الحكاية الخامسة عشرة: هدية الجنية
نشر الملك ذو اللحية الفضية كثيرًا من الأفراح وكثيرًا من السعادة حوله. عاش جميع رعاياه في مملكته حياةً رغدة ومريحة. لقد ساعد الفقراء والمساكين، وأطعم الجياع، وأتاح المأوى للمُشرَّدين. باختصار، ساعدَ كل من يحتاج إلى مساعدته. وكانت مملكة الملك ذي اللحية الفضية أسعد مملكة في العالم كله. لذلك أطلق عليها الناس اسم المملكة السعيدة. لم يُسمع هنا صراخ أو آهات، ولم تظهر دموع ولا أحزان، ولم يكن هناك ما يقال عن الحروب. عاش الملك ذو اللحية الفضية الحكيم اللطيف الحنون في سلام وانسجام مع جميع جيرانه. لهذا كان محبوبًا من قِبل أهل البلد والأجانب، سواء من الجيران القريبين أو البعيدين، والملوك والأمراء والدوقات والبارونات الأجانب. وكان محبوبًا للغاية لدى رعاياه. كان مهتمًّا بهم جدًّا ولطيفًا، ويعتني برفاهيتهم كما ينبغي للأب المحب أن يعتني بأطفاله.
لكن لا أحد على وجه الأرض لديه سعادة كاملة. لم يكن الملك ذو اللحية الفضية المحبوب سعيدًا بشكل كامل أيضًا.
كان الملك وحيدًا، ليس لديه عائلة، ولا زوجة حبيبة، ولا أطفال محبون.
منذ سنوات عديدة أخذ الموت ابنته الوحيدة. كان موت حبيبته ذا تأثير كبير على نفسه، لكنه اعتقد أن الانشغال بحكم رعاياه سيُنسيه حزنه. لكنه لم ينسَ. في كل عام كان الملك يشعر بالوحدة أكثر فأكثر، وفي كل عام كان يفكر أكثر وأكثر لمَن يترك المملكة بعد وفاته.
وأخيرًا قرر الملك اختيار إحدى بنات رعاياه، لتحل محل الأميرة المتوفاة، وتصبح ابنته بالتبنِّي، وبهذا يستطيع الملك بعد وفاته أن يترك العرش الملكي وثروته لها.
ابتهج الناس بقرار الملك هذا، وتوقعوا أن يقع اختياره على فتاة رفيعة المستوى.
هتف المبشرون والمنادون والرسل المنتشرون في اتجاهات مختلفة في جميع أنحاء البلاد بأن الملك الأب يريد اختيار ابنة لنفسه، وهي التي ستصبح الملكة من بعده، وفي النهاية، الملكة محبوبة الدولة بأكملها.
في اليوم المحدد، اجتمعت فتيات صغيرات من جميع أنحاء الولاية في القصر الملكي. محاسنهن مختلفة، وكل واحدة أكثر سحرًا من الأخرى، وجميع البنات نبيلات بناتُ نبلاء.
ينظر الملك العجوز إلى الحسناوات ويفكر: من يختار؟ من يفضل؟ كلهن جميلات، كلهن نبيلات. إذا أخذت إحداهن لتصبح ابنتي، فستشعر الأخريات بالإهانة. ماذا يمكن أن أفعل؟
كان قلب الملك الطيب يخشى أن يسيء إلى أحد أو يؤذيه. بمثل هذه الأفكار، ذهب الملك ذو اللحية الفضية إلى حجرة نومه ورأى امرأة بيضاء تقف في زاوية حجرة نومه الملكية، كما لو كانت منسوجة من أشعة الشمس. وجهها يلمع وجسدها وملابسها رائعة. حزم كاملة من الضوء تخرج من عينيها.
تراجع الملك في ذهول أمامها. بسط يديه.
سأل الضيفة المشرقة: «من أنتِ أيتها المخلوقة المجهولة؟»
أجابت: «أنا جنية طيبة، اسمي الساحرة سعادة، اكتشفت أنك قررت البحث عن ابنة لتحل محل الأميرة المتوفاة. ولذا جئت لأخبرك أنني أريد أن أقدم لك هدية. أنت تستحقها أيها الملك؛ لأنك ذو قلب طيب وتهتم برعاياك.»
سأل الملك مندهشًا: «هدية؟ ماذا ستعطيني أيتها الجنية؟»
قالت: «سأعطيك هذه الابنة التي ستجعلك أسعد أب في العالم؛ سأختار لك الابنة التي ستحبها على الفور بالطريقة التي أحببت بها ابنتك الحبيبة المتوفاة، وستحل ابنتك بالتبني محل أميرتك الفقيدة.»
صاح الملك: «أوه! أيتها الجنية أخبريني أيٌّ من الفتيات اللاتي جئن إلى القصر هي تلك التي قصدتِها لتكون ابنة؟»
قالت: «أنصت إليَّ أيها الملك، من بين الفتيات اللاتي سيأتين إلى القصر غدًا، ستكون هناك فتاة تقف على كتفها حمامة بيضاء بمجرد عبورها عتبة قصرك. تلك يا ملكي، ستجعلها ابنتك، انتبه ولا تخطئ.»
وبعد أن انتهت الجنية سعادة، اختفت من حجرة نوم الملك.
لم يستطع الملك ذو اللحية الفضية النوم طوال الليل. ظل يفكر في تلك الفتاة التي وعدته الجنية بأنها هدية في صورة ابنة. وفي صباح اليوم التالي نهض على عجل، وارتدى ملابسه وخرج إلى القاعة الملكية، حيث كانت الفتيات المتجمعات في انتظاره بالفعل.
سار الملك عبر القاعة مرة، ثم مرتين، ونظر إلى الفتيات، ومسَّد لحيته الطويلة ولم يقُل شيئًا. وفجأة رأى الملك من نافذة القاعة أن بوابات القلعة قد انفتحت ودخلت عربة إلى البلاط الملكي. على العربة يوجد فحم، وكانت العربة تقودها فتاة تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، نحيفة، جائعة، سوداء؛ باختصار كانت قبيحة تمامًا. وعلى كتف الفتاة تقف حمامة بيضاء. وحينها سمع الملك صوتًا بشريًّا من الحمامة يقول: «ها هي ابنتك أيها الملك. خذها واعلم أنها أفضل من كل هؤلاء الجميلات اللاتي جمعت في قصرك.»
غضب الملك، وعلى الرغم من كل لطفه، عاتَب الجنية قائلًا: «حسنًا، لقد سخِرت مني أيتها الجنية، انظري إلى الفتاة القبيحة التي اخترتِها لي ابنة!»
قالت له الجنية، أو بالأحرى الحمامة البيضاء: «انتظر أيها الملك! انتظر! يجب أن تنظر إليها مرة أخرى.»
لكن الملك قال في نفسه: «لا يوجد ما أفعله.»
أمر الملك عبيده بأخذ الفتاة القبيحة بهدوء إلى القصر، وأمر أن ترتدي ملابس أفضل، وأن تنتظر مع الفتيات النبيلات الجميلات في القاعة الأمامية.
وخرج هو نفسه إلى الحديقة، ولم يجرؤ على تسمية مثل هذه الفتاة ذات المظهر العادي بابنته. خرج إلى الحديقة ورأى طفلين جالسين بجوار السياج، يرتديان ثيابًا رثة وأحذية قديمة، ووجوههما مشرقة ومبهجة، وكأنهما في عطلة رائعة.
ذهب الملك إليهما: «ما الذي يسعدكما يا أطفال؟»
لم يرَ الطفلان الملك من قبل عن قرب، ومن ثَم لم يتعرفا عليه.
أجابا: «نحن ننتظر عاملة الفحم الصغيرة، إنها تأخذ الفحم للمطبخ الملكي وتبيعه وتعود دائمًا بأيدٍ ممتلئة بجميع أنواع الحلويات التي يقدمها لها طباخ الملك. ماريا الطيبة تعطينا كل شيء.»
أصبح الملك مهتمًّا وسأل: «هي فقيرة وتعطيكم كل شيء؟»
أجاب الطفلان في صوت واحد: «كل شيء! تقول إن العطاء أفضل مائة مرة من الأخذ.»
أومأ الملك برأسه ومضى. رأى عند البوابة امرأة عجوزًا رديئة الثياب جالسة بلا حراك، وعيناها مثبتتان على جهة بعيدة.
التفت إليها الملك، وقد أدهشه جدًّا أن المرأة لم تقُم حتى عندما اقترب منها: «من تنتظرين يا عزيزتي؟»
أجابت: «أنتظر عاملة الفحم ماريا. سوف تغادر القصر قريبًا بعد أن تبيع الفحم. الآن ستعود، وسنذهب معًا لشراء الخبز واللحوم. هي تأتي معي منذ أن أُصِبت بالعمى.»
اندهش الملك ونظر بشفقه إليها: «إذن أنتِ عمياء!»
«نعم أيها الرجل الطيب، لقد أُصِبت بالعمى منذ نحو ثلاث سنوات، ومنذ ذلك الحين تساعدني ماريا التي تعمل لدى عشرة أشخاص لإطعامي.»
سأل الملك باهتمام: «إنها ابنتكِ بالطبع؟»
«أوه، كلا، أيها الرجل الطيب. ماريا غريبة عني. هي يتيمة جاءت لتساعدني، بعد أن علمت أن أبنائي قد تخلوا عني، ولا يريدون إطعام أمهم الكفيفة المسنة.»
