مجلس العدالة
كان لودر بارثولوميو يعرف رجلًا يُمارس الزراعة في أوغندا. لم يكن غريبًا أن يتذكر فجأة وجود صديقه ويستدعي إلى الذاكرة دعوةً مضى عليها ثلاث سنوات لتمضية الشتاء في ذلك الجزء من أفريقيا. كان بارثولوميو يمتلك ناديًا. كان يُسمَّى بعبارة لطيفة في جميع أفضل الأدلة بأنه «اجتماعي، وأدبي، ومسرحي»، لكن الرجال المطَّلِعين في المدينة كانوا يُطلِقون عليه تسميةً أقصر. كانوا يعتبرونه «ناديًا ليليًّا» على نحو لا يُلبي احتياجات الأعضاء المثقفين كما يجب، كانت توجد بعض المجلات الأسبوعية، وبضعة أعداد من صحيفة «التايمز»، ومجموعة من الجداول الزمنية المجانية لمن يطلبها، وسعى بارثولوميو إلى الحصول على تفاصيل عن الرحلات البحرية ووجدها؛ فقد يُغادر لندن في صبيحة اليوم التالي ويلحق بالمركب الألماني (عن طريق برينديزي والسويس) الذي من المفترض أن يرسوَ به في أوغندا بعد أسبوعَين.
في المجمل كان يظن أن هذا المسار سيكون حكيمًا.
في حقيقة الأمر، كانت مسألة المائة الحمر بصدد أن تُصبح أمرًا خطيرًا للغاية؛ كان لديه شعور بأنه موضعُ اشتباه، وكان لديه يقين أكبر أن نهاية تمويله غيرِ المحدود باتت قريبة. كان قد أدرك ذلك منذ وقت طويل، ووضع خُططَه تبعًا لذلك. فيما يتعلق برجال العدالة الأربعة، فقد يدخلون مع مينشيكوف؛ ومن شأن ذلك أن يعنيَ خيانةً مضاعفة. وبينما كان يُقلب صفحات جدول مواعيد برادشو للقطارات، استعرض موقفه في ذهنه. كان في متناوله نحوُ سَبعِمائة جنيه، ولم تكن التزاماته تشغله لأنه لم يخطر بباله قط أن يفيَ بها. سبعمائة جنيه، وحبة الفاصولياء الحمراء، ومينشيكوف.
قال في نفسه: «إن كانوا جادين، يُمكنني أن أُعَوِّل على ثلاثمائة.»
إذا تواصل رجال العدالة الأربعة مع إل بي، فسوف يُحيطون علمًا بأمر في صالحهم.
لم يكن تدبيرًا ناجعًا أن يُورَد في أعمدة الإعلانات الشخصية للصحف اللندنية ولو حتى أكثر الإشارات تحفظًا إلى «حبات الفاصولياء الحمراء» بعد ما جرى في اجتماع المجلس. وكانت الاستعانة بالسفارة مسألة ساذجة. تمتم بصوت خفيض لم يسمعه أحد سواه لاعنًا رجال العدالة الأربعة على تواصلهم غير العملي. لو كانوا ذكروا أو ألمحوا إلى لقاء ما لكان من الممكن تدبير الأمر.
سأله رجل في ملابس سهرة إن كان قد فرغ من جدول القطارات. فتركه بفظاظة، ونادى نادلًا بالنادي، وطلب مشروب ويسكي بالصودا وارتمى على مقعد ليُفكر بتمعن في حل.
أعاد الرجل جدول مواعيد برادشو باعتذار مهذب.
قال: «آسف جدًّا على مقاطعتي لك، ولكني استُدعيت توًّا للسفر للخارج على وجه السرعة.»
رفع بارثولوميو رأسه ونظر بامتعاض. بدا وجه الشاب مألوفًا له.
سأله: «ألم ألتقِ بك في مكان ما من قبل؟»
هز الغريب كتفَيه.
ابتسم قائلًا: «دائمًا ما يلتقي المرء بأُناس وينساهم. لقد حسبت أني أعرفك، ولكني لا أستطيع أن أتذكر أين التقيت بك.»
لم يكن الوجه وحده هو ما كان مألوفًا، وإنما كان الصوت مألوفًا بغرابة.
