الحكاية الرابعة عشرة: سيف الملكة

$$كان للملك آرثر ثلاث بنات؛ ثلاث أميرات رقيقات، جميلات ولطيفات. لكن أفضلهن كانت هي الكبرى؛ الأميرة سلام المبتهجة والمرحة؛ عيناها تتألقان مثل نجوم السماء، وابتسامتها لا تفارق شفتيها، ضحكة فضية بين الحين والآخر تُحيي صمت القصر الضخم. وبالنسبة للجميع، عند النظر إلى الأميرة المبهجة يشعرون بالسعادة. ولا تزال ضحكة الأميرة سلام ترن مثل الجرس، وعيناها تتألقان مثل النجوم.

الحياة حول الأميرة سارت على قدم وساق. كل مساء تقام حفلة في القصر، ومهما كان اليوم، فإن الأميرة ترتدي ملابسها الأنيقة. تنطلق الأبواق، ونباح الكلاب، والضحك المبهج للسيدات والسادة عبر الغابة. وفي المساء، تضيء قاعات القصر الفخمة، ويأتي الضيوف، ويبدأ الرقص حتى فجر الصباح. الأميرة سلام ترقص أكثر من غيرها، وتطارد الغزلان والأرانب البرية أكثر من غيرها. الحفلات الراقصة ورحلات الصيد تُقام من أجلها تحديدًا. والملك آرثر يحب أن يسلي ابنته الحبيبة.

لكن حياة الفتاة في المملكة اقتربت من نهايتها. كبرت بسرعة وحان وقت الزواج، وتزوجت الأميرة سلام من ملك بلد بعيد.

غادرت سلام إلى مملكة زوجها، وتوقفت حفلات الرقص في قصر الملك آرثر، وتوقف المرح، وحتى صيد الغزلان توقف.

ومع الملكة الشابة، غادر العديد من الشخصيات المرموقة البلاط، حيث قرروا مواصلة خدمة أميرتهم في البلد الأجنبي البعيد.

عاشت سلام بسعادة مع زوجها، لكن سعادتها لم تدُم طويلًا؛ فبعد أقل من عام سقط زوجها الملك عن حصانه أثناء الصيد ومات في الحال. أصبحت سلام أرملة.

أهل البلد الأجنبي خلال الفترة القصيرة من إقامة سلام أحبوها وتمنوا أن تحكم البلاد بعد وفاة الملك، وتوسلوا إلى سلام ألا تذهب إلى والدها، بل أن تبقى على العرش.

وافقت سلام، ولكن على ما يبدو، لم تكن تحب إدارة شئون الدولة، والتفكير بجدية، والاستماع إلى الطلبات والشكاوى المملة من الناس، والحكم في المحاكم، والجلوس مع أحكم أهل الدولة. الأميرة سلام لا تحب مثل هذه الأشياء. ما تحبه هو مطاردة غزال رشيق تحت أشعة شمس الربيع، أو أن تدخل حلقة رقص مرِح في القاعات الأنيقة! الحياة السارة والسعيدة تغري الملكة.

لم تحزن سلام طويلًا على وفاة زوجها. بدأت الحفلات ورحلات الصيد مرة أخرى. عيَّنت اثنين من كبار الحكماء لحكم الشعب. كان الحكيمان من مملكة أخرى، من نفس المملكة التي أتت منها سلام. لم يحبا أهل البلد الأجنبي البعيد؛ فكيف يحكمان هذا الشعب؟ لم يعرفا شيئًا ولم يهتمَّا بشيء إلا جعل العاصمة وقصر الملكة أجمل. أما القرى والأحياء الأخرى، فسواء كانوا جائعين أو شِباعًا، فلم يرغبوا حتى في معرفة أخبارهم.

في تلك المملكة، بدأ كل شيء يسير بشكل خاطئ وعشوائي، وأصبح الناس فقراء، وبدءوا يتذمرون ويشكون بصوت عالٍ.

لكن همهمة الناس وشكاواهم لم تصل إلى الملكة سلام. فبعد كل رحلة هناك رحلة جديدة، وبعد كل حفلة هناك حفلة جديدة. عاشت الملكة حياة سعيدة ولم تفكر ولم تعرف كيف كان شعبها يعاني. تسأل الملكة الحكماء كيف يعيش رعاياها، ولا تجد على شفاههم إلا إجابة واحدة: «الجميع سعداء أيتها الملكة، يباركون لكِ ليل نهار.»

وبهذا واصلت الملكة المبتهجة والسعيدة الاستمتاع وتسلية نفسها.

•••

بدأ الشعب يتذمر أكثر وبصوت عالٍ، وقرروا أخيرًا أنه من الضروري إزالة تلك الشخصيات التي أغرقت البلد بأسره في المشكلات والبؤس، وطلبوا من الملكة تعيين آخرين مكانهم، وليس من دول أخرى، ولكن من شعبهم الذين يحبون الناس ويعرفون كيف يحكمونهم.

كان صباحًا مبكرًا في شهر مايو المشرق.

كانت الشمس دافئة، والطيور تزقزق بمرح، والسماء زرقاء صافية خلابة وجميلة جدًّا. استيقظت سلام بقلب مبتهج وسعيد.

في هذا اليوم، كان ميعاد حفلة كبيرة، وقد استعدت الملكة سلام لها مسبقًا وتابعت كل الاستعدادات بمهارة.

قفزت الملكة بمرح من السرير ورأت وجوه حاشيتها وخادماتها خائفين، وشفاههن بيضاء مثل الطباشير ترتعش. الرعب مكتوب في كل العيون.

همسوا خائفين: «أيتها الملكة لقد أتى الحكماء ويريدون رؤيتك.»

لم يعد الشعب يطيعهم، بل ينادونك ويحدثون ضوضاء ويصرخون. الحكماء لا يعرفون ماذا يفعلون.

كانت سلام مندهشة. لم تعرف من قبلُ أن الشعب يمكن أن يتمرَّد. كان الوضع دائمًا هادئًا ومسالمًا.

ارتدت سلام ملابسها الملكية، ونزلت على الدرج الواسع المغطَّى بالسجاد برفقة جميع سيدات البلاط مع العديد من الفرسان الذين عاشوا باستمرار في القصر.

في القاعة السفلية بالقرب من الدرج، كان ينتظر بالفعل اثنان من أهم الشخصيات المرموقة في المملكة.

وبمجرد أن رأوا سلام، انحنوا وأشاروا بأيديهم للحراس. وعند هذه الإشارة، خرج اثنان من ذوي الشعر المجعَّد من حشد رجال الحاشية. كانا يمسكان بأيديهما وسادة مخملية. ووضعوا سيفًا ذهبيًّا على الوسادة.

ركع الخدم ووضعوا السيف عند قدمَي الملكة.

سألت سلام باندهاش: «ما معنى ما يحدث؟»

ثم تقدم الحكماء بظهر منحنٍ وقالوا: «الناس يصدرون ضجيجًا، لقد جُنُّوا أيتها الملكة! لا يريدون أن يستمعوا إلينا. لقد جمعنا بالفعل القوات لمعاقبة المتمردين، وستكون أنت أيتها الملكة على رأس المحاربين المخلصين وفي يدك سيف. أمسكيه وقودي القوات ضد المتمردين.»

استمعت سلام إلى كلمات كبار الحكماء وفكرت بعمق، ورأسها ذو الشعر الذهبي مُتدلٍّ، وحركت عينيها بشكل غامض. شعرت بالأسف والحزن في نفسها.

على الرغم من أن الأشخاص الذين عاشت بينهم كانوا غرباء عنها، إلا أنها أحبتهم. والآن بدأت الملكة في التفكير في مدى ضآلة اهتمامها بالأشخاص الذين طلبوا منها بثقة البقاء في البلاد بعد وفاة زوجها. الآن فقط تذكرت أنها لم تسأل الناس قَط عما إذا كانوا سعداء، وما إذا كانوا راضين، ووثقت بالحكماء لإدارة كل شيء. هل من الممكن أن تتبع الآن نصيحة تلك الشخصيات وتذهب بحد السيف ضد أولئك الذين أرادوا جعلها ملكة لهم؟

لا! لا! لن تفعلها! لن تسفك دماءً، رغم أنها غريبة عنهم، لكنهم وضعوا أنفسهم تحت سلطتها. خلاف ذلك ستكون قادرة على تهدئتهم. من الضروري فقط معرفة سبب قلقهم، وما الذي يريده رعاياها.

شقيقتا سلام، الأميرتان اللتان حضرتا لزيارتها في اليوم السابق للمشاركة في الحفل، همسا في أذنَي الملكة: «دعينا نخرج من هنا يا سلام! دعينا نعُد إلى والدنا! دعينا نذهب إلى مملكتنا الأصلية! لماذا تهتمين بشعب أجنبي يا سلام! إنهم لا يريدون طاعة الحكماء الذين عينتِهم؛ لذا اتركيهم. والدنا لديه ثروة كافية، وقصور كثيرة، وسوف تعيشين هناك بسعادة كما تعيشين هنا.»

ابتسمت سلام وهزت رأسها الجميل وأجابت أختيها: «أنتما تقدمان لي نصيحة سيئة يا أختيَّ العزيزتين. منذ أن أصبحتُ ملكة هذا البلد، لم يعد الناس الذين يعيشون هنا غرباء عني. لا، لقد أصبحوا أقرب. يجب عليَّ الاعتناء بهم. والآن، أولًا وقبل كل شيء، يجب أن أكتشف ما حدث، يجب أن أعرف ما حجم المصيبة في بلدي.»

تساءلت الملكة: «من المحق، ومن المخطئ؟»

بدأ الحكماء يتحدثون بقلق: «لا أيتها الملكة، ليس هناك وقت لتحديد من هو المحق ومن هو المخطئ. الناس يزأرون ويثيرون الشغب. الجيش ينتظر. احملي سيفك أيتها الملكة وقومي بقيادة الجيش قبل فوات الأوان.»

أجابت الملكة بصوت عالٍ: «لا، لا أحتاج السيف.»

ودفعت السيف بعيدًا عنها بقدمها، ونزلت بسرعةٍ درجات السلم. خرجت بخطوات سريعة إلى الشرفة، ومن هناك إلى حديقة القصر، واقتربت من شجرة خضراء تنمو في ركن الحديقة، وقطفت منها غصنًا صغيرًا وهمست: «أنت شجرة السلام، شجرة السلام والهدوء والصداقة! أتمنى أن يراك شعبي في يدي بدلًا من سيف عدواني ويفهموا أن لا مكان للكراهية بينهم وبين ملكتهم.»

وخرجت ومعها غصن السلام للشعب.

•••

هدأ الشعب.

هدأ على الفور عندما رأى ملكته.

تألقت عيناه بالأمل والسعادة. ملأت صيحات الترحيب الأجواء. بدَوا متحمسين وسعداء.

وسُمع الهتاف في كل مكان: «تحيا الملكة.»

وعندما رأى حشد من الآلاف غصنًا في يد الملكة سقطوا على ركبهم منحنين. سارت سلام ببطء مباشرة في حشد الناس الذين تجمعوا.

وقفت في المنتصف، وقالت بصوت مرتفع وبوضوح إنها جاءت لتكتشف من أساء إلى أحبائها، ومن المسئول عن مصائبهم، وكيف يمكنها مساعدتهم. ثم خرج شيوخ شِيب الشعر من الحشد وأخبروا الملكة بكل مآسي الناس وأحزانهم.

عرفت سلام كل شيء. سمعت وفهمت. أدركت أن الحكماء ظلموا شعبها وأساءوا إليه رغمًا عنها.

تألمت وخجلت الملكة. إنه لأمر مُخزٍ أن الترفيه والاحتفالات سلبت منها كثيرًا من الوقت الثمين، الوقت الذي كان ينبغي أن تخصصه لشعبها.

وكلما علمت سلام المزيد من رعاياها، اشتعل حبها لهم أكثر. ثم أعطت عهدًا كملكة بالتخلي عن المرح والمتعة وتكريس حياتها كلها لخدمة شعبها.

وحافظت الملكة سلام على كلمتها.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