الحكاية الرابعة: جِنيَّة في بيت الدُّب
في إحدى ليالي الشتاء القارس، كانت الغابة في حالة سيئة للغاية؛ حتى إنها كانت تبدو منحنية … الرياح تعصف، وأشجار الصنوبر التي يبلغ عمرها مئات السنين تبكي وتئنُّ تحت وطأة البرد، بينما العاصفة الثلجية مثل ساحرة عجوز تدور في رقصة جامحة. وكان سيد الجليد يراقب العاصفة برضًا وأخذ يفرك يديه ويقول: «أكثر أيتها العاصفة … حطمي أكثر.»
استمر ضجيج الغابة وبكاء أشجار الصنوبر … كانت الغابة مظلمة وغير ودودة بالمرة في هذا التوقيت. وقد اختبأت الحيوانات في أوكارها تنعم بالسعادة والدفء، وجميعها محاط بالعائلة والأطفال والمقربين في انتظار انتهاء الطقس العاصف.
وحده الدُّب الرمادي لم يكن لديه أحد. كان الدُّب الأشعث الرمادي وحيدًا تمامًا في هذا العالم … عاش مثل الناسك، وحيدًا في الغابة دون أن ينظر إليه أحد.
لقد كان كبيرًا … كبيرًا جدًّا.
وقويًّا … قويًّا جدًّا.
كبيرًا وقويًّا، إلى درجة أن باقي الدِّبَبة يبدون كأقزام بالمقارنة به.
جميع الحيوانات في الغابة تخاف منه، بداية من الأرانب والثعابين والذئاب، وحتى باقي الدببة تخاف منه أثناء تَجواله في الغابة. يكفي أن يخرج من مخبئه بمشيته المتثاقلة الكسولة، ومظهره الأشعث بعينيه اللامعتين المخيفتين؛ حتى يهرب الجميع أمامه.
والحقيقة أنه لم يكن شريرًا ولم يؤذِ أحدًا قط؛ كل ما في الأمر أنه وحيد دائمًا.
منذ فترة طويلة جاء إلى هنا من غابة أخرى بعيدة، وهكذا انتهى به الأمر في غابة غريبة وبعيدة عن موطنه، وفي وكرٍ جديد حفره بنفسه على عَجَل.
البشر أخذوا منه عائلته؛ زوجته وأطفاله، ثم قتلوهم، حتى هو أصيب بطلق ناري، وظلت الرصاصة مغروسة عميقًا في جلده لتُذكره أن البشر أعداؤه، وهم سبب وحدته وتعاسته.
كره الدب الرمادي البشر كما يكره أي أحد أكثر أعدائه شرًّا، كما كره أيضًا التعامل مع باقي الحيوانات، ولم يُرد أن يصادقهم أو أن يقترب منهم.
على أي حال، كانت الحيوانات الأخرى سعيدة، بينما كان هو وحيدًا ومستاءً، ولم يستطع أن يرى حتى سعادة الآخرين.
في تلك الأيام، عندما كانت العاصفة الثلجية تجعل الرياح تدور وتغني، كان يشعر بالتحسُّن وببعض البهجة في روحه، فكان يدخل إلى بيته ويلعق مخالبه ويفكر كم يكره البشر … هو الدب الرمادي الكبير الأشعث.
استمر ضجيج الغابة والرياح وحفيف الأشجار الكبيرة، بينما استلقى الدب على سرير الطحالب وأوراق الشجر، وانتظر انتهاء العاصفة حتى يستطيع أن ينام وينسى الغضب والكراهية واشتياقه إلى عائلته.
وفجأة، في بيته شبه المُعتِم، ظهر وميضٌ لشيء ما بشكل غير متوقَّع. تقلبت كتلة زَهرية اللون في الهواء وسقطت عند قدمَي الدب.
انحنى الدُّب ووضع الكتلة الزهرية على مخلبه وقرَّبها إلى عينيه محاولًا فحص ذلك الجسم الغريب.
نظر الدُّب جيدًا وتفحص هذا الشيء، لكنه عبس وقطب حاجبيه وقال: «إنه إنسان! على الرغم من ضآلة حجمه لكنه لا يزال إنسانًا … نعم … نعم، ليس أكثر من بَشري.»
وفي الواقع، كان الشيء الصغير الذي يرقد على مخلب الدب دون تنفس يشبه البشر إلى حد كبير، فقط كان بطول الإصبع ولديه أجنحة مضيئة خلف ظهره.
كان الإنسان الصغير بالأجنحة المضيئة على ظهره يبدو ميتًا، ووجهه جميلًا رغم أنه تحول إلى اللون الأزرق من البرد. لكن الدب نظر بغضب إلى المخلوق الصغير ولم يَلحَظ كم هو جميل. أراد تدميره لأنه بدا مثل عدوه الإنسان.
رفع الدب مخلبه الآخر بالفعل استعدادًا لقتل المخلوق الصغير، ولكنه فجأة تنفَّس وأصدر حركة خفيفة شعر بها الدُّب. ولم تمر بضع لحظات حتى تحرك وفتح عينيه وحرك أجنحته المشعَّة التي ملأت المكان فورًا بنور ساطع وأصوات غريبة تشبه قرع الأجراس. كان الدب مندهشًا بسبب هذه الأصوات التي لم يسمعها من قبل في حياته، والتي ملأت كل زوايا وأركان مسكنه. بدا للدب أن بيته أصبح مُشِعًّا هو الآخر مثل يوم ربيعي صافٍ ورائحة الزهور العطرة تملأ المكان أيضًا، تمامًا مثل الروائح التي كان يشمها في غابته القديمة.
فتح المخلوق الغريب ذو الأجنحة المتألقة عينيه لأقصى حد، وأخذ يحدق، ثم انفجر ضاحكًا وقال: «أهلًا أيها الدُّب المضحك … يا لك من دب ضخم … هل تفكر في قتلي … يا سخيف؟! لا يمكنك ذلك.»
رفع الدب مخلبه ونظر إلى الشيء الصغير بتحفظ. الآن فهم أن هذه جِنيَّة.
قال: «إذن أنتِ جنية ولستِ إنسانًا، أليس كذلك؟»
أجابت: «بلى، بالطبع جنية أيها الأحمق! البشر حجمهم ضخم كما أنهم بُلَهاء، أما أنا فصغيرة ورشيقة مثل زهرة. انظر إليَّ جيدًا، هل تعرف بشريًّا صغيرًا أو نشيطًا مثلي؟»
وأردفت: «ثم إنني لا أخاف الموت مثل البشر … إذا قتلتني الآن سوف أتحول إلى زهرة، ومنها سوف أخرج مرة أخرى إلى الحياة، وسوف تطير الفراشات حولي، وتغني النَّحلات أجمل الأغاني، وسوف أذهب معها لأستمع إلى قصص المعجزات التي لم تسمعها أبدًا، أيها الدب الرمادي الأخرق. وعندما يأتي الخريف وتذبل الأزهار سأعود جنية مضيئة جميلة كما هو الحال الآن، وأطير بعيدًا في الشتاء إلى البلاد الجنوبية.»
بدأ الدب يهتم بكلام الجنية وسألها: «لكن كيف استطعتِ البقاء في مثل هذا الطقس حتى وصلتِ إلى مخالبي؟»
ابتهجت الجنيَّة وأخذت تضحك وتقول: «في الحقيقة كانت هذه رغبتي … أردت أن أرى الشتاء والثلج والعواصف وأسمع أغاني الرياح الشديدة، ثم أعود لأتباهى بها أمام أصدقائي؛ لذا اختبأت في تجويف داخل شجرة صنوبر كبيرة، أفكر في كل الإعجاب الذي سوف أناله بعد الشتاء، لكن الجو أصبح باردًا للغاية، باردًا لدرجة أن أطرافي تخدَّرت، فأنا معتادة على الدفء والنور ومباهج الحياة ورائحة الزهور، وأصبح الأمر أسوأ عندما ظهر نقَّار الخشب العجوز، واتضح أن هذا مسكنه فأخرجني من هناك. نقَّار الخشب الأحمق هذا لا يعرف كيف يعامل الجنيَّات الجميلات مثلي.»
وأضافت: «وبعد أن أخرجني وجدت نفسي وسط العاصفة، فحملتني الرياح ودارت بي، ولم أعد أشعر بنفسي ولا أعرف كيف وجدت نفسي في بيتك فوق مخلب أشعث لدُب رمادي.»
سألها الدُّب مرة أخرى: «وأنتِ، ألستِ خائفة من أن آكلك؟»
أجابت: «بلى، لست خائفة … أنا أجمل وأظرف جنية في الغابة كلها وسوف تندم إذا أكلتني. ثم إنني أحكي أفضل القصص والحكايات، ويمكنني تسلِيَتك. أنت تبدو وحيدًا جدًّا ولا تعرف كم تمتلك الجنيَّة ليانا من حكايات.»
قال: «اسمك هو ليانا؟»
قالت: «نعم ليانا، زهرة مايو، هكذا سماني أبي الروحي. إنه اسم جميل للغاية، ولكن لنعُد إلى موضوعنا. ماذا قررت في النهاية؟ هل سوف تخرجني من بيتك إلى العاصفة الثلجية مرة أخرى؟ أم سوف تلتهمني أيها الدب الرمادي الأحمق؟»
عبس الدُّب وأخذ يفكر. لم يكن يريد التخلِّي عن صوت الرنين المبهج والنور الساطع الذي ملأ بيته، وأيضًا رائحة زهور الربيع الملازمة للجِنيَّة. لكن الجنية الصغيرة تشبه البشر إلى حد كبير، وهو يكره البشر. إنهم أعداؤه الذين وعد بالانتقام منهم لأنهم جعلوه وحيدًا، والآن أتيحت له الفرصة لكي ينتقم من شيء يشبههم؛ هذه الجنية الصغيرة.
وبينما كان الدب يفكر في التصرف الصحيح لم تنتظره الجنية، بل اقتربت منه بخفة وبدأت تحكي له القصص الخرافية. بعض القصص كانت نادرة جدًّا ربما سيد الغابة نفسه ذو اللحية الخضراء لم يسمع بها من قبل.
وعندما انتهت الجنية ليانا من القصص، اختفى التعبير صارم من على وجه الدب، وأضاءت عيناه بفرحة وقال: «يمكنك البقاء في بيتي قدر ما تشائين! سوف تجدين المنزل واسعًا وبه بعض الدفء ومريحًا أيضًا.»
ثم بدأ الدب يتذكر: «كان لديَّ عائلة ذات يوم؛ زوجتي وثلاثة أطفال مرحين وسعداء، ولكن البشر الأشرار أخذوهم بعيدًا عني فأصبحت وحيدًا ومتجهِّمًا أيضًا. كل الحيوانات الأخرى تخاف مني، لكن ليانا لا تخاف مني … إنها تثق بي … حتى إنها تقترب من أُذني الخشنة وتهمس لي وتحكي الحكايات، وأحيانًا تلمس أسناني الكبيرة بأصابعها الصغيرة، أو تطير أمام عيني الكبيرة حتى أبتسم وأكُف عن العُبوس، ثم تضحك لأنني عبوس بطبعي … إنها لا تخاف ولا تخجل مني … والأهم أنها لا تريد أن تؤذيني. أخذ البشر الأشرار زوجتي وأطفالي الثلاثة، ولكن القدر أعطاني ليانا؛ لذا سوف أعتني بها.»
كانت هذه الأفكار هي التي جعلت الدب يخرج من بيته ويتمشى في الغابة وهو يبدو ودودًا أكثر من العادة، مما جعل الحيوانات الأخرى تتساءل؛ فقال الثعلب للذئب: «ماذا حدث للدب الأشعث؟ إنه يبدو أكثر لطفًا.»
رد عليه الذئب وهو يحرك ذيله في حسد: «نعم بالطبع، سوف تكون لطيفًا وسعيدًا إذا كنت تمتلك مخبأً دافئًا مثله.»
وفي الجانب الآخر، كانت الجنية ليانا قد حولت بيت الدب القاسي والبارد إلى شيء مختلف تمامًا؛ فبجانب الضوء الساطع لجناحيها ورائحة الزهور والقصص الخيالية، جلبت الفرح والحياة واللطف والبهجة لزوايا بيت الدب الوحيد، وفي المقابل كان الدب يعمل بإخلاص وتفانٍ لإسعاد الجنية، وحاول تحقيق كل رغباتها، أو حتى التنبؤ بها، بينما في الحقيقة كانت الجنيَّة تمتلك العديد من الرغبات بالفعل.
وذات يوم، أرادت الحصول على الزهرة التي رأتها ذات مرة في إحدى نوافذ القرية المجاورة للغابة.
ذهب الدُّب إلى القرية وسرق أصِيص النبات من النافذة وخاطر أن يراه البشر، لكن في النهاية اتَّضح أن الزهرة تحولت إلى مجرد ساقٍ يُرثى لها بأوراق متساقطة، بينما الزهرة نفسها لم تكن موجودة على الإطلاق؛ لقد تلاشت بسبب الشتاء … شعرت ليانا بالإحباط الشديد، لكن الدب كان عليه أن يجد تعويضًا لها عن الزهرة؛ لذا صنع لها عربة صغيرة من خشب الصنوبر وجلب لها سنجابًا كان قد اصطاده من الغابة ليحل محل الحصان. وهكذا أصبح للجنيَّة الصغيرة عربة جديدة تستطيع أن تمرح بها في كل أرجاء البيت.
لكن أكثر شيء إثارةً للاهتمام هو أن الجنية ليانا علَّمت الدب الرمادي الكئيب أن يرقص أيضًا.
عندما كانت تملُّ من رواية القصص أو الدوران حول البيت مع سنجابها، كانت تجعل الصراصير تغني في الزاوية والدب يرقص إحدى هذه الرقصات الغريبة التي لا يعرفها سوى الدِّبَبة.
رقص الدب كي يُرضي ضيفته الصغيرة. وحتى عندما كان يتعب ويتعرَّق كثيرًا، كانت ليانا تطير إلى رأسه وتلوِّح بجناحيها الخفيفين لكي يشعر بالبرودة. أصبح الوقت في بيت الدب مُمتعًا ونسي الدب أحزانه. ويبدو أنه أحب الجنيَّة الصغيرة، وكان مستعدًّا للتضحية بحياته من أجلها.
وأخيرًا اقترب الربيع وبدأ الثلج في الذوبان، فكانت قطرات الماء تغطي كل شيء، ولم يتبقَّ غير ندفة ثلج واحدة فوق أحد الأعشاب.
رأى الدب ندفة الثلج الأخيرة فأخذها لكي يُريها لليانا. ولكنها عندما رأت بوادر الربيع الأولى تحوَّل لون الجنية المرحة. شحبت وأصبحت أكثر بياضًا من ندفة الثلج التي جلبها الدب. وانعكس الحزن واليأس في عيون ليانا، وطوت جناحيها وجلست في أحد الأركان، بينما كان الدب ينظر إليها خائفًا من حزنها المفاجئ، وسألها: «ما بك يا ليانا؟»
«أوه، لا شيء، لا شيء …»
قالت هذه الجملة بصوت كافٍ ليجعل قلب الدب يغرق في الألم، لكنه لم يجرؤ على السؤال عن سبب حزنها؛ لأنه كان يخشى إزعاج الجنيَّة الصغيرة أكثر.
مر شهر آخر وامتلأت الغابة بالزهور. لقد بدأ شهر مايو اللطيف وبدأ في نشر البهجة عبر النباتات، فردَّت عليه الحيوانات بالأُغنيات والاحتفال. وكانت أصوات الاحتفال تصل إلى آذان ليانا فترتجف. وفي أحد الأيام عندما سمعت زقزقة أحد العصافير انهارت تمامًا، وظهرت الدموع في عينيها الصغيرتين.
رأى الدب هذه الدموع وقال بحزن: «أعرف أن البشر يبكون دائمًا وبقوة … لكن الجنيَّات! لم أسمع قَط بجنيات تبكي … فقط حزن كبير يجلب الدمع إلى عين جنية مثلك … ربما تريدين أن تكوني حُرة يا ليانا وتريدين الذهاب واللعب مع باقي الجنيَّات بدلًا من البقاء مع دب وحيد مثلي.»
لكن عندما سمعت الجنية هذه الكلمات غرقت في البكاء أكثر: «لا، لا أريد أن أرحل وأتركك وحيدًا، سوف تصبح حزينًا مرة أخرى إذا رحلت … لقد جعلتْك قصصي وثرثرتي تنسى الحزن … لا لن أرحل … لا أريد أن أكون مُنكرة للجميل … لقد أعطيتني مأوًى عندما لم أملك مكانًا للذهاب إليه، وأنقذتني من الموت متجمِّدة … لا، لن أتركك يا صديقي لا تقلق.»
كان قلب الدب يقفز من الفرح والطمأنينة، لقد شعر أخيرًا أن العالم به ما هو أكثر من القسوة والظلم.
عرف أنه يحب صديقته الجنيَّة الصغيرة أكثر مما سبق بسبب كلماتها.
واصلا حياتهما بالطريقة نفسها، لكن ليانا لم تعُد تخرج من بيت الدب، ودائمًا ما كانت تحاول سد أُذنيها كي لا تستمع إلى غناء الحيوانات في الخارج. وفجأة ذات يوم، عندما كان الدب مستلقيًا على سرير الطحالب وليانا جالسة بجانب أذنه تهمس بالحكايات، دخلت إلى البيت فراشة زرقاء جميلة وعلى ظهرها جلست جنية جميلة صغيرة تشبه ليانا وكأنهما قطرة انقسمت إلى اثنتين.
اقتربت منها الجنية واحتضنتها سريعًا وقالت: «وجدتك أخيرًا يا أختاه!»
ثم تابعت: «كنت أبحث عنك في كل أنحاء الغابة كي أخبرك بالأخبار السارَّة. غدًا عند ظهور القمر الجديد، سوف تنتخب جميع الجنيات الملكة الجديدة. سوف تحكي كل واحدة منا ما رأته مثيرًا للاهتمام خلال الشتاء، وسوف تصبح صاحبة أفضل قصة هي الملكة. لقد بحثت عنكِ طويلًا لأخبرك بهذا، وفي النهاية أخبرني الفأر أنكِ هنا في بيت الدب … عليك أن تنضمي إلينا في احتفال الغد.»
وبعدها انطلقت الضيفة عائدة من حيث أتت على ظهر الفراشة. نظر الدب إلى ليانا المستلقية دون حراك في ركن البيت، عيناها مفتوحتان على آخرهما في دلالة على شوق يائس؛ لدرجة أن الدب لم يستطع تحمُّل هذه النظرة وقال لها: «انطلقي يا ليانا، عودي إلى مملكتك … إننا في شهر مايو، حيث المساحات الخضراء والأغاني والزهور. يجب أن تكوني مع باقي الجنيات الصغيرة الجميلة، وتخبريهم عن صداقتك مع الدب الوحيد القاسي، وحينها سوف يختارونك ملكة لهم؛ لأن قصتك سوف تكون الأفضل والأكثر إثارة للاهتمام … الوداع يا ليانا … حلِّقي إلى مملكتك، يجب أن تكون الجنيَّات حرة وأن تعيش بمرح وسط الزهور لا في بيت مظلم ومخيف كهذا.»
أنهى الدب كلماته ثم حوَّل رأسه الأشعث إلى الجهة الأخرى.
استمعت ليانا إليه وكانت تشعر بالأسف الشديد لترك الدب اللطيف التي جعلت نفسها جزءًا من حياته وجعلته ينسى حزنه، لكنها في الوقت نفسه اشتاقت بشكل لا يُقاوَم إلى مملكة الجنيات الصغيرة والنباتات والزهور؛ اشتاقت إلى مملكة الفرح والمرح التي أتت منها.
وبالفعل لم تتردد الجنية الصغيرة كثيرًا، وألقت نظرة أخيرة على الدب، وأومأت برأسها الجميلة إليه، وبسطت جناحيها اللامعين ثم اقتربت برفق من أذنه لتُودعه.
ومع وعيها بالحرية، ورغم وجود ألم في قلبها، طارت بعيدًا مثل طائر يهرب من بيت الدب. اندفعت بسرعة البرق إلى مرج الزهور الذي أضاءه ضوء القمر، في اللحظة التي أنهت فيها إحدى الجنيَّات المرشحة لعرش الملكة المستقبلية قصتها الخيالية على صوت أغنية العندليب.
جلست الجنيَّات الصغيرات حول عرش الملكة فوق زهور البنفسج وهي تصفق للحكاية.
قالت إحداهن: «قصتها أفضل من أي قصة أخرى! يجب أن تكون الحكاية التالية أفضل منها كي تصبح الملكة.»
بعدها ظهرت ليانا وهبطت على زهرة برية كبيرة وأخبرتهن بحكايتها؛ كيف أصبح الدب البَرِّي الرهيب المتجهِّم لطيفًا ووديعًا منذ ظهور جنيَّة صغيرة في بيته، وكيف وقع في حب الجنية واهتم بها ولم يكن يريد أن يفارقها. وفي الختام، أخبرتهن كيف شعرت الجنية بالأسف لترك الدب الوحيد مكسور القلب … كانت هذه الحكاية جيدة لدرجة أن العندليب صمت مُستمعًا إلى القصة الجميلة.
بكت الجنيَّات الصغيرات وهن يستمعن إلى حكاية ليانا، وبكين أكثر شفقةً على قلب الدب المكسور.
وعندما انتهت من حكايتها، صفق لها الجنيات والعندليب والفراشات.
وفي صوت واحد اختارها الجميع ملكة. أضاءت اليراعات العشب وأضاءت الجنيات الغابة كلها احتفالًا بالملكة الجديدة. كانت ليانا جالسة على العرش وحولها حاشية كبيرة من الجنيات الصغيرات لتحقيق كل رغبات الملكة الجديدة.
لكن الملكة نظرت بحزن إلى الجميع بعيونها الجميلة. تخيلت بيتًا بعيدًا ومظلمًا، وسريرًا غير مستوٍ من أوراق الشجر والطحالب القديمة ودُبًّا وحيدًا، مسكينًا، حزينًا، يفكر فيها هي … الملكة …