الحكاية الثامنة عشرة: حكاية إيفان الذي بحث عن السعادة
عاش إيفان في هذا العالم.
عاش في قرية غنية، ذات شوارع واسعة ممتدة، ومنازل جديدة من الألواح الخشبية، وباحات نظيفة، وحدائق مظللة أمام كل منزل؛ باختصار إنها قرية يعيش الجميع فيها سعداء وليس لديهم ما يقلقهم.
إيفان نفسه كان شابًّا قويًّا ووسيمًا.
كان لإيفان أب وأم وأخت وأخ. لدى إيفان كل ما يحتاجه الإنسان في الحياة: رداء جديد جيد، وحذاء، وقبعته دائمًا ما تكون جديدة تمامًا. وكان دائمًا شبعانًا ولديه مال. ماذا يريد أكثر من ذلك؟
سيعيش إيفان ويعيش، سعيدًا بكل النعم: والدَين طيبَين، أخ وأخت محبين، رخاء ورضًا، كل شيء لديه.
لم يكن هناك ما يعكر صفوه على الإطلاق.
وذات مرة سمع إيفان الناس يتجادلون حول السعادة، سألهم قائلًا: «ما السعادة؟»
شرحوا له: «إنه شيء تبحث عنه، لكنك لن تجده. تحاول الإمساك به، لكنك لن تمسك به. تحاول، لكنك لن تمسك به. وسيأتي عندما لا تتوقعه على الإطلاق، ويستقر بطريقة لا تتحكم فيها، حتى يغادر من تلقاء نفسه.»
هذا ما أوضحه الناس لإيفان.
قال إيفان: «حسنًا، هذا هراء! إذا أردت، فسأجد السعادة. سأمسكها وأحضرها معي.»
جادله الناس قائلين: «لن تحضرها!»
اعترض قائلًا: «سأحضرها!»
كان عنيدًا جدًّا، وكل ما يجول برأسه يقوم به على الفور. حتى هذه المرة.
وضع قبعة، وربط على كتفَيه حقيبة ظهر، وأخذَ عصًا وذهب إيفان العنيد ليجوب العالم.
ذهب يبحث عن السعادة.
يسير على طول الطريق السريع وينظر إلى أسفل، عند قدمَيه، ليرى ما إذا كان شخص ما قد أسقط السعادة بالمصادفة.
مشى ومشى وذهب إلى مدينة كبيرة. جلس يستريح في المدينة.
جلس وغنى أغنية. أوه إن غناءه جيد! غنى عن قرية كبيرة، عن الحدائق المظللة، عن نهر أزرق جارٍ. صوته حنون جدًّا. إيفان لديه صوت رائع. اجتمع الكل حوله. حشد غفير من الناس. يقفون حوله، صامتين، ينظرون مباشرةً إلى فمه، يستمعون.
لكن إيفان لم يهتم بالحشد، فهو يُغني لنفسه ويغني.
وفجأةً خرج رجل قصير بدين من بين الحشد، ذهب إلى إيفان، وربَّت على كتفه بطريقة ودية وقال: «لقد سمعت كثيرًا من الأصوات في حياتي، لكنني لم أسمع مثل صوتك من قبل. إنك مثل عندليب. يجب أن نتناول الطعام حتى يمكننا الاستمرار. مثل هذا الصوت كنز دفين. إذا أردت، يمكنني إلباسك الحرير والمخمل. سأجعلك غنيًّا، وسأمنحك كثيرًا من المال بحيث لا تتحمله جميع جيوبك. وما عليك إلا أن تغني وتغني. وسأرتب الأمر حتى يأتي الملوك والأمراء وكبار الشخصيات للاستماع إليك. إذا أردتهم أن يبكوا، فستغني أغنية حزينة، وإذا أردت أن يبتهجوا فستغني أغنية سعيدة … ومجدك كمطرب رائع سوف يلفُّ جميع أنحاء العالم. في أي مكان، وفي كل مكان سيقابلك الناس باحترام وينحنون بترحيب. ولن تُضطر إلى فعل أي شيء من أجل هذا، فقط تغني وتغني …»
لم يسَع إيفان إلا أن نظر إلى الرجل القصير البدين وضحك. هل يحتاج حقًّا إلى الشرف والمجد والذهب بينما هو ذاهب للبحث عن السعادة!
وبعد أن قام إيفان من مقعده، رفع قبعته وابتعد عن المدينة على طول الطريق المؤدية إلى الغابة.
صادفَ إيفان الأشجار الضخمة العملاقة في الطريق. امتدت الفروع الخضراء إليه. نظر إيفان إلى الأغصان وفكر: «هل علقت السعادة في مكان ما في الأغصان؟»
نظر، ونظر … ولكن لا توجد سعادة. لكن هناك شيئًا آخر لفت انتباه إيفان.
فارس على حصان سريع يقفز من بقعة إلى أخرى. الفارس يرتدي ملابس ملَكية فخمة، في رداء رائع بحزام ذهبي. ويعتمر على رأسه قبعة باهظة الثمن تعلوها ريشة. وجه الفارس مغطًّى بشحوب قاتل. الخوف يملأ عينيه. رأى إيفان أن دُبًّا بُنيًّا ضخمًا يطارد الفارس، لحق الدب بالحصان، واندفع نحوه من الخلف وأمسك على الفور بالفارس بمخالبه الرهيبة. سمع إيفان صرخة يائسة، ثم هدير الوحش الذي يصم الآذان …
وجد إيفان نفسه على بعد خطوتَين، فاستلَّ السيف من حزام الفارس المذهول، وبكل قوته ضرب الدب على رأسه.
هز هديرٌ جديد يصم الآذان الهواء، وفي الدقيقة التالية أصبح الدب الميت ممددًا على الأرض.
نزل الفارس من حصانه واقترب من إيفان.
قال بصوت مضطرب: «لقد أنقذت حياتي، لقد أنقذت حياة الملك. أنا الملك وأريد أن أكافئك على شجاعتك، على إنجازك. تعالَ معي إلى عاصمتي. ستعيش معي بشرف ملكي، وسأمنحك السلطة الملكية، وبعد وفاتي ستكون ملك دولتي.»
لكن إيفان اكتفى فقط بهز رأسه ردًّا على ذلك.
لماذا يحتاج إلى المُلك؟ لقد ذهب للبحث عن السعادة وليس عن المُلك.
رفضَ إيفان التكريم المقدَّم له، وانحنى لتحية الملك.
كان عنيدًا جدًّا، ويريد حقًّا أن يجد السعادة.
يمضي، يلوح بعصاه ويحدق في الأنحاء.
خرج من الغابة. رأى القرية في نهاية الطريق.
يوجد بئر على حافة القرية.
هناك فتاة تقف بجانب البئر، جمالها لا يمكن للمرء أن يصفه في قصة خيالية.
نظرت الجميلة إلى إيفان. أحبته منذ النظرة الأولى؛ إنه طويل، ووسيم، وعريض الكتفين، كالأبطال.
وكلما نظرت إليه الفتاة، زاد إعجابها به.
غنَّى إيفان أغنيته، وغرق قلب الجميلة.
إما أن عندليبًا يغني وإما ملاكًا من السماء.
أمسكت الفتاة بيد المُغني الوسيم وقالت: «لقد حلمت بزوج مثلك لفترة طويلة. أنت خطيبي. دعنا نذهب إلى والدك وأمك ليباركا الزواج.»
نظر إيفان إلى الفتاة الجميلة، وأُعجبَ بها وقد صُدم بشدة من جمال الفتاة، ولكنه اكتفى فقط بهز رأسه.
قال بصوت منخفض وقلبه لا يتوقف عن الخفقان: «لا أستطيع البقاء معك، يجب أن أسافر، لديَّ عمل.»
لقد أحب الجميلة حقًّا. إنه لأمر مؤسف أن يتركها.
ومع ذلك غادر إيفان العنيد. ذهب يبحث عن السعادة.
يمشي ويفتش. يبحث أثناء المشي.
يبحث في الغابات، في الحقول، في القرى والبلاد والمدن الكبيرة، في الساحات وفي الشوارع … ومع ذلك لم يجدها.
مشى، ومشى. طاف العالم كله، وعاد مرة أخرى إلى قريته الأصلية.
لقد مرَّت سنواتٌ عديدة منذ أن غادر بحثًا عن السعادة. مات الوالدان، وتزوجت الأخت، وتزوج الأخ.
وبمجرد أن عرفوا من هو في القرية كان قد أصبح كبيرًا في السن، ونمت لحيته.
بدأ بمرارة يوبخ الناس الذين تحدث معهم قبل رحيله: «لم أجد السعادة … بحثت في كل مكان … لقد خدعتموني! لا توجد سعادة على الأرض! هناك قصص عن السعادة. هناك مجد، هناك قوة، هناك حب، لكن لا توجد سعادة!»
وبدأ يخبر الناس كيف قدموا له المجد والقوة والحب. أخبر إيفان الناس عن لقائه مع الرجل القصير البدين، ومع الملك الشاب، ومع الفتاة الجميلة.
وعندما علم الناس هزوا رءوسهم.
قالوا: «أنت غبي، غبي يا إيفان. لقد خرجت للعالم، لكنك لم تكتسب الحكمة، كانت السعادة بين يديك، وأنت نفسك مَن أضعتها. جاءتك ثلاث مرات، وثلاث مرات دفعتها بعيدًا عنك.»
وهز الناس رءوسهم مستائين من إيفان الغبي.
قالوا بعضهم لبعض: «لا، السعادة ليست للأغبياء.»
نظر إليهم إيفان وتساءل: «أين رأوا السعادة في قصصه؟»
وعندما غادر الناس، جلس إيفان على حجر على حافة الغابة، وبدأ يتذكر لقاءاته التي تحدث عنها للتو. جلس وبدأ يفكر لماذا قرر الناس أنه أبعد السعادة ثلاث مرات.
فكر وفكر لكنه لم يصل لشيء.
كان إيفان غبيًّا وعنيدًا.
غبيًّا جدًّا.