الحكاية الثالثة عشرة: القفاز الحي
عاش في هذا العالم فارسٌ شرس وقاسٍ. شرس حتى إن الجميع كانوا يخشونه، سواء كانوا يعرفونه أم لا. عندما يظهر على ظهر حصانه في الشارع أو في ساحة المدينة، يتفرق الناس في اتجاهات مختلفة، وتصبح الشوارع والساحات فارغة. وكان هناك ما يجعل الناس يخافون الفارس أكثر، فقد كان إذا ظهر أحدهم في وقت غير مناسب ومرَّ أمام الفارس بطريق الخطأ، يدهسه في غمضة عين تحت حوافر حصانه حتى الموت، أو يقطع جسده إربًا بسيفه.
كان طويل القامة، نحيفًا، بعينين تلمعان مثل النيران، وحواجب ملتصقة على نحو متجهِّم، ووجه عبوس أرعب الجميع. في لحظات الغضب، لم يكن يعرف الرحمة، وأصبح فظيعًا، وابتكر أعنف العقوبات لأولئك الذين كانوا سببًا في غضبه، ولأولئك الذين لفتوا انتباهه بطريق الخطأ. في ذلك الوقت، لم يكن من المُجدي تقديم شكوى إلى الملك بشأن الفارس الشرس؛ فقد كان الملك يعتز بفارسه الشرس لكونه قائدًا بارعًا، فأكثر من مرة قاد القوات الملكية وحقق انتصارات على الأعداء وغزا العديد من الأراضي. هذا هو السبب في أن الملك يقدر الفارس الشرس ويشجعه بطريقة لم يكن ليفعلها لأي شخص آخر. والفرسان والمحاربون الآخرون، على الرغم من أنهم لم يعجبهم الفارس الشرس، لكنهم قدَّروا شجاعته وذكاءه وولاءه للملك والبلاد …
•••
كانت المعركة تقترب من نهايتها.
سار الفارس الشرس لابسًا درعًا ذهبيًّا بين صفوف القوات مُلهمًا محاربيه المتعبين والمنهكين.
هذه المرة كانت المعركة صعبة وشديدة للغاية. في اليوم الثالث، قاتل المحاربون تحت قيادة الفارس الشرس، لكن النصر لم يُكتب لهم. كان لدى الأعداء الذين هاجموا الأراضي الملكية المزيد من القوات. دقيقة أو دقيقتان وكان العدو سينتصر بلا شك، وكان سيقتحم القصر الملكي مباشرة.
ظهر الفارس هنا وهناك في ساحة المعركة، وحث جنوده على استجماع آخر ما بقي لديهم من قوة من أجل طرد الأعداء.
فجأة ابتعد حصان الفارس، ولاحظ قفازًا حديديًّا على الأرض، مثل ما كان يرتديه جميع الفرسان تقريبًا في ذلك الوقت. دفع الفارس الشرس الحصان ليجعله يقفز فوق القفاز، لكن الحصان لم يتحرك. ثم أمر الفارس أحد الشبان أن يلتقط القفاز ويعطيه له. ولكن بمجرد أن لمسه الفارس، قفز القفاز — كما لو كان حيًّا — من يده وسقط مرة أخرى على الأرض.
أمر الفارس به مرة أخرى، وحدث الشيء نفسه مرة أخرى. وليس هذا فحسب؛ فبعد أن سقط القفاز الحديدي على الأرض، تحرك مثل يدٍ حية. تحركت الأصابع بشكل متشنج وانقبضت مرة أخرى. أمر الفارس برفعه مرة أخرى عن الأرض، وهذه المرة أمسك به بإحكام في يده، واندفع إلى الصفوف الأمامية لقواته، وهز قفازه في الهواء. وفي كل مرة يرفع فيها القفاز عاليًا، كانت أصابع القفاز تنقبض أولًا، ثم تنفتح مرة أخرى. وفي تلك اللحظة بالذات، كما لو كانت إشارة، اندفع الجنود نحو العدو بقوة متجددة. وحيثما ظهر الفارس بقفازه بدا أن محاربيه المتعبين والمنهكين قد عادوا للحياة واندفعوا نحو العدو بقوة مضاعفة. مرت بضع دقائق فقط وهرب الأعداء، وبدأ رسل الفارس الشرس يعلنون النصر …
تحرك الفارس فخورًا ومنتصرًا بين صفوف مقاتليه المتعبين والمنهكين، متسائلًا لمن ينتمي القفاز الغريب، لكن لم يرَ أحد مثل هذا القفاز حتى ذلك الحين، ولم يعرف أحد من أين أتى …
•••
قرر الفارس الشرس معرفة صاحب القفاز الغريب بأي طريقة كانت، وبدأ يتجول في جميع المدن وجميع القرى والبلدات، يهز اكتشافه في الهواء، ويسأل من أضاع قفازًا. لكنه لم يعثر على صاحب القفاز الحي. وفي إحدى المدن التقى الفارس الشرس بصبي صغير قال له: «سمعت من جدي أن مآب العجوز تعيش في الغابة. إنها تعرف كل أسرار العالم، وربما تكشف لك عن سر القفاز الحي أيها الفارس.»
