الحكاية الثامنة: دول-دول ملك بلا قلب
على حافة الغابة، في ضوء القمر، تجمَّع ثلاث ساحرات لطيفات بالقرب من جرَّة حجرية صغيرة. اختبأ القمر خلف سحابة، ثم عاد يطفو مرة أخرى. أصبحت الوجوه الشاحبة للساحرات الطيبات مرئية، وشعرهن يلمع تحت الضوء الفضي.
أخرجت الساحرة الأولى حفنة كاملة من بتلات الورد من حضنها، وألقتها في الجرة، وقالت: «الابن الملكي سيولد غدًا. ليكُن جميلًا مثل الورود، وليعجب به وبجماله الجميع.»
ثم ابتعدت بسرعة عن الجرة وبدأت تلف في الهواء. أضاءت اليراعات العشب، وأضاءت رقصتها، وغنى العندليب من الغابة أغنية رائعة لا يمكن سماع مثلها حتى في القصر الملكي نفسه.
ثم جاءت الساحرة الثانية إلى الجرة. كانت تحمل في يدها خيطًا فضيًّا طويلًا.
قالت وهي تُلقي بالشعرة في الجرة: «هذه شعرة من رأس الساحر جاي. أخذت هذا الشعر منه أثناء نومه لأعطيها للطفل الملكي. بفضل هذه الشعرة، سيكون الطفل حكيمًا، مثل جاي نفسه. على كل حال، لا يوجد حكيم مثل جاي في العالم كله. وكل شعرة من شعره هي كنز دفين من الحكمة.»
قالت الساحرة الثالثة: «أسرعي يا أختاه، وإلا فإن الرجل سيستيقظ ويأخذ الشعرة، وربما أبعدنا بعيدًا، ولا يكون لديَّ الوقت لوضع قلب الحمامة في الجرة. سوف نجعل الأمير المستقبلي لطيفًا ووديعًا.»
وبمجرد أن تلفَّظت الساحرة الثالثة بالكلمة الأخيرة، تمايلت الغابة وهمهمت، وظهر الساحر جاي؛ نصف رجل ونصف وحش بعيون نارية وشعر أشعث، يمتطي خنزيرًا بريًّا.
صاح بصوت رهيب انطلقت منه قعقعة عبر الغابة: «من سرق شعرة رأسي؟»
لكن الشعر إلى جانب بتلات الورود كانا بالفعل في الجرة، وكان الدخان يتصاعد من هناك في تيار أزرق، بالكاد يمكن ملاحظته.
وعند رؤية هذا، أمسك جاي برأسه وأطلق هديرًا جديدًا أكثر فظاعة من الأول. أدرك أنه لا يستطيع استخراج الشعرة من الجرة بأي قوة.
هُرعت الساحرات الخائفات إلى الجانب، وقامت الساحرة التي تحمل قلب الحمامة المخصصة للطفل الملكي في يدها بإلقائه على الأرض.
وفي اللحظة ذاتها، أمسك جاي بالقلب وعاد بخنزيره إلى الغابة، وأطلق صيحات انتصار عالية.
ذهب الخوف عن الساحرات الطيبات الثلاثة، ووجدن أنفسهن مرة أخرى أمام الجرة.
الآن يبكون. بكوا لأن الطفل المستقبلي سيكون ذا جمال وذكاء، لكن لن يكون له قلب وديع.
سيولد الأمير الصغير بلا قلب. وسقطت دموع الساحرات في الجرة …
وسرعان ما انطفأ الضوء الأزرق، وبدأت أكبر الساحرات تمسك عصاها السحرية، وتحرك ما في الجرة، وهي تغني بهدوء عبر دموعها.
رددت شقيقتاها معها أغنيتها.
وعندما انتهت الأغنية، نظر الثلاثة إلى الجرة.
في الجزء السفلي منها، كان يرقد صبي صغير، جميل مثل الملاك. حملنه من الجرة، وأخذنه إلى القصر الملكي ووضعنه في مهد فاخر أُعد منذ فترة طويلة للأمير الصغير، الذي كانت ولادته متوقعة من يوم لآخر.
