ترى في يدِها عِلبة بسكوت تأكل منها.)
سالمة
:
ادِّيني يا أستاذة بسيمة حاجة من اللي معاكي، أصل أنا باجوع.
الله، دي لذيذة قوي، ادِّيني كمان واحدة والنبي.
(بسيمة تُعطيها واحدة كمان. سالمة تضعها في فمِها بسرعةٍ وتلتهمها.)
(تجري سالمة لتجلس بجوار مديحة وهي تعمل الشاي. سالمة مُمسِكة كوبها في يدِها مُستعدَّة
لتأخذ
الشاي في لهفة.)
بسيمة
(تهمس في أذن عزَّة)
:
عليها شراهة!
عزَّة
:
عندها ستاشر سنة. السن ده هو سن الشراهة لكل حاجة. بنتي في سنها تمام وعندها نفس
الشراهة. ساعات أخبِّي منها الأكل؛ عاوزاها تكون رفيعة ورشيقة.
(بسيمة تضحك والطعام في فمها.)
بسيمة
:
زي أمها.
عزَّة
(تضحك)
:
ليه لأ، أنا لسه رشيقة برضه!
بسيمة
:
أنا خلاص لا رشاقة ولا يحزنون.
عزَّة
:
لأ، أنا واخدة بالي، مش باكل كتير، عاوزة قَوامي يفضَل كويس.
بسيمة
:
أنا لا واخدة بالي ولا حاجة، يعني مانكلش كمان؟ يلعَن دين الزمن! مش فاضل إلَّا
الأكل!
(عليَّة تنهَض وتسير ناحية الباب.)
عزَّة
:
عليَّة؟ رايحة فين؟
عليَّة
:
أشم شوية هوا في الحوش.
عزَّة
:
حَلفِّ شعري وأحصَّلك.
(عزَّة تفتح صندوق الزينة الكرتون. به «رولَّات» الشعر ومرآة وقلم حواجب.)
عزَّة
(تخاطب بسيمة)
:
عُمري ما كنت أتصوَّر إن القلم في عنبر السياسيات خطر بالشكل ده. تصوَّري
الضابطة كانت عاوزة تاخد منِّي قلَم الحواجب، وتقولي جايز تِكتبي بيه. قُلت لها معقول
أكتِب بقلَم
حواجب. وبيني وبينك فكرت في الحكاية وقُلت برضه مُمكن اكتب بيه كلمتين على ورقة عِلب
السجاير
اللي معاكي، وأبعتها لبنتي.
مديحة
:
وانتِ جِبت قلم الحواجب ده منين؟ سابوكي تدخُلي بيه ازَّاي؟ ده أنا فتِّشوني أول ما جيت
وخدوا منِّي كل حاجة، حتى قلَم الحواجب والمِلقاط.
عزَّة
:
هو قلَمِي؟ ده بتاع زوبة.
بسيمة
(ضاحكة)
:
زوبة الحرامية والَّا زوبة القتالة.
عزَّة
(ضاحكة)
:
لأ زوبة دِعارة! على آخر الزمن بارسِم حواجبي بقلم واحدة من بتوع الدِّعارة.
والمراية كمان بتاعتها، ورولَّات الشعر بتاعتها.
لبيبة
(في تحذير)
:
بس خلي بالك، ممكن يكون عندها مرض جلدي وتعديكي!
عزَّة
(ضاحكة)
:
تعديني تعديني، عشان تِكمَل، مش ناقِصنا غير الأمراض التناسُليَّة.
(لبيبة لا تضحك، يبدو عليها القلق.)
لبيبة
:
أنا شخصيًّا لا يُمكن ألمِس حاجة من بتاعِتهم. مش ضروري نلفِّ شعرنا ونعمل حواجبنا هنا؛
هو احنا بنشوف حد. أنا مابصِّتش في وشِّي في مراية من ساعة ما جيت. نسيت حتى شكل وشِّي
إيه؟ متهيَّأ
لي إن شكلي بقَه يخوِّف. إذا فتحوا الزيارات وجه جوزي يزورني مش هأقابلُه.
عزَّة
(ضاحكة)
:
أقابله أنا يا ستِّي. أنا شخصيًّا مُعجبَة بجوزك من زمان وماعنديش مانع تفضَلي أنتِ
هنا وأروح أنا أقابله!
بسيمة
(ضاحكة)
:
دي لبيبة كانت تقتِلك وتاخد فيكِ تأبيدة. وعلى رأي زوبة، مُجرَّد نقلة بسيطة،
بس المرَّة دي بقَه من عنبر السياسيات لعنبر القتَّالات.
لبيبة
(باسِمةً بغضب)
:
لأ مش مُمكن أقتل عزَّة؛ عزَّة صاحبتي وعُمري ما غِرت منها.
عزَّة
(في غضبٍ مُفاجئ)
:
ليه بَقَه عُمرك ما غِرتِ منِّي؟ أد كِده شكلي وِحِش؟
لبيبة
:
لأ، أبدًا، إنتِ حلوة وكل حاجة، لكن قصدي عُمري ما حسِّيت إنك مُمكن تبُصِّي لجوزي،
أو جُوزي يبُص لك.
عزَّة
(ضاحكة)
:
وليه ما يبُصليش؟ وِحشة والَّا وِحشة؟
ده أنا زي القمر أهو في المراية! وبصراحة بَقَه جوزك ياما بص لي.
لبيبة
(في ضيق)
:
على العموم هو بِصباص كبير، ما يعتقش أمُّه، ودلوقتِ لما كِبر بقَه يبُص
للبنات اللي قد بنته.
عزَّة
:
كلهم كده. أُمَّال أنا يعني بَقيت مُطلَّقة ليه؟ قصدي مطلِّقة، بكسر اللام (تضحك) أنا من
هنا ورايح مِش مُمكن أقول مُطلَّقة بفتح اللام أبدًا، حاقول أنا مُطلِّقة، بكَسر اللام،
فاعل مش
مفعول به، مش كده والَّا إيه يا عليَّة.
(عليَّة تتمشَّى في الحوش لا تسمعها.)
(عزَّة تضحك. بسيمة تضحك. لبيبة تكشِّر ولا تضحك. يبدو على لبيبة التعب والعصبيَّة
والقلَق.)
(الأخوات وسميرة مُستغرِقات في الصلاة أو قراءة القرآن.)
(مديحة ونجاة وسالمة يَشربنَ الشاي مُستغرقاتٍ في حديثٍ هامسٍ. بسيمة تضَع يدَها على
فمِها.)
بسيمة
:
يا عزَّة بلاش ضِحك، وطِّي صوتك، أحسن الضحك حرام، والله لا يحبُّ الفرِحين!
عزَّة
:
أنا خارجة في الحوش شوية مع عليَّة.
(تخرج عزَّة إلى الحوش.)
(بسيمة تنظُر إلى لبيبة. لبيبة تُمسِك رأسها بيديها.)
بسيمة
:
باين عليكي تعبانة قوي يا لبيبة.
(لبيبة تفكُّ يديها وتتنهَّد.)
لبيبة
:
تعبانة قوي قوي، مش قادرة أستحمِل. طول الليل صاحية أقول يا رب خرَّجنا من هنا بَقَه.
ده سِجن جوَّه سِجن جوَّه سِجن، حاجة ملهاش نهاية. آخِر ما زِهقت قُمت اتوضِّيت وصلِّيت،
طول عُمري كنت
أصلِّي وبالذات أيام الامتحانات. ما بَطَّلتش صلاة غير لما اتجوِّزت جوزي؛ أصلُه مِش
بيصلِّي والصلاة
عاوزة تشجيع، وعاوزة الواحد يتعوِّد عليها، الصلاة عادة برضُه عادة ممكن تستمر أو
تنقطع.
بسيمة
:
أنا العادة عندي انقطعت من زمان (بسيمة تضحك. لبيبة تبتسِم).
بسيمة
:
لازم نضحك شوية ونهوِّن على نفسنا. هانعمل إيه يا لبيبة؟ لازم نشجَّع بعض لغاية ما
نخرج، وجايز انتِ تخرُجي أول واحدة، أنتِ مالكيش في السياسة خالص.
لبيبة
:
أنا ماليش دعوة بحاجة خالص، حتى الجرانيل بطَّلت أقراها.
بسيمة
(ضاحكةً ساخِرة)
:
وهيَّ الجرانيل بقَت تنقري. والله أحسن حاجة هنا إن احنا مش بنشوف جرانيل، حاجة تغُم!
(تضحك بسيمة. لبيبة لا تضحك.)
بسيمة
:
اضحَكي بقَه يا لبيبة. انسي إنك في سِجن وفكري في حاجة كويسة. فكري في بنتِك، في جوزِك،
وعلى الأقلِّ أنتِ عندِك بنت وجوز تفكري فيهم، وعلى الأقل لما تُخرُجي من السِّجن حتلاقي
حد
مِستنيكي، ونفسه يشوفك وانتِ واحشاه، لكن أنا، أنا مش حاوحَش حد.
لبيبة
(تنهُّد بحسرة)
:
ولا أنا. أنا عُمري ما وحشت جوزي، ولا هو وَحشْني. واحنا عايشين كده بس،
تسديد خانات، وعشان البِنت. لولا البنت أنا كان زماني … كان زماني مُطلقة.
بسيمة
(باسمة)
:
مُطلِّقة من فضلِك بكسر اللام على رأي عليَّة.
(تتوقَّف بسيمة فجأةً عن الابتسام.)
بسيمة
:
أنا خايفة عليَّة تعمل لنا مشاكل. احنا مش ناقصين مشاكل. ماكنش ضروري أبدًا إنها تصمِّم
رأيها بالشكل ده؛ المسألة ما تستاهِلش.
لبيبة
(في ضيق)
:
عليَّة راسها ناشفة.
بسيمة
:
راسها ناشفة لنفسها. لو كانت لوحدها كان معلهش، لكن في ناس معاها تانيين. جايز
تجُرِّ لنا مشاكل كلنا، واحنا عاوزين نِهدا ونرتاح. مش فاهمة هي امتنَعت ليه بس (تسكت لحظة) جايز
خايفة على ابنها منهم.
لبيبة
:
مش متهيَّأ لي إنها خايفة. علية مش بتخاف. هي مش من النوع اللي بيخاف. أنا أعرفها قبل
ما عزَّة تعرفها.
بسيمة
:
لازم تخاف على ابنها على الأقل.
لبيبة
:
جايز، لكن هي مُتأكِّدة إنهم مش مُمكن يعلموا فيه حاجة. حيعملوا إيه في طفل عمره
أربعة وأربعين يوم؟ أقصى ما يُمكن يعملوه يفصِلوه عن أمه. مش ناقص حاجة إلا إنهم يموِّتوه،
وده
لا يمكن يحصل. صحيح مافيش قانون لكن ماحناش لسَّة في غابة!
بسيمة
:
ولما هي مش خايفة على ابنها كان لازم يعني تحكِّم دِماغها على حاجة فارغة؟
لبيبة
:
جايز تكون فارغة بالنسبة لنا، لكن بالنسبة لعليَّة جايز تكون مسألة مبدأ. هي ما تحبِّش
تخضَع بسهولة.
بسيمة
(بسخرية)
:
لازم تخضَع بصعوبة يعني.
لبيبة
:
هي دي عليَّة ولا يُمكن تتغيَّر. أنا أعرَفها من خمسة وعشرين سنة، لا يُمكن حدِّ يكسر
دماغها.
بسيمة
(في ضيق)
:
دلوقتِ مافيش قُدَّامها غير الحِيط، تكسر دماغها بقى في الحِيط!
(عليَّة وعزَّة يتمشَّيان في الحوش معًا.)
(الشاويشة تفتح باب الحوش ومعها امرأة أخرى من المسجونات، هي زينب القتالة. زينب تحمِل
أكياس شاي وعلب سجاير. زينب امرأة عاديَّة ولكن لها شخصية قويَّة وكرامة، ونوع من الكبرياء
الطبيعي.)
الشاويشة
:
زينب جابت لكم الشاي والسجاير من الكانتين. فين الست بسيمة؟
عزَّة
:
جوَّه في العنبر يا ست فهيمة.
(تسبِق زينب الشاويشة إلى العنبر بخطواتٍ واثِقة، فيها كبرياء طبيعي وثقة.)
(عليَّة تتأمَّلها.)
عليَّة
:
الستِّ دي باين لها شخصيَّة.
عزَّة
:
كل المسجونات اللي هنا لهم شخصيَّة، حتى صباح المُتسوِّلة، ده السجن ده عالم تاني لوحده.
واللي دَخلِت دي هي زينب القتَّالة. هي تقريبًا مُساعدة الشاويشة فهيمة. القتَّالات بس
هُمَّ اللي
مُمكِن يساعدوا الشاويشة. وإدارة السجن كلها لا يُمكن تَثِق إلَّا في واحدة قتَّالة.
بتوع الدِّعارة
مُمكن يشغَّلوهم في المسح والكنس، لكن القتَّالات يمسكوا الكانتين، يمسِكوا العنابر،
يمسكوا
نوبتشية بدل الشاويشة لما تغيب.
عليَّة
:
تعالي ندخُل العنبر؛ عاوزة أسمع بيقولوا إيه.
(عليَّة وعزَّة تدخلان العنبر.)
(زينب جالسة إلى جوار بسيمة وإلى جوارها الشاويشة، فوق مرتبة بسيمة أكياس الشاي وعلب
السجاير وعلب كبريت، ومن حولِها تجلس مديحة ونجاة وسالمة. لبيبة جالسة بالقُرب منهم.
سميرة
في ركنها تقرأ قرآنًا وتُسبِّح، في يدها السبحة. رشيدة ونفيسة واعتدال إلى جوار بعض يقرأن.
هادية
جالِسة تقرأ وحدَها بالقُرب منهن.)
زينب القتالة
:
الحساب كده مضبوط يا ست بسيمة.
بسيمة
:
أيوة مضبوط.
عزَّة
:
اسمعي يا زينب.
زينب
:
نعم يا ستِّ عزَّة.
عزَّة
:
معانا مسجونة جديدة مبسوطة مِنِّك.
زينب
:
أنا تعبانة النهاردة ومَزاجي مش رايق يا ستِّ عزَّة.
عزَّة
:
ليه بَقَه يا زينب؟ ده إنتِ دايمًا تضحكي ومزاجِك رايق.
الشاويشة
:
النهاردة جت لها أخبار من برَّه مش كويسة.
عزَّة
:
إيه كفى الله الشر.
الشاويشة
:
بنتها عيَّانة قوي ومافيش حد عارف يعالِجها.
(زينب ترفَع يدَيها إلى فوق فجأة وتخاطب الله.)
زينب
:
أهو والله، لو البنت دي ماتت أنا خلاص حاكفُر بيك!
الشاويشة
:
أستغفِر الله العظيم. استغفري الله يا بتِّ يا زينب. معلهش يا جماعة سامحوها أصل
البنت دي غالية عندها قوي. دي قَتَلت جوزها عشان بنتها وأخدت تأبيدة؛ يعني يا بتِّ يا
زينب كان
لازم تُدخُلي على جوزك الأوضة في اللحظة دي؟
زينب
(في حسرة)
:
هو أنا دخلت والَّا شُفت حاجة؟ ده البتِّ هي اللي قالتلي، وما صدَّقتهاش. قُلت بتِّ
مجنونة زي أمها، حاكم أصل أنا طول عمري شعنونة وماحبِّش الحال المايل، والشاطرة ملهاش
إلا
الخايب. أبويا جوِّزني لراجل خايب وأنا لسَّة صغيَّرة والعادة ماجَتنيش. عِشت معاه؛ هاروح
فين؟ أبويا
قال لي لو سِبتيه اقطَّعِك حِتت. جِبت منه سبع عيال، ماتوا ما فضلش غير حِتِّة البنت.
كنت أنا اللي
أروح الغِيط أزرَع وأقلع وهو كسلان. راجل خايب مايحبِّش الشغل، ومايحبِّش إلا السرقة؛
طالع لأبوه.
أصل أبوه كان حرامي، يسرق من غيطان الناس، وبقَه يشتري أرض. إنما الحرام ما يدومش، راحت
الأرض، وجوزي ده هو السبب. أصله خايب وحاله مايل ومالوش إلا في الجُوزة والمعسَّل.
مديحة
(تهمِس في أذُن الشاويشة)
:
وهي قَتَلت جوزها ليه يا ستِّ فهيمة؟
الشاويشة
:
ما هي قالت في الأول، ضبَطِت البتِّ مع أبوها.
مديحة
(في فزع)
:
مع أبوها؟ يا مصيبتي! (في دهشة) وأنتِ اللي قَتلتيه يا زينب؟
(زينب تفرِد يديها وتنظر فيهما.)
زينب
:
أيوة أنا اللي قتلته، بإيديا دي، بس لما شُفتُه بِعنيَّ دول، (تُشاوِر على عينيها) ضربته بالفاس، وقطَّعتُه حِتَت
وحطِّيتُه في شوال ورَميتُه في البحر (تضحَك
فجأة) زمان السمك خلَّص عليه، بَقَه (تنهَض
فجأة).
عزَّة
:
رايحة فين يا زينب؟
زينب
:
رايحة أشوف بِنتي، خلاص الدكاترة خلَّصوا على اللي حيلتي والبت عيَّانة، وقرَّبِت تموت.
حاروح فين يعني، رايحة أشوف بنتي، هي اللي حيلتي، ماحيلتيش غيرها، رايحة أشوفها.
الشاويشة
(تضحك وتنهض)
:
اللي يسمعها يفتكِر إنها رايحة تشوف بنتها بصحيح، يا بتِّ يا زينب
هي بنتك هنا؟ ده بنتك فين، في آخر الدنيا! في الصعيد! في الصعيد الجواني.
(زينب والشاويشة يَخرُجان إلى الحوش.)
زينب
:
لا جوَّاني ولا برَّاني، أهو كله على الله. ربنا هو اللي فاضل. ولو ربنا خَد مني البتِّ
دي أنا أكفر بيه.
الشاويشة
:
بس يا بتِّ بلاش كُفر، أحسن الستِّ سميرة تقتلِك وتقطَّعك حِتَت.
زينب
(تجلس في الحوش فجأةً وتنظر إلى الشاويشة في غضبٍ وتحدٍّ)
:
هي مين دي اللي تِقتلني
وتقطَّعني حِتت؟ حدِّ يقدَر يقتِل زينب يا فهيمة؟ حد يقدَر يقتِل زينب؟ دي الدنيا كلها
ماقدرتش. آه
ياني! الدنيا كلها والسجن كله ماحدِّش يقدَر عليكي يا زينب، مافيش إلا حِتِّةِ البتِّ
دي اللي عيَاها
خلاص هو اللي حيِقتلني.
(زينب تُمسِك رأسها بيديها وتبكي.)
الشاويشة
:
قومي يا بتِّ يا زينب قومي، ربنا حيشفيها، قومي يا زينب أحسن النهاردة باين مش
فايت، وضابط المباحث رايح جاي على زنازين التأديب (تهمس في أذنها) بيدوَّر على زنزانة
للمسجونة السياسية الجديدة، مافيش ولا زنزانة فاضية، شُفتي المسجونة الجديدة؟
زينب
(في تساؤل)
:
أنهي فيهم؟
الشاويشة
:
اللي كانت واقفة واحنا داخلين مع الست عزَّة في الحوش، اسمها عليَّة إبراهيم شوقي،
صلاة النبي عليها.
زينب
:
والراجل ده عاوز يحطَّها في التأديب ليه؟ عملت إيه؟ قتلِت حد؟
الشاويشة
:
اسكُتي على اللي عملته فيه. ست جدَعة ولا جدعانتك إنت يا زينب يا قتَّالة. والنبي
لولا الملامة أقول أجدَع منك. وتقولُّه كِده وهي رافعة رأسها وعليها شَمخَة (الشاويشة تقلِّد عليَّة
وترفَع راسها في شموخ) «أنا الفاعل مش المفعول به.»
زينب
(تنهَض)
:
وأنا يا بتِّ يا فهيمة، ما أنا الفاعل برضُه؛ ياما فلَحت الأرض وعزَقت وشِلت على
راسي وعلى ضهري زي الفَعَلة.
الشاويشة
:
الفعَلة إيه يا بتِّ اسكُتي، دي ستِّ ولا كلِّ الستَّات. باين يا بتِّ يا زينب فيه ناس
في
السياسيات أجدَع من القتَّالات ولَحدِّش عارف.
زينب
:
اسكتي بلا هم، دول كلهم خِرعين، ولا واحدة فيهم تِملا عينك يا فهمية!
الشاويشة
:
هوانم يا بتِّ يا زينب مش فَعَلَة وفلاحين زيِّك.
(زينب في انفعالٍ تتوقَّف في الحوش وتُخاطِب الشاويشة.)
زينب
:
مالهم الفلاحين يا شاويشة؟ وأنت؟ مابقتيش من الفلاحين خلاص؟ مدام حَطيتي على كتافك
التلات شرايط العُجر دول، والنبي الفلاحين أحسن ناس، بس آه يا زمن!
(تنظُر زينب وترى الجرجيرة المزروعة في الحوش والتي أصبحت ذابلة.)
زينب
:
شوفي الهوانم بتوعك مقدروش حتى يرووا الجرجيرة، حتموت خلاص.
(تخرج إلى الحوش لبيبة. تراها زينب، تهمِس زينب في أذُن الشاويشة.)
زينب
:
هي دي المسجونة الجديدة اللي بتقولي عليها؟
الشاويشة
:
لأ، مش دي.
(لبيبة تقترِب من زينب بشيءٍ من الحرَج والتردُّد.)
لبيبة
:
كنت عاوزة أعرف منك حاجة صغيرة يا زينب.
زينب
:
عيني لك.
لبيبة
:
لما شُفتي جوزِك … مع … قصدي لما شفتيه مع …
زينب
:
مع بنتي؟ إيه يعني هو سر؟ ما كل الناس عارفة.
لبيبة
:
قصدي يعني حسيتي بإيه؟
زينب
:
ماحسِتش بحاجة. أنا قتلته على طول.
لبيبة
:
طب وبنتك؟ ماحستيش بحاجة ناحيتها.
زينب
:
يعني إيه؟
لبيبة
:
يعني مثلًا حسِّيتي كِده بحاجة زي غِيرة، غيرة من بِنتك؟
زينب
(تضرب على صدرها)
:
يا مصيبتي! فيه أم تغير من بنتها؟ دي بنتي دي روحي. لو راحت بنتي
روحي تروح. باين عليكي ماجربتيش. أنتِ متزوجة ولا خلفتيش، ولَّا لسة متجوزتيش؟
الشاويشة
:
الست لبيبة متجوِّزة وعندها بنت زي بنتك يا زينب.
زينب
:
مدام أم تبقي تفهمي كلامي بقَه. ده أنا عشان بنتي دي أقتل جوزي عشر مرَّات. وإذا كنت
متجوزة عشَر رجَّالة أقتلهم، يا مصيبتي حد يغِير من بنته؟
(تخرج عليَّة وعزَّة إلى الحوش. تسمعان الجزء الأخير من الحديث.)
عزَّة
(تضحَك)
:
مين بيغير من بنته؟ لازم لبيبة! أصل لبيبة يا زينب عندها حتِّة بنت زي القمر.
ولبيبة طول عُمرها تغير من الهوا الطاير، وتغير من كل صحابها الستات، حتى أنا، مع إني
صاحبتها من زمان! (ترفع رأسها في كبرياء) وأنا كمان عندي مبدأ مُهم في حياتي، لا يُمكن أبص
لراجل مِتجوِّز!
زينب
(تشوِّح بيديها)
:
غِيرة إيه ونيلة إيه؟ هُمَّ الرجَّالة يستاهلوا إن احنا نغير عليهم!
(زينب تنظر إلى عليَّة.)
زينب
:
وإنتِ يا ستِّ يا حلوة، إنتِ بتغيري إنتِ كمان؟
الشاويشة
:
دي الستِّ عليَّة اللي جت جديد.
(زينب تتأمَّل عليَّة طويلًا. تنظر في عينيها وتتأمَّلُها.)
الشاويشة
:
الستِّ عليَّة كويسة خالص وعاجباني، بس أنا مِستخسراها في التأديب، مش هاين عليَّ
واحدة زيَّها كِده يحطَّها في التأديب.
عليَّة
:
تأديب إيه يا شاويشة؟
الشاويشة
:
إيه؟ مش بتخافي من التأديب؟
عليَّة
:
أخاف؟ عُمري ما خُفت من حاجة اسمها تأديب! ماحدِّش قِدر، وماحدِّش حيقدَر، لا وأنا صغيرة
ولا أنا كبيرة، ولا برَّة السجن ولا جوَّه السجن كمان.
زينب
:
أيوة كده، عاوزين نِسمع الكلام الحلو ده! أنا بحبِّ الناس اللي ماتخافش من حد. أنا مش
باخاف ولا من الموت! موت إيه! ده أنا شفت الموت ييجي مِية مرَّة. وكل مرَّة أقول خلاص
يا بتِّ يا
زينب مُتِّ خلاص، وألاقييني صحيت تاني زيِّ العفريت! أصل أنا بسبع أرواح على رأي أمي.
(زينب تنظر مرَّة أخرى في عيني عليَّة.)
زينب
:
وإنتِ باين عليكي بسبع أرواح زَيِّي.
الشاويشة
(تضرِب زينب على ظهرها)
:
زَيِّك إيه يا بت يا زينب؟ الست عليَّة مُتعلِّمة وعندها شهادات،
وباين عليها بنت ناس كويسين، أنا خايفة عليها من بهدَلة الراجل ده، أصله لما ينغاظ من
واحدة، عينك ما تشوف إلا النور، ده رايح جاي على زنازين التأديب زي المَسروع.
زينب
:
مسروع مسروع! حيعمِل لها إيه يعني، اللي مايخافش يفُوت في النار ولا يتحرقش. واللي
يخاف من العفريت يطلَع له. تأديب إيه وضرب إيه وتعذيب إيه، ده أنا ياما شُفت تعذيب وتأديب،
ده أنا فُتِّ في النار الوالعة، وأديني قُدَّامكم أهو، ناقصة إيد والَّا دراع والَّا
رِجل؟ وحتى لو
قطعوا إيدي ودراعاتي برضه مش حقول آي. عمري ما قُلت آي أبدًا، آي دي يقولها الرجَّالة
الخايبين
اللي زي جوزي (تضحك) الله يرحمه بَقَه، زمان السمك أكلُه على الآخر!
الشاويشة
:
إنتي واخدة على الشَّقا يا زينب، إنتِ واللي زيِّك لكن السِّتَّات الهوانم دول مايقدروش
على التأديب. ما التأديب اللي هنا شكلُه إيه!
(سالمة تُقبِل بسرعةٍ وتشترِك في الحديث.)
سالمة
:
شكله إيه يا شاويشة؟ أنا شعر راسي وقِف. أول مرَّة أدخل السجن، كنت كل ما اسمع كلمة
السجن أخاف، يتهيَّأ لي كده إن جوَّه السجن أوضة ضَلمة فيها عفاريت، فيها فيران، فيها
تعابين،
فيها كلاب مسروعة تعُض وتخلِّي الواحد ينسِرع زيِّ الكلب المسروع ويقول هب، هب.
(سالمة تُهَبهِب مثل الكلب وهي تضحك وتقفز في الحوش.)
(الشاويشة تُمثِّل حركات المُدير وتهزُّ يدَها كأنَّ معها عصا.)
الشاويشة
(بصوتٍ مُتغطرِس)
:
إنتِ يا بتِّ سالمة يا بِت، إنتِ بتتَّريَقِي على السجن يا بت، إنتِ مِش
عارفة إني الشاويشة وعلى كلِّ كِتف من كتافي تلات شرايط، وأقدَر أحطِّك دلوقتِ حالًا
في
التأديب.
(سالمة تقترِب من الشاويشة. الشاويشة توقِفها بيدِها.)
الشاويشة
:
اقَفِي عندك! مش مفروض تكلِّميني إلَّا وأنتِ واقفة على بُعد تلت أمتار ونص، لايحة
السجن بتقول تلت أمتار ونُص على الأقل، على الأقل، انتي مش عارفة اللايحة بتقول إيه يا
بت؟
سالمة
:
واللايحة دي بتقول الكلام ده فين؟ ما هو انتوا مانعين الراديو، يعني نسمَعها
فين؟
(الجميع يضحكون.)
سالمة
:
واللايحة بتقول إيه كمان يا شاويشة؟ نفسي أعرف كل حاجة، نفسي أتعلم كل حاجة عشان
ماحدِّش يضحك عليَّ.
الشاويشة
:
اللايحة بتقول كمان إن … (تتكلم باللغة العربية الفصحى) إنَّ السجن تَهذيبٌ
وتأديب.
سالمة
:
عاوزين يؤدِّبونا؟
عزَّة
(ضاحكة)
:
ويقلِّموا أظافرنا. واللي حصل إن ضوافِرنا طولِت، وكل يوم تطول أكثر، (تنظر إلى
أظافرها) عشان مافيش مقص. ما هو المَقص ممنوع والمِلقاط ممنوع والمِراية ممنوعة وكل الأدوات
الحادَّة ممنوعة.
عليَّة
:
يظهَر إن أدوات الزينة كلها أدوات حادَّة.
عزَّة
(تضحك)
:
حادَّة كالسهام لنقتل بها الرجال.
(زينب القتالة تضحك، يبدو عليها فجأة الحنان.)
زينب القتَّالة
(في رقَّة)
:
لأ والنبي بلاش تقتلوا كل الرجَّالة؛ فيه رجَّالة كويسين، وقلبُهم حنيِّن.
عزَّة
:
إيه الحكاية يا زينب؟ مالك حنِّيتي كده؟
الشاويشة
:
أصلها بسلامتها بتحِبِّ واحد من سجن الرجَّالة، كل يوم تبعت له جواب، ويرد عليها
بجواب، ويمكن يتجوِّزوا كمان سنة.
زينب
:
وليه سنة بَقَه؟ قولي كام شهر.
الشاويشة
:
موافقة الإدراة يا بتِّ على الأقل تأخد سنة وأكثر. دي حكومة يا بتِّ ويوم الحكومة
بسنة. وجايز كمان توافق أو ماتوافقش.
زينب
(في غضب)
:
أنا باحبُّه وهو بيحبِّني. الحكومة دخلَها إيه؟ هي الحكومة دي مناخيرها في كل
حاجة؟
(تخرج زينب من الحوش، ثم تدخُل إلى الحوش مرَّةً أخرى.)
زينب
:
والنبي أنا ما ضحكت النهاردة غير عندكم، نسيتوني البت وعياها. حاروح أشوفها وأرجع
لكم تاني. والنبي إنتم ناس كويسين، وخسارة في السجن، بس مش مزعَّلني منكم غير حاجة
واحدة.
عليَّة
:
إيه هي يا زينب؟
زينب
:
الجرجيرة دي ماحدِّش بيرويها ليه؟ حدِّ يسيب الزرع يموت؟ أنا أصلي فلاحة وماقدرش أشوف
الزرع يموت، ودول عُودين جرجير. كُبَّاية ميَّه كل يوم ترويهم. تعالوا شوفوا الحوش بتاعنا،
أنا
زارعاه كله جرجير وفول وملوخية وفجل وطماطم وكل حاجة.
(زينب تشد عليَّة من ذِراعها.)
زينب
:
تعالي معايا شوفيه!
الشاويشة
:
سيبيها يا زينب! ممنوع إنهم يخرجوا برَّه الباب ده. ما تجيبليش الكلام!
عليَّة
(تكلم زينب من بين القضبان)
:
وأنتِ بتزرَعي بإيه يا زينب؟
زينب
:
بالفاس، هازرع بإيه يعني؟
عليَّة
:
إحنا ماعندناش فاس.
زينب
:
أجيب لك الفاس، بس كده، أروح أجيب لك الفاس.
الشاويشة
:
فاس إيه يا زينب؟ الفاس ممنوع كمان.
عزَّة
:
إذا كان المِلقاط ممنوع، عاوزة تجيبي فاس؟
سالمة
:
والفاس ممنوع ليه؟
الشاويشة
:
جايز واحدة تضرَب التانية بالفاس.
سالمة
:
والقتَّالات عندهم فاس؟
الشاويشة
:
السياسيات أخطر من القتَّالات.
عزَّة
(تكمل)
:
والورقة والقلم أخطر من الطبنجة! دي حاجة مش معقولة، الفاس عند القتالات،
والقلم والورقة في كل العنابر، الدعارة والمخدرات والقتالات وكل المسجونات يكلِّموا بعض
ويزوروا بعض، إلا إحنا.
الشاويشة
:
ما هو السياسة أخطر حاجة. كان مالكم ومال السياسة بس؟ القتَّالات دول غلابة،
(تضرب زينب على ضهرها) مش كده والَّا إيه يا بتِّ يا زينب؟
زينب
:
أنا حاروح أجيب لهم الفاس يا فهيمة. ماحدِّش حيقول حاجة؛ كل المساجين بِتزرَع
أحواشها.
الشاويشة
:
وهم هيزرَعوا بصحيح؟ دول هوانم.
عليَّة
:
لأ مش هوانم يا شاويشة. حنزرَع الحوش. أنا ماقدَرش أقعُد كِده من غير شُغل. لازم أعمل
حاجة، لازم أتحرَّك.
سالمة
(تقفز وتقترب من عليَّة)
:
وأنا والنبي.
الشاويشة
:
يا ستِّ عليَّة إنتِ حتِعرَفي تزرَعي؟ زرَعتي قبل كده يا ستِّ عليَّة؟
زينب
:
وهي الزراعة عاوزة تعليم؟
عليَّة
:
زرعت وأنا صغيرة، في بلدنا كفر شطا، كنت أنزل الغيط مع ولاد عمِّتي بهيَّة وأزرع
معاهم. عمَّاتي كلهم فلاحين، ووالدي كان مُمكن يطلع فلاح لولا إن ستِّي الحاجة باعت الخلخال
بتاعها وعلمته، وهو علَّم ولاده. لولا التعليم كان زماني فلَّاحة زي فاطمة بنت عمِّتي.
سالمة
(في حماس وفرح)
:
بَقَه أنتِ عمِّتك فلاحة؟ أتاريني من أول ما شُفتِك شبَّهت عليكي، والنبي
فيكي شَبَه من عمِّتي تفيدة، كانت كويسة (تسكت لحظة) وحلوة، أحسن من أبويا، لكن راحِتْ رُخْرَة
الشاويشة
:
بقه عمِّتك تفيدة كانت حلوة وهانم كده؟
عزَّة
:
وراحت فين يا سالمة عمِّتك؟
سالمة
:
راحت البحرين لغاية دلوقتِ مارجعتش. قولتِلها يا عمَّة ماتِسيبيش البلد. قالت حاقعُد
في
البلد أعمل إيه يا سالمة؛ لا أرض ولا زراعة ولا شغل، وابني بيقول الرِّزق في البحرين
كتير.
زينب
:
الرِّزق في كل حتَّة للي عاوز يشتغل. أنا حاروح أجيب لك الفاس يا عليَّة.
الشاويشة
:
عليَّة كِده حاف يا بت؟
زينب
:
أيوة حاف؛ ما هي أصلها فلاحة زيِّنا. وأنا كمان ماعرفش أقول يا ستِّ أبدًا، ولا أعرف
أقول يا بيه ولا يا تيه. عمري قلتِ لك يا ستِّ فهيمة؟ مش كده والَّا إيه؟ وعمرِك سِمعتيني
أقول
للمدير أو المأمور يا بيه؟ أبدًا، هي اللي تقتِل تقول يا بيه؟ هي اللي تقتِل تخاف؟ ده
الناس
هي اللي تخاف منها!
(تخاطب عليَّة من بين القضبان وهي تجري.)
زينب
:
والنبي لاروح أجيب لك الفاس، وازرَعي الحوش زي ما أنتِ عاوزة، ازرَعي الحوش وخلِّيه
كده يخضرِّ ويرَعرَع.
عليَّة
:
والتقاوي، هاتي شوية تقاوي ملوخية على جرجير على بقدونس على فول حِراتي.
سالمة
(تقفز في فرح)
:
أيوة أنا بحبِّ الفول الحراتي قوي.
زينب
(تتوقَّف وتستدير وتُخاطِب عليَّة)
:
أنا باخد التقاوي من البتِّ زينب الحرامية. هي بتسرق
التقاوي من حوش المُخدرات. أصل بتوع المُخدرات أغنى ناس، أغنى ناس جوَّه وبرَّه، كل حاجة
عندهم.
اطلبي أي حاجة تلاقيها عندهم. (تضحك) ده عندهم كمان تليفزيون، تليفزيون ملوَّن (تجري) أنا
بروح أتفرَّج عندهم. أنا حاخلِّي البتِّ زينب الحرامية تجيب لك شوية تقاوي حلوين.
(فجأة تنبعِث صرخةٌ من داخل العنبر. جميع من في الحوش بما فيهم الشاويشة يدخُلن مُسرعاتٍ
مُتلهِّفات لِمعرِفة ما حدَث.)
(رشيدة راقِدة على مرتبتها على الأرض، يبدو عليها الإغماء أو الإرهاق أو الانهيار المفاجئ
الشديد، من حولها سميرة ونفيسة واعتدال وهادية ومديحة ونجاة. بسيمة ولبيبة إلى جوارها
أيضًا، على مسافة غير بعيدة منها.)
(مديحة في يدها زجاجة كولونيا.)
(سميرة تهوي على وجه رشيدة بالمُصحف. مديحة تُحاوِل مدَّ يدِها بزجاجةِ الكولونيا.)
سميرة
(في حِدَّة)
:
قُلنا بلاش الكولونيا.
(مديحة تضعُ زجاجة الكولونيا على الأرض.)
مديحة
:
طيِّب نِبعَت نجيب الدكتور، يا شاويشة، والنبي اندَهي الدكتور بسرعة.
الشاويشة
:
حاضر، حاضر، حالًا، حالًا.
سميرة
:
تعالي يا شاويشة، هي مِش عاوزة دكتور.
(الشاويشة تتوقَّف.)
سميرة
:
مش مُمكِن رشيدة تخلِّي راجل يكشف عليها.
الشاويشة
(في دهشة)
:
وهو الدكتور راجل؟
هادية
(في غضب)
:
أُمَّال يعني مش راجِل؟ طبعًا راجِل؟
الشاويشة
:
يعني تسيبوها تموت؟
مديحة
:
عندكم دكتورة ستِّ يا شاويشة؟
الشاويشة
:
أيوة عندنا الدكتورة فوقية، يا رب تكون جَت النهاردة؛ أصلها مش بتيجي كل يوم،
حاروح اناديلها.
(رشيدة ترفع يدَها في ضعفٍ وهي راقِدة علامة الرفض.)
سميرة
:
استنِّي يا ستِّ فهيمة، رشيدة عاوزة تقول حاجة.
(الشاويشة تتوقف، تقترب من رشيدة، وتجلس إلى جوارها على المرتبة.)
رشيدة
(بصوتٍ ضعيف)
:
أرجوكي … مش … عاوزة … مش عاوزة حد.
الشاويشة
:
دي دكتورة ستِّ مش راجل! والله العظيم ست. ستِّ والله، مش بتنكِشِفي على ستَّات
برضه؟
(رشيدة تهزُّ يدَها علامةَ الرفض.)
رشيدة
(بصوتٍ ضعيفٍ جدًّا)
:
أنا كويِّسة، مش عاوزة حد.
مديحة
:
إنتِ تعبانة قوي يا رشيدة والدكتورة حتدِّيكي دوا كويس.
رشيدة
(بصوتٍ ضعيف جدًّا)
:
مش عاوزة حد.
الشاويشة
:
ليه بس يا رشيدة؟ ليه بس؟ ده إنتِ يا بِنتي في سِجن ولازم تشوفي صحِّتك والحمد
لله عندنا دكتورة ست.
رشيدة
(بصوتٍ ضعيف)
:
مش عاوزة حد يشوفني.
مديحة
:
مش معقول يا رشيدة. لازم الدكتورة تكشف عليكي.
رشيدة
(بضعف)
:
مش عاوزة حد يكشِف عليَّ.
الشاويشة
:
بلاش الكشف، أهي تيجي تشوفك وتكتِب لك دوا يشفيكي على طول.
سميرة
:
الشفاء من عند الله.
الشاويشة
:
طبعًا الشفا من عند الله، أنا ماقلتش حاجة، لكن الدوا برضه يساعد.
هادية
:
ربنا مش مِحتاج مساعدة، ربنا هو اللي بيساعد.
الشاويشة
(تنهَض)
:
الدكتورة حرام؟ والله يا فهيمة ياما تشوفي العجب.
هادية
(في غضب)
:
لأ ده مش عجب. ده كلام ربنا.
الشاويشة
(في ضيق)
:
هو ربنا قال بلاش دكتور؟
هادية
:
أيوة، يعني إيه الشفاء من عند الله؟ يعني الشفا بإيد الله سبحانه وتعالى مش بإيد
الدكتور، يعني لو الدكتورة أو الدكتور إدَّاها دوا وربنا مش عاوزها تخفِّ حتخِف؟
الشاويشة
:
مش حتخِف إلا إذا ربِّنا عاز، لكن يا جماعة …
هادية
:
الإيمان بربنا يعني إيه يا ست فهيمة؟ يعني إنك تؤمني بربنا بس. لو آمنت بحاجة
تانية تبقي «مُشرِكة» بالله.
الشاويشة
:
استغفِر الله العظيم، أنا يَختي مؤمنة وموحِّدة بالله مش «مشركة» والعياذ
بالله.
هادية
:
الإيمان الحقيقي بَقَه إنك تؤمني إن ربنا هو اللي حيشفي رشيدة مش الدكتورة، أي
إيمان بأيِّ قوَّة غير ربنا تبقَى شِرك.
الشاويشة
:
حتى استشارة الدكتور.
هادية
:
حتى استشارة الدكتور، ما هو الشرك بالله يعني إيه؟ يعني يتهيَّأ لك إن حدِّ تاني أقوى
منه، أو يقدر على اللي هو مايقدرش عليه.
(الشاويشة تسير ناحية الباب.)
الشاويشة
:
ياختي ده أنا أمِّي وأم أمي ماكنوش بيقولوا كده، هو الدنيا بترجع لورا ولا إيه؟
أنا هامشي من هنا أحسن دلوقتِ طلِعتِ مُشركة بالله، معرفش بعد شوية أطلع إيه؟ (تكلم نفسها وهي
تخرج إلى الحوش) اطلعي يا بت يا فهيمة من الحكاية دي، لا أنا رايحة أنادي دكتور ولا دكتورة،
أحسن كلامهم يطلَع بصحيح، (تفكر لحظة وتسكت) يا مصيبتي هاطلع على آخر الزمن مُشرِكة بالله!
(تبصُق في فتحة ثوبها) اللهم اخزيك يا شيطان.
(تظهر زينب القتَّالة ومعها الفاس. تُنادي على عليَّة من الفناء الخارجي.)
زينب القتَّالة
:
يا عليَّة، يا عليَّة.
(عليَّة تخرج إلى الحوش ومن خلفِها سالمة.)
زينب
:
الفاس أهو، والتقاوي جايه حالًا من البت زينب الحرامية. افتَحِي الأرض غويط قوي،
أصلها مش أرض زراعة، أرض سجون بعيد عنك. كلها حجَر وصخر وخرَى كلاب. الله يلعن أبو الكلاب،
واللي يرمي الناس في السجن زي الكلاب.
الشاويشة
:
ياختي يا ستِّ عليَّة، بدَل الفاس والزراعة ما تقعُدي مع الجماعة دول تكلِّميهم، خلي
مُخهم ينفتِح شوية، قال إيه استشارة الدكتور شِرك بالله. استغفِر الله العظيم من كل ذنبٍ
عظيم
(تسكت لحظة) افتحي يا ستِّ عليَّة مُخهم بالكلام والنبي، هي الدنيا بتِرجع لورا.
زينب
:
وإذا الكلام مانفِعش افتحي مُخهم بالفاس.
الشاويشة
:
يا ساتر يا رب. ليه هي الستِّ عليَّة قتَّالة زيِّك يا بتِّ يا زينب، الستِّ عليَّة سياسية،
ولا كل السياسيَّات، عاجباني قوي، بس أنا مِستخسراها هنا في الرَّمْية دي، وخايفة عليها
قوي من
الراجل ده اللي عمَّال يدوَّر لها على زنزانة في التأديب. والنبي يا ستِّ عليَّة بلاش
تعاندِيه؛ خلِّي
أيامك تفُوت على خير.
(الشاويشة تُغلِق باب الحوش وتخرج.)
سالمة
(في حماس)
:
ادِّيني الفاس والنبي شوية، نفسي انفتَحِت شويَّة، أنا مش واخدَة على قعدة
السجن دي.
عليَّة
:
ولا أنا يا سالمة، لكن كل واحدة فينا حتفحَت شوية.
سالمة
:
نقسِّم الحوش، أنا حاخد الحتَّة دي، أنا حفحَت الحتَّة دي كلها، ماحدِّش يفحَتْها غيري
عليَّة
:
وأنا حاخد الحتَّة دِي.
عزَّة
:
أنا شخصيًّا مش حاقدر أفحت، لكن مُمكن أعمل حاجة تانية، أجيب ميَّة وأروي مثلًا.
(مديحة تقترب. كانت جالسةً على الأرض في الحوش.)
مديحة
:
وأنا عليَّ التقاوي؛ أنا بافهم في التقاوي كويس. أنا اللي بازرع الجِنينة في
بيتنا.
(عليَّة تُشمِّر أكمام جلبابها، وتضرِب الفاس في الأرض بقوة. يدبُّ العمل والنشاط في
الحوش. كل
واحدة فيهنَّ تعمل شيئًا، واحدة تجري إلى داخل العنبر وتعود بجردل ماء. واحدة تكنس الزبالة
في الحوش. واحدة تجمع الطوب والزَّلَط وتكوِّمه في صفيحة القمامة. حركةٌ ونشاطٌ وحماس.
سالمة تقفِز
من الحماس وهي تجري في الحوش وتجمع بعض قِطَع الزلط وتُلقِي بها خارج الحوش من فوق السور
العالي
الذي تعلوه الأسلاك الشائكة.)
(موسيقى مرِحة، راقِصة، سالمة تكاد ترقُص وهي تجمَع الزَّلط وتُلقيه من فوق السور.)
(فجأةً تخرج لبيبة من العنبر. يبدو عليها الضيق والكآبة.)
لبيبة
:
إيه الهيصة والدَّوشة اللي إنتم عاملينها دي.
سالمة
(في فرح)
:
هانزرع فول حراتي. حناكل فول حراتي (تتراقص سالمة في سرور).
لبيبة
(تردُّ في كآبة)
:
الله يلعَنك يا شيخة، عاوزة تفوِّلي علينا ليه؟ هو احنا حانقعُد في
السجن لغاية ما الفول يطلَع؟
(تعود لبيبة إلى داخل العنبر، وتجلس إلى جوار بسيمة.)
(بسيمة أمامها الحقيبة مفتوحة، في يدِها سيجارة تدخِّن.)
لبيبة
:
تصوَّري المَجانين، مُتصوِّرين إن احنا حانقعد هنا لغاية ما الزرع يطلَع.
بسيمة
:
باين المسألة حتطول يا لبيبة؛ مش باين لها آخر، (تُدخِّن في شرودٍ وضيقٍ وقلق) وأنا
كمان قلقانة قوي، مش عارفة إيه اللي مُمكن يحصل لنا. جايز يحصَل لنا حاجات أكثر من كده،
وعليَّة
مش عاوزة تجيبها البر.
(يُسمع صوت عليَّة وهي تضحك في الحوش مع سالمة وعزة ومديحة ونجاة.)
بسيمة
:
باين عليها خلاص نسيت ابنها. فيه أم تنسى ابنها بالشكل ده؟ وعمره أيام؟ وسابته مع
الجيران! ده أنا لو كنت أنا يمكن كنت اتجننت. معرفش! أنا عُمري ما كنت أم، لكن مِتهيَّألي
الأم لازم تكون كِده. مش كدَه والَّا إيه يا لبيبة؟
لبيبة
:
عليَّة مُمكن تنسى أي حاجة. هي كده طول عمرها.
بسيمة
:
بس مش مُمكن تنسى نفسها؟
لبيبة
:
ماعرفش.
بسيمة
:
لا أنا أعرف، عليَّة لا يُمكن تنسى نفسها؛ هي بتحِبِّ نفسها قوي، طول عمرها كده، طول
عمري أحسِّ إنها أنانية، وفردِيَّة، وعشان كده عُمرها ما تدخُل حِزب ولا لجنة، ولا تعرف
تشتغل مع
مجموعة. لو اشتغلت مع مجموعة تعمل مشاكل، ماتحبِّش يكون لها رئيس ولا رئيسة. لا يُمكن
تِسمع
كلام حد، اللي في مُخَّها وبس.
لبيبة
:
هيَّ مغرورَة شويَّة.
بسيمة
:
شويَّة بس؟ كتير. فاكرة إن مافيش غيرها، فاكرة إنها تقدر على اللي مايقدرش عليه حد.
وغرورها ده حيجيب لنا المشاكل، واحنا مش ناقصين مشاكل. ما كلنا ادِّينا البيانات واسم
الأب
والزوج والطليق وغيره. مجرد حاجات شكلية. لازم هيَّ تعمِل إنها حاجة تانية غيرنا؟ عِزَّة
كذابة،
وعِناد زيِّ عِناد الأطفال.
لبيبة
:
هي عنيدة طول عمرها. تخبط راسها في الحِيط.
بسيمة
:
حِيط إيه؟ هي ماشفِتش حاجة! ده احنا في سِجن، ده الحِيط هنا بصحيح، مش حيط وبس! ده
عندهم وسائل جديدة للتأديب. تكنولوجيا، التكنولوجيا دخلت كل حتَّة حتى السجون (تنفِث الدُّخان من
فمِها وأنفِها) على العموم هي حُرَّة في نفسها، لكن احنا مش عاوزينها تجُر علينا مشاكل.
(سالمة تدخُل العنبر ومعها جردَل. تجري إلى دورة المياه. تملؤه بسرعةٍ وتجري إلى الحوش
وهي
سعيدة وفرحة ومُتحمِّسة.)
بسيمة
:
والَّا البتِّ دي اللي اسمها سالمة، لا حدِّ عارف هي إيه، وأصلها إيه وفصلها إيه، لا
حدِّ عارف هي فاهمة والَّا مش فاهمة، هي لئيمة والَّا هابلة. شوفي تِتنَطَّط ازَّاي زيِّ
المجانين
ومالهاش شُغلة غير الأكل. عليها شراهة! الله يلعَن الزَّمن اللي خلَّانا نعيش وناكل وننام
مع
أشكال زيِّ دي.
لبيبة
:
احنا مش في سجن، احنا في السراي الصفرا، كان مُمكن تتخيَّلي إنك تعيشي في اوضة نوم
واحدة مع ناس يقولوا إن استشارة الدكتور شِرك بالله؟ أنا خلاص، حيجنِّنوني.
(رشيدة راقدة تنام وإلى جوارها تجلِس هادية ونفيسة. سميرة في ركنها تسبِّح وتقرأ قرآنًا.
اعتدال خرجت إلى الحوش وعلى رأسها الحجاب تتفرَّج على المجموعة التي تعمَل بنشاط. تنظر
إليهم
وهي تبتسِم في هدوء. تخرج من باب العنبر إلى الحوش، تنظر إليهم، تسير حتى باب الحوش،
باب
الحوش مُغلق.)
(تظهر من وراء باب الحوش زينب الحراميَّة معها كيسٌ به التقاوي.)
زينب الحرامية
:
زينب القتَّالة باعتة لكم التقاوي دي. كل نوع لوحده في كيس، فيه تقاوي
جرجير، وتقاوي ملوخية، وبقدونس، وفول ناشف، وإذا عُزتُم حاجة تانية بس نادوا وقولوا زينب
الحرامية، وأنا أجيلكم على طول.
(اعتدال تأخذ منها الكيس. تنظر إليها في دهشة.)
اعتدال
:
وإنتِ حرامية بصحيح يا زينب؟
زينب الحرامية
:
لأ بهزار!
اعتدال
:
بتِسرَقي بصحيح من الناس؟
زينب
:
أمَّال أنا هنا في السجن ليه يا حبيبتي؟ باين عليكي ماشُفتِيش الدنيا، لكن حتشوفيها
ازَّاي وإنتي ملفلِفة نفسك في الكفَن ده.
اعتدال
(في ضيق)
:
ده مش كفن، ده حجاب ربنا، المفروض إن شعرك ده (تشير بيدِها إلى شعر زينب
الحرامية القصير الأكرت المنكوش) المفروض إن شعرك ده ما يبانش على رجَّالة.
زينب الحرامية
(تضرب على صدرها)
:
رجَّالة؟ هم فين الرجالة، هو لو كان فيه رجَّالة يا شاطرة
كُنت أنا بقيت هنا في السجن.
اعتدال
:
إنتِ جيتي السجن عشان بتسرَقي، مش عشان الرجَّالة.
زينب الحرامية
:
لأ أنا جيت السجن عشان مالقِتش راجل يصرِف عليَّ. أنا لازم أصرِف على نفسي.
ومالقِتش غير السرقة قُدَّامي. أبويا طلَّعني من المدرسة الابتدائي عشان يجوِّزني لراجل
عجوز معاه
قرشين كانوا قرشين حرام، راحوا وخدُوه معاهم. الحرام ماينفعش، وبتاع الناس كناس على رأي
أمِّي.
مانابني من الجوازة غير تلات عِيال يتامى. وكان أبويا كويس وعايشين كويس ومش واخدة على
البهدلة. ماقدرتِش اشتغَل غسَّالة في البيوت ولا خدَّامة. إلا الخِدمة في البيوت، بهدَلة
وفقر،
الاتنين سوا. لو ما كنش أبويا طلَّعني من المدرسة، كان زماني بَقيت زيِّ الهوانم دول،
مُدرِّسة والَّا
أُستاذة والَّا دكتورة والَّا مُحاميَّة والَّا حتى سكرتيرة، أدُقِّ على الماكينة، لكن
أبويا طلعني من
المدرسة. لو كان عايش كنت قُلت له إنت السبَب في الرَّمْيَة بتاعتي هنا. وأنتِ يا بنتي
مالك
عاملة في نفسك كده ليه؟ أبوكي عايش؟
اعتدال
:
أيوة.
زينب الحرامية
:
وكويس؟ يعني بيصرِف عليكي وبيعلِّمك في المدارس؟
اعتدال
:
أيوة، كل اخواتي في المدارس، وأنا في المدرسة.
زينب الحرامية
:
يا بختك، يا ريت كل البنات لهم أب زيِّ أبوكي، وأبوكي هو اللي ملبِّسك الكفَن
ده؟
اعتدال
:
ده مش كفن؟ ده لبس ربنا، وأبويا ملوش دعوة. ده حتى أبويا زعلان منِّي ومش موافق على
الحجاب، وأمِّي رُخرَة مش موافقة، لكن لا أبويا ولا أمِّي حينفعوني في الآخرة أو يتعذِّبوا
بدالي،
أنا اللي حاتعذِّب.
زينب الحرامية
:
وتتعذِّبي ليه يا بنتي؟ إنت عملت حاجة لسَّة؟
اعتدال
:
الشعر العريان حرام.
زينب
:
حرام إيه؟ ما حرام إلا الجوع يا بنتي؟
ما حرام إلا إن واحدة زيِّي كانت شاطرة وذكيَّة يميِّلوا بختَها بالشكل ده. ده أنا كنت
أشطر
واحدة في المدرسة، أشطر واحدة، بس أعمل إيه؟ لو ما كنش أبويا طلَّعني من المدرسة، كنت
بَقيت زي الستِّ اللي واقفة هناك دي، الست الهانم الحلوة دي.
(تشير إلى مديحة.)
(زينب الحرامية تمسَح عينيها بكمِّها. يبدو عليها الحزن.)
زينب
:
حاخرج إفراج يوم الأربع، زمان عِيالي مِتلطَّمين.
اعتدال
:
وبعد ما تُخرجي حتِعملي إيه يا زينب؟
زينب
:
هاعمل إيه؟ حاسرَق تاني. دي مِهنتي اللي اتعلمتها، ماعنديش مِهنة غيرها. ماحدِّش علمني
مِهنة غيرها.
اعتدال
:
وهيمسكوكي تاني ويجيبوكي السجن.
زينب
(وهي تترك اعتدال وتسير وحدَها في الفناء)
:
وماله؟ ما أنا بخرج وأرجع، وادخل
واخرج، يجيبوها ويودُّوها ويودُّوها ويجيبوها، على رأي صباح الشحاتة، (تضحك) حاروح فين؟ كل
ده عشان أبويا خرَّجني من المدرسة، مع إني كنت أشطر واحدة، وهوَّ انا لو ما كنتش شاطرة
كنت
بقِيت حرامية؟ (تكلم نفسها) دي السِّرقة عاوزة شطارة، وأشطر ناس الحرامية، أجدَع ناس الحرامية
(تُصفِّق بيديها في سرور).
(اعتِدال لا تزال واقفةً مُمسِكةً بيديها قُضبان الباب الحديد، شاردةً، ساهِمة، تفكر
في
حزن.)
(تعود إليها زينب الحرامية مرَّةً أخرى، ومعها جردل فاضٍ.)
زينب الحرامية
:
إوعِي يكون كلامي زعَّلِك. أنا مَبحبِّش أزعَّل حد. أنا برضه باعرَف ربنا. بصحيح مش
مغطِّية شعري زيك، والرِّجَّالة بتشوف شعري، لكن حتشوف إيه يا حسرة، هوَّ أنا بقَه فيَّ
شعر؟ كنتِ
شوفيني من تلات سِنين؛ كان شعري ده كده (تشير إلى ظهرها بما يُفهَم أنَّ شعرها كان طويلًا) وكان
وشِّي مدوَّر ومنوَّر. كُنت أيامها بسافر بورسعيد. ناس قالولي السرقة في بورسعيد كتير،
سافرت
بورسعيد.
اعتدال
:
وسرقت إيه في بورسعيد؟
زينب
:
ماسرقتش حاجة. هو أنا باسرق؟ ربنا ادَّاني، ربنا هو اللي بيدِّي ماحدِّش غيره بيدِّي.
حدِّ
غير ربنا بيدِّي؟
اعتدال
:
طبعًا لأ، الرزق من عند الله.
زينب الحرامية
:
أيوة كده الكلام أمَّال. المهم ببورسعيد اتوضِّيت وصلِّيت وقُلت يا رب ادِّيني
مِية جنيه، راح ربِّنا مِدِّيني مِية جنيه. صرَفتُهم، راحوا كلهم، صلِّيت تاني وقُلت
يا رب كمان مِية
جنيه. راح ربِّنا مِدِّيني كمان مِية جنيه، صرفتهم. أصل الدنيا غلا نار، نار، راحت كل
الفلوس،
والعِيال جاعوا، قُلت مافيش فايدة أسرَق تاني.
اعتدال
:
وليه ماطلبتيش من ربنا يديكي تاني زي المرَّات اللي فاتت؟ فلوس ربنا حلال، إنما
السرقة حرام يا زينب؟
زينب الحرامية
:
انكسَفت أطلُب تاني من ربنا. انكسفت من ربنا. هو أنا يعني عشان حرامية ما
اختشيش؟ ده أنا باختِشي برضه، والله العظيم باختشي. باختشي من ربنا، ولو كان عندنا مَيَّه
في
العنبر كنت اتوضِّيت وصلِّيت، لكن مافيش ميَّه. مافيش غير جردَل البول. انتو عندكم ميَّه،
امليلي والنبي
الجردل ده من عندكم.
(اعتدال تضع كيس التقاوي على الأرض ثم تأخذ منها الجردل. تدخل إلى العنبر ثم إلى دورة
المياه. تعود بالجردل مليئًا بالماء. زينب تأخذه منها وتجري بعيدًا.)
(اعتدال تظلُّ واقفةً شارِدة ساهِمة تفكر. سالمة تقترِب منها.)
سالمة
:
ما تيجي يا صباح تشتغلي معانا؛ جرِّي الدم في عروقِك شوية. الدم كان حينشَف في
عروقي من القعدة، (تنظر إلى الكيس على الأرض)
وإيه ده اللي على الأرض؟
اعتدال
:
دي تقاوي.
سالمة
(تقفز فرحًا)
:
التقاوي، التقاوي (تخطِف سالمة الكيس من الأرض وتجري. عليَّة لا تزال
تفحت الأرض بقوَّةٍ ونشاط. عزَّة تجمع الطوب والزَّلَط وتلقِي به من فوق السور العالي.
مديحة تسوِّي
الأرض بيديها. نجاة مُمسِكة بالجردل تجري لتملأه من دورة المياه).
(اعتدال تسير نحوهُنَّ وتجلس على الأرض. تراقِبهنَّ وهي شارِدة.)
(مديحة تأخذ كيس التقاوي من سالمة
وتفتحه.)
مديحة
:
عاوزين حدِّ ينقِّي الفول.
اعتدال
:
أنا أنقِّي الفول.
مديحة
:
الفولة المسوِّسَة ارميها؛ لو انزرَعت مش مُمكن تطلع. والفولة الكويِّسة حُطيها في الكيس
ده.
اعتدال
:
حاضر.
(تجلس اعتدال على الأرض وتبدأ تنقِية الفول.)
(هادية تخرج من العنبر، ترتدي الحِجاب وفي يدِها المصحف.)
(تجلِس إلى جوار اعتدال وتقرأ
القرآن.)
(رشيدة نائمة داخل العنبر. سميرة راكعة تصلِّي وجهها ناحية الحائط. نفيسة جالسة وحدَها
تفكر
في يدِها المُصحف.)
(بسيمة راقدة تجلس إلى جوارها لبيبة، يشربان الشاي.)
بسيمة
:
نفيسة دي هي اللي فيهم؛ عاقلة وهادية وعمرها ما تتشاكل مع حد. باين عليها بنت
ناس.
(لبيبة تنظر إلى نفيسة. نفيسة أيضًا تنظر إلى لبيبة.)
لبيبة
:
خلِّي بالك هي بتراقِبنا وباين عليها سَمعانا.
بسيمة
:
وأنا بقول حاجة. أنا بقول إنها بِنت عاقلة وهادية وباين عليها بنت ناس.
لبيبة
:
اعتدال كمان كويسة.
بسيمة
:
وهادية كويسة وملهاش صوت إلا لمَّا هي وسميرة يتشاكلوا.
لبيبة
:
كل واحدة فيهم برأي.
بسيمة
:
تعرَفي إن رشيدة عاجباني قوي. وشَّها حلو زي الملاك. مَسكينة حامل وعيَّانة. وهي اللي
صعبانة عليَّ، أنا خايفة إنها تولِد هنا؛ دي ممكن تِتعَب قوي.
لبيبة
:
وحانقعُد لمَّا هيَّ تولد كمان؟ ده لسه فاضل عليها كتير قوي.
(فجأة يُسمَع صوت طفل يولد، وأصوات نسوةٍ وضجيج.)
بسيمة
:
واحدة جارتنا في عنبر الأمَّهات لازم ولدِت، يعني كمان مش ناقصين غير صراخ العيال
واللي بيولِدوا كمان.
لبيبة
:
من يومين صِحيت بالليل على صوت طفل بيتولد. معرفش جالي إحساس غريب قوي. زي ما أكون
اتولَدت هنا وها أموت هنا. وتصوَّري نسيت العالم اللي برَّه السجن خالص! كأني عمري ما
كنت فيه.
ونسيت شكل جوزي ونسيت شكل بنتي، ونسيت شكل بيتنا.
بسيمة
(في ألَم تُشعِل سيجارة)
:
لا يا شيخة ده متهيَّألك بس. تعالي نُخرج في الحوش نشِم شوية هوا؛
أنا صدري مكتوم.
(تنهَضان وتخرُجان إلى الحوش.)
(سميرة لا تزال راكعةً ووجهُها للحائط.)
(لا أحدَ بالعنبر إلا نفيسة. الجميع بالحوش.)
(نفيسة في يدِها المُصحف.)
(تدسُّ يدَها داخل عباءتِها وتُخرج قلمًا وورقة، تدوِّن بعض الكلِمات في الورقةِ ثمَّ
تُخفيها مرَّة أخرى
وتخفي القلَم في العباءة، ثم تفتح المُصحف وتقرأ القرآن وهي جالسة في مكانها.)
(تظهر الشاويشة في الفناء ومن خلفِها زوبة. تفتح الشاويشة باب الحوش. تدخل زوبة. تُغلِق
الشاويشة الباب مرَّةً أخرى.)
الشاويشة
(من خلال القضبان)
:
امسَحي العنبر ودورة الميَّه، واغسِلي الهدوم، واستعجلي؛ مش عاوزة
ضابط المباحث يرجَع من سجن الرجال ييجي يلقاك هنا. أنا قاعدة برَّة تحت الشجرة واخدة
بالي،
وزينب القتَّالة عند البوابة؛ أول ما تشوفه حاتيجي تقولِّي على طول، بس أنتِ ياللا خلَّصي
شغلك؛
مش عاوزة المأمور يكلمني تاني عن النظافة. مفهوم؟
زوبة
(في ميوعة)
:
مفهوم يا ماما فوفو.
(زوبة ترى الجميع مُنهمِكين في الفحت والزراعة في الحوش.)
زوبة
:
ده إيه الهِمَّة دي؟ إيه اللي جرى في الدنيا؟
(عزَّة في حماسٍ وقد تصبَّبَ العرق منها، تلهَث وهي تشتغِل بهِمَّة في تسوية الأرض وتبذُر
البذور.)
عزَّة
:
عليَّة جت. ولما عليَّة تيجي لازم حاجة تحصل.
مديحة
:
عرفتِ يا زوبة إن عددنا زاد واحدة جديدة؟
زوبة
:
طبعًا عِرفت، هو فيه حاجة في السجن ده تستخبى؟ تعالي يا ماما عزَّة أقولك كلمة.
(عزَّة تقترِب من زوبة. زوبة تأخذها إلى داخل العنبر. تتنحَّى بها ركنًا بعيدًا وتُخرج
من صدرِها
ورقةً صغيرة.)
(نفيسة جالسة تقرأ القرآن. تلاحظهما بدِقَّة.)
زوبة
(تهمِس)
:
ده جواب من بِنتك.
عزَّة
(تقفِز من الفزَع)
:
والنبي؟ جالك ازَّاي؟ مين ادَّاهولك؟ قوليلي، بسرعة.
زوبة
(تهمس)
:
وطي صوتك. جالي زي ما جالي بَقَه. واللي ادَّاهولي ادَّاهولي. خُديه اقرِيه بسرعة
جوَّه دورة المية، وبعد ما تِقريه احرَقِيه. لازم تحرقيه على طول؛ أحسن يِجوا يفتِّشوا
يلاقوه معاكي.
اوعي يلاقوه معاكي وإلَّا أنا اللي أروح في داهية.
ماحدش هيعمل لكم انتُم حاجة. هم بيخافوا من السياسيين. بيخافوا منكم، لكن احنا … احنا
…
بيبهدِلونا.
(عزَّة تقبِض على الورقة في يدِها وتجري داخل دورة المياه.)
(زوبة تلمُّ الهدوم وتضعها في الطشت في ركن العنبر استعدادًا للغسيل. تُمسِك المقشَّة
وتكنس
العنبر.)
(عزَّة تخرج من دورة المياه. تقفِز من الفرح وهي تمسَح دموعها في تأثر. تُعانِق زوبة
وتقبِّلها في
سعادةٍ وامتنان.)
عزَّة
:
الحمد لله، الحمد لله؛ كل حاجة كويسة، وهي كويسة، مش عارفة اعمل لك إيه يا زوبة.
عاوزة أبوسك أبوسك كده على طول. مش عارفة أعمل إيه؟
زوبة
:
مش عاوزة حاجة خالص، عاوزة كوباية شاي واحدة بس.
عزَّة
:
بس كده؟ حالًا.
(تشعِل الوابور وتضَع عليه الإبريق. تصنَع لهما كوبين من الشاي. تشربان الشاي معًا وهما
جالستان. زوبة تُدخِّن سيجارة تُخرِجها من صدرِها.)
زوبة
:
انتي مش بتدخَّني يا ماما عزَّة؟
عزَّة
:
كنت بادخَّن برَّه السجن، لكن هنا قلت لنفسي لازم أبطَّل، لازم أستغنِي عن السجاير، كنت
باسمع دايمًا عن مساجين كويِّسين ضعفوا عشان سيجارة أو حتى نفس من سيجارة.
زوبة
:
أهو أنا كده يا ماما عزة، أبيع أمي عشان سيجارة، أبيع بنتي عشان سيجارة.
عزَّة
:
بنتك؟
زوبة
:
لأ لأ إلا بنتي ياسمين.
عزَّة
:
تعرَفي أنا أول ما شُفت خطِّ بنتي وأنا جوَّه في دورة الميَّه، بقت دموعي نازلة ومش شايفة
اقرا، وفرحانة، عاوزة أنط من الفرحة، ومش عارفة أعمل إيه، عمري ما فرحت بالشكل ده.
زوبة
:
هو ده السجن، تفرحي قوي وتحزَني قوي، تخافي قوي وماتخافيش خالص. كل حاجة في السجن
لها طعم، حتى الشاي الأسود المُر ده اللي بنشربه طعمه حلو.
عزَّة
(تشرب الشاي بلذَّةٍ شديدة)
:
ألذ طعم شاي شِربتُه في حياتي.
زوبة
:
عشان فرحانة بجواب بنتك.
عزة
:
وفرحانة إني حرَّكت جسمي واشتغلت. جسمي كان اتصلَّب من قلة الحركة. حاسَّة كده بنشاط
جديد
وقوة جديدة، وكأن السجن بقى فيه أكسجين.
(تدخل عليَّة إلى العنبر تتصبَّب عرَقًا. تتَّجه نحو دورة المياه.)
عليَّة
:
لازم آخد دُش.
عزَّة
:
نفسي أنا كمان آخد دُش بعد العرَق ده، بس الميَّه ساقعة.
عليَّة
:
مش ضروري تِنزلي تحت الميَّه مرة واحدة، شوية شوية، وبعدين تتعوِّدي. يالا قومي، قومي،
ده الميَّه الباردة بتفوَّق بشكل!
(عزة تنهَض. تُخرج من حقيبتها نصف الفوطة وصابونة.)
عليَّة
:
ادخلي أنتِ الأول يا عزَّة؛ أنا حاقعد شوية لغاية ما عرَقي يِنشف.
(عزَّة تدخل دورة المياه وهي مُتردِّدة.)
عزَّة
:
أنا متعوِّدة على الميَّه الدافية، لكن هاحاول، شوية، شوية، شوية.
(تتراقَص وهي تمشي، وتُغنِّي لنفسها وهي تدخُل من باب دورة المياه.)
عزَّة
(تغنِّي وترقُص)
:
شوية، شوية، شوية، حاسب على مهلك ماتزعَّلنيش.
زوبة
(تُكلم عليَّة)
:
بعد ما تِستحمِّي هاتي غِيارك أغسِله.
عليَّة
:
كتَّر خيرك، أنا حاغسِله أنا، متعودة أغسل هدومي بإيدي.
زوبة
:
ليه؟ ماعندكيش حد يغسلِّك؟
عليَّة
:
لأ.
زوبة
:
أنا عُمري ما غسلت هدومي في بيتي. وبيتي يا سلام لو شفتيه، زي بيوت الناس الهايلايف
تمام، هنا بس في السجن اللي باغسل، وكل ده عشان حتة سيجارة، إنما تعملي إيه للمزاج بَقَه،
أنا أصلِي صاحبة مزاج.
عليَّة
:
وأنا صاحبة مزاج أنا كمان.
زوبة
:
والنبي؟ ومزاجك إيه بقَه؟
(تسكت زوبة لحظة، ثم تضحك.)
زوبة
:
مزاجك إيه يا ترى؟ سجاير والَّا برشام والَّا ماكس والَّا اسفكس؟
(عليَّة تضحك مرحة جدًّا. تشاركها الضحك زوبة.)
عليَّة
:
إيه؟
زوبة
:
مزاجك إيه بصحيح؟
عليَّة
:
مزاجي؟ مزاجي الدنيا، باحب الدنيا، باحب السما، باحب الشمس، باحب الهوا، باحب
الناس.
زوبة
:
عمرك ما دخَّنتِ سجاير؟
عليَّة
:
لأ، وأدخَّن ليه؟
زوبة
:
أمَّال أنا بادخَّن ليه؟
عليَّة
:
عادة، زي أي عادة تانية.
زوبة
:
والعادة الواحد يغيَّرها ازَّاي؟
عليَّة
:
المهم إنك تصمِّمي. الإنسان لما يصمِّم ويكون عنده إرادة، لا يُمكن لحاجة تِهزمه.
زوبة
:
والواحد يصمِّم ازَّاي؟
عليَّة
:
تسألي نفسك انتِ بتدخَّني ليه؟
زوبة
:
بدخَّن ليه؟ ليه؟
(زوبة تشرِد لحظةً طويلةً ساهِمة.)
زوبة
:
بدخَّن عشان ماقدَرش أعيش من غير تدخين.
أغسِل كوم الغسيل ده كله عشان سيجارة. أبيع
نفسي عشان سيجارة واحدة.
عليَّة
:
تبيعي نفسك؟
زوبة
:
طبعًا أبيع نفسي، نفسي ده إيه؟ ما أنا بِعتها خلاص. بِعت نفسي وبِعت جسمي، واللي
راح راح. أُمَّال أنا بادخَّن ليه؟ وباخُد البرشام ليه؟ عشان أنسى إنِّي بِعت نفسي (تشرِد لحظةً وهي
تُدخِّن) بادخَّن عشان أنسى نفسي.
عليَّة
:
وإذا ما دخَّنتيش؟ إذا مالقيتيش سيجارة مثلًا.
زوبة
:
أحسِّ إني أنا مخنوقة. أحس إني مش طايقة الدنيا ومش طايقة نفسي، إني كارهة الدنيا
كلها وكارهة نفسي أكثر من الدنيا.
عليَّة
:
حدِّ يكره نفسه، ونفسه حلوة كده؟ أنا لو مكانك يا زوبة لا يُمكن أكره نفسي. لازم أحبِّ
نفسي؛ لأن نفسك حلوة قوي.
(زوبة تقفِز فجأةً وتسقُط السيجارة من فمِها على الأرض.)
زوبة
(في فرحٍ مُفاجئ)
:
والنبي؟ أول مرَّة أسمع الكلمة الحلوة دي.
(تأخذ السيجارة من الأرض وتضعها في فمها. يعود إليها الحُزن والألم مرَّةً أخرى.)
زوبة
(في ألم)
:
يا ريت كان فاضل فيَّ حاجة حلوة. يمكن زمان وأنا صغيَّرة، لكن دلوقتِ خلاص.
وأنا صغيَّرة كان نفسي أتعلِّم وأعيش عِيشة حلوة. كنت حاسَّة إني أنا حلوة، قصدي يعني
حلوة بحقيقي،
مش زي دلوقتِ. دلوقت الواحدة فينا مزوَّقة بس، لكن حلاوة مفيش. على رأي صباح الشحاتة،
من برَّه
مزوَّق ومن جوه مليان دُخان. أهو أنا كده دلوقتِ، من برَّه مزوَّق ومن جوَّه صدري كله
دخان، لكن زمان،
زمان حاجة تانية، كنت كويِّسة.
عليَّة
:
وأنتِ كويسة يا زوبة دلوقتِ كمان.
زوبة
:
أنا كويسة؟ حدِّ يقول على واحدة في عنبر الدِّعارة كويسة؟ (تسكت لحظة) واحدة ساقطة،
باعت شرفها، وباعت نفسها (تمسح دموعها وتبكي).
عليَّة
:
الدموع دي يا زوبة معناها إنك مابعتيش نفسك، إنك لسه بتتألِّمي إنك لسَّه بتصارعي عشان
تشدِّي نفسك من تحت الأرض وتطلعيها برَّه في الشمس والهوا. إنتِ بتدخَّني عشان تنسي الألم
ده،
والمفروض إنك ماتدخَّنيش عشان ماتنسيش. لازم تفتكري إنك تحت الأرض، إنك في سجن، وإنك
لازم
تصارعي عشان تشدِّي نفسك وتطلعيها برَّه في الشمس والهوا.
(عليَّة تنظر طويلًا في عينَي زوبة.)
عليَّة
:
أنا باعرف الناس من عينيهم، وأنتِ يا زوبة إنسانة طيبة وكويسة وحلوة قوي من جوه.
أنتِ لسه مابعتيش نفسك، لسه عندك إنسانية، لسه عندك قلب يقدَر يحب ويقدَر يساعد غيره
ويدِّي
غيره من غير بُخل ولا أنانية. أنتِ مش أنانية يا زوبة؛ لا يمكن تنامي ولك زميلة في العنبر
جنبك جعانة.
زوبة
:
جعانة؟ لا يمكن أبدًا، ده حتى السيجارة اللي ما أقدَرش استغنى عنها، باقسِمها أنا
وهي، كل واحدة فينا تاخُد نفس.
عليَّة
:
ومش بس كده، أنا باحسِّ إنك جريئة ومش بتخافي، وممكن تقولي رأيك لأي حد، قصدي
ماتخافيش تقولي رأيك لأيِّ حد.
زوبة
:
إلا دي؛ أنا بقول للأعور أعور في عينه. ده مرَّة خدوني التأديب وضربوني ضرب!
عليَّة
:
وضربوكي ليه؟
زوبة
:
حاجة هايفة والله، كنت ماشية في الحوش راحت الضابطة شاتماني وقالت لي يا جبانة.
ردِّيت عليها وقلت لها أنتِ اللي جبانة. والله العظيم هي بتخاف من المأمور أكثر منِّي،
ولما
تشوفه جاي من بعيد تترِعِش كده. (تحرك يديها على شكل الرعشة) هي تترِعِش من المأمور، والمأمور
يترِعش من المدير، والمدير يترِعش من المدير الكبير، وكلهم بيخافوا من بعض، إلا ضابط
المباحث،
كلهم بيخافوا منه. (تضحك) مرة شفتُه في الحوش بيشتِم واحدة من عندنا شتيمة وحشة خالص،
استخبيت ورا الحيط ورُحت رمياه بطوبه. الراجل ده وحِش خالص سمِعت إنه ناويلك على حاجة.
عليَّة
:
أنا برضه زيِّك يا زوبة مش باخاف، وأقول للأعور أعور في عينه. أنا أحب أقول رأيي. غلط
صح أحب أقوله. الإنسان عندي هو اللي يقدَر يقول رأيه ولا يخافش، ومدام بتقدري تقولي رأيك
ولا
تخافيش تبقي إنسانة، إنسانة شريفة.
زوبة
(في ألم)
:
شريفة؟ حدِّ مُمكن يقول عليَّ شريفة؟
عليَّة
:
إنتِ شريفة يا زوبة، وعشان كده بتصارعي وتتألِّمي عشان تشدِّي نفسك من تحت الأرض ومن
الطين اللي رموكي فيه. بتدخَّني عشان تنسي إنك في الطين. لا يمكن تنسي، لا يمكن تبطلي
صراع، لا
يمكن. يإما تشدي نفسك وطلعيها لبره في الشمس والهوا يإما تموتي وإنتِ بتصارعي. وإنتِ
مش مُمكن تموتي، مش مُمكن تنهِزمي؛ باين في عينيكي إنك
قوية.
زوبة
(في حماس)
:
أنا ماحدِّش يغلبني. الراجل جوزي طُولي مرِّتين. ومرة مِسكتُه ضربته وغلبتُه. مرَّة
كنت هاقتله، لكن قلت ما يستاهلش القتل. اودي نفسي في داهية عشانه ليه؟ تعرَفي إيه اللي
قاسِم
وِسطي؟ إيه اللي رميني في الطين ومخلِّيني مِستحملة الطين؟ هي بِنتي. لازم أعلِّمها أحسن
تعليم،
وأربِّيها أحسن تربية.
عليَّة
:
اسمعي يا زوبة، أنا أم زيِّك تمام، وافهم كلامك، واعرف إحساس الأم (في ألم) أنا عندي
ابن عمره أيام وسيبته وجيت السجن، (في تحدي) ومستعدَّة أفضل في السجن وأموت في السجن. ليه أنا
باعمِل كده؟ كان ممكن أقول لنفسي سجن إيه وعذاب إيه؟ ما أفضل في بيتي وأربي ابني، كل
الناس
بيقولوا كده، (في شرود) كل الناس بيقولوا عاوزين نربِّي أولادنا. بتسمعي الناس كلهم يقولوا
عاوزين نربي أولادنا، من أول الشاويشة لغاية المأمور، وضباط المباحث، والمدير، والمدير
العام واللي فوق فوق المدير العام. تقابلي واحد مُحتَرم ومُتعلِّم وفاهم وتشوفيه خايف
ومش قادر
يقول رأيه، أو يقول رأي تاني غير رأيه، وتسأليه ليه؟ يقولك عاوز أربِّي ولادي. (في غضب) هي
تربية الولاد دي إيه؟ أكل وهدوم ومصاريف مدارس؟ الولد اللي بيشوف أبوه جبان ومش قادِر
يقول
رأيه بيطلَع جبان وما يقدرشي يقول رأيه. الولد اللي بيشوف أبوه بيبيع نفسه أو بيبيع رأيه
بالفلوس، بيطلَع يبيع نفسه ورأيه بالفلوس. تفتكري يا زوبة إن الإنسان اللي يبيع نفسه
هو
إنتِ بس؟ تبقي غلطانة. فيه ناس تبيع جسمها عشان الفلوس، وفيه ناس تبيع رأيها وعقلها
بالفلوس، والاتنين زي بعض. يمكن بيع الجِسم أخف من بيع العقل؛ ولأن دول ودول لما يربُّوا
ولادهم
لازم ولادهم يطلعوا زيهم. (تسكت لحظة) وأنا برَّه السجن كنت بين حاجتين، يا أبيع رأيي يا أدخل
السجن. ماقدرتش أبيع نفسي ودخلت السجن. مافيش أم باعت نفسها تقدَر تربِّي ابنها أو بنتها.
ومافيش أب باع نفسه بيقدَر يربِّي ابنه أو ابنته. هو اللي يبيع نفسه يا زوبة يفضَل معاه
إيه؟
ويربي بإيه؟ الواحد بيربي بنفسه، واللي مالوش نفس مالوش حاجة يربِّي بيها، ومالوش حاجة
في
الدنيا، وإن كان عنده بليون جنيه.
زوبة
(في ألم)
:
ده مُمكن تِفضَلي في السجن على طول وتموتي في السجن.
عليَّة
:
أحسن ما أموت برَّه السجن. على الأقل جوَّه السجن أحسِّ إني لسَّه بصارع، لسه عندي قوَّة
أشدِّ بيها نفسي من تحت الأرض واطلَّعها في الشمس والهوا، لكن برَّه السجن كنت هاموت
وأفضل رايحة
جايَّة من البيت للشغل، وابني يطلع زيِّي ميِّت ومالوش رأي.
(زوبة صامتة شارِدة، تفكر وهي مُطرِقة إلى الأرض.)
(تخرج عزَّة من دورة المياه شعرُها مبلول. تشعر بانتعاشٍ وحيويَّةٍ ونشاط.)
عزَّة
:
يا سلام! الميه الباردة مُنعِشة بشكل! في الأول خُفت وجِسمي ارتَعش، لكن حطِّيت نفسي
تحت
الميَّه شوية شوية شوية. دراعي الأول، وبعدين الدراع الثاني، وشوية شوية نزلت كلي تحت
الميه. بعد شويَّة ماحسيتش إن الميَّه باردة، لقيتها دافية.
(زوبة ترفع رأسها وتنظر إلى عليَّة.)
زوبة
:
وعشان كده أنتم في عنبر السياسة واحنا في عنبر الدعارة. في الدِّعارة الناس تبيع
جسمها.
عزَّة
:
وفي السياسة تبيع رأيها، أو ترفض تبيع رأيها يقوموا يحبسوهم في السجون.
زوبة
:
أنا عمري ما فهِمت في السياسة.
عزَّة
:
هي السياسة إيه يا زوبة؟ السياسة إنك تقولي رأيك. لازم كل واحد يقول رأيه في كل حاجة،
لازم كل واحد يقول …
زوبة
:
يقول إيه مثلًا؟
عزَّة
:
يقول مثلًا إن مش معقول إن واحد يبقى عنده ملايين وواحد تاني مش لاقي ياكل. يقول
مثلًا إن واحدة زيِّك حلوة وذكيَّة وعندها إنسانية ومُمكن تعرض نفسها للضرب عشان تجيب
لأمِّ جواب
من بنتها. ازَّاي واحدة زيك تغسِل كوم هدوم بسيجارة أو تبيع نفسها عشان تعلِّم بنتها؟
ده شيء مش
مفروض يحصل، وإذا حصل يبقى فه حاجة غلط في الدنيا.
زوبة
:
الدنيا كلها غلط في غلط، اللي يسرق ويكذب هو اللي يعيش ويكسب، والشريف يجوع والشريفة
تجوع. حتى في المِهنة بتاعتنا مش كل واحدة بتدخل السجن. فيه بنات مربَّطة مع البوليس.
كل شوية
تدفع، كل شوية تدفع لهم، وتفضَل برَّه السجن، وحتى إذا دخلت السجن ماتطولش، تخرج على
طول،
المحكمة تخرَّجها؛ أصلها بتدفع هنا وهنا، تدفع للمحامي وتدفع للقاضي، وتدفع للدنيا كلها.
الدنيا كلها عاوزة فلوس، فلوس، الدنيا بلَّاعة فلوس، وجوَّه السجن زيِّ برَّه السجن.
الكل عاوز
فلوس واللي معاها فلوس هنا تعيش ملكة، زي الحاجة شلبية في عنبر المُخدَّرات، عايشة في
السجن
زي الملِكة وعندها كل حاجة، حتى التليفون، تليفزيون ملون …
عزَّة
(في سخرية)
:
عنبر المُخدَّرات يشوف تليفزيون ويسمع راديو، وعنبر الدِّعارة فيه ورَق وأقلام
وكتب، وعنبر السياسيات مايشوفش جورنال ولا كتاب، الدنيا هنا معكوسة ومشقلبة.
عليَّة
(تضحك في سخرية)
:
بالعكس، هي مشقلبة برَّه السجن، لكن في السجن معدولة شوية، برَّه
السجن الأمور مِتغطِّية، لكن جوَّه السجن كل حاجة على بلاطة، مافيش زِواق، مافيش من برَّه
مزوَّق
ومن جوَّه مليان دخان، على رأي صباح، فيه دُخان من برَّه ومن جوَّه فيه دخان.
عزَّة
:
مَدخنة السجن طول النهار تحدِف علينا دُخان أسود وصدرنا اتملى دخان.
عليَّة
:
تعرفي يا عزَّة؟ أنا في السجن نفسيِّتي أحسن من برَّه. شايفة الأمور أوضح. شايفة الحقيقة
أكثر. برَّه السجن كنت تعبانة تعبانة. كنت حاسة بغربة. شايفة الزِّواق من برَّه والدخان
من جوَّه
وبقول اللي أنا شايفاه، واللي حواليا يقولولي يا شيخة اسكتي، إنتِ شايفة حاجة؟ ده الدنيا
كلها مزوَّقة وحلوة والناس كلها مبسوطة. إنتِ زعلانة ليه؟ وحسَّيت بغربة. أحيانًا كنت
أشك في
عيني، وأقول جايز مش شايفة كويس، وأبص قوي وأدقَّق، وأشوف الدُّخان الأسود برَّه وجوَّه،
وأقول أنا
شايفة دُخان، يقولولي أبدًا؛ ده زُواق وكل حاجة تمام. أقولهم ده دخان يقولولي أبدًا؛
ده صواريخ
الأفراح، ده الانتصارات، وكل حاجة تمام. أقولهم دِي الناس تعبانة وشقيانة وكل مُدَّة
يتعبوا أكتر
ويشقوا أكثر والخير بيقلِّ ويقِلِّ ويقِل. يقولولي أبدًا؛ دي الناس مستريحة ومبسوطة وفرحانة
والخير
بيزيد بيزيد ويزيد.
عزَّة
:
الخير كان بيزيد عند ناس ويقلِّ عند ناس. الخير كان بيزيد عند تلاتة أربعة، ويقِل عند
مليون.
(سميرة كانت تُصلي أو تُسبح. تلتفتُ ناحيتهم وتقول بصوت عالٍ حاد):
سميرة
:
الخير من عند ربنا.
(تدخل اعتدال تجري في نشاطٍ وقد شمَّرت جلبابها الطويل، تحمل جردلًا.)
اعتدال
(في حماس)
:
أنا اللي حاروي الفول.
(ترى زوبة وعليَّة وعزَّة يشربنَ الشاي.)
اعتدال
:
أيوة نفسي في كباية شاي.
عزَّة
:
تعالي، فاضل في الإبريق شاي يا اعتدال، تعالي معانا (تجلس اعتدال إلى جوار
عزَّة).
اعتدال
:
تعرفي إنك عاجباني قوي وقلبك طيب قوي ومستخسراكي قوي.
عزَّة
:
ومستخسراني في إيه؟
اعتدال
:
في عذاب القبر.
عزَّة
:
عذاب القبر! ليه بقَه؟
اعتدال
:
عشان معرِّية شعرك ومابتصليش.
عزَّة
:
وأنتِ تعرفي ياعتدال إنك عاجباني قوي، وذكية قوي، ومستخسراكي قوي.
اعتدال
:
في إيه يا ترى؟
عزَّة
:
في إنك تحرِمي نفسك من التعليم وتسيبي المدرسة عشان النقاب. حرام عليكي يا شيخة تعملي
في نفسك كده. شفتي البنات اللي انحرَموا من التعليم في صغرهم طلعوا إيه؟
زوبة
(تضحك)
:
لو كان أبويا علمني ولا جوزنيش الراجل ده، كان زماني بقيت أستاذة كبيرة،
وبدل عنبر الدعارة كنت بقيت معاكم في عنبر السياسة.
اعتدال
:
أنا حاتجوز راجل كويس يعرف ربنا، يحافظ عليَّ وعلى أخلاقي.
زوبة
:
ويصرِف عليكي؟
اعتدال
:
وماله لما يصرِف علي؟ عيب الراجل يصرِف على امراته.
زوبة
:
لأ مش عيب، لكن افرضي معهوش فلوس كفاية. الراجل الشريف دايمًا معاهوش فلوس. افرضي
معاه فلوس لكن اتجوِّز عليكي واحدة تانية، افرضي طلَّقك، افرضي مات! مات موتة ربنا أو
ضربه
أوتومبيل وساب لك قُرطة عيال، تعملي إيه يا شاطرة؟ تشتغلي غسَّالة والَّا حرامية والَّا
تلِفِّي على
الأبواب تِشحَتي عليهم زيِّ صباح المُتسوِّلة؟
اعتدال
(تنهَض فجأة وتُمسِك الجردل وتتَّجه ناحية دورة المياه)
:
وليه أفكر في كل المصايب دي؟
زوبة
:
هي دي مصايب؟ دي يا حبيبتي حياة كل يوم. ياما رجَّالة شُرَفا وكويسين بس معاهومش فلوس،
وعاوزين الواحدة تشتغل وتساعدهم. وماله لمَّا الواحدة تشتغل شُغلة محترمة وشريفة. وياما
رجَّالة
بتتجوِّز على مراتها واحدة واثنين وتلاتة وأربعة. وياما رجالة بتطلق بسبب ومن غير سبب،
أو
الراجل عِشق على امراته واحدة تانية، وياما رجالة بتموت موتة ربنا، وياما رجالة بتطسها
أوتومبيل، وياما رجالة بتسافر برَّه تدوَّر على رِزقها ولا ترجَعش، وياما وياما وياما
… دي يا
حبيبتي حياة كل يوم، حدِّ ضامن حاجة؟ فيه واحدة تِضمَن جوزها أو تضمَن إيه اللي يحصل
لجوزها، أو إيه اللي يحصَل بكرة؟
(اعتدال وهي تدخل دورة المياه لتملأ الجردل.)
اعتدال
:
الضمان على الله، يا ترى مين يعيش، يبقى ربنا يرزُقني، الرزق على الله.
زوبة
:
لكن ربنا قال اسعى يا عبد وأنا اسعى معاك. ربنا ماقلش إن الواحد يقعُد في حتَّة والرزق
ينزل
من السما.
(تدخل اعتدال دورة المياه ومعاها الجردل.)
(تدخل سالمة وهي تُنادي على اعتدال.)
سميرة
(في غضب وهي جالسة تقرأ القرآن تخاطب زوبة)
:
والله عال! ده اللي ناقص، إن واحدة
زيِّك يا زوبة تقعُد تبوَّظ عقل البنات! إنت مش ممكن تدخلي هنا، امشي اطلعي برَّه.
سالمة
(في دهشة)
:
إيه اللي حصل؟ ليه بتُطرديها يا ستِّ سميرة؟
سميرة
(تصرخ في ضيق)
:
وأنتِ مالك يا جاسوسة أنتِ كمان؟ ولك عين تتكلمي؟ أنا حرة، أطردها
وأطردها.
(الجميع يدخلن العنبر على صوت سميرة. عليَّة تنهَض تسير نحو سميرة وتقترب منها.)
عليَّة
:
لأ يا أستاذة سميرة، إنتِ مش حرة؛ العنبر ده مش بتاعك لوحدك، العنبر بتاعنا كلنا.
مش من حقِّك إنِّك تطرُدي زوبة. إذا كنتي أنتِ مش عاوزاها هنا في العنبر فيه غيرك عاوزها،
إذا
كنتِ بترفعي صوتك عليها ومش بتحترميها فيه غيرك بيحترمها. اللي بتغسل لك هدومك، وتمسح
لك
العنبر، وتمسح لك دورة الميه، وتموِّت لك الصراصير؟
سميرة
:
وهيَّ بتمسح ليَّ أنا بس؟ هو العنبر بتاعي أنا بس؟
عليَّة
:
أيوة، العنبر مش بتاعك أنتِ بس؛ وعشان كده مش من حقِّك إنك تُطردي زوبة منه. العنبر
بتاعنا كلنا، واحنا كلنا اللي نقرَّر زوبة تفضل والَّا تخرج.
(زوبة تجري بسرعة خارج العنبر وخارج الحوش.)
(سالمة واعتدال ومديحة ونجاة يَجرين وراءها وينادين عليها.)
سالمة
:
تعالي يا زوبة.
اعتدال
:
تعالي يا زوبة.
مديحة
:
تعالي يا زوبة.
نجاة
:
تعالي يا زوبة.
(عزَّة أيضًا تخرج إلى الحوش وتُنادي عليها.)
عزَّة
:
تعالي يا زوبة.
(سالمة تُمسِك زوبة من يدِها. زوبة تجلِس في الحوش وترفُض العودة إلى العنبر. تُخفي رأسها
بين
ركبتيها وتبكي في صمت.)
(يترُكنها جالسة في الحوش تبكي ويدخُلن العنبر ليتابِعن ما يحدُث داخل العنبر. عليَّة
واقفة في
مواجهة سميرة. لا تزال تتكلم. بسيمة جالسة على مرتبتها تدخِّن. لبيبة إلى جوارها وإلى
جوارهما
مديحة جالسة. الجميع يُتابِعن ما يحدُث في صمتٍ وانتباه، سالمة جالسة بجوار هادية.)
عليَّة
:
ثم مش من حقِّك كمان إنك تتهمي زميلة لنا في العنبر بأبشع تُهمة مُمكنة، إنها تكون
جاسوسة؟
سميرة
:
أيوة سالمة جاسوسة. أنتِ لسه جاية جديد وماتعرفيهاش، احنا اللي عارفينها، كل
العنبر عارف إنها جاسوسة.
(عليَّة تتلفَّت حولها في العنبر وتنظر إلى جميع زميلاتها في العنبر في دهشةٍ وتساؤل.)
عليَّة
:
كل العنبر؟ مين؟ أنا مش عارفة؟ يا جماعة أنتم كلكم موجودين أهه. الأستاذة سميرة
بتقول إن سالمة جاسوسة. مين فيكم رأيها زيِّ رأي الأستاذة سميرة؟
(الجميع صامتات، تنظر كل واحدةٍ إلى الأخرى.)
(الصمت يطول ثم تبدأ بسيمة الكلام.)
بسيمة
:
بصراحة سالمة كان لها تصرُّفات تخلِّي أيِّ حدِّ يشكِّ فيها. طول الوقت تحاول تعمل ساذجة
وهابلة. ودي تصرُّفات بصراحة خلتني أنا أشك فيها، وأنا بطبيعتي ماحبش أشكِّ في حد. في
رأيي إن
المُتَّهم بريء حتى تثبُت إدانته.
عليَّة
:
طيب يا أستاذة بسيمة مدام المُتهم بريء حتى تثبُت إدانته، يبقى سالمة بريئة حتى تثبت
إدانتها. وأنا لغاية دلوقتِ مش شايفة أي سبب أو أي دليل يدل على إنها جاسوسة. إذا كانت
لها
تصرُّفات ساذجة أو هابلة زيِّ ما بتقولي، فده مش سبب عشان نتهمها أو نشك فيها. بالعكس،
الجاسوسة
لا يُمكن تكون ساذجة.
بسيمة
:
الجاسوسة ممكن تدَّعي السذاجة عشان تغطي على نفسها.
عليَّة
:
ممكن، لكن ليه ماتكونش سالمة ساذجة بحقيقي؟ ممكن تكون صحيح مش عارفة حاجة.
(نفيسة تتدخَّل فجأةً في الحديث.)
نفيسة
(بغضب)
:
حد مش عارف هو في السجن ليه؟ علينا الكلام ده؟
عليَّة
:
أنا شخصيًّا مش عارفة أنا ليه في السجن. أنا عمري ما اشتغلت بالسياسة ولا دخلت حزب
ولا لجنة ولا ليَّ أي نشاط سياسي. مجرد قُلت رأيي. أنا معرفش أنا هنا ليه.
عزَّة
:
وأنا كمان معرفش أنا هنا ليه.
مديحة
:
ولا أنا.
نجاة
:
ولا أنا.
اعتدال
:
ولا أنا.
بسيمة
:
لأ، أنا عارفة أنا هنا ليه، أنا هنا لأني وهبت نفسي للدفاع عن حقوق الشعب، أنا
باشتغل بالسياسة في العلَن زيِّي زيِّ غيري. مش باشتغل في السرِّ أو تحت الأرض. أنا هنا
لأن ليَّ دور
كبير ومسئولية كبيرة تجاه الوطن.
سميرة
:
وأنا عارفة أنا هنا ليه. أنا هنا لأني باعبد ربنا وعارفة ربنا في عالم كلُّه كفَرَة
ومايعرفوش ربنا.
(لبيبة وهادية صامتتان تتابعان ما يدور.)
(رشيدة راقِدة لا تزال مريضة بعضَ الشيء، لكنها تُتابِع ما يدور باهتمام.)
عليَّة
:
احنا اتناشر واحدة هنا، نُصِّنا تقريبًا مش عارفين هم هنا ليه. يا جماعة مش معقول
نتِّهم زميلة لنا زي سالمة بتُهمة كبيرة كده بدون دلائل. مش كده والَّا إيه يا أستاذة
بسيمة؟
المتهم بريء حتى تثبت إدانته.
سميرة
:
أيوة فيه دلائل؛ ضابط المباحث خَدها على جنب قُدَّامنا كلنا ووشوشها بكلام مارضيتش
تقولنا عليه. بينها وبين ضابط المباحث أسرار، وبتنقل له أسرارنا، وهو اللي مشغلها
هنا.
عليَّة
:
وهو لو كان مشغَّلها هنا يا جماعة كان يكشفها كده قُصاد الجميع. دول ناس مُدرَّبين
وعارفين شغلُهم كويس. وخصوصًا دلوقتِ بَقَه فيه إتقان وكفاءات وطرُق علميَّة.
عزَّة
:
لا يمكن يكون ده دليل أبدًا. أنا شخصيًّا باعتقد إن سالمة لا يُمكن تكون جاسوسة. صحيح
هي كلامها كتير وساذجة زيادة عن اللزوم، لكن مافيش أي حاجة ضِدَّها. أنا رأيي إن سالمة
بنت طيبة
وقلبها صافي.
اعتدال
:
قلبها صافي زيِّ اللبن.
نجاة
:
أيوة بصحيح.
مديحة
:
سالمة طيبة بس ظروفها سيئة.
هادية
:
فعلًا ظروفها صعبة، لكن هي بنت كويسة جدًّا، وأنا شخصيًّا عرفتها كويس لأننا بنَّام جنب
بعض، وبنِحكي لبعض همومنا.
(هادية تُمسِك يدَ سالمة جوارها.)
عليَّة
:
متهيَّأ لي يا أستاذة سميرة إن مُعظمنا في العنبر شايفين إن سالمة لا يمكن تكون جاسوسة.
مافيش داعي إنك تقولي عنها إنها جاسوسة؛ هي برضه زميلة لك.
سميرة
(في غضب)
:
أرجوك، هي مش زميلتي، وأنا حافضل أعتقد إنها جاسوسة. أنا على يقين من
ذلك، أنا على يقين.
عليَّة
:
واليقين ده يا أستاذة سميرة جالك منين؟
سميرة
(وهي تُسبح)
:
من ربنا.
عليَّة
(في دهشة)
:
ربنا هو اللي قالك إنها جاسوسة؟
سميرة
:
أيوة ربنا، ربنا بيقولي حاجات كتير، ربنا دايمًا يقول لأي إنسان مؤمن قلبه صافي
ونقي. عمر ما ربنا قالي حاجة وطلعت غلط؛ لأني باعرف ربنا.
عليَّة
:
هو أنتِ بس اللي بتعرَفي ربنا في العنبر؟ كلنا بنعرف ربنا.
سميرة
(بحِدَّة)
:
لأ مش كلكم.
عليَّة
:
ربنا مش مُمكن يحبِّ الظلم، وإنتِ بتظلمي سالمة بالشكل ده.
سميرة
:
لأ مش باظلِمها، أنا مُتأكدة إني مش باظلِمها.
(سالمة جالسة إلى جوار هادية. تُطرِق سالمة إلى الأرض. تُخفي وجهها بين ركبتيها وتبكي.)
هادية
(بغضب)
:
لأ إنتِ بتظلميها يا سميرة.
سميرة
(في حدة)
:
لأ، مش باظلِمها، أنا مُتأكدة.
هادية
:
وإيه اللي أكِّد لك.
سميرة
:
ربنا، ربنا بيأكد لي يوم بعد يوم إنها جاسوسة.
هادية
:
وإيه رأيك بقَه إن ربنا بيأكد لي يوم بعد يوم إنها مش جاسوسة.
سميرة
:
كلام ربنا لي هو الصح.
هادية
:
وليه مايكونش كلام ربنا ليَّ أنا هو الصح؟ هو ربنا بتاعك أنتِ بس، ربنا بتاعنا كلنا.
ربنا بتاعي زيِّ ما هو بتاعك.
سميرة
(بغضب)
:
لأ، ربنا بتاعي أنا.
هادية
:
لأ، ربنا بتاعي أنا.
سميرة
:
أنا عرفت ربنا.
هادية
:
وأنا عرفت ربنا.
سميرة
:
أنا شفت ربنا، إنتِ ماشفتيش ربنا.
هادية
:
مين قال إني أنا ماشفتش ربنا؟ أنا شفت ربنا كمان.
سميرة
:
أنا شُفت ربنا قبلك.
هادية
:
لأ أنا اللي شُفت ربنا قبلك.
سميرة
(في غضب شديد)
:
أنتِ ماشفتيش ربنا خالص؛ إنتِ فراموية.
هادية
(في غضب أشد)
:
أنتِ اللي خومينية وعلوية.
(فجأة يُسمع صوت الشاويشة من الخارج تفتح باب الحوش، وتكلم زوبة التي كانت جالسة في
الحوش.)
الشاويشة
(في اضطراب)
:
الراجل ضابط المباحث واقف على البوابة وجاي حالًا دلوقت. اجري
ليشوفك هنا يودِّينا في داهية. النهاردة مش فايت.
(زوبة تجري بسرعةٍ وتختفي.)
(الشاويشة تدخل إلى العنبر في سرعةٍ واضطراب.)
الشاويشة
:
ضابط المباحث جاي دلوقت. الراجل مش عارفَة جرى له إيه. جهز زنزانة في التأديب
تَجهيز غريب قوي. رايح جاي يجهز فيها. عمرنا ماشفنا حاجة بالشكل ده. الشر راكبه وعينيه
زيَّ ما
تكون بتطقِّ شرار. بقى لي عشرين سنة في السجن ده عُمري ما شُفت راجل شرَّاني بالشكل ده،
وعمري ما
شُفت الأجهزة دي في التأديب. الرجالة بتوعه داخلين خارجين يِشيلوا حاجات عُمرنا ما شُفناها،
والسجن واقف على رجله. الناس كلها خايفة. أنا جِسمي كله بيتنفِض.
(الشاويشة تنظر إلى عليَّة. الجميع ينظُرن إلى عليَّة.)
الشاويشة
:
يعني يا ستِّ عليَّة مش كُنت تطاوعيه على قد عقله وخلاص.
عليَّة
:
أطاوعه ازَّاي يا شاويشة، هو الغلطان مش أنا.
الشاويشة
:
أيوة هو غلطان، والغلط راكبه من فوق ومن تحت، لكن هو اللي معاه القوة، أنا
خايفة عليكي، هو يقدَر يكسرك، وأنا مستخسراكي.
عليَّة
:
ماحدِّش قدِر يكسَرني طول حياتي يا شاويشة. والدي الله يرحمه ماكسرنيش. أخويا الكبير
كان عاوز يكسَرني مرَّة.
مرَّة وأنا صغيَّرة أخويا حاول يكسَرني. كان عندي عشَر سنين وأخويا ضربني قلَم على وشِّي،
راح
والدي ضربه قلَم وقاله طول ما أنا عايش إياك إيدك تتمدِّ عليها. ولما والدي مات كنت أنا
كبرت
وأخويا كان سافر واتجوِّز. وحاول جوزي يكسَرني، ماقدِرش؛ لأنِّي قدِرت أسيبه وقدِرت أعيش
من غيره.
وفي الشغل حاولوا يكسَروني ماقدروش. وكان دايمًا والدي يقولِّي الطفل اللي أبوه عمره
ما ينكسر،
ما ينكسرش، واللي يخاف من أبوه يفضَل طول عمره خايف. أنا يا شاويشة ماخُفتش من أبويا،
عاوزاني
أخاف من حتَّة ضابط؟ ده أنا جيت السجن هنا عشان ماخُفتش من حدِّ. عاوزاني أخاف من حتَّة
ضابط؟ إذا
كنت ماخُفتش من اللي أكبر منه، عاوزاني أخاف منه؟
(سالمة تقفِز وتُعانِق عليَّة.)
سالمة
:
والنبي أنا بحبِّك. أنا كمان مش باخاف من حد.
(تظهر في الحوش زينب الحرامية تجري خائفةً وتدخُل إلى الحوش. الشاويشة تطرُدها.)
الشاويشة
:
اخرجي يا بتِّ من هنا، ضابط المباحث جاي.
زينب الحرامية
:
بيقولوا الستِّ علية وقفت قدَّامه ولا خافتش منه وإنه ناويلها على الشر.
الشاويشة
:
طب اطلَعي يا بتِّ برَّه الحوش.
(تظهر زينب القتالة أيضًا تجري نحو الحوش وتدخل.)
الشاويشة
:
والنبي يا زينب اطلعي برَّه؛ الراجل جاي دلوقت، بلاش تودِّيني في داهية.
زينب القتالة
:
كلام إيه الفارغ ده؟ ازَّاي الراجل ده يحطِّ عليَّة في التأديب؟ بقَه مالقاش غير
عليَّة؟ ده ضُفرها يساوي مليون راجل زيُّه.
الشاويشة
:
طب اخرجي بسرعة، مش عاوزاه يشوف واحدة منكم جوَّه الحوش بتاعهم، ممنوع حد يخُش
عندهم.
زينب القتالة
:
أخرُج ازَّاي؟ مش خارجة، دي عليَّة دي حبيبتي.
(الشاويشة تدفع زينب خارج الحوش، وتُحاوِل غلق الباب.)
(تأتي بعض المسجونات الأُخرَيات من بينهنَّ صباح المُتسولة، صباح تعرُج وتجري في اضطرابٍ
نحو
الحوش.)
صباح المُتسوِّلة
(وهي تُغنِّي)
:
بنت الحلال في السجن مرميَّة،
وابن الهيفة بيتحكم على كيفه.
الشاويشة
:
وأنتِ كمان يا بتِّ يا صباح يا عارجة لك نفس؟ يا بتِّ امشي انجرِّي من هنا.
(إحدى المسجونات تدفَع باب الحوش لتدخل. الشاويشة تمنعها.)
المسجونة
:
عاوزين نشوف الست عليَّة، مين هيَّ؟ مين فيهم؟
(الشاويشة تدفعها وتغلِق الباب وتدخُل إلى العنبر.)
(المسجونات واقفات في الفناء الخارجي. بعضهن يُمسِك قضبان باب الحوش. زينب القتَّالة
بينهم
وغيرها أخريات، بينهن أيضًا زوبة وصباح الشحَّاتة وزينب الحرامية وغيرهن.)
زينب القتَّالة
(تقول وسطهن)
:
دي ضُفرها يساوي مليون راجل زيُّه.
(الشاويشة تدخل إلى العنبر في اضطراب. الجو كلُّه مشحون ومكهرب. الجميع صامتات واجمات.
بعضهن
خائف، بعضهن غاضِب.)
(عليَّة تتمشَّى في العنبر بثقةٍ وإصرارٍ وتحدٍّ.)
(عزَّة واقفة في غضب. سالمة تبكي. اعتدال تبكي أيضًا. هادية ترفع يديها وتدعو الله.)
هادية
:
يا رب ارزُقه بأوتومبيل يطُسُّه وهو جاي في السكة.
الشاويشة
:
سكة إيه؟ إذا كان هو جوَّه السجن وواقف على البوابة، ربنا حيرزقه بأتومبيل فين يا
هادية؟ قولي ربنا يرزُقه بسكتة قلبيَّة يطبِّ يموت وهو واقف على البوابة. قولي يا رب.
هادية
(ترفع يديها)
:
يا رب.
(الشاويشة تُخاطب سميرة.)
الشاويشة
:
ادعي كمان أنتِ يا ستِّ سميرة؛ ربنا يمكن يستجيب لدعوتك أكتر منها.
سميرة
:
ربنا ياخدُه وياخُد أمثاله.
اعتدال
:
يا ربِّ ياخدُه يا رب.
رشيدة
(تفتح فمها وهي راقدة، بصوتٍ ضعيف)
:
إلهي تأخده.
عزَّة
(في غضب)
:
هو الراجل ده إيه؟ يعني مافيش غيره؟ مالوش رئيس نبعت له شكوى أو
احتجاج.
هادية
:
الشكوى لغير الله مذلَّة.
سالمة
:
أيوة لازم نبعَت شكوى.
مديحة
:
ونكتب الشكوى بإيه ولا على إيه؟ لا معانا لا ورقة ولا قلَم.
اعتدال
:
أنا معايا ورقة وقلم، زوبة جابتهم ليَّ امبارح عشان أكتب جواب لأمِّي.
(تُخرج من عباءتها ورقةً وقلمًا.)
عزَّة
:
أيوة، أنا حاكتِب الشكوى وكلِّنا نمضي عليها بأسامينا كلنا.
سميرة
:
لأ، أنا مش هامضي على أيِّ ورقة ولا أيِّ احتجاج.
عزَّة
:
ليه يا سميرة؟
سميرة
:
أنا لا أشتكي طاغوت لطاغوت.
نفيسة
:
أيوة، ولا أنا، كلهم طواغيت.
(يُسمع ضجَّة كبيرة بالخارج. تظهر الضابطة. المسجونات يُفسِحن لها الطريق.)
الضابطة
:
كل واحدة تروح عنبرها. اللي مش حتروح عنبرها دلوقت حاحطَّها فورًا في
التأديب.
(المسجونات يتفرَّقن بسرعة. الشاويشة تجري وتفتح الباب للضابطة. تدخل الضابطة العنبر.
يبدو
عليها الاضطراب والخوف أيضًا.)
الضابطة
:
فين نفيسة؟
(نفيسة تنهَض بسرعة. تبدو الدهشة والمفاجأة على الجميع.)
الضابطة
:
تعالي يا نفيسة ضابط المباحث عاوزك برَّه.
نفيسة
(في فزَع)
:
يا مصيبتي! ليه؟ هو أنا عملت إيه؟ لازم حيحطِّني في التأديب بدَل الست علية؛
ما هم كده دايمًا يتشطَّروا على الصغيرين اللي زيِّنا.
الضابطة
:
ماتخافيش يا نفيسة، هيحطك في التأديب ليه؟ أنتِ عملت حاجة.
(عليَّة تسير نحو الضابطة.)
عليَّة
:
أنا لا يمكن أوافق إن حدِّ غيري يروح التأديب. خُديني أنا دلوقتِ، أنا جاهزة.
الضابطة
:
لأ، هو مش عاوزك دلوقت؛ عنده حاجات لسَّه بيخلَّصها. متستعجليش يا ستِّ عليَّة. يعني
كان
لازم تقلبي السجن بالشكل ده؟ كنا هاديين ومرتاحين قبل ما تيجي لنا، ومش عارفين حاناخد
في
حكايتك دي كام يوم شُغل إضافي. يعني كنا ناقصين شغل؟
(الضابطة تأخذ نفيسة وتخرج، نفيسة مرتدية النقاب لا يظهر منها شيء، الشاويشة تغلق بعدهما
باب الحوش، بعض المسجونات يتجمعن مرة أخرى بعد اختفاء الضابطة.)
هادية
(في ألم)
:
أنا خايفة على نفيسة، خايفة يضربوها.
الشاويشة
:
حيضربوها ليه؟ هي عملت حاجة؟
اعتدال
(في قلق)
:
أمَّال خدُوها ليه يا شاويشة؟
الشاويشة
:
يمكن لها زيارة.
عزَّة
:
ده احنا مالناش زيارات؛ الزيارات ممنوعة.
الشاويشة
:
يمكن لها جواب والَّا حاجة مستعجلة. يمكن حدِّ عندهم عيَّان وحالته متأخَّرة.
سالمة
(تدعو الله)
:
ربنا يساعدك يا نفيسة يا رب.
هادية
:
يا رب، يا رب ارحمها، وارحمنا.
هادية
(تركع على الأرض وترفع يديها إلى فوق وهي تردِّد)
:
يا رب ارحمنا، يا رب ارحمنا، يا رب ارحمنا.
(ظلام في المسرح كله، لا يَظهر على المسرح إلا الصورة العلوية الكبيرة ومن حولها لمبات
النور. وجه الرجل داخل الصورة ظاهر وواضح. له عينان غاضبتان، لكن شفتاه تبتسِمان ابتسامةً
عريضة، تهتزُّ الصورة عدَّة اهتزازاتٍ في حركاتٍ تشنجيَّة غاضبة، كأن الوجه داخل الصورة
غاضب. يُسمَع
صوتٌ خشِن أجشُّ يخرج من فمِ الرجل في الصورة.)
صوتٌ خشِن أجش
:
لن أرحم.
(يُضيء المسرح مرَّةً أخرى. تظهر هادية في العنبر لا تزال راكعة.
تنظر إلى أعلى في غضبٍ وتكلم الصورة في غضب): هو أنا بكلمك يا شيخ؟ أنا بكلم ربنا، هو
أنت ربنا؟ هو أنت ربنا؟
(يُظلِم المسرح كله مرَّةً أخرى. لا تزال الصورة فقط هي المضيئة.)
(في الرُّكن البعيد جدًّا من المسرح يظهر ضوء صغير يكشف عن نفيسة وهي واقفة وحدَها تنتظر
مُرتديةً النقاب. لا يظهر من وجهها شيء. يبدو عليها الاضطراب والخوف.)
(إلى جوارها مكتب صغير عليه تليفون.)
(ترفع يديها إلى فوق وكأنها تُناجي الله.)
(تهمِس لنفسها بشيء. يظهر ضابط المباحث على عينيه نظارة سوداء يقف خلفها. نفيسة لم تره
بعد.
لا تزال مُستغرقةً في مُناجاة الله.)
ضابط المباحث
:
يا ترى بتكلِّمي حدِّ يا نفيسة؟
نفيسة
(تستدير بسرعةٍ في اضطراب)
:
أبدًا، بكلم ربنا.
ضابط المباحث
:
طبعًا، من حقِّك تقولي لربنا أي حاجة. كل إنسان من حقُّه إن يقول لربنا اللي
هو عاوزه، ومش ضروري أبدًا إن واحد زيِّي يتدخَّل بينك وبين ربنا، لكن بسرعة كده قوليلي
كنت
بتقولي لربنا إيه؟ وشيلي البتاع ده من على وشِّك؛ خلاص احنا لوحدنا وماحدش شايفك.
(نفيسة تخلع النقاب، تُعطيه الورقة التي كانت معها، يقرؤها ضابط المباحث بسرعةٍ ثم يضعها
في
جيبه.)
ضابط المباحث
:
النوع ده من الناس بيتعِبني أنا وبيسبب لي مشاكل، وأنا مش ناقص مشاكل. مش
عارف أعمل فيها إيه يا نفيسة.
نفيسة
:
حُطَّها في التأديب فورًا، دي عاملة مشاكل في العنبر كله.
ضابط المباحث
:
خايف أحُطَّها في التأديب يقولولي حطتها ليه. ماعنديش أي أوامر واضحة بخصوص
تأديب السياسيين. وجايز إذا ماحطتهاش في التأديب يقولولي ماحطتهاش ليه، مش عارف أعمل
إيه.
وبيني وبينك خايف أحُطها في التأديب تحصَل حاجة ويفرِجوا عنهم، وأروح أنا في شربة ميَّه.
أنا طلبت
ينقلوني مباحث الجنايات؛ هناك المسائل واضحة والقانون واضح، وأعرف راسي من رجليَّ. إنما
الشغل مع
السياسيِّين حاجة توجع الدماغ، وجايز أروح في داهية.
نفيسة
:
ولا داهية ولا حاجة، حُطها في التأديب وخلَّص نفسك؛ دي قلبت العنبر كله ومُمكن تقلِب
السجن كلُّه كمان، وإنت المسئول، ماحدش مسئول غيرك، أنا شخصيًّا ماليش دعوة بحاجة.
الضابط
:
إنتِ محبوسة معاهم ومش دريانة إيه اللي بيحصل برَّه. احنا بنمُر بأزمة كبيرة، قصدي
هو (يشير إلى أعلى) هو بيمُر بأزمة كبيرة؛ عنده شك إن الناس مش معاه، مع إن البيانات
كلها
اللي عنده إن الناس معاه.
نفيسة
:
له ناس بيندسُّوا وسط الناس ويبلَّغوه الحقيقة.
الضابط
:
تبقى مصيبة.
نفيسة
:
مُصيبة واحدة، الدنيا كلها مصايب، وقبل ما تحصلِّنا المصايب لازم نحطَّها في
التأديب.
الضابط
:
إنت رأيك كده؟
نفيسة
:
أيوة ده رأيي. أنا عايشة معاهم وعرفتُهم واحدة واحدة، هي أخطر واحدة فيهم.
الضابط
:
فعلًا هي أخطر واحدة فيهم.
نفيسة
:
أنا حارجع العنبر بَقَه.
الضابط
:
خلي بالك. حتقولي أنا كنت عاوزك ليه؟
نفيسة
(تضحك)
:
عشان أبويا مات.
الضابط
(يضحك)
:
ده أبوكي مات أكثر من عشرين مرة. أنت عندك كام أب؟
(نفيسة ترتدي النقاب وتُخفي رأسها تمامًا.)
نفيسة
:
كتير، ماتعدش، اللي يعدِّ يتعب.
(ظلام كامل على المسرح.)
(يُضيء المسرح مرةً أخرى. يظهر العنبر والحوش. الجميع داخل العنبر كما كانوا. المسجونات
مُتجمِّعات أمام باب الحوش المُغلق. الشاويشة تحاول طردهن. يبتعِدن عن الباب. تدخل الشاويشة
إلى
العنبر. بمجرد أن تدخل الشاويشة إلى العنبر تتجمَّع المسجونات مرةً أخرى على الباب داخل
العنبر.
الجو كلُّه يسودُه الخوف والاضطراب والتوتُّر. الجميع ينتظِرن قدوم ضابط المباحث بين
لحظةٍ وأخرى
لأخذ عليَّة إلى التأديب.)
(عليَّة تتمشَّى في العنبر بخطواتٍ واثقةٍ قويةٍ متحدية. الجميع صامتات واجمات ينظرن
إلى عليَّة
بعيون مختلفة. سالمة تبكي. اعتدال تمسح دموعها. عزة غاضبة. هادية تدعو الله. نجاة صامتة
حزينة. مديحة حزينة. لبيبة تُمسِك رأسها بيديها. بسيمة تدخِّن. سميرة أعطت وجهها للحائط
وراحت
تصلِّي. رشيدة لا تزال راقِدة مُتعبة. نفيسة أيضًا موجودة جالسة في مكانها في يدِها مُصحَف
تقرأ
قرآنًا. الشاويشة تروح وتجيء من العنبر إلى الحوش في اضطرابٍ تحاول إبعاد المسجونات عن
باب
الحوش المغلق أمامهن.)
(لحظة صمت كامل.)
(فجأةً يرنُّ في الجو صوت طلَقَات مِدفع أو رصاص. تُسمَع ضجَّة وهرَج ومرَج.)
صوت امرأةٍ تصرُخ
:
ضربوه.
(ظلام. ينطفئ المسرح كله لحظة. الصورة لا تزال مُضيئة. فجأة تنطفئ الأنوار حولَها وتختفي
الصورة من المسرح. يُضيء المسرح كله مرَّة أخرى. تظهر الشاويشة تجري وتفتح باب الحوش
وتخرج إلى
الفناء تهرول. المسجونات اللائي كنَّ واقفاتٍ عند الباب يُهرولن وراءها في اضطرابٍ ودهشةٍ
وفزع.)
(المسجونات داخل العنبر يقِفنَ جميعًا ينظرن ناحية الحوش في دهشةٍ وتساؤلٍ وفزع.)
(بعد لحظات تعود الشاويشة وهي تجري وتلهَث في اضطراب، تدخل إلى العنبر، الجميع يتجمَّعن
حولها.)
الشاويشة
(تلهث)
:
ضربوه وهو جاي في السكة.
الجميع
(في نفس واحد)
:
مين ضرَبه؟
الشاويشة
(تلهث)
:
ناس، مانعرفش مين لسَّة. (تلهث) خلاص يا ستِّ عليَّة ماحدِّش جاي ياخدِك التأديب، وكلكم إفراج، إفراج.
(فجأة ترقُص اعتدال وهادية وسالمة.)
(رشيدة تنهَض من رقدتِها وتشارِكهن الرَّقص وهي لا تزال ضعيفة الجسم.)
(بسيمة تركع على الأرض وهي تقول):
بسيمة
:
أحمدك يا رب، أحمدك يا رب.
لبيبة
(أيضًا تركع كأنها تصلِّي لله)
:
أشكرك يا رب.
(عزَّة تُعانق عليَّة في فرح.)
عزَّة
:
مبروك يا عليَّة.
عليَّة
:
مبروك يا عزَّة.
(نفيسة تخرج مُسرعةً من العنبر. المسجونات يدخُلن إلى العنبر ويشترِكن مع الجميع في الرقص
والغناء والفرح.)
الجميع
(في صوت واحد)
:
إفراج، إفراج.
(ظلامٌ تام. صمتٌ تام.)
(يستمرُّ الظلام والصمت بضعَ لحظات.)
(يُضيء المسرح مرةً أخرى. صورةٌ أخرى لرجُلٍ آخر مُعلَّقة أعلى المسرح، ومن حولها لمبات
صغيرة.)
(يظهر العنبر خاليًا من جميع المسجونات إلا عليَّة.)
(واقفة وحدَها في العنبر. باب العنبر مُغلَق.)
(باب الحوش مُغلَق. صباح المُتسوِّلة واقفة وراء الباب مُمسكةً بيديها القضبان تغنِّي.)
صباح المُتسوِّلة
(تغنِّي)
:
آدي الزمن اللي لوع اللي كان على كيفه، وبلبل الصبر في الفنجان وسقاه
على كيفه، وآدي بنت الحلال في السجن مرميَّة وابن الهيفة بيتحكم على كيفه، الصبر كله
حِكَم واللي
شبك أهو بان، من برَّه مزوَّق ومن جوَّه مليان دخان، واصبر يا عين ده كل شيء بأوان.
(تظهر الشاويشة فهيمة ومعها المفتاحان الكبيران. تفتح باب الحوش. يُسمَع صوت دوران المفتاح
في الباب ثلاث مرَّات.)
الشاويشة
:
جيتي تاني يا بت يا صباح، أنتِ يا بت مش حتموتي بَقَه.
صباح المُتسوِّلة
:
يخدُوها ويجيبوها.
ويجيبوها ويودُّوها.
مالهُمش شُغلة غيرها.
الشاويشة
:
يا بت امشي انجرِّي من هنا أحسن ضابط المباحث جاي دلوقتِ حالًا.
(تفتح الشاويشة باب العنبر وتُطلُّ من الشقِّ الصغير فيه.)
الشاويشة
:
ضابط المباحث جاي دلوقتِ، خبُّوا الممنوعات، مش عاوزة مشاكل، عاوزة أربِّي العيال.
(يظهر ضابط المباحث يرتدي نظارة سوداء. ضابط آخر جديد، لكن حركاته ومشيته تُشبِه الضابط
السابق.)
(يدخل إلى العنبر ومن خلفِه الشاويشة. عليَّة واقفة في وسط العنبر شامخةً كما كانت لم
تتغيَّر.)
ضابط المباحث
:
مُتأسِّف، شوية بيانات بسيطة ناقصة لازم أكمِّلها.
(يُخرج ورقةً وقلمًا من جيبه.)
ضابط المباحث
:
أيوة يا فندم الاسم إيه؟
(عليَّة لا ترد، تنظر إليه في غضبٍ وتحدٍّ.)
الضابط
:
أيوة، الاسم إيه؟ أنا مُنتظر.
(عليَّة لا ترد.)
الضابط
:
أظن بعد كل ده لازم تقولي بقَه أنتِ ماتعبتيش؟
(عليَّة لا ترد.)
الضابط
:
أنا بسأل أنتِ ماتعبتيش؟
(عليَّة لا ترد.)
الضابط
:
أرجوكي، اتكلِّمي، أنا تعِبت، أنا تعِبت. (يردِّد في إرهاق) أنا تعِبت، أنتِ ماتعبتيش؟
إنتِ ماتعبتيش؟
إنتِ إيه؟
إنتِ إيه؟
مصنوعة من إيه؟
من الفولاذ؟
عليَّة
(تردُّ بهدوءٍ شديد)
:
أقوى من الفولاذ.
الضابط
(في دهشة)
:
فيه حاجة في الدنيا أقوى من الفولاذ؟
عليَّة
:
أيوة؟
الضابط
(في تساؤل)
:
إيه هوَّ؟
عليَّة
:
الإنسان.
(صوت الكراون.)
(صمت، ظلام.)
(انتهت المسرحية.)