كان تحليل بارثولوميو الذهني أن الرجل «ليس إنجليزيًّا. ربما يكون فرنسيًّا، والأرجح أنه سلافي. من يكون بحق الشيطان؟»
بطريقة ما كان مسرورًا بهذه التسلية المُلْهِية، ووجد نفسه منخرطًا في نقاش لطيف عن صيد السمك بالطُّعم الطائر.
عندما أشارت عقارب ساعة الحائط إلى منتصف الليل، تثاءب الغريب وقام من مقعده.
سأله بلطف: «هل أنت متجه غربًا؟»
لم يكن بارثولوميو قد وضع خططًا محددة بشأن قضاء الساعة التالية؛ لذا وافق وغادر الرجلان الناديَ معًا. تمشيا عبر ميدان بيكاديللي ومنه إلى شارع بيكاديللي، وهما يتسامران في سرور.
عبر شارع هاف مون ومنه إلى ميدان بيركلي الهادئ الخالي من المارة، سار الرجلان الهُوَيْنَى، ثم توقف الغريب وقال: «أخشى أن أكون قد حِدتُ بك عن طريقك.» أجاب بارثولوميو: «إطلاقًا.» وكان ودودًا على نحو تقليدي. ثم افترقا، وسار القائد السابق عائدًا من الطريق الذي أتى منه، وعاد إلى التقاط خيوط المشكلة التي كانت تشغل ذهنه في الجزء الأول من المساء.
في منتصف الطريق عبر شارع هاف مون كانت ثمة سيارة، وحين صار بمحاذاتها، جاء رجل كان واقفًا على الرصيف، حسبه خطأً سائقًا منتظِرًا، وأعاق مسيره. سأله باحترام: «القائد بارثولوميو؟» قال الآخر متفاجئًا: «ذاك هو اسمي.»
«سيدي يرغب في أن يعرف إن كنت قد قررت …»
«ماذا؟»
تابع متفحصه الهادئ قائلًا: «إن كنت قد قررت اختيار الحمراء؛ ها هي السيارة، إن شئت أن تركب.»
سأله بقليل من التردد: «وإن كنتُ قد قررت اختيار السوداء؟»
قال الرجل دون انفعال: «في ظل تلك الظروف، يرى سيدي أنه من أجل سلامته الأهم، يتعين عليه أن يتخذ تدابيرَ لضمان حيادك.»
لم يكن ثمة تهديد في نبرته، بل ثقة واقعية باردة صدمت هذا المغامر الصلب.
في الضوء الخافت رأى شيئًا في يد الرجل؛ شيئًا رفيعًا براقًا كان يلمع.
قال بصوت متحشرج: «سأختار الحمراء.»
انحنى الرجل له وفتح باب السيارة.
كان بارثولوميو قد استرد بعضًا من ثقته بنفسه عندما وقف أمام الرجال.
كان معتادًا على المحاكم المستترة؛ إذ كان قد تعرض لمثلها منذ ترَقِّيه إلى المجلس الداخلي.
لكن هؤلاء الرجال الأربعة كانوا يرتدون ثياب سهرة، وكان الإطار المسرحي، الذي كانت تتسم به محكمة العدل الخاصة بالمائة الحمر، غائبًا. لم يكن يُوجَد ضبط غريب للأضواء، ولا دويُّ أجراس، ولا فتح ستائر قاتمة. لا شيء من الخداع الرخيص الخاص بالمجلس الداخلي.
كان من الواضح أن الغرفة هي غرفة معيشة، وكانت تُشبه إلى حد كبير جدًّا مائة غرفة معيشة أخرى كان قد رآها.
كان الرجال الأربعة الذين جلسوا على مسافة متساوية أمامه عاديِّين على نحو كافٍ في مظهرهم عدا أقنعتهم. حسب أن أحدهم كان يضع لحية، ولكنه لم يكن متأكدًا. وقد تولى هذا الرجل الجزء الأكبر من الحديث.
قال بلينٍ: «أفهم أنك اخترت الحمراء.»
أجاب بارثولوميو: «يبدو أنك تعرف الكثير عن شئوني الخاصة.»