أمره الفارس بصرامة قائلًا: «دعنا نذهب إليها!»
ثم لكز حصانه، وانطلق إلى الغابة. وانطلقت الحاشية الخاضعة وراءه.
عاشت السيدة العجوز مآب في قلب غابة كثيفة ومظلمة. وعندما رأت القفاز لمعت عيناها مثل المشاعل الساطعة في ظلام الليل، وأصبحت أرجوانية اللون.
قالت بصوت أجوف: «تُمسِك بسعادة عظيمة بين يديك أيها الفارس النبيل. ليس كل الناس يجدون مثل هذا الكنز! هذا القفاز الحي هو قفاز النصر، ألقى به القدر عمدًا في طريقك. عليك فقط أن تضعه بين يديك، وسيكون النصر دائمًا حليفك!»
ابتسم الفارس الشرس بسعادة، ولبس القفاز في يده، ومنح مآب الذهب بسخاء، وانطلق من الغابة الكثيفة إلى العاصمة الملكية.
•••
مر أسبوع.
لم يُسمع أي شيء عن الحِيَل القاسية المعتادة للفارس، ولم يُسمع أنه أعدم أي شخص في نوبة غضب، ولم يُسمع أنه أساء إلى أحد.
دائمًا ما كان الدم يتدفق مثل نهر حول الفارس الشرس، ويُسمع الآهات والبكاء والأنين. فماذا حدث الآن؟
قبل أسبوع، حاول الفارس أن يضرب أحد المارة بسيفه. ولكن فجأة سقطت يده المشدودة بشكل متشنج بأصابع القفاز الحي، وسقط السيف الثقيل على الأرض مع رعشة.
أراد الفارس التخلص من القفاز المزعج من يده، لكنه تذكر في الوقت المناسب أنه سيمنحه النصر، وأوقف نفسه.
ومرة أخرى أراد الفارس أن يوجه حصانه إلى حشد الناس المحيطين به، ومرة أخرى ضغطت أصابع القفاز الحية على يده لدرجة الألم، ولم يستطع تحريكها للسيطرة على الحصان. ومنذ تلك اللحظة بالذات أدرك الفارس أنه لا جدوى من مخالفة القفاز الحي، وأن هذا القفاز يمنعه من الأعمال القاسية. وتوقف عن سحب سيفه من غِمده لقتل الأبرياء.
لم يعد الناس يخافون الآن من الخروج من منازلهم إلى الشوارع في الوقت الذي كان يمر فيه الفارس الشرس.
ظهروا الآن في طريقه دون خوف، وأثنوا على الفارس لانتصاراته على أعدائه.
•••
بدأت الحرب من جديد …
لفترة طويلة، كان الجار البعيد للملك، وهو حاكم بلد غني، يُغري الفارس بمهاجمته والاستيلاء على ملكه. قال لملكه: «انظر! جارك البعيد أغنى منك، وعلى الرغم من أنك أقسمت بالصداقة والسلام الأبديَّين معه، فإنك إذا هزمته واستوليت على ممتلكاته، فستصبح أقوى وأغنى ملك في العالم.»
أطاع الملك كلام فارسه المفضل. قال الملك: «الفارس محق، سأحتل بلد جاري وأستولي على ثروته!»
وأمر بتجهيز حملة جديدة.
•••
التقى الجيشان في ساحة المعركة.
اجتمعت فرق الفارس مع فرق الملك الجار.
كان الفارس هادئًا وواثقًا من نتيجةِ المعركة.
كان يعلم أن قفاز النصر في يده.
