الحكاية السابعة عشرة: دوق الحيوانات

كان الدوق ألبرت لطيفًا وحنونًا وحكم الدولة جيدًا وبعَدل. أحبَّه الرعايا بشغف هو وزوجته الدوقة، لكنهم لم يستطيعوا أن يحبوا ابنهما الدوق رولان الشاب، بل كرهوه من كل قلوبهم. نعم، كان هناك سبب لبغضهم إياه. كان للدوق الشاب روح شريرة وقلب قاسٍ. كان الجميع ينظرون برعب إلى مستقبل سيدهم الشاب. كان الابن وريث الدوق مصدر رعب للجميع. كان عمره عشر سنوات فقط، وقد تمكن بالفعل من إظهار تصرفات قاسية وملامح شخصيته السيئة في كل مكان. قال الناس يبدو أن رولان الصغير كان على علاقة ودية مع الساحر الشرير شور. وقيل إن رولان كان غاضبًا وقاسيًا مع من حوله لأن الساحر شور وضع كثيرًا من الحقد في قلبه الشاب.

ولكن بعد ذلك حدثت مصيبة في عائلة الدوق. ماتت الدوقة.

بكى الملك بكاءً مريرًا، وكذلك بكى الشعب. فقط رولان لم يبكِ. موت والدته لم يجلب له حزنًا كبيرًا، فلم يكن يحبها، كما لم يحب أحدًا، رولان الصغير الشرير والقاسي.

الوقت يمر ويمر. وعلى مر السنين أصبح الدوق رولان أكثر صرامة وغضبًا وأكثر قوة وقسوة. فكر الأب برعب في الكيفية التي سيصبح بها ابنه حاكمًا، وكيف سيدير البلاد. زادت روح الدوق حزنًا وتعاسة بسبب أفعال رولان الشريرة، وأصبح الأمر أصعب وأصعب على الدوق بسبب أن له هذا الابن. وبشكل لا إرادي، بدأ الدوق يفكر أكثر فأكثر أنه سيكون من الجيد له أن يجد العزاء من خلال الزواج مرة ثانية، بحيث يكون لديه شخص يشاركه حزنه، ويتشاور معه، ويشكو له، ويحزن على المصير الذي منحه إياه مثل هذا الابن.

فكَّر الدوق مرارًا ثم تزوج. كانت الدوقة الشابة الجديدة لطيفة ومبهجة، مثل الشمس، ولم تكن أقل من الدوقة السابقة في اللطف والوداعة.

عاش الدوق وزوجته روحًا مع روح. وبعد عام، وُلد للزوجين صبيٌّ ساحر ذو عينَين زرقاوَين. أسماه الدوق ليو. لم يكن هناك حدود لفرحة الأب والأم بالطفل الصغير، ولا لحاشية القصر ولا حتى لكل الشعب.

لكن كان الدوق رولان يكره أخاه. منذ اليوم الأول لظهوره في العالم، كان يكرهه بكل حقد، كل الحقد الذي يملأ قلبه.

بدأ الصبي ليو يكبر، وبدأ يصبح أجمل. في سن العاشرة، صار فتًى وسيمًا لدرجة أنه كان من المستحيل أن تنظر إليه بلا فخر. وليس هناك ما يقال عن وداعة ليو ولطفه؛ إنه مثل حمامة، وليس فتًى. لديه قلب من ذهب.

بدأ الناس يقولون: «نتمنَّى أن يكون هو الدوق بدلًا من رولان الشرير.»

كان رولان هناك. وسمعهم. وأقسم ألا يتحقق هذا.

قرر بغضب: «سأقتله! سوف أدمر هذا الصبي الذي لا قيمة له.»

وبدأ على الفور في التفكير في كيفية تدمير ليو الصغير ذي العينَين الزرقاوَين.

•••

هزم الرعد، وومض البرق، وتساقط المطر مثل الماء من الدلو. خرج الدوق العجوز للصيد والجميع قلقون بشأنه في القصر. جلسَ ليو بالقرب من المدفأة المشتعلة وفكَّر في مكان الأب الذي يحبه بشدة.

وفجأة دخل رولان إلى غرفته.

صاحَ قائلًا: «استعد للطريق يا ليو! حدثت مصيبة لوالدي، ضربه البرق، إنه يرقد مصابًا في الغابة. دعنا نصل إليه قبل فوات الأوان!»

حبس ليو دموعه المريرة وركضَ خلف أخيه على عجل قدر استطاعته.

ذهبا إلى الغابة، صماء وغير قابلة للاختراق، كثيفة ومظلمة وكئيبة، لا يمكنك الرؤية بداخلها.

سأل ليو شقيقه وهو يبكي: «أين أبي؟»

لكن رولان أجاب: «أوه، أنت أحمق! أنت مغفل يا ليو ذا العينَين الزرقاوين! لقد صدَّقت قصتي. لكن هل تعلم أن الأب لا يصطاد في هذه الغابة؟! هنا يعيش الساحر الشرير شور، صديقي العزيز. أحضرتك للعشاء أيها الفتى الغبي ليو.»

بكى ليو الصغير بمرارة، مرتجفًا من الخوف. وانفجر رولان في ضحك خبيث، الأمر الذي زاد من خوف ليو المسكين. ثم قال له رولان: «انتظر هنا، سيظهر شور ويبدأ الأكل.» وبهذه الكلمات اختفى، كما لو ابتلعته الأرض.

تُرك ليو بمفرده في غابة كثيفة ومظلمة. وقف في مكانه يبكي. فكر وهو يبكي: «لماذا يكرهني رولان؟ ما الأذى الذي ألحقته به؟ لماذا فكر في التخلص مني؟»

وتحوَّل كل شيء من حوله إلى ظلام، وظلام في الليل. حتى الرعد لا يُسمَع خلف حفيف الأشجار العملاقة الضخمة، وحتى البرق لا يُرى بين أوراق الشجر. هكذا نمت الغابة الكثيفة الرهيبة …

وفجأة سمع ليو صوتًا مثل الأجنحة فوق رأسه. رفع رأسه، ونزل طائر ضخم على الأرض، وكان الساحر الشرير شور يركب فوقه. كان يجلس فوق الطائر ويصرخ بصوت عالٍ قائلًا: «لقد أعددت لي عشاءً رائعًا يا رولان! شكرًا رولان! شكرًا لك!»

ابتعد ليو مرتجفًا. لقد فهم نوع العشاء الذي كان شور يخبره عنه، لكنه لم يستطع الابتعاد عن الساحر.

هنا نزل الطائر مع شور إلى الأرض، وكان شور يستعد بالفعل للانقضاض على ليو والقبض عليه بأصابعه.

كان ليو حيًّا لكن مُجمَّدًا من اليأس والخوف. وفي هذا الوقت، ومن العدم، هُرع ذئب ضخم إلى شور وأخذ منه ابن الدوق الصغير.

زأر الوحش على الساحر: «غابتي وفريستي.»

وفي نفس اللحظة، حلَّق الطائر العملاق عاليًا في الهواء وهربَ مع الساحر.

تركَ ليو والذئب بمفردهما.

سأل الذئب وهو يكشف عن أنيابه: «من أين أنت يا فتى؟»

أخبر ليو الذئب بكل ما حدث له. هز الذئب رأسه الأشيب وقال: «هناك أشخاص سيئون، أعرف هذا منذ فترة طويلة، لكنني لم أسمع أبدًا عن شخص مثل شقيقك رولان. ظننت أنني سآكلك، لكن لا، أشعر بالأسف من أجلك. لديك عينان جميلتان جدًّا. سوف أريك حيواناتنا. دعنا نذهب.»

ذهبا إلى مرج الحيوانات. لم يتخلف حيوان، الكل كان موجودًا: الفهود، والأسود، والنمور، والذئاب، والثعالب، والأرانب، والمرموط، وفئران الحقل، والقرود؛ باختصار كل الحيوانات الموجودة في العالم. كانا ينتظران الفيل أيضًا، لكن لسبب ما لم يظهر.

قال الذئب: «انظروا ماذا وجدت في الغابة.»

أحاطته جميع الحيوانات وبدأت تنظر إليه. وفي تلك اللحظة أضاء شعاع القمر وجهه، وأضاءت عينا ليو الجميلتان بلون أزرق لا يُنسى. انعكس بحر كامل من المشاعر في تلك النظرة. روح ليو النقية الشفافة اللطيفة والصادقة كانت تشع منه.

تأثرت النمور الشرسة والأسود والذئاب المفترسة والضباع وبنو آوى بنظرة ليو القوية، واستلقى جميع الحيوانات مثل الخدم المطيعين عند قدمَي ليو، وبدأت في لعق يديه. نظرت إليه بعيون مخلصة. ومثل الكلاب، كانت على استعداد لاتباعه في كل مكان.

زأر الأسد: «هل هذه عينا صبي! لم أرَ مثلها في حياتي!»

وقال القرد مؤكدًا: «أنت محقٌّ يا أسد، لديه عينان مثل النجوم في السماء.»

قال الدُّب: «إنه لأمر مؤسف أن يوجد مثل هذا الصبي الصغير هنا! إنه يبدو طيبًا!»

قال الثعلب بصوت متأثر: «إنه صبي ساحر.»

اقترح النمر: «دعوه يبقى معنا ويعيش بيننا.»

صرخت جميع الحيوانات بصوت واحد حتى كادت تصم أذنَي ليو: «نعم، نعم! نتمنى أن يعيش بيننا. فليكن صديقنا!»