قال الرجل: «هل اخترت الحمراء، مجددًا؟»
تساءل الأسير: «لماذا، مجددًا؟»
التمعت عينا الرجل المقنَّع بثبات من خلال فتحتَي القناع.
قال بهدوء: «منذ سنوات كان ثمة ضابط خان وطنه ورفاقه.»
«تلك كذبة قديمة.»
تابع الرجل المقنع قائلًا: «كان مسئولًا عن موقع خزَّن فيه مخزونًا عظيمًا من المواد الغذائية والذخيرة. وكان ثمة قائد للعدو يُريد الحصول على تلك المؤن، ولكن لم يكن لديه ما يكفي من الرجال لاقتحام الموقع.»
كرر بارثولوميو بتجهم: «كذبة قديمة.»
«وهكذا وجد القائد الخطة العبقرية المتمثلة في تقديم رشوة. كان أمرًا محفوفًا بالمخاطر، وفي تسعمائة وتسعة وتسعين حالةً من ألف حالة، يكون عملًا لا طائل منه. في الواقع، أنا متأكد من أنني أُقلل من تقدير النسبة؛ لكن القائد الماكر العجوز كان يعرف رجله جيدًا.»
قال بارثولوميو: «لا داعي للاستمرار في السرد.»
تابع مانفريد: «لم تُمرر أي مراسلات؛ فقد كان ذلك الضابط أكثر دهاءً من أن يفعل ذلك، لكن تقرر أنه لا بد من نقل رد الضابط.»
فتح يده ورأى بارثولوميو حبتَي فاصولياء، واحدةً حمراء والأخرى سوداء، مستقرتَين في راحة يده.
«السوداء كانت تعني الرفض، والحمراء تعني القَبول، كانت الشروط تقضي بخدش جانب حبة الفاصولياء الحمراء بإبرة، وكان المبلغ المتفق عليه هو ١٠٠٠ جنيه.» لم يُحِر بارثولوميو جوابًا.
«ذلك بالضبط هو المبلغ الذي نعرضه عليك لتُمِدنا من وقت لآخر بالمعلومات التي نطلبها فيما يتعلق بتحركات منظمة المائة الحمر.»
«وإذا رفضت؟»
أجاب الرجل المقنع بهدوء: «لن ترفض. أنت بحاجة إلى المال، وحتى في هذا الحين لديك في الحسبان خطة للانفصال عن أصدقائك.»
استهل الآخر حديثه وهو يهز كتفَيه: «أنت تعرف الكثير جدًّا …»
«أعرف قدرًا كبيرًا. على سبيل المثال، أعرف أنك تُفكر في الفرار على الفور. بالمناسبة، هل لديك علم بأن «لوكوس وورمان» راسية على رصيف ميناء نابولي وبها تسريب في إحدى الغلايات؟»
أجفل بارثولوميو، وكان ينبغي له أن يفعل، لأنه لم يكن أحد يعرف بأن لوكوس وورمان هي السفينة التي كان يأمُل في اللَّحاق بها في السويس.
رأى مانفريد حيرته وابتسم. «لا أُريد أن يُنسَب إليَّ امتلاكُ قدرات خارقة للطبيعة؛ بصراحة، كان الأمر مجردَ تخمين بحت، لكن يجب أن تعدل عن رحلتك. فمن الضروري كي نُصيب قدرًا أكبر من النجاح أن تبقى.»
عض بارثولوميو على شفتَيه. لم تتوافق هذه الترتيبات تمامًا مع خططه. فأبدى كِياسةً مفاجئة.
قال بحرارة: «حسنًا، إن كان يتعين عليَّ ذلك، فيجب أن أفعله، وبما أني أُوافق، أتسمح لي أن أسأل عن هُوية من أحظى بشرف مخاطبته؟ وأيضًا، بما أنني الآن عميلكم السري، هل يُمكنني أن أرى وجوه من أعمل لصالحهم؟»
تبين الاحتقار في ضحكة مانفريد.
قال مانفريد ببرود: «لست بحاجة إلى أن نُقدم أنفسنا لك، وسوف تفهم أننا لا ننوي أن نثق بك. اتفاقنا هو أن تُولِيَنا ثقتك، لا أن نوليَك ثقتنا.»
قال بارثولوميو بإصرار: «يجب أن أعرف شيئًا. ما الذي يتعين عليَّ فعله؟ أين سأُسلم تقاريري؟! كيف سأحصل على مستحقاتي؟»
«ستحصل على مستحقاتك عندما تنتهي من عملك.» مد مانفريد يده إلى طاولة صغيرة كانت في متناوله.
وفي الحال غرقت الغرفة في الظلام.
قفز الخائن متراجعًا إلى الوراء، خوفًا من شيء لم يعرف ماهيته.
قال صوت: «تعالَ. لا تخف.»
صاح مانفريد وهو يتقدم خطوة إلى الأمام: «ماذا يعني هذا؟»
شعر بأن الأرض من تحته تتراجع وحاول أن يقفز راجعًا إلى الوراء، ولكنه كان قد فقد توازنه بالفعل، وبصرخة رعب شعر أنه يسقط، ويسقط.
«أنت، استفق!»
كان أحد ما يهز ذراعه وكان واعيًا لوجود برودة شديدة وريح عاصفة شديدة كانت تلطم وجهه.
ارتجف وفتح عينَيه.
رأى أولًا جملًا حديديًّا وحَمولة على ظهره؛ ثم أدرك، وإن لم تتضح له الصورة تمامًا، أنه كان الدِّعامةَ المزينة لكرسي حديقة؛ ثم رأى حاجزًا رماديًّا باهتًا من حجر متسخ. كان جالسًا على كرسيٍّ على حاجز نهر التيمز، وشرطي يهزه بلطف ليستفيق.
«تعالَ، يا سيد، هذا لن يُجدي، أنت تعرف.»
ترنَّح واقفًا على قدمَيه بغير ثبات. كان يرتدي معطفًا من الفرو لم يكن يخصه.
تساءل بصوت كليل: «كيف جئتُ إلى هنا؟»
ضحك الشرطي بمرح.
«آه، ذلك أكثر مما بوسعي إخبارك به. أنت لم تكن هنا منذ عشر دقائق، وأنا متأكد من ذلك.»
وضع بارثولوميو يده في جيبه ووجد بعض المال.
قال له مترنحًا: «اطلب لي سيارة أجرة.» وعثرا على واحدة.
وترك الشرطي وهو راضٍ تمامًا بنتيجة عمله الصباحي ومضى بالسيارة إلى مسكنه. بأي وسيلة استثنائية وصل إلى حاجز النهر؟ تذكر رجال العدالة الأربعة، وتذكر الغرفة التي غرقت فجأة في الظلام، وتذكر السقوط؛ ربما يكون قد فقد وعيه. لكنه لا يُمكن أن يكون قد أُصيب جراء سقوطه. وتذكر على نحوٍ غير واضح شخصًا ما أخبره بأن يتنفس واستنشاقه بخارًا حلوًا مثيرًا للغثيان. ولم يذكر شيئًا بعد ذلك.
لم يكن المعطف يخصه. دسَّ يدَيه في الجيبَين ووجد رسالة. لم يكن يعرف أن لها الملمسَ الغريب الذي جعل الورق الرمادي المخضرَّ الخاص برجال العدالة الأربعة شهيرًا في أنحاء أوروبا.
على الخدمة المخلصة، ستُكافَأ؛ أما على الخيانة، فلن يكون ثمة شبكة تعوق سقوطك.
ارتجف مجددًا. ثم أغضبه عجزه وقلة حيلته، وأخذ يتلفظ بصوت خفيض وضعيف.
كان يجهل المكان الذي جرى فيه اللقاء. كان قد حاول دون جدوى في طريقه إلى هناك أن يتتبع الطريق الذي سلكَته السيارة المغلقة.
لم يكن لديه أدنى فكرة عن الطريقة التي سينقل بها رجال العدالة الأربعة تعليماتِهم إليه. ولكن كان مقتنعًا تمامًا بأنهم سيجدون سبيلًا.
وصل إلى شقته وهو يشعر بدوار في رأسه من أثر المخدر الذي أعطوه له، وارتمى بملابسه على سريره ونام. نام حتى ما بعد الظهيرة، ثم استيقظ وهو يشعر بالتوتر وجسده متيبس. أنعشه الاستحمام وتغيