الحكاية الخامسة: ساحر الجوع
يحب البويار أن يرى حوله وجوهًا راضية وسعيدة ومسرورة. وحتى يكون خُدام البويار سعداء بحياتهم، حتى تبتسم وجوههم بفرح، يمدحون البويار؛ وحينها لا يدخر كورشون شيئًا من أجلهم …
يقولون كلْ واشرب حتى تشبع!
يأكل البويار الكثير، ويأكل خدمه أيضًا الفطائر والزبد، وجميع الكائنات الحية، والدجاج والبط، ويشربون الجعة والهريس والعسل والنبيذ الأجنبي من مائدة البويار بكثرة، حتى يمتلئوا.
ولكي يأكل البويار كورشون وعائلته وخدمه ويشربون، يجمع البويار المال من فلاحيه، الذين منحه إياهم الأب القيصر منذ زمن بعيد. الفلاحون يعملون حتى تتعرق وجوههم، يصنعون الخبز، يعجنونه ويخبزونه ويرسلونه إلى البويار كورشون، ويرسلون جميع الخيوط والبياضات.
يعيش البويار، على يد العمال الفلاحين، في سعادة دائمة. مرة واحدة فقط أرسل البويار رُسلًا إلى ممتلكاته وقُراه من أجل جمع الجزية المعتادة من الفلاحين، وعاد الرسل غاضبين ومنزعجين: «لم يقدموا أي شيء من أجلك أيها البويار! لقد استقر ساحر الجوع في قُراك. يقولون إنه المسئول. بسببه لم نجمع أي شيء من رعيتك.»
كان البويار كورشون متقلِّب المزاج؛ إما باردًا وإما غاضبًا بشدة.
صرخ: «أي ساحر هذا؟! وأي جوع؟! لا أعرفه … لا أعرفه! أريد كل شيء كما هي العادة، الدقيق والكتَّان والخيوط. كل ما يملكه الفلاحون.»
خاف رُسل البويار من غضب السيد. إنهم يقفون أمام البويار بلا صوت، ولا تعرف إذا كانوا أحياءً أم أمواتًا. ارتجفوا أمامه وارتجفوا.
ثم بدءوا يتحدثون مرة أخرى: «لا نستطيع فعل شيء أيها البويار، هذا مستحيل. استقر ساحر الجوع في قُراك، وها هو يقتل فلاحيك كما لو كان يمسك بخيوط أعمارهم. يجفف حقولهم ويقتل الأبقار والخيول، وقريبًا سوف تطول يدُه رجالك أنفسهم.»
زمجر البويار: «حقًّا؟! حقًّا؟! هل ساحر الجوع بهذه القوة والجبروت؟»
قال الرسل المذعورون الخائفون من الموت: «قويٌّ جدًّا أيها البويار!»
سأل البويار غاضبًا: «قوي لدرجة أنني لا أستطيع هزيمته؟»
الخدم صامتون، يرتعدون من الخوف ويتهامسون بصوت لا يكاد يُسمَع: «ساحر الجوع قوي جدًّا!»
كان البويار في أوج غضبه حين قال: «حتى إذا كان بهذه القوة، فأنا أعرف ما سأفعله. أيها الخدم، استعدوا للرحلة، احزموا الأمتعة واستعدوا لرحلة طويلة! خذوا كثيرًا من الطعام معكم! أريد أن أجد ساحر الجوع، أتحداه للقتال وأتغلب عليه. إنه بلا قيمة! وسوف آخذ زوجتي النبيلة وأولادي معي؛ دعهم يرون كيف سيقاتل البويار كورشون ساحر الجوع.»
اضطرب منزل البويار. أحدث الخدم ضجيجًا. وبدأت السيدة البدينة النبيلة، تتحرك بسرعة. ركض أطفال السيد. الجميع يستعدون للرحلة.