أشرقت الشمس، وغابت مرة أخرى. أشرق القمر، وغاب، وأشرق مرة أخرى. غنَّت الطيور، وسكتت، وغنت مرة أخرى، وقاتل الجنود إلى ما لا نهاية.
كانت معركة طويلة.
طويلة وأصعب من أي وقت مضى.
وقف الفارس الشرس جانبًا، موجهًا المعركة، واثقًا مسبقًا من انتصار جنوده.
وفجأة رأى بعينيه مشهدًا غير مسبوق؛ انتصر الأعداء وهرب محاربوه.
اندفع غاضبًا هو نفسه إلى المعركة، لكنه اضطر إلى التراجع. أحاط به الأعداء من جميع الجهات.
دفع حصانه وخرج من ساحة المعركة.
سار الفارس إلى العاصمة، ملطخًا بالدماء وسقط عند قدمَي الملك.
بكى قائلًا: «لا تلُمني أيها الملك! لست أنا السبب. ولكن العجوز مآب هي المذنبة في هزيمة جيشك. لقد خدعتْني لكي ألبس قفاز الهزيمة والعذاب. مُرْهم أن يعدموها أيها الملك. أن يعدموها بأكثر طريقة قاسية رهيبة يمكن أن تخطر ببالك!»
•••
مع أول أشعة الشمس، تدفقت المدينة بأكملها إلى الساحة. في هذه الساعة المبكرة من الصباح، تقرر إعدام العجوز مآب، التي تم إحضارها من الغابة في اليوم السابق. تقرر حرق مآب على وتد، حتى لا تخدع الناس من الآن فصاعدًا، ولا تعطيهم قفازَ الموت بدلًا من قفاز النصر.
أخذوا مآب إلى الساحة، وأخرجوها من العربة، وقادوها إلى منصةٍ مرتفعة، حيث كان الحطَب مُكدسًا لإشعال النار.
وضعوها على المنصة وربطوها بالحبال في عمود. ووقف الفارس الشرس أمام العمود، وصاح بضحكة شريرة في وجه مآب: «لقد خدعتِني يا مآب! لهذا ستموتين ميتةً قاسية! وسأعطي إشارة الإعدام بالقفاز ذاته الذي كان من المفترض، حسب كلامك، أن يجلب لي النصر.»
بهذه الكلمات رفع يده ليشير إلى الجلادين بإشعال النار لكنه صرخ في ذعر. لم تتحرك اليد. كما لو سُكب عليها الرصاص. كانت معلَّقة بلا حياة بجانب جسده. ثم فتح فمه راغبًا في إصدار الأمر ببدء الإعدام، ولكن في نفس اللحظة ارتفع القفاز الحي بيده، وضغط بقوة على فمه حتى كاد يخنقه.
صرخ الفارس مذهولًا من الرعب: «أنقذيني يا مآب! أنقذيني.»
نزلت مآب ببطء من بين النار، وقطعت الحبال دون أي جهد، واقتربت من الفارس وقالت: «أنا لم أكذب عليك. القفاز الحي هو حقًّا قفاز النصر. في كل عمل صحيح سيمنحك النصر في أي مكان وكل مكان. وفي المعركة الفاشلة الأخيرة، كان سيعطيك النصر لو لم تذهب إلى الملك المجاور بأهداف أنانية للاستيلاء على ثروته. لو أردت الدفاع عن ملكك أو وطنك أو شرفك ما كنت لتعاني من الهزيمة، ما دمت على الحق وفي عمل نزيه. اعلم أن القفاز الحي لن يخدمك إلا في كل الأعمال الصالحة والصادقة! وعلى أي حال، لقد أوقفك في تلك اللحظات التي أردت فيها إراقة دماء الأبرياء! انتصر على نفسك! لقد انتصرت عندما هاجم أعداء أشرارٌ بلدك. إذا استمررت في الدفاع بهذا الشكل، فسوف يكون معك في المستقبل!»
وبعد أن قالت هذا، اختفت مآب مثل ظل ذاب في الهواء.
•••
تحققت تنبؤات مآب.
ساعد القفاز الحي الفارس في جميع أعماله الصالحة، وأعطاه النصر، وكان يوقفه كلما بدأ أي مهمة شريرة وظالمة.
هتف كل الشعب باسمه، وبدلًا من الفارس الشرس، أطلق عليه الناس لقب الفارس الطيب والنبيل.