وعندما نظر ليو مرة أخرى إلى الحيوانات، أحاطت به جميعًا في حشد كثيف، وبدأت تزحف عند قدمَيه وتقول: «لا تتركنا، ابقَ معنا. كن دوقنا، ليو صاحب العينَين الزرقاوَين. سوف نطيع كلَّ كلماتك، كل إشارة من يدك، كل نظرة من عينَيك. فقط ابقَ معنا! كن دوقنا، ليو الصغير! كن دوق الحيوانات يا ليو! أنت تستحق أن نطيعك جميعًا، أيها الفتى النبيل اللامع! احكمنا يا ليو! سنموت بكل سرور من أجلك!»

•••

بعد سنوات عديدة. مات الدوق العجوز، وماتت الدوقة وقد جفت دموعها بعد فقدان ليو الصغير.

أصبح رولان الدوق.

نسي ليو الصغير شيئًا فشيئًا. ونشأ ليو الصغير في الغابة ولا يزال يحكم مملكة الحيوانات. فازت الحيوانات به. لقد أحبوا دوقهم إلى ما لا نهاية. وكان هناك كثير من الحب. كان ليو حاكمًا حكيمًا وعادلًا ووديعًا. لم يُسئ إلى أحد، ولم يعاقبهم، وعاش مع رعاياه في وئام وسلام.

بمجرد أن ينشب بين الحيوانات خلاف أو قتال، يظهر ليو على الفور، ينظر بعينيه الزرقاوين الرائعتين إلى المتخاصمين ويهدأ كل شيء.

وفي يوم من الأيام، انتشر الخبر في جميع أنحاء مملكة الحيوانات أن الناس الداكنين الرهيبين هاجموا الأرض المجاورة، التي كان يحكمها الدوق رولان.

اكتشف دوق الحيوانات ذلك، وشعر بالأسف على أخيه القاسي. فرغم كل شيء هو أخوه بالدم. ودعا حيواناته قائلًا: «لنذهب ونُعين الدوق رولان على أعدائه!»

ونظرًا لمعرفتهم بما فعله رولان بأخيه ليو، فوجئت الحيوانات برغبته في مساعدة الأخ الشرير، ومع ذلك فلقد اعتادوا على طاعة سيدهم الطيب، وتبعوه بإخلاص إلى أرض رولان للمساعدة في هزيمة أعدائه.

وهناك كانت المعركة تقترب من نهايتها. انتصر الاعداء. كانت قوات رولان مشتتة. رولان نفسه كان مُلقًى جريحًا مغطًّى بالدماء.

ضرب ليو بجيشه من الحيوانات على حين غِرة. زأرت الحيوانات وزأرت، وقضت على المحتلين، وهزمت أعداء رولان. تم طُرد الأعداء من الأراضي على مسافة بعيدة، وضربوا، ودمروا، وهزموا.

هزم ليو الأعداء، واقترب من أخيه وهو بالكاد يتنفس. رأى رولان ليو، ومدَّ يديه إليه، هامسًا بصوت لا يكاد يُسمَع: «لقد سببت لك كثيرًا من الحزن يا ليو. أردت قتلك بدافع الحسد والحقد. وكافأتني باللطف على شرِّي. هل ستسامحني يا ليو؟»

رد ليو: «أنا أسامحك على كل شيء عن طِيب خاطر يا رولان!»

وعانق ليو أخاه.

علم رعايا رولان أن شقيقه ليو، الذي اعتبروه ميتًا منذ فترة طويلة، قد عاد، وأحاطوا به بصيحات جليلة: «أخيرًا عدت إلينا! أخيرًا يا ليو! الآن سوف تكون سيدنا الحبيب! سنحيطك بالعناية والمودة، ونجعلك تنسى كل تلك الأحزان التي كان عليك تحمُّلها في طفولتك. يعيش ليو، يعيش دوقنا الحبيب!»

لكن ليو ظل صامتًا. نظر إلى الناس بعينين حزينتين. وخلفه تحتشد حيواناته، حزينة كئيبة مليئة بالشوق. تذرف الأسود والنمور والذئاب والدببة والضباع دموعًا صامتة.

انتحبت الحيوانات حتى الصغير منها، الأرانب والغرير والفئران.

توسلوا إليه باكين: «لا تتركنا أيها الدوق ليو! لا تغادر.»

رنَّ شيء ما في قلب ليو وكأنه تمزق، وبصوت عالٍ قال للناس: «لن أترك حيواناتي العزيزة من أجل أي شيء في العالم. لقد راعوني في لحظة مريرة، ومنحوني الفرح والحب. سأبقى معهم حتى يوم موتي! ستجدون دوقًا آخر لأنفسكم!»

قال هذا وعاد إلى الغابة الكثيفة، إلى دوقيةِ ليو أزرق العينين. وعلى الرغم من أنه كان مؤلمًا له أن ينفصل عن الناس، فإنه تركهم ليكون مع الحيوانات التي كانت تُدفئ حياته المريرة بالحب والطاعة والعناية والمودة.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