في مطبخ البويار يتصاعد الدخان بكثافة؛ يجري إعداد الفطائر والأطباق المختلفة للطريق، ويُكدس الخبز والإمدادات المختلفة في العربات والزلَّاجات، وتُملأ البراميل بالبراندي والنبيذ، بحيث يكون هناك ما يكفي للجميع.
إنها ليست مزحةً؛ البيت كله في طريقه للمعركة! نهضوا وتحركوا.
أمام عربة البويار، يركب الرسل الجِياد، ويبعدون الناس عن الطريق. إنهم يحذرون الجميع صارخين بالابتعاد، مما يعني أن شخصًا نبيلًا من البويار يركب العربة.
مر يوم ثم ثانٍ فثالث، ثم أسبوع فثانٍ فثالث.
في الطريق يتوقفون حتى ترتاح الخيول. وفي نهاية الشهر وصلوا إلى ممتلكات البويار. قفز الناس من الأكواخ لمقابلة الضيوف النادرين. لكن يا أيها الإله الرحيم، أي أناس هؤلاء؟ كانوا نحيفين مرهقين.
جلد على عظم، مثلما يقولون … العيون جاحظة من محاجرها، كلٌّ منهم بعيون بارزة. ترهَّل الجلد الأصفر على الوجه والذراعين. الأصوات تبدو وكأنها آتية من تحت الأرض، صماء، فظيعة.
«مرحبًا أيها البويار الرحيم!»
كانوا يصرخون. لكن صراخهم ضعيف لدرجة أنه لا يصل إلى آذان البويار.
فوجئ البويار وتوجه نحو الجياع المرهقين: «ماذا حدث لكم؟ ما مشكلتكم؟»
أجاب البؤساء: «الجوع هو السبب. يريد قتلنا جميعًا. لم يبقَ فتات خبز. منذ جاء ونحن نتضوَّر جوعًا. ساعدنا أيها البويار، لديك كثير من الخبز والإمدادات في حظائرك. حررنا أيها البويار.»
لم يُحب البويار حديث الفلاحين، وقال إنه لا يريد مساعدتهم، وسألهم إن كانوا جميعًا هكذا؟ لا يمكن إطعام الجميع في النهاية.
كان البويار بخيلًا ولم يعرف كيف يشفق على الناس. قال إنه لم يأتِ في تلك الرحلة الطويلة لإعطاء الفلاحين إمداداته. كل ما انشغل به البويار هو أن يعرف عن ساحر الجوع؛ كيف يجده ويتحداه للقتال، بل يجب أن يربح! يقولون إن الساحر قوي للغاية، ولأشهُر عديدة لم يستطع البويار تحصيل الجزية عن ممتلكاته وقُراه، وبسبب هذا الساحر يعاني خسائر ضخمة.
قال: «لا بد من العثور عليه وإلحاق الهزيمة به بكل السبل الممكنة. إنه عدو شرِس.»
وبدأ البويار يسأل الفلاحين الجياع كيف يجد ساحر الجوع، وكيف يقابله؟
لكن الفلاحين لا يفهمون ما يريده البويار منهم. يقولون شيئًا واحدًا فقط: «ساعدنا يا بويار بحق المسيح!»
ازداد غضب البويار. أمر بإدارة العربة والذهاب إلى قرية أخرى.
التفَّت العربة وسارت عبر الغابة الكبيرة الكثيفة المتشابكة. وبعد انطلاقها أصبح الظلام شديدًا، وأشد ظلمة في العربة المغطاة، كما لو أن الليل معهم داخل العربة. ثم هبت عاصفة ثلجية عنيفة. الرياح والصفير والثلج ملأ كل شيء. لقد عانوا وعانوا. كانوا مرهقين.
صرخ البويار: «توقفوا! سننتظر انتهاء العاصفة الثلجية هنا، وسنرتاح. لدينا إمدادات كافية لثلاثة أيام. بحلول ذلك الوقت، ستكون العاصفة الثلجية قد مرَّت.»
جرد العبيد الخيول.
استراحوا ليوم فثانٍ فثالث، لكن العاصفة الثلجية لم تهدأ. الطريق كله مغطًّى. لا مخرج، والإمدادات التي أخذوها معهم تتناقص شيئًا فشيئًا. وأخيرًا جاء اليوم الذي انتهى فيه كل المؤن؛ لم يبقَ شيء؛ لا فطائر ولا لحوم ولا حتى رغيف خبز واحد. والعاصفة الثلجية تستمر في الدوران والصفير، والمزيد المزيد من الثلج يكتسح الطريق …
يريد الناس أن يأكلوا بشدة، لكن لا يوجد مخرج من الغابة في هذا الوقت. تساقطت الثلوج في كل مكان. بدأ الخدم في القلق والتذمُّر.
«أريد أن آكل أيها البويار. هذا لا يطاق!»
والبويار نفسه يمر بوقت عصيب.
أطفال البويار الذين لم يتلقوا شيئًا لليوم الثالث مرضوا في عربته. الزوجة تتأوَّه وتندفع وتطلب الموت. الابنة الكبرى للبويار كانت تعاني بالفعل من تشنُّجات، وصرخت بصوت رهيب: «أريد أن آكل يا أبي! أعطني بعض الخبز يا أبي! أنا أموت!»
لم يكن البويار بعيدًا عن كلمات ابنته هذه. ضرب رأسه بجدار العربة وبكى بمرارة رافعًا يديه إلى السماء.
قال: «ارحمني يا رب! ساعدني! سأوزع نصف ممتلكاتي على الفلاحين! سأفتح كل مخازني من الحبوب أمامهم! ساعدني! أنقذ زوجتي وأطفالي!»
قال هذا ثم قام من على الأرض، ونظر من نافذة العربة وصرخ.
رأى البويار عند شجرة الخشخاش وحشًا ضخمًا. وجهه رهيب، عظمي، مثل وجه رجل ميت. يتدلى منجل خلف كتفيه، وذراعاه ورجلاه مثل العِصِي.
سأل الوحش الرهيب ضاحكًا: «هل عرفتني أيها البويار؟ أنا ساحر الجوع. الشخص الذي أردت أن تتحداه في معركة.»
تمتم البويار: «عرفتك.»
ضحك الوحش مرة أخرى: «لماذا لا تتحداني في قتال؟ أنا أنتظر. هل لديك سلاح أيها البويار؟ لن تقاتلني بيد خالية. أم تريد أن تهزمني بثروتك يا بويار؟»
أجاب البويار: «سأحاول إلحاق الهزيمة بك بالإحسان أيها الجوع. بفعل الخير. الآن أعرف كل قوتك!»
وانحنى البويار كورشون أمام ساحر الجوع.
وكما لو كانت معجزة، هدأت العاصفة الثلجية. ذابت الثلوج وانطلقت زلاجات البويار على الطريق. عادوا إلى القرى الجائعة، ثم ذهب البويار بنفسه إلى الفلاحين الجائعين وأعطاهم جميعًا وعدًا رسميًّا أنه سيرسل لهم الخبز والدقيق من حظائره الخاصة.
ووزع كل خزاناته التي معه على الفقراء.
منذ ذلك الحين تغير البويار كورشون بشكل كبير؛ فهو لا يشفق على نفسه وخدمه فحسب، بل لا ينسى أيضًا فلاحيه، وغالبًا ما يذهب إلى أراضيه، ويطعم الجياع، ويمنح الفقراء بسخاء.
وعلى الرغم من أن خزائن البويار أصبحت أقل، فإن البويار صار غنيًّا بحُب الناس وسعادة من حوله.
لم يكن فوز ساحر الجوع أمرًا سيئًا هذه المرة؛ فقد انتهى بمصلحة البويار ورعاياه.