الحكاية السادسة: ابنة الملكة حكاية
حيث تتشابك أغصان الصفصاف الخضراء، حيث تطن بحيرة الغابة الكبيرة المكتومة ليلًا ونهارًا، حيث تبدو النجوم الذهبية خجولة ولطيفة في الليل، هناك تعيش الملكة حكاية؛ ملكة الحكايات.
كانت الملكة لسنوات عديدة. أصبحت كبيرة في السن، تعيش في العالم منذ أكثر من مائة ألف عام. لكن إذا رأيتها لن تفكر أبدًا أن تلك المرأة العجوز هي الحكاية. وجهها ناعم، شابٌّ، منتعش، وجميل جدًّا؛ لدرجة أن النجوم تُعجب بها، وتصدح أمواج البحيرة حسدًا لجمالها. عينا الملكة حكاية سوداوان وعميقتان ولامعتان؛ حتى إن النظر إليهما يسحرك. خدَّاها أحمران كالدم، شفتاها قِرمزيتان مثل الطيور. وينسدل شعر الحكاية على الأرض مثل موجة ذهبية.
تلبس دائمًا ملابس ملوَّنة أنيقة إما باللون الأحمر الأرجواني وإما باللون الوردي المُزرَق. هناك كثير من الأبيض والأصفر والأخضر في ملابسها. وعلى رأسها إكليل من الزهور؛ زهور عطِرة، حتى إن رأسك يدور إذا اقتربت من الملكة حكاية.
تعيش ملكة الحكايات في أكثر الغابات خضرةً وكثافةً. هناك شيدت قلعة ضخمة وأنيقة. جدران القلعة مزركشة، مصنوعة من أوراق شجر الحور الفضي وخشب البتولا والصفصاف. العرش من نبات أذن الفأر وزنابق الوادي. الحرس اثنتا عشرة شجرة بلوط عملاقة؛ تقف حول قصر الملكة حكاية وتحرس سيدتها الحبيبة.
أثناء النهار تنام حكاية على فراش من الزهور البرية، وفي الليل، عندما تضيء النجوم الذهبية في السماء، تستيقظ حكاية، وتفرك عينيها السوداوين الجميلتين وتبدأ في الكلام. ليس أي كلام. وكأن شخصًا ما يُغنِّي في منتصف صمت الليل. أصوات كلامها المتدفقة بسلاسة أعلى وأكثر وضوحًا. والغابة بأكملها، كل مملكتها الخضراء تستيقظ بعد ذلك ويلتقون في قلعتها؛ تأتي الحيوانات، والطيور، والحشرات، والبراغيث في جماعات، تزحف، ويُسمع حفيف الثعابين والزواحف من خلال العشب.
الجميع يستمعون ويستمعون.
الحيوانات، والطيور، والزواحف، والبراغيث، تقف بلا حراك لساعات، كما لو كانت مفتونة بالثرثرة اللطيفة لملكة الحكايات.
أوه كم هو جذاب، كم هو مثير للاهتمام كل شيء تقوله لهم! تتحدث كثيرًا، بلا كلل. تتحدث عما يحدث على الأرض وتحت الأرض، في البحار وفي السماء، عن الأرواح الساطعة التي تعيش عاليًا فوق الغيوم، وعن الوحوش المظلمة تحت الأرض وفي الماء. والحيوانات بعد أن تسمع الملكة حكاية، تستلقي بإخلاص عند قدميها، وتنظر إليها الثعابين بعيون رقيقة، وتهدأ الأمواج العاصفة ولا تتوقف عن حسد جمالها الوهاج، وتبتسم النجوم الذهبية بنعومة ومودة من السماء البعيدة. تبتسم وتومئ برأسهم للملكة. وفقط مع أشعَّة الشمس الأولى، تسكت ملكة الحكايات، مُتعَبة وسعيدة، تسقط على فراشها العطري وتنام عليه، مثل طفل هادئ بين ذراعَي مُربِّية.
وتنشر اثنتا عشرة شجرة بلوط أغصانها فوقها لتحمي الملكة من أشعة الشمس والحرارة.
•••
يتمتع كل فرد بحياة طيبة وممتعة بسبب الملكة حكاية في مملكتها الخضراء. الجميع بخير. فقط يوجد شيء حزين واحد يزعج الملكة الجميلة؛ حزين جدًّا! الحكاية لها ابنة؛ الأميرة حقيقة. هل تعتقد أنها جميلة مثل والدتها؟ لا! هل تعتقد أن عينيها مثل عينَي والدتها، تلمعان مثل النجوم وعميقة مثل أمواج بحيرة الغابة؟ لا! هل تعتقد أن وجهها رقيق أحمر اللون، وشفتيها حلوتان وتضحكان باستمرار؟ مرة أخرى، لا.
بقدر ما كانت الأم ودودة وجميلة، كانت ابنتها قاسية مع الجميع وقبيحة.
الأميرة لا تزال فتاة، لكنها تبدو أكبر من والدتها. نحيفة، شاحبة، بوجه امرأة عجوز، بعيون قاتمة، ثاقبة كالبرق، بشعر أسود طويل.
لا أحد يحب الأميرة حقيقة في الغابة الخضراء. الحيوانات عندما تراها تتذمر بشكل مكتوم وشرس. الأفاعي تهمس، وتوجه عيونها الشريرة الصغيرة إليها، وتحاول البراغيث مضايقتها بكل طريقة ممكنة.
كانت الحيوانات والزواحف تتعامل معها منذ فترة طويلة، ولكن فقط من باب حُب أمها الملكة حكاية.
لم تلمس الأميرةَ حقيقة، لكنها تخاف من النظرة الصارمة لعينيها الكبيرتين اللامعتين المرعبتين. عينا حقيقة تجعلك تهرب لعشرات ومئات الأميال. إنهما تحرقان وتخترقان الروح. تعالَ إليهما، حاول؛ لن تقاوم! والأهم من ذلك كله أن هاتين العينين تربكان الملكة حكاية نفسها.
بينما الملكة حكاية تسحر شخصًا ما بقصص رائعة، تنظر الأميرة حقيقة إلى والدتها بعينيها البراقتين، وهكذا تختفي المتعة؛ ترتبك حكاية، وتضل حكاية، وتتعثر الكلمات على لسانها، لكنها لا تخرج من فمها. لا يمكن للملكة العجوز أن تنطق بصوت واحد تحت نظر ابنتها. تلك هي المشكلة.
تزأر الحيوانات، وتصفِّر الأفاعي في وجه الأميرة حقيقة. لكنها لا ترتعب، بل تضحك!
توسلت الحيوانات إلى الملكة: «ضعي حجابًا على عينَي ابنتك، كي لا نراها ولا تحرجنا وتحرجك عبثًا!»
أطاعتهم الملكة. وبأمر منها في عتمة الليل الرقيقة نسج العثُّ بهدوء حجابًا ملونًا على عينَي الأميرة حقيقة من بتلات الورد والياسمين البري.
توقفت عينا الأميرة عن اللمعان كالبرق. لكن لم تتحسن الأمور كثيرًا. تأتي الأميرة حقيقة إلى وليمة الليل، وفي خِضم حكاية الأم، تسحب الحجاب عن عينيها وتُمزقه.
ومرة أخرى تومض عيناها كالبرق، ومرة أخرى تضطرب حكاية الملكة وتتلعثم في كلماتها. وتقول الأميرة ضاحكة: «ليس من السهل هزيمتي!»
ومرة أخرى، تطالب الحيوانات والزواحف والحشرات والطيور الملكة حكاية: «زوِّجي ابنتك يا مليكتنا، في مكان بعيد وراء البحر، حتى لا تتدخل في حياتنا، ونبتهج بسماع صوتك.»
فكرت الملكة حكاية في الأمر. شعرت بالأسف من أجل ابنتها. إنها تحب الأميرة حقيقة بطريقتها الخاصة. من الصعب الانفصال عنها. لكن المشكلة هي أن رعاياها سئموا من حِيَلها، فهي تتعارض مع حياتهم.
إذا أراد الذئب أن يسرق خروفًا من قطيع الراعي، تنظر حقيقة إليه، تومض بعينين كالبرق، ويجد الذئب نفسه خائفًا على بُعد ثلاث قفزات من القطيع. وحين تتشاجر الحيوانات على شيء ما (لا يُعرف أبدًا سبب تلك الخلافات) تظهر حقيقة مرة أخرى. إنها لا تخجل، ولا توبخهم، بل تنظر فقط. أوه كيف يحدث هذا! يصيب قلوبَهم حزنٌ غريب! ودون إنهاء للنزاع، تتفرق الحيوانات إلى مخابئها. ولا شك أن كل ما تفعله يتحدى والدتها.
فكرت الملكة حكاية وقررت تزويج ابنتها.
أرسلت الجنادب الخضراء والفراشات ذات الأجنحة الخفيفة إلى جميع أنحاء العالم لخُطَّاب ابنتها.
وصل الخُطَّاب.
ولم يأتِ واحد ولا اثنان، بل عشرات الخاطبين دفعة واحدة. رجل وسيم وراء رجل وسيم، ورجل عظيم وراء رجل عظيم. جميع الملوك والأمراء في الخارج. إنهم كثيرون؛ الأمير بطل، والأمير نصر، والملك قوة، والملك سلام، والأمير صداقة، والأمير حب، والأمير مجد، وغيرهم كثير؛ بحيث لا يمكن ذكرهم جميعًا.
وقف الغُراب الأسود عند مدخل القصر وصاح بأعلى صوت لديه مُشِيدًا بفضائل الأميرة حقيقة. صاح الغراب قائلًا إن الأميرة حقيقة لديها كل شيء؛ القوة، والجمال، والفضيلة.
وفي القاعة الأولى للقصر، التقت الملكة حكاية بنفسها بالخاطبين ورحبت بهم قائلة: «أهلًا بكم أيها الضيوف الأعزاء، أهلًا بكم.»
صوت حكاية مثل الفلوت، حلو، وعيناها ساحرتان.
الملوك والأمراء وهم ينظرون إلى الملكة الجميلة يهمسون بابتهاج: «لا يمكن أن يكون لهذه الجميلة ابنة قبيحة، أرينا ابنتك أيتها الملكة.»
ظهرت الأميرة حقيقة. وقفت في منتصف القاعة وخلعت الحجاب عن عينيها. يا إلهي! ما تلك النظرة؟ جميع الخاطبين وقعوا في وقت واحد، وعندما عادوا إلى رشدهم هربوا من قصر الملكة حكاية.
قهقهت حقيقة وهي تقول: «ها هي الحقيقة … الملكة القادمة! أين هم الخطاب؟ أين ذهبوا؟»
استاءت الملكة حكاية أكثر؛ فقد لا تتمكن من تزويج ابنتها. لقد أخاف مظهرها كل الخطاب وهربوا إلى الأراضي البعيدة، فماذا تفعل بها الآن؟
وفجأة تكتشف حكاية أن خاطبًا جديدًا قادمٌ إليهم؛ إنه ملك. لكنه لا يريد الإفصاح عن اسمه، والأكثر إثارة للدهشة أنه يرسل رسلًا من الطريق ليخبر الملكة ألا تقلق بشأن مظهر ابنتها، وأنه يعرف مدى سوء ابنتها، وعن عينيها الرهيبتين. لكنه لا يزال يفكر في الزواج منها، ما لم ترفض الأميرة نفسها.
أمرت الملكة أن يُعرَف اسم الملك، لكن الرسل، الذين يحتفظون بصرامة بسر الملك، لم يكشفوا عن اسمه، بل قالوا فقط إن ملكهم صارم وشديد للغاية.
شعرت الملكة حكاية بالحماسة والانزعاج، وبذلت قصارى جهدها لمقابلة الملك القادم بأفضل شكل.
فكرت الملكة حكاية «إذا لم تكن حقيقة جميلة لنُري قوتها وممتلكاتها للملك؛ فسأقوده إلى ممالك حكاياتي الخيالية، سأفتنه، سأسحره بقصصي، وسوف يرى قوتي ويتزوج ابنتي من أجل قوة أمها!»
ألبست ابنتها وزيَّنتها بالورود، واحتياطًا، غطت عينيها بحجاب جديد منسوج حديثًا، وذهبت معها لمقابلة الملك الغريب الزائر على شاطئ البحيرة. في منتصف الليل، سمعوا أصوات الأبواق، ورنين الأجراس، ورأوا عربة فاخرة، وفيها يجلس ملك مجهول، طويل القامة وفخم ووسيم، لكنه يضع ضمادة سوداء على عينيه.
تعجبت الملكة حكاية، وتساءلت: «من يكون هذا الخاطب؟» لكنها لم تقل شيئًا.
فكرت قائلة لنفسها: «إنه نبيل ومهم؛ يمكن معرفة كل شيء من هيئته. أما الضمادة فمن يأبه لها؟» أرادت أن تزوج ابنتها للملك، وألقت تعويذتها عليه على الفور.
بدأت الملكة الحكاية في سردها. رفرفت شفتاها الورديتان. وأثناء هذه الثرثرة، بدأت هي وابنتها الأميرة والملك الزائر بالنزول ببطء وهدوء إلى بحيرة الغابة العميقة والمضطربة.
قالت الملكة للضيف: «هذه مملكتي.»
وثرثرت مرة أخرى، وهمست بقصص رائعة بفمها الوردي.
وأثناء سماع صوتها الساحر وهي تتكلم بلطف، مثل صوت القيثارة، انشقت مياه بحيرة الغابة، ووقفت كجدارين على كلا الجانبين وشكلت ممرًّا إلى القصر البلوري الفاخر. ركض حشد كامل من حوريات البحر لمقابلتهم، وانكبوا جميعًا على وجوههم أمام الملكة حكاية. استقبلها الجميع. وكانت زنابق الماء البيضاء ذات الوجوه الجميلة تحت الماء تقدم أكوابها لأولئك المارين؛ حيث توجد جميع أنواع الحلويات والأطعمة الشهية. بدت الموسيقى غير مرئية في القصر البلَّوري، ودخلت الملكة حكاية مع ابنتها حقيقة وخطيبها.
وبمجرد دخولهم نهض القيصر روح الماء نفسه من عرشه، وتشابكت العذارى الجميلات الخلَّابات في رقصات دائرية متناغمة، وبدأن يرقصن رقصة خفيفة ورشيقة.
قالت الملكة منتصرة: «هذه مملكتي! هل رأيت كم أنا قوية وقديرة؟»
انتظرت ضيفَها خطيب الأميرة حقيقة ليجيبها، لكن الخطيب لم يكن لديه وقت للرد.
ضحكت الأميرة حقيقة الشقية بصوت عالٍ وسحبت الحجاب من فوق عينيها. اختفى القصر البلوري، واختفت الأطباق الموجودة في أكواب زنابق الماء، واختفت حوريات البحر الراقصة. كل شيء اختفى مثل الحلم.
وقفت الملكة مع ابنتها وخطيبها على ضفة بحيرة في الغابة، وكأن شيئًا لم يحدث، كانت مياهها المظلمة راكدة مثل أي بحيرة. كانت الملكة غاضبة من ابنتها، وأرادت توبيخها أمام الضيف، لكن الأمر كان أسوأ من ذلك. فماذا لو تراجع الملك عن فكرة الزواج! ابتسم الملك فحسب، وبدا للملكة حكاية أن الضمادة على عينيه تزحزحت قليلًا عن عينه اليسرى، وظهر جزء من وجهه.
توترت الملكة حكاية أكثر، وألقت الحجاب مرة أخرى على عينَي الأميرة حقيقة، وبحرارة شديدة بدأت تروي مرة أخرى. وتكشفت الصور الرائعة لقصتها مرة أخرى أمام الخطيب الضيف. ومرة أخرى بدا صوت الملكة حكاية مثل اللحن الجميل، وتحت هذه الأصوات الساحرة، جاءت عربة فضية تجرُّها الخيول البيضاء.
قالت الملكة وهي تقفز في العربة: «تفضل أيها الملك، سأريك مملكتي.»
وعندما جلس الجميع في العربة انطلقت نحو السماء … نحو النجوم الذهبية.
وهناك رأوا قلاعًا رائعة، وأشياء غريبة؛ حدائق زرقاء كلها مغمورة بضوء قِرمزي فضي رائع. بعض المخلوقات الغريبة المجنَّحة، شفافة مثل أشعَّة القمر، تحيط الآن بالعربة. النجوم الذهبية التي بدت وكأنها فوانيس مشتعلة من الأرض، تحولت هنا إلى قصور وقلاع ذهبية ضخمة. وفي إحدى هذه القلاع توقفت الخيول الفضية. اندفعت المخلوقات الشفافة المجنحة برشاقة وذكاء في انتظار وصولهم، وساعدتهم على الخروج من العربة الفضية. دعت الملكة ضيفها لدخول القصر الذهبي. صعد فوق العتبة بهدوء، وامتلأت القاعات الضخمة بكنوز لا حصر لها.
كانت الأحجار الكريمة والماس والياقوت والزمرد والذهب مكدسة هنا. تدفق الماس مثل نهر ثمين. ويحرس كل كومة مخلوقٌ مجنح على شكل تنين رهيب.
قالت الملكة حكاية مخاطبةً ضيفها: «ها هي كنوزي. هل يمكنك أن تجد مثلها على الأرض؟»
ولكن هنا مرة أخرى مزقت يد الأميرة حقيقة النحيلة الحجاب عن عينيها و… واختفى كل شيء في لحظة، ووجدت الملكة الغاضبة والخطيب الضيف والأميرة حقيقة أنفسهم في غابة مظلمة عند مدخل قلعة الملكة حكاية.
ابتسم الملك الغريب مرة أخرى، ومرة أخرى بدا للأم وابنتها أن الضمادة انزلقت أكثر قليلًا عن عينيه.
ألقت الملكة حكاية نظرة صارمة على ابنتها الأميرة حقيقة، وغطَّت وجهها على عجل بالحجاب، وبدأت قصتها مرة أخرى.
تدفقت الأصوات العجيبة والغريبة للملكة حكاية مرة أخرى، هذه الموسيقى الساحرة والحلوة أعادت الغابة إلى الحياة. تحولت أشجار البلوط الضخمة إلى فرسان عمالقة، وأشجار الحور المرنة إلى حوريات، وجذوع الأشجار إلى أقزام، والزهور إلى أقزام وسيمين أنيقين. أضاءت اليراعات في الأدغال، وأضاءت الغابة بأكملها. صدحت الصراصير بين العشب، وتوافد مُغنُّو العندليب إلى قلعة الملكة حكاية وأطلقوا صفيرًا، وغنوا أغنية جميلة، أغنية لم تكُف الملكة حكاية عن سردها. لفت موسيقى صوتها قاعة القصر الضخمة ذات الإضاءة الزاهية. خلفها العمالقة والحوريات والجان والأقزام. كل شيء يرقص.
فتحت أزهار الليل أعينها وحدقت في الحفل السحري بفضول جشع.
وعادت الملكة حكاية إلى ضيفها مرة أخرى وقالت: «هل ترى أيها الملك، كل شيء جيد ومبهج في مملكتي. انظر كيف يستمتع رعاياي، وكم هم سعداء! وانظر كم عدد العمالقة الجبابرة وأقزام الغابة والجان الخاضعين لي!»
ولكن بمجرد أن أتيحت الفرصة للملكة حكاية لتقول هذا، مزقت الأميرة مرة أخرى الحجاب عن عينيها، وفي ثانية واحدة تحول الفرسان العمالقة إلى أشجار بلوط ضخمة، وتحول الأقزام إلى جذوع أشجار، والحوريات إلى أشجار حور نحيلة، والجان إلى زهور بسيطة. فرغت القاعة الأنيقة في الحال، وانطفأت أنوار اليراعات، وسكت مطربو العندليب. اختفى كل شيء كأن لم يكن. كما اختفت العصابة عن عينَي الملك. والآن صار يقف أمام الأميرة حقيقة ووالدتها بكل روعته وجماله. استقرت عيناه القاتمتان على وجه حقيقة النحيف والقبيح، ونظر لعينيها المحترقتين.
وبصوت رقيق ولطيف قال: «عزيزتي الأميرة حقيقة، لقد عرفتك منذ فترة طويلة. كنت أبحث عنك في كل العالم لفترة طويلة! والآن فقط وجدتك، ولن أتركك بعد الآن، سآخذك معي. أنتِ لا تنتمين إلى هنا، حقًّا. سوف آخذك إلى الأبد إلى عالم الإنسان العظيم؛ ستعملين على تكوين صداقات مع أشخاص هناك، وتحيطينهم برعايتك ومداعباتك، وسيصبح الناس أكثر لطفًا وأفضل بقربهم من الملكة حقيقة.»
وبشكل أكثر حنانًا ولطفًا، أضاء المظهر المظلم للملك. والغريب أنه كلما نظر إلى عروسه، أصبح وجه الأميرة حقيقة القبيح أجمل وأجمل. وعندما أخذها من يدها وقادها إلى عربته ليبتعد بها إلى الأبد، لم تكن الملكة حكاية قادرة على التعرف على ابنتها بعد ذلك؛ فقد صارت عيناها القاتمتان تتألقان بنور رائع، واحمرَّ خداها. لقد غيرت السعادة ملامحها وأعادت إحياءها تمامًا. أصبحت الأميرة حقيقة جميلة؛ بل أجمل من الملكة حكاية نفسها.
ودَّعت الأميرة أمها وقالت بينما تجلس بجانب خطيبها في العربة: «من أنت أيها الملك الجميل؟»
قال الملك بصوت مرتفع وواضح: «أنا ملك العدل والإنصاف والحق. ومن غير المعقول أن أعيش وحدي دون الحقيقة. دونها لا أستطيع أن أحكم مملكتي بمفردي. يجب أن نكون أنا وهي غير منفصلين، ونخدم الناس ونأمرهم في الوقت نفسه! لنذهب، دعينا نذهب إليهم، إلى مملكة البشر البعيدة!»
انطلقت الخيول السريعة في الهواء وبداخلها ملك العدل والإنصاف والملكة حقيقة.
وظلت الملكة حكاية الخيالية في غابتها تسحر الحيوانات والطيور والزواحف والحشرات بقصصها. الآن لن تتدخل ابنتها الشقية في سحرها. إنها ليست قريبة. حملتها خيول زوجها الملك إلى مملكة البشر البعيدة المشرقة.