الحكاية السابعة: ثلاث دمعات للأميرة

عاش هناك ملك. كان لديه قصر فخم. في القصر ثروات ليس لها مثيل! الذهب والفضة والكريستال والبرونز والأحجار الكريمة؛ كل شيء يمكن العثور عليه بكثرة في الغرف الأنيقة والفاخرة في القصر الملكي. كان الخدم الوسيمون يشبهون الدُّمى الحسنة الملبس، يتسللون بصمت عبر الغرف المفروشة بالسجاد، ولم يرفعوا أعينهم إلى الملك، كي لا يعطلوه.

لم يكن الملك وحيدًا؛ فقد كانت له زوجة، ملكة وديعة ورقيقة، لها عينان جميلتان، وهي جميلة كالسماء عند غروب الشمس.

كان الملك يقضي كل وقته في حروب مع الأعداء. وعندما يعود إلى المنزل، تلبس الملكة الجميلة أفضل ملابسها، وتلتقي بزوجها وهي تحمل عُودًا في يديها، وتغنِّي عن شجاعته المجيدة وبسالته في المعارك مع العدو.

لكن لا الحملات الناجحة، ولا حب الملكة اللطيفة والجميلة، ولا الكنوز التي لا حصر لها، ولا عاطفة الرعايا أسعدت الملك. فثَمَّة تعبير حزين ويائس لم يترك وجهه قط. ثَمة سبب جعلَ الحزن دائمًا في قلب الملك وزوجته الشابة.

لم يكن للزوجين الملكيين أطفال. وعندما كان الملك يفكر أنه لن يكون هناك من يترك له اسمه المجيد، أو الأراضي المفتوحة، أو الثروات التي لا حصر لها، تظهر دموع لا إرادية في عينَي الملك الشجاع، وكان يحسد أشد الناس فقرًا في مملكته فقط إذا كان لديهم أطفال.

بعد مآثر وانتصارات عسكرية على الأعداء، سافر الملك إلى الأدْيِرة، وقدم صدقات سخية، وطلب من الآباء القديسين الصلاة إلى الله من أجل أن يعطيه الابن.

وفي وقت السلم، انتقل الملك مع حاشيته من العاصمة الكئيبة إلى الوادي الساحر من الورود العطرة، وفي وسطه شُيِّد بيت متواضع لرحلات صيد الملك، حيث كان يقضي كل أوقات فراغه. غالبًا ما كان الزوجان الملكيان يمشيان على طول الوادي المليء بالزهور العطرة، وهما معجبان بمنظر الطبيعة الرائع، ويوجهان أعينهما إلى السماء الزرقاء ويطلبان من الرب في صلاة حارة أن يرزقهما طفلًا. وقد استُجيب طلبهما.

ذات مرة خلال إحدى هذه المسيرات، رأى الملك والملكة امرأة ملفوفة بالسواد. سارت نحو الزوجين الملكيين وهي لا تكاد تلامس الأرض بقدميها؛ خفيفة وهادئة.

قالت المرأة وهي تقترب من الملك والملكة: «اسمي القدر، جئت لأعلن لكما فرحة كبيرة. سمع الله صلاتكما، وسيرسل لكما ابنةً أميرة، لن تكون عزاءكما فحسب، بل ستكون أيضًا شعاعًا ساطعًا وفرحةَ المملكة بأكملها. ستكون جميلة مثل الزهرة ولطيفة مثل الملاك. لكن اعتنِيا بالأميرة حتى لا تعرف ما هو الحزن، وحتى لا تُضطر أبدًا إلى ذرف أكثر من دمعتين على مصيبة أو حزن شخص ما. لا تدعا أكثر من دمعتين تسقط من عينَي الأميرة الجميلة؛ لأنه بمجرد أن تذرف الدمعة الثالثة، تنتهي فرحتكما وعزاؤكما، ولن تعود مرة أخرى … ستفقدان الأميرة.»

بعد قول هذه الكلمات الغامضة، اختفت المرأة الغريبة وكأنها تبخرت في الهواء.

بكى الملك والملكة بسعادة. سقطت إحدى الدموع الملكية على زهرة بلون أزرق لا يُنسى، و— أوه معجزة! — نهضت من الزهرة فتاة صغيرة جميلة بعينين زرقاوين، مثل نجمتين خلَّابتين، مثل عينَي الملك. حلم الزوجان الملكيان طويلًا بهذه الأميرة الجميلة.