سأل الملك ذو اللحية الفضية المرأة مرة أخرى: «ولكن لماذا؟ إذا كنتِ محتاجة إلى هذا الحد، فلماذا لم تأتِ إلى الملك؟ الملك، كما سمعت، على استعداد تام لمساعدة جميع الفقراء.»
أجابت المرأة العمياء: «آه يا سيدي، كنت سأذهب إلى الملك، لكن ماريا لا تسمح لي بذلك. تقول ماريا إنه من المخزي أن نسأل ما دامت هناك قوة للعمل، وإن ملكنا لديه العديد من الفقراء الذين هم أسوأ وأفقر منا. هذه هي ماريا!»
هكذا اختتمت الكفيفة كلامها بفخر ملحوظ.
امتلأ قلب الملك ذي اللحية البيضاء بالسعادة؛ فقد فهم الفتاة عاملة الفحم التي أخبره عنها الأطفال وهذه المرأة العمياء.
وفي تلك اللحظة، سمع صوتًا حفيفًا طفيفًا جعله يستدير. كان رجلًا عجوزًا لم يتعرف على الملك، وسأله عما إذا كان قد رأى عاملة الفحم الصغيرة؟ لم يستطع الملك مقاومة سؤال العجوز عن سبب اهتمامه بعاملة الفحم.
قال العجوز: «إنها فتاة ذكية وعاقلة جدًّا. التحدث إليها هو متعة كبيرة لي أيها العجوز. إنها تعرف كل شيء، ومهتمة بكل شيء! من الصعب أن تجد واحدة مثلها. إنه لأمر مؤسف، فهي فقيرة ومن عائلة متواضعة. ووفقًا لعقلها وقلبها، فهي تستحق نصيبًا أفضل من أن تكون عاملة منجم فحم بسيطة.»
في هذا الوقت، سمع الملك ضجيجًا من ناحية القصر. اقترب الملك من القصر دون أن يلاحظه أحد، وتوقف عند النافذة المفتوحة للقاعة، حيث كانت الفتيات الجميلات مجتمعات. توقف وذُهل مما رأى. أين ذهبت الوجوه الساحرة للجميلات؟ أين ذهبت الابتسامات الرقيقة من شفاههن الوردية؟ أين ذهب لون الخدود القِرمزي الذي جعلهن مثل ورود الربيع؟
كانت وجوه الفتيات الجميلات خضراء من الغضب، وعيونهن تبرق، والشفاه ملتوية من الغضب. وبأصوات مكتومة، صاحت الجميلات الجدد بعضهن على بعض وصرخن.
أرادت كلٌّ منهن أن تكون ملكة؛ لدرجة أنهن نسين أنفسهن، وحاولن قدر الإمكان خداع وإهانة إحداهن الأخرى. الحسد والحقد جعلا وجوههن الجميلة قبيحة.
وبين هؤلاء، كانت هناك فتاة وديعة وحنونة وذات بشرة داكنة تسير بخدين متوردين بلطف، وتنظر بعينيها الكبيرتين اللطيفتين، وجلست حمامة على كتفها. اقتربت الفتاة من واحدة أو أخرى من الجميلات الحقودات وبصبر وديع توسلت أن تهدأ، وألا تتشاجر، فقط ترضى بقدرها.
قالت بصوت رقيق ولطيف: «يمكنكِ أن تُسعدي الناس دون أن تكوني ملكة.»
وتحوَّل وجه الفتاة الذي كان قبيحًا ليصبح انعكاسًا لروحها الجميلة.
لم يستطع الملك صبرًا. دخل القاعة، وذهب إلى ماريا، عاملة الفحم، وأمسك بيدها وقال بصوت مرتفع: «هذه هي ابنتي! هي وحدها تستحق أن تحل محل ابنتي المتوفَّاة، هي وحدها تستحق أن تصبح ملكة! أيتها الجنية سعادة! أشكرك على الهدية الرائعة. لقد أعطيتِني ماريا ذات القلب النادر.»
وبعد قوله هذا انحنى الملك ذو اللحية الفضية أمام الحمامة البيضاء.
وأصبحت عاملة الفحم الصغيرة أميرة. أخذت المرأة العمياء إلى قصرها كي تعتني بها مثل ابنتها، وأحاطت نفسها بالأطفال الفقراء، وعلَّمتهم وابتكرت لهم أنشطة ترفيهية متنوعة، واستدعت كبار السن إلى القصر، وساعدت الملك ذا اللحية الفضية في أعماله الصالحة. اعتنت الأميرة الطيبة بكل الناس، وظل الملك ذو اللحية الفضية سعيدًا بها طوال حياته.