•••
عاد الملك من الحرب منتصرًا. كان النهار مشرقًا وبديعًا، وكانت شمس الربيع الحارة تنعكس على دروع ورماح وأسلحة المحاربين الذين أحاطوا بالملك.
خلف الجيش الملكي كان هناك أسرى مقيدو الأرجل والأيدي.
عيونهم باهتة، وهزيلون بشكل رهيب، تغطيهم الدماء. لقد لاقوا مصيرهم بشجاعة كبيرة.
مشى جندي بجانب الملك. جندي عادي جدًّا؛ أبسط جندي. واسمه أبسط. كان يُدعى إيفان. كان يرتدي معطفًا مثقوبًا بالرصاص، ولديه ندبة ضخمة من سلاح العدو.
نظر كل من في طريق الملك بدهشة إلى الجندي الرمادي وتسألوا: لماذا يسير بجوار الملك. جندي بسيط رمادي، وينال مثل هذا الشرف؟! ثم سُمعت أصوات من صفوف الجيش: «هذا ليس جنديًّا عاديًّا. هذا بطل. أفسح للملك الطريق، واقترب من معسكر العدو، وأوقف الجيش عندما هرب، وقام بحماية الملك نفسه بصدره عندما توجه العدو نحوه. لا يمكن للملك أن ينسى هذا، ويعتبر الجندي إيفان أفضل أصدقائه وخادمه.»
وعند سماع ذلك، بدأ الناس بتحية الجندي بحماسة مثل الملك تمامًا.
كانت الصرخات تعلو وتعلو. أمطروا المنتصرين بالزهور. نثرت أجمل فتيات المدينة بملابس بيضاء ناصعة الورود على طريق الملك المنتصر.
وهكذا وصل المنتصرون إلى القصر الملكي.
رفع الملك رأسه إلى النوافذ على أمل رؤية زوجته الحبيبة، الملكة، في إحداها.
لكن بدلًا من الوجه الجميل للملكة، ظهر وجه عجوز لراهب أشيب الشعر من النافذة وقال: «استعد أيها الملك لسماع خبرين؛ أحدهما حزين، والآخر مبهج. رزقك الله ولدًا، وماتت زوجتك الملكة فجرًا.»
صرخ الملك بقوة وأمسك بقلبه و… مات.
لم يرَ زوجته الميتة أو ابنه المولود.
وعلا صوت البكاء والأنين بين الشعب والجيش؛ فقد كان الملك طيبًا وحكيمًا وشجاعًا، وأحبته البلاد كلها.
بعد ذلك، عندما مرت أولى نوبات الحزن، تجمَّع الناس في الساحة بالقرب من القصر، وبدءوا في اتخاذ قرار بشأن ما يجب فعله.
تجادلوا وتصايحوا لفترة طويلة؛ طيلة ثلاثة أيام كاملة وثلاث ليالٍ. وعندما ذهب صوتهم ولم يعودوا قادرين على الكلام قرروا: مات الملك والملكة، والأمير لا يزال طفلًا رضيعًا. يجب اختيار ملك آخر حتى يكبر الأمير الوليد دول-دول ويكون قادرًا على حكم المملكة بنفسه. وبما أن الجندي إيفان أنقذ البلاد والملك والجيش من الموت، ليكُن هو الملك.
لقد اتخذ الشعب القرار.
ذهبوا للبحث عن إيفان ليعلنوا البشارة له، ووجدوه عند مهد الأمير.
قالوا: «لقد اخترناك ملكًا!»
قال: «لا، لن أكون ملكًا. سأبقى جنديًّا لأبذل كل حياتي في خدمة الأمير دول-دول. كما خدمت والده، سأخدمه. سأُعلِّم الأمير بقدر ما أستطيع. سأعلمه أن يكون شجاعًا وذكيًّا ولطيفًا كما كان الملك الراحل.»
قال الرسل لإيفان: «في هذه الحالة، اختر لنفسك لقبًا يجلب لك الثروة ويُلزم الجميع بتكريمك.»
هز رأسه مرة أخرى قائلًا: «لست بحاجة إلى الثروة أو التكريم. لماذا يحتاج الجندي إلى الثروة والتكريم؟ بالنسبة لي، الشرف هو أن أخدم الطفل الملكي بإخلاص! ارجعوا يا إخواني وقولوا للناس ليختاروا لأنفسهم ملكًا آخر أفضل وأذكى، واتركوا لي مكافأة واحدة: الإذن بعدم الانفصال عن الأمير أبدًا.»
غادر الرسل وهم يهزون أكتافهم، وانحنى الجندي إيفان مرة أخرى فوق مهد الطفل.
•••
ستة عشر عامًا مرت. كبر الأمير وأصبح ملكًا. يا له من ملك! لم يكن هناك شاب أجمل منه في كل البلاد.
هل سبق لك أن رأيت السماء الزرقاء الصافية؟ حسنًا، هكذا بالضبط كانت عينا الملك. زرقاوين صافيتين لامعتين.
هل سبق لك أن رأيت اللون القرمزي في منتصف ستارة حديقة (الستارة عبارة عن سلسلة من التلال مبطنة بالعشب والزهور والنباتات الأخرى)؟ حسنًا، يبدو أن الشفتين الملكيتين الأرجوانيتين بنفس لون بتلات الخشخاش.
وكان بياض وجهه مثل الزنبق، وكانت خدوده الحمراء مثل انعكاس فجر الصباح. شعرُ الملك الشاب ذهبي حتى إنه عندما خلع قبعته بدا أن غطاءً من حرير يحيط رأسه بأشعة الشمس.
لكن لم يرَ أحدٌ الملك الشاب. حتى سن السادسة عشرة كان مخفيًّا عن أعين الناس (هذا هو قانون ذلك البلد). كانوا خائفين من أن الساحر الرهيب جاي قد يفسد بطريقة ما جمال دول-دول. وحده الجندي إيفان ظل بالقرب من الأمير وخدمه بلا كلل ليلًا ونهارًا.
لم يكن على المعلمين الذين تمت دعوتهم لتعليم دول-دول الكثير ليفعلوه في أمر الحكمة؛ فالملك كان بالفعل حكيمًا جدًّا بفضل شعرة جاي، لدرجة أنهم لم يجدوا شيئًا ليعلموه إياه.
وعندما أتم الأمير من العمر ١٦ عامًا، وضع الجندي إيفان تاجًا ذهبيًّا على شعره المجعد وقاده إلى الناس. كان يوم شتاء رائعًا. تقلبت الشمس في السماء، وأضاءت الضفائر الذهبية للملك الشاب مثل الشمس.
تزاحم الناس وأشاروا إلى دول-دول وهمسوا بفرح: «من الآن لدينا شمسان، إحداهما في السماء والأخرى في أروقة القصر.»
بدا أن الثلج الأبيض الذي غطى الأرض تمتم بحسد عند رؤية وجه دول–دول الأبيض الساحر.
والورود القرمزية التي ألقتها أجمل الفتيات عند أقدام الملك الشاب بكت بحسَد على مقربة من الشفاه القرمزية الرقيقة للشباب الجميل.
لكن لم يكن هناك حد لفرحة الناس عندما حياهم دول-دول. لن يستطيع أي ملك في العالم أن يخطب مثله! تنعكس في خطابه كل الأفكار الدقيقة، كل حكمة الملك الشاب.
صاح الشعب: «يعيش ملكنا الوسيم الحكيم! إذا كان لطيفًا وحنونًا كما هو ذكي ووسيم، فإن شعبنا سيصبح أسعد شعب في العالم!»
وبمجرد توقف الصيحات الحماسية، حلت محلها صيحاتُ اليأس والألم. أنزلوا الجسر عبر النهر الذي كان يتدفق تحت شُرفة القصر الملكي. الناس الذين أرادوا إلقاء نظرة فاحصة على الملك الوسيم اندفعوا إلى هذا الجسر وسُحقوا ودفع بعضهم البعض. أراد الجميع النظر عن كثب إلى وجه الملك الوسيم.
وفجأة سُمع صوت طقطقة مروعة. لم يستطع الجسر تحمل ضغط الحشد وانهار في الماء. وإلى جانب الجسر سقط آلاف الأشخاص المحتشدين فوقه.
صاح الناس: «أيها الملك! أيها الملك! أنقذنا! أنقذنا أيها الملك الحكيم!»
لكن الملك وقف بلا حراك على شرفة قصره و… ابتسم.
لم تتحرك عينا الملك الزرقاوان، لم تعبر عن الرعب ولا الحزن. كانتا مبتهجتين طفوليتين شفافتين. فقط ابتسمت عيناه.
استولى يأس جديد على الحشد.
سُمعت صيحات تعجب يائسة من الحشد الذين تمكنوا من الفرار: «الملك بلا قلب! ملكنا ملك قاسٍ بلا قلب!»
وظلت عينا الملك تضحكان وكأن شيئًا لم يحدث. ابتسمت عيناه وهو ينظر إلى الجثث الميتة التي غمرت النهر، وينظر إلى رعب الناس. لم يفهم الملك حتى ما كان يحدث من حوله، وبنفس الضحكة دخل إلى القصر.
ذهب الجندي إيفان خلف سيده. قال بحزن: «أيها الملك! بقي العديد من الأيتام التعساء خلف أسوار القصر مِن أبناء مَن غرقوا في النهر. هل ترغب في مساعدتهم؟ قل للجنود أن يوزعوا الذهب فيحمدك الناس على لطفك.»
قال الملك: «افعل ما تريد، أنت الأذكى بعدي ولن تنصح بشيء سيئ. أعطهم الذهب، لكن من الأفضل أن تبقى العملات الذهبية في قصري. سأطلب منهم تزيين جدران مسكني، وأريد أن أرى كيف ستلعب أشعة الشمس في هذا البحر الذهبي.»
وضحك الملك بمرح وبصوت مرتفع.
لم يكن لديه قلب، ودون قلب لم يستطع أن يفهم الحزن الذي عاشه الأيتام.
وبعد أن علم الشعب أن ملكهم الوسيم لا قلب له، أصيبوا بالرعب والارتباك. ولكن من بين الحاشية المحيطة بالملك، كان هناك من سُر بهذا، ورأوا أن الملك يحب الأعمال الانتقامية القاسية، فحاولوا إرضاءه، ومنحه جميع أنواع وسائل الترفيه القاسية، واعتقدوا أنه سيحب ذلك. أحب الملك تعذيب الحيوانات ولم يشفق على الناس. في يوم من الأيام، عُلِّق ما يصل إلى ألف قطة أمام قصره. وفي مناسبة أخرى، انتُزع الريش من الطيور المغردة في القصر، وسُمح لها بالطيران بعد نتفها.
وأخيرًا، بعد أحد الانتصارات على الأعداء الخارجيين، أُحرِق جميع الأسرى في حريق كبير في وسط الميدان.
وقف الملك على الشرفة وضحك. حوله كان هناك حشد كبير من رجال الحاشية. قالوا للملك: «أنت حكيم كالأفعى، وجميل كالشمس! لا يمكنك أن تطلب المزيد من القدر. لقد أعطاك كل الهدايا. أنت أجمل وأحكم وأطيب ملك في العالم.»
هذا ما قالوه.
ورفع الملك دول-دول رأسه الجميل عاليًا وسأل بجلال وفخر: «هل صحيح أنني أحكم وأجمل وأطيب الملوك؟»
قال رجال الحاشية: «هذا صحيح! تلك هي الحقيقة التي لا يمكن إنكارها! الحقيقة، الحقيقة! انت أجمل ملك.»
وفجأة ظهر صوت أعلى من صوت الجميع: «لا، هذا ليس صحيحًا! أنتم تكذبون على الملك! أنت الأحكم والأجمل، لكنك أيضًا أقسى ملوك العالم.»
ضرب الملك الأرض بقدمه وصرخ: «من تجرأ على قول تلك الكلمات؟»
وقف الجندي إيفان أمام الملك وقال: «أنا فعلت.»
همست الحاشية: «الجندي إيفان! كيف سمح لنفسه بإهانة الملك؟»
سمع إيفان كل هذه التعجُّب وانتظر بهدوءٍ مصيره. نظرت عيناه الرماديتان اللطيفتان إلى وجه الملك بلا خوف.
همست الحاشية مرة أخرى: «إنه يستحق عقوبة الإعدام! أهانك أيها الملك! أعدمه!»
نظر دول-دول إلى رجال الحاشية من حوله. وجوه الجميع تعبر عن الكراهية والعداء. أراد كلٌّ منهم إعدام إيفان ليحل محله لدى الملك.
وكان الملك على استعداد لتلبية الطلب العام.
كان على وشك النطق بحكم الإعدام على مُعلمه وخادمه، عندما تذكر فجأة أنه لن يتمكن أحد من تحضير كوب من هذا المشروب اللذيذ ليلًا كما يعرف إيفان كيف يعده، ولن يتمكن أحد من تغطيته جيدًا ببطانية من المخمل الدافئ، ولن يتمكن أحد من تمشيط شعره المجعد الذهبي كما يفعل إيفان.
ليس الحب أو الشفقة هي التي أثارت روح دول-دول لمجرد التفكير في أنه قد يفقد إيفان، ولكن ببساطة، الخوف من فقدان خادم لطيف ومخلص وضروري.
التفت الملك إلى إيفان وقال بصرامة: «في المرة القادمة كن أكثر حذرًا في حديثك مع ملكك، وقاحتك تستحق الاعدام، لكني لا أريد أن أعدم جنديًّا لمثل هذا.»
إنني أسامحك هذه المرة.
مُهدت الطرق للحروب، وسرعان ما أدرك جميع الملوك المجاورين قوة دول-دول التي لا تُقهَر، لأن دول-دول كان حكيمًا وعرف كيف يشن الحروب وينتصر فيها.
فقط الأمير الأسود من الشعب شبه المتوحش استمر في القتال بشكل يائس ضد فِرَق الملك. وأخيرًا، بعد معارك عديدة، هُزم الأمير الأسود أجو بعد مقاومة طويلة، وأُسِر وقُيد بالسلاسل ونُقِل إلى العاصمة وسُجِن. قرر دول-دول الغاضب قتله. وأمر الناس بالتجمع عند أول شعاع للشمس في ساحة المدينة.
قال الملك ضاحكًا لحاشيته القريبة: «سوف نحمِّم أجو الأسود حتى لا يكون أسود وقذرًا بعد الآن.»
وأمر على الفور بوضع مِرجَل كبير من الماء الساخن في الساحة، حيث كان من المفترض أن يرمي الأمير الأسير في الماء.
ارتعد الجندي إيفان من الرعب عند سماعه قرار ملكه. ألقى بنفسه عند قدمَي دول-دول وبدأ يتوسل إليه: «أجو الأسود مثلنا تمامًا أيها الملك، لماذا تريد تعذيبه؟ لقد دافع عن نفسه كقائد شجاع. لا تقتله أيها الملك. إنه يستحق الاحترام.»
صاح دول-دول غاضبًا: «كيف تجرؤ على تحدي رغبتي!»
رد إيفان بهدوء: «سأخبرك دائمًا أيها الملك عندما لا تكون عادلًا.»
قال الملك بضحكة لا مبالية: «في هذه الحالة، لن تُضطر إلى التحدث كثيرًا، لأنه غدًا عند شروق الشمس، ستُغلى مع أجو الأسود في مِرجل مجاور.»
وبعد أن قال هذا، أدار الملك ظهره بهدوء لإيفان وتحدث إلى كبار رجال بلاطه، الذين حاولوا بوقاحةٍ الثناء على القرار القاسي للملك.
كانوا سعداء للغاية لأن الجندي إيفان لن يقف بين الملك وبينهم بعد الآن، ولن يمنعهم من التأثير على الملك.
بعد أن سمع إيفان الحكم، ظل هادئًا تمامًا. لم يكن خائفًا من الموت، لكنه كان آسفًا بلا حدود على الرعايا التعساء للملك القاسي الذي لا قلب له.
قال: «الملك المسكين، إنه لا يعرف مقدار قسوته؛ لأنه لا يملك قلبًا. يجب أن يحصل على قلب بأي وسيلة! وأنا الجندي العجوز إيفان سوف آتي به. بقيت لي ليلة كاملة، وفي هذه الليلة يجب أن أجعل ملكي القاسي لطيفًا ووديعًا.»
لكن كيف يغادر إيفان بينما وضعوا الأصفاد في يديه وقدميه، وقيَّدوه بالسلاسل! قام بذلك أعداؤه من الشخصيات المرموقة، الذين ابتهجوا بأن الملك سيحرر نفسه أخيرًا من إيفان ويقربهم منه.
ومع ذلك غامر إيفان بأن يطلب طلبًا من الملك: «جلالة الملك، حررني اليوم، وغدًا سأعود عند شروق الشمس. أريد أن أذهب إلى الغابة لأستمتع بالطبيعة للمرة الأخيرة قبل إعدامي.»
همست الحاشية للملك دول-دول: «لا تدعه أيها الملك، لن يعود. سوف يهرب من الإعدام.»
قال دول-دول: «لا! لن يفعل. أعرف إيفان، لن يخدعني. سوف يعطي كلمةَ شرف كجندي ويعود.»
أجاب إيفان: «أُعطي كلمة شرف كجندي أيها الملك.»
وعلى الفور قام الخدم، بأمر من الملك، بإزالة السلاسل عنه. شعر بالحرية مرة أخرى، طليقًا لليلة واحدة ليموت في صباح اليوم التالي!
•••
كانت الغابة السوداء تعجُّ بالزوابع، وصوت الصفير من العاصفة الثلجية والثلوج المتساقطة. وعندما اقترب الجندي إيفان من حافة الغابة صرخ بصوت عالٍ: «أيها الكائن القوي، أيها الساحر جاي، اظهر أمامي!»
انحنت أشجار الصنوبر القديمة، وجاء الساحر الرهيب إلى حافة الغابة على خنزير بري.
صرخ جاي بصوت جبَّار: «ماذا تريد أيها الجندي؟ لماذا تزعجني في هذا الوقت؟»
قال الجندي إيفان منحنيًا: «أنت ساحر جبار وقوي، ويمكنك فعل أي شيء. يمكنك أن تعطي ملكي قلبًا! أعطِ دول-دول قلبًا يا جاي وخذ مني ما تريد.»
انفجر الساحر ضاحكًا تلك الضحكة الرهيبة، التي هزت أنحاء الغابة، واهتزت لها الأرض، وارتعدت الحيوانات من الخوف في مخابئها.
قال الساحر: «جندي غبي! غبي! ماذا آخذ منك وأنا أقوى ساحر في العالم ولديَّ كل شيء؟ لديَّ القلب الذي قصدته لدول-دول. لكنني لن أتخلى عنه بهذه السهولة. ومع ذلك سأعطيك هذا القلب إذا سمحت لي بنزع قلبك البشري من صدرك. هل توافق؟»
قال إيفان بقلق: «لكن هل سأفقد حياتي مع قلبي؟»
ضحك الساحر مرة أخرى: «نعم بالطبع! ماذا تظن. هل تخاف الموت؟»
قال إيفان بهدوء: «لا، ليس هذا هو الأمر. على أي حال يجب أن أموت عند الفجر. ليس الموت هو ما أخافه، بل العار. أعطيت كلمتي للملك بأن أكون في مكان الإعدام في الصباح الباكر، وإذا قتلتني، فلن أتمكن من الوفاء بكلمة الجندي. وهذا عار كبير للجندي والرجل.»
بين ضحكاته، وبينما يستعد للرحيل فوق خنزيره قال: «حسنًا، إذا كان هذا ما تقصده، فسيبقى ملكك بلا قلب.»
ولكن بعد ذلك حدث شيء غير متوقع.
بكى الجندي إيفان بدموع مريرة. الجندي إيفان الذي رأى في العديد من الحملات كيف يتدفق الدم مثل النهر، الجندي إيفان، الذي قتل أعداء الوطن، يذرف الآن دموعًا مريرة لا تطاق، مثل طفل صغير. أراد حقًّا للملك دول-دول أن يكون لطيفًا ووديعًا، ليجعل البلاد سعيدة، وفي الوقت نفسه لا ينزعج من كلامه الصادق.
أصبح جاي في حيرة من أمره عندما رأى دموع الرجل.
قال: «ما هذا؟ لأول مرة أرى الماء يتدفق من عينَي إنسان! أحب هذه الدموع! أحببتها كثيرًا لدرجة أنني مستعد لأخذ هذه العيون التي يمكن أن تتدفق بالدمع، وفي المقابل أعطيك قلب الحمامة، والذي يمكنك أن تقدمه للملك. أعطني عينيك. وهذا قلب حمامة مقابلهما.»
بعد أن قال هذا، أعطى جاي إيفان قلب حمامة صغيرًا. أمسكه الجندي بكلتا يديه وضغطه إلى صدره. وفي اللحظة نفسها، أخرج جاي سكينًا ضخمة من حضنه واقتلع بها عينَي إيفان الباكيتين.
أصبح إيفان أعمى. وبدلًا من البكاء سال الدم على وجهه، لكنه لم يئن، ولم يشتكِ. وبصبر مذهل تحمَّل الجندي الشجاع ألمًا رهيبًا.
وعلى عجل أوقف الدم على وجهه بالثلج وانطلق في طريق عودته إلى العاصمة. في هذا الوقت لم يكن لديه ما يفعله في الغابة، وكان عليه أن يسرع في طريقه، لأن الأعمى يستغرق ثلاثة أضعاف الوقت في الطريق مقارنة بالمبصر.
علق جاي عينَي إيفان الباكيتين على صدره، و… أوه! رائع! الغابة بأكملها أضاءت بشكل باهر. تألقتا مثل نجمتين رائعتين على صدر جاي، حتى إنهما أضاءتا الغابة بأكملها.
•••
تجمعت حشود ضخمة من الناس في الميدان. كانت السماء مغطاة بالفعل بضوء شروق الشمس القرمزي.
كان الملك دول-دول برفقة حاشية كبيرة في الميدان. أجو الأسود يرتجف من الخوف، ويداه وقدماه مقيدة بالسلاسل. نُصِب مرجل ضخم وسط الميدان، يغمر أولئك القريبين بسحب كثيفة من البخار. الماء ينذر بالسوء وينفجر. انطلق الخدم الملكيون المبشرون في جميع أنحاء الميدان، وأعلنوا للناس أن إعدام أكثر المجرمين شرًّا، الذي تجرأ على عصيان إرادة الملك، سيُنفذ الآن.
واحد فقط من المدانين لم يكن هناك، لم يظهر إيفان.
تكلمت الحاشية حول دول-دول: «كما ترى أيها الملك، عبثًا تركت الجندي يرحل. لن يعود إلينا. من يريد أن يُغلى في مرجل بينما يستطيع الذهاب إلى بلد آخر وخدمة ملك آخر.»
قال دول-دول: «لا! لا! أعرف إيفان جيدًا، لن يفعل شيئًا كهذا، سيحفظ كلمة الشرف.»
لم تصمت الحاشية: «لكن، قد حان وقت مجيئه! الآن ستشرق الشمس!»
وللتأكيد فقط على كلامهم تناثرت حزمة كاملة من أشعة الشمس، وأدفأت شمسٌ برَّاقة ببحرها الذهبي الميدانَ والمرجل والملك مع حاشيته وأجو الأسود.
وفي تلك اللحظة ظهر الجندي إيفان في الميدان. بالكاد يتنقل من قدم إلى أخرى، ويمد ذراعيه ببطء ويتلمَّس ما حوله، كما يمشي المكفوفون عادة.
قال إيفان: «ها أنا ذا أيها الملك! يبدو أنني وصلت في الوقت المناسب.»
قال الملك: «نعم في الموعد! استعد للموت! لكن ما خطبك؟»
ثم أردف بحيرة وهو يلقي نظرة خاطفة على وجه إيفان: «أين فقدت عينيك؟»
بعد أن قالها ضحك دول-دول بمرح وبصوت مرتفع على مصيبة إيفان؛ لأن دول-دول لم يكن له قلب، ولم يعرف كيف يشعر بالشفقة والألم.
قال إيفان: «سأخبرك أيها الملك أين فقدتهما. فقط تعالَ إليَّ، وإلا فلن تسمع أي شيء.»
انحنى دول-دول نحو إيفان.
وهنا سحب إيفان بيدين مرتعشتين قميص الملك باهظ الثمن والمطرَّز بالذهب ولمس صدر الملك بقلب الحمامة.
صرخ الملك دول-دول بصوت مرتفع. بدا شحوب قاتل على وجهه وانتشر، وانهار وسقط بين أيدي رجال البلاط.
شعر بشيء جديد قوي في صدره ملأ كيانه كله بألم رهيب وسعادة في آنٍ واحد.
اعتنى جزء من الحاشية بدول-دول فاقد الوعي، بينما التقط آخرون إيفان واستعدوا لإلقائه في المرجل.
صرخوا وهم يسحبون إيفان إلى مكان الإعدام: «أراد قتل الملك! يجب أن نرمي به في المرجل الآن فورًا، وإلا فسوف يدمرنا جميعًا، هذا الساحر الأعمى!»
كان إيفان بالفعل على بعد خطوتين من المرجل، رفعته عدة أيادٍ في الهواء … وفجأة …
سُمِع صوت الملك دول-دول الضعيف يقول: «توقفوا! أريده هنا! يا إيفان المسكين الأعمى!»
وفي لحظة واحدة، دفع الملك الحاشية ووجد نفسه أمام خادمه.
كان وجهه شاحبًا ومضطربًا. ذرفت عيناه الدموع جميلةً وواضحة كالندى. وضع يده على قلبه الذي كان ينبض بقوة لا تصدق.
ثم خاطب إيفان قائلًا: «اقترِب مني يا إيفان. اقترِب!»
ألقى دول-دول بنفسه على صدر خادمه المخلص، وهو يحتضن عنقه ويقبل عينيه العمياوين، ثم أمر بالإفراج عن الأمير الأسود أجو، واحتضنه مثل أخ، وأعطاه الحرية.
ثم خاطب الناس قائلًا: «أصدقائي، كنت ملكًا قاسيًا! لكن بفضل التضحية التي قدمها لي إيفان، أصبحت مختلفًا. والآن يا شعبي، أعدكم؛ لن أحكم فقط بحكمة، ولكن أيضًا بلطف ووداعة.»
انحنى الملك دول-دول للشعب، فاستجاب الشعب وصرخوا فرحًا.
هتفوا في آن واحد: «يعيش ملكنا العادل والحنون دول-دول.»
ومنذ ذلك اليوم، لم ينفصل دول-دول عن إيفان قط. ولم يعُد إيفان يخدم الملك، بل كان الملك هو من يخدم الجندي. لقد اعتنى به بكل طريقة ممكنة، وكان يقوده عبر الغرف الضخمة كما يمكن للابن المحترم أن يقود والده الضرير.
أخذ الجندي إيفان مكانه السابق مرة أخرى بالقرب من الملك. والآن لم يعُد يحسده أحد. عرف الجميع الثمن الرهيب الذي دفعه إيفان، ووقعوا بصدق في حب الخادم الملكي المخلص.