فتحا أذرعهما لمقابلتها. ألقت الأميرة بنفسها بين أذرعهما، واستجابت بحرارة لمداعبات والديها، كما لو كانت تعرفهما وتحبهما منذ فترة طويلة.

كانت الأميرة الجميلة تُسمى رغبة؛ لأن الأب والأم كانا يرغبان منذ فترة طويلة في ابنة، وانبثقت بهجة صاخبة تكريمًا لها في جميع أنحاء المملكة. توافد الناس على القصر الملكي بأعداد كبيرة لينظروا إلى العينين الزرقاوين للأميرة رغبة.

كبرت الأميرة وأصبحت أجمل كل يوم. تذكر الأب الملك كلمات القدر، وحرص على ألا ترى ابنته حزنًا بشريًّا، وأن تكون دائمًا مبتهجة، وراضية، وسعيدة، وأمر ببناء قصر رائع لها، كل شيء فيه وردي، مثل انعكاس فجر الصباح، ورائحته مثل تلك الأزهار التي نبتت بجانبه في الوادي. الجدران والأسقف والأبواب في القصر كلها مطلية باللون الوردي. كانت نوافذ القصر مغلقة بإحكام بستائر وردية، ومن خلال هذه الستائر رأت الأميرة كل شيء بلون وردي فاتح؛ الغابة، والوادي، والعاصمة البعيدة في الأفق. كان كل شيء ورديًّا وجميلًا، ولم يكن هناك ظل واحد على هذه الخلفية الوردية. حتى أكواخ الفلاحين الفقيرة، بفضل الستائر الوردية على النوافذ بدت لطيفة وجميلة.

اللون الوردي هو لون الفرح والسعادة. لهذا السبب حاول الملك أن يجعل الأميرة رغبة محاطة بهذا اللون فقط؛ كي ترى كل شيء بهذا الشكل؛ إذ يمكن أن تؤثر الألوان الأخرى على مزاجها الصافي، ويمكن أن تجعلها مكتئبة وحزينة. كان والداها يخافان من حزن الأميرة. عيَّنا حاشية كبيرة تتكون من آنسات صغيرات بوجوه مبتهجة وسعيدة وشقية. وأمر الملك ألا يزيلوا الستائر الوردية أبدًا.

لاحظت الأميرة أن شيئًا ما كان يُخفى عنها بعناية، وكان لديها رغبة في معرفة هذا الشيء خلف الستارة الوردية وخلف جدران القلعة.

وفي أحد الأيام، استيقظت الأميرة رغبة مبكرًا عن المعتاد. لم تسمع الآنسة الصغيرة التي كانت تنام بجانب سريرها كيف خرجت الأميرة من غرفة نومها الوردية، وركضت في صف كامل من القاعات الوردية، وركضت إلى الشرفة الوردية، ودفعت الباب الوردي المؤدي إلى الحديقة. وهنا اختفى اللون الوردي … وظهر أمام الأميرة رغبة يوم رمادي، وسماء ممطرة. الحديقة متأثرة بالطقس، وأكواخ قديمة بائسة بعيدة على حافة غابة كبيرة مظلمة. وفي الحديقة، وقفت امرأة عجوز مريضة في حالة يُرثى لها، بخصلات شعر رمادية، وكانت تنظر إلى الأميرة.

صُدمت الأميرة بشدة من هذا الجو الكئيب، وهذه المرأة العجوز، لكنها ذهبت إلى المرأة العجوز وقالت لها: «مرحبا يا جدتي! من أنت؟ ما اسمك؟»

أجابت العجوز وهي تنظر بقسوة إلى الأميرة: «اسمي حياة!»

قالت الأميرة بمرح: «ليس صحيحًا! لا يمكن أن يكون اسمك حياة. أنت عجوز وقبيحة، وقد أخبرتني والدتي الملكة أن الحياة شابة لطيفة وجميلة، كما أنا جميلة. لكن مهما كنتِ فأنتِ عجوز، عشتِ كثيرًا ولا بد أنك تعرفين كل شيء. أخبريني، لماذا أصبح الجو فجأة رماديًّا وغير ودي ومثيرًا للاشمئزاز في كل مكان؟»

قالت الجدة حياة: «أيتها الأميرة! كان كل شيء دائمًا رماديًّا وقبيحًا وحزينًا. أنتِ فقط لا تستطيعين رؤيته، فبسبب الستائر الوردية المعلقة على نوافذك، بدا لك كل شيء زاهيًا وورديًّا وجميلًا. أنت لا تعرفين الحياة، ولا تعرفين أحزان الإنسان ومعاناته، وتكبرين كأميرة مرحة وخالية من الهموم لأنكِ لا ترَين حزنًا مِن حولك.»

صاحت الأميرة: «لكنني أريد أن أرى الحزن، أريد أن أرى البؤساء، وأن أجعلهم سعداء، أريد أن أساعد كل من يحتاج إلى المساعدة!»

قالت العجوز حياة: «اطلبي من والديك إزالة الستائر الوردية عن النوافذ!»

قالت الأميرة: «نعم، سوف أتوسل إليهما.»

وركضت إلى القلعة للبحث عن والديها.

قابلتها والدتها عند عتبة القلعة. كانت الملكة خائفة بشكل رهيب من اختفاء ابنتها. ارتعدت الخادمات وسيدات البلاط خوفًا على مصيرهن. كن يعلمن أنهن سيعاقبن بشدة بسبب غفلتهن عن الأميرة الصغيرة.

وعندما أعربت الأميرة عن طلبها لأمها، ارتعدت الأخيرة من الرعب واعترفت بالدموع لابنتها أنها أخفت بعناية عن الأميرة السبب الذي سيجعلها تموت.

بكت الملكة وقالت: «يا عزيزتي، بمجرد أن تنزل ثلاث دمعات من عينيك، لن تستطيعي رؤية معاناة الإنسان وأحزانه؛ ستبكين، وبعد ذلك نفقدك، أيتها الجميلة الشابة المحبوبة.»

فكرت رغبة للحظة. وفجأة هزت رأسها الأشقر وابتسمت لأمها برقة.

قالت بصوت عذب وحنون: «اجعليهم يزيلون الستائر الوردية من النوافذ، ومُريهم أن يتركوني أخرج من القلعة للناس دون عائق حتى أتمكن من رؤية حزنهم ودموعهم وأساعدهم. لا تخافي من أن أموت يا أمي. لقد رأيت الآن الحياة، وعرفت كم هي عجوز وغاضبة وكئيبة وقاسية، وأريد — بقدر ما أستطيع — أن أجعلها تبتسم بودٍّ للأشخاص التعساء. وإذا لم تسمحي لي بالخروج يا أمي فسأذبل هنا، في هذه القلعة الوردية، وأموت كدرًا.»

استمعت الملكة إلى خطاب ابنتها وهمست بهدوء: «كما تريدين يا ابنتي. الآن بعد أن مررتِ بالفعل من الباب الوردي، من غير المجدي أن نحاول أن نخفي عنك ما رأيتِه بالفعل.»

وهكذا نالت الأميرة رغبة حريتها.

•••

ازدهرت الأميرة وعادت للحياة وأصبحت أجمل من أي وقت مضى. والآن لم تعد القلعة الوردية والكنوز الملكية والحاشية المبهجة من آنسات البلاط الصغيرات وخادماتهن وألعابهن المبهجة تسلي الأميرة رغبة، التي ارتدت ثوبًا بسيطًا لامرأة فلاحة عادية.

تجعَّد شعرها بفعل الرياح، وجرت في وادي الزهور، وتحدثت إلى الطيور والزهور، وفهمت صوت الأعشاب والأوراق، وابتلعت ندى الليل من الزهرات الزرقاء. كانت تدخل أكواخ الفلاحين الفقيرة، وحيثما تطأ قدمها الصغيرة يَسُدِ الفرح والرضا والسعادة في كل مكان. الأميرة تعطي المال لجميع الفقراء، وتدفئهم بمظهرها اللطيف وأخلاقها الحميدة. تكفي نظرة واحدة متألقة من رغبة كي ينسى الناس أمراضهم ومعاناتهم. لم يكن هناك شخص فقير في المملكة لا يبارك الأميرة الصغيرة. اتَّسعت شهرتها ولطفها في جميع أنحاء البلاد، وسعى جميع التُّعساء لرؤية الأميرة رغبة من أجل الحصول على الراحة والمساعدة منها.

ظل الملك يقاتل الدول المجاورة من أجل توسيع ممتلكاته وترك ميراثًا كبيرًا لابنته، وكانت الملكة الأم تحرس رغبة بعناية من كل ما يمكن أن يسبب لها المعاناة. كانت تراقبها بيقظة، خشية أن ترى ولو بوادر دمعة في عينيها الزرقاوين المتوهجتين.

•••

قالت الأميرة ذات مرة وهي عائدة من مسيرتها المعتادة: «يا أمي، سمعت الغناء في البستان المجاور. شخص ما يغني بصوت جميل. من هو يا أمي؟»

وبمجرد أن قالت الأميرة هذا، أُرسِل مائة رسول عبر البستان بأوامر لتسليم المُغنِّي الغامض إلى القصر.

وتم تسليم المغنِّي. اتضح أنه عندليب؛ طائر صغير رمادي مظهره غير واضح، لكنه يمتلك صوتًا رائعًا بشكل لا يوصف. وُضِع في قفص ذهبي، حيث كان من المفترض أن يُغنِّي العندليب الأغاني. لكن العندليب ظل صامتًا. لم يستطع الغناء في الأسر. فقط في المساء بعد غروب الشمس، عندما طار طائر آخر صغير واقترب من قفصه، بدأ كلاهما يُغنِّي أغنية رائعة.

في هذه الأغنية، سُمع شوق مميت؛ حزن على الغابة الخضراء والحرية المفقودة وشكوى من البشر ومن قسوتهم. كان هذا نداء يحتضر بالدموع للإفراج عن السجين ذي الريش. بكى كلا الطائرين بمرارة وحزن، وأطلقا أغنية حزينة. وفهمت الأميرة، التي كانت دائمًا بالقرب من القفص، شكوى الطائرين. فهمت وركضت إلى والدتها متوسلة إياها أن تطلق العندليب إلى الحرية. وأُطلق العندليب، لكنَّ دمعة تدحرجت من العين الزرقاء للأميرة رغبة، نقية ولامعة، مثل الماس الجبلي.

وفي نفس المساء ظهرت المرأة الغامضة للزوجين الملكيين وقالت بحزن وبصرامة: «تذكرا لقد ذرفت ابنتكما أول دمعة.»

ثم اختفت.

•••

زاد قلق الزوجين الملكيين على ابنتهما. وأغرقا الأميرة الرقيقة بالهدايا. وسرعان ما نسيت حزن الطائر الصغير وبدأت تجري عبر الوادي المزهر والغابات الخضراء، وبدأت مرة أخرى في الركض إلى أكواخ الفلاحين، وإيقاف دموع الناس وتلبية طلباتهم.

وذات مرة، أثناء سيرها على طول الغابة، صُدمت الأميرة بأصوات أسلحة لم تكن مألوفة لها. واندفعت نحوها مباشرة مجموعةٌ كبيرة من الفرسان والسيدات على ظهور الخيل. كانوا يطاردون شخصًا ما. وفي تلك اللحظة بالذات، من تحت قدمَي الأميرة نفسها، من بين العشب الطويل، قفز أرنب صغير مذعور من المطاردة.

توقف على بعد بضع خطوات من الأميرة، وضغط أذنيه الطويلتين المرتعشتين على ظهره، ونظر حوله بعينيه المستديرتين الحزينتين، وبدا كأنه ينتظر شيئًا ما.

«بانج بانج!» انطلقت رصاصة وارتمى الأرنب الأبيض الصغير ملطخًا بالدماء تحت قدمَي الأميرة.

أمسكت الأميرة رغبة بالأرنب الذي كان لا يزال يرتجف بين ذراعيها، وضمته إلى صدرها وصرخت، ثم اندفعت نحو الصيادين ومرافقيهم وهي تصرخ: «أيها الأشرار! ما الضرر الذي ألحقه بكم هذا الحيوان المسكين البريء؟ لماذا قتلتموه؟»

وبعد هذه الكلمات، نزلت دمعة ماسية ثانية من عينَي رغبة الزرقاوين وعلقت على رموشها الداكنة.

وفي المساء نفسه، ظهرت المرأة الغامضة مرة أخرى في القصر، وأبلغت الملك والملكة بالدمعة الثانية من ابنتهما.

مر وقت طويل، وكبرت الأميرة رغبة وتحولت إلى عروس شابة جميلة، وكانت فخر وجمال المملكة بأكملها. واصل والدها الملك حروبه ووسع نفوذ بلاده من أجل مهر ابنته. واستمرت إحدى هذه الحروب لفترة طويلة للغاية. تحقق النصر بصعوبة كبيرة، لكنه كان أفضل انتصارات الملك. قاد العديد من الأسرى، وجلب غنيمة كبيرة من العدو.

وُضِع السجناء بعيدًا عن القصر؛ حتى لا يصل رنين الأغلال والسلاسل بطريقة ما إلى آذان الأميرة.

وفي أحد الأيام، أثناء عودة والدها من حملة جديدة، خرجت الأميرة رغبة، وهي بالفعل فتاة بالغة تبلغ من العمر ستة عشر عامًا، لمقابلته، محاطة بحشد من سيدات البلاط.

كن جميعًا يرتدين أردية احتفالية بيضاء، وأكاليل النصر تزين رءوسهن. كان من المقرر إلقاء الأكاليل عند قدمَي الملك المنتصر. وفي يد رغبة كان العود ذو الأوتار الذهبية لأمها، الذي كانت الفتاة تستعد لتحية والدها به.

وفجأة ظهرت امرأة عند قدمَي الأميرة، الرب فقط يعلم من أين جاءت، مهتاجة ومرتجفة ونحيفة كهيكل عظمي.

وبصوت فظيع وحشي صرخت: «اسمعيني أيتها الأميرة! أيتها الأميرة، أنتِ تستمتعين بالحياة. تأكلين في أطباق ذهبية وترتدين المخمل والديباج، ومئات من الخدم اليقظين يلتقطون كل نظرة وكل كلمة. حولك ثروات لا حصر لها ورفاهية لا مثيل لها. هل تعلمين كيف حصلتِ على كل هذا؟ مات الآلاف من الناس في معركة من أجل الحصول على كل هذه الثروات. عمل آخرون بجد لتكريم والدك المنتصر، الذي يدمر، بلا رحمة، الأراضي الأجنبية، ويقتل الناس من أجل جمع أكبر قدر ممكن من الثروة لك أيتها الأميرة. ولكن هذا ليس كل شيء. أنت تُغنين الأغاني وتجرين سعيدة ومبتهجة عبر الوادي، ويعاني الآلاف من الأسرى في السجون والأبراج المحصنة المزدحمة. بينهم ابني. إنه شجاع وقوي مثل نسر الجبل، ويحب الحرية مثلك. لكن والدك أمر بتقييده بالسلاسل، فقط لأنه دافع عن نفسه ضد محاربيه كقائد شجاع وباسل. لقد جئت إلى هنا من بلد أجنبي من مملكة أجنبية، جئت إلى هنا لأطلب منك إنقاذ ابني. أنقذيه أيتها الأميرة، وسأباركك كل حياتي. أنت وحدك تستطيعين فعل هذا.»

وبكت المرأة وهي تعانق ركبتَي الأميرة رغبة. بدا هذا فظيعًا ومروعًا وثقيلًا مثل الموت.

انحنت الأميرة وعانقت المرأة البائسة، وأرادت أن تقول شيئًا، وفجأة نزلت دمعة ثالثة من عينيها وسقطت على رأس أم السجين التي تبكي.

ارتجفت الملكة، وعلا شحوبٌ قاتل وجهها الجميل. حملتها الخادمات.

وفي نفس اللحظة سُمعت صيحات النصر، وقعقعة السلاح، وظهر الملك نفسه على رأس الجيش. وعندما رأى الارتباك في حشد الفتيات، ترك حصانه وركض نحو الحشد.

الأميرة بين يدَي الخادمات. رفعت عينيها الواسعتين إلى الملك، وعبَّرت عن حزنها لمن قُتلوا ومن عانوا في السجون والأبراج المحصنة. ثم غابت النظرة المشعَّة، تلاشت، تلاشت … أغمضت العينين الزرقاوين، وتنهدت بهدوء، وحلقت الروح الجميلة والمشرقة للأميرة.

وفي تلك اللحظة بالذات، أتت امرأة غامضة ملفوفة بالسواد إلى قصر الملكة وقالت بشكل كئيب: «ذرفت الأميرة دمعتها الثالثة. ما كان يجب أن يحدث قد حدث. ليس لديكما ابنة بعد الآن …»

•••

ماتت الأميرة، ولكن ذكراها لم تمُت. أوقف الملك الحروب والغارات، وسرح القوات، وفتح السجون والأبراج المحصنة، وأطلق سراح الأسرى المنهَكين. فعل كل هذا تخليدًا لذكرى ابنته رغبة. وفي ذكراها أمَر الملك بعمل آخر. أمر بإطعام كل الفقراء والجوعى في البلاد. وصار الأيتام والمشردون يجدون مأوًى في القصر الملكي. وعمَّت الرحمة والسلام أنحاء البلاد.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