افتتاحية

الشمس والربيع والأَجَمة الخضراء … رائع، كل شيء رائع!

لكن، بمَ يهمس النهر؟ لا أعرف!

علامَ تتذمر الغابة؟ لا أعرف.

ما الذي تتهامس به الفراشات والجنادب؟ أيضًا لا أعرف.

لكن كل شيء رائع! نعم رائع؛ كما لو أنني عدت في الثالثة من عمري وأني أجلس لأشاهد مُربِّيتي تصنع إكليلًا من زهور البابونج البيضاء.

أريد أن أصادق الشمس والنهر، وحتى الغابة المتذمِّرة التي تُصدر الضجيج، ولا شيء غير الضجيج. لماذا وما سبب هذه الضوضاء؟ لم يعرف أحد، ولن يعرف أحد أبدًا.

مهلًا! ما هذا؟ هل هذا طائر جاء من بين الأشجار ولمسني بجناحه، أم إنها فراشة اختارت أن تستقر على كتفي؟ نظرت، ثم ابتسمت …

لا! ليس طائرًا ولا فراشة. إنها جِنِّية زرقاء صغيرة ومرِحة. لديها جناحان فِضيَّان خلف ظهرها، وشعر مُجعَّد خفيف مثل الزَّغب. أعرفها. إنها جنية الهواء الأزرق وسماء الربيع، جنية الشمس الصفراء وعطلات مايو.

«مرحبا أيتها الجنية الزرقاء. ما سبب زيارتك؟»

ابتسمت الجنية.

ودائمًا ما تبتسم؛ فهي جنية سعيدة بلا أحزان.

«جئت لأخبرك عن ضوضاء الغابة، وجَرَيان النهر، وما يُغنِّيه العندليب، وعن الربيع. سوف أحكي لك كيف تعيش الملِكات في سعادة وشقاء، وكيف تستمتع الجِنيَّات الصغيرة. وعن الملوك القُساة والرُّحماء، وعن السحرة الطيبين، عن الناس المساكين وعن المخادعين، وعن أشياء أخرى كثيرة سوف أخبرك عنها. وأنتِ أيتها الكبيرة أخبري الصغار بها.»

«لكنني أعرف الحكايات. أعرف العديد من القصص القديمة التي كانت تخبرني بها مُربِّيتي بجوار المدفأة.»

ضحكت الجنية، وبدا تأنيبها مثل الغناء وهي تقول: «أيتها الخرقاء! إنكِ تعرفين حكايات البَشر، ولكنني سوف أخبرك بالقِصص التي تخبئها الغابة العجوز والنهر الهادر والشمس الصفراء؛ تلك القصص التي أحضرها النسر على جناحيه، والتي جعلت الدب يُزمجر في بيته. سوف تعلمين منها كيف حصلت الجنيَّات الصغيرات مثلي على صوتهن الرَّنَّان. أنصتي! فقط أنصتي!»

تمتمت الجنية وهمست ورنَّ صوتها وعلا شيئًا فشيئًا، وقد سمعتُ منها كل شيء … كل شيء.

الآن أعلم بماذا تهمس الغابة.

وعمَّن يثرثر النهر.

ولماذا تصدر الرياح تلك الضوضاء.

ولماذا ترسل الشمس أشعَّتها الذهبية.

كيف يعاني البشر، وكيف تستمتع الجنيات، كيف يعيش الملوك والملِكات.

الآن أعرف الحكايات التي أخبرتني بها الجنية. إنها حكايات كثيرة … كثيرة جدًّا. أعتقد أنني نسيت بعضَها.

ما أتذكره سوف أحكيه. وما نسيتُه سوف أطلب من الجنية الزرقاء أن تعيد روايته.

لذا سامحوني.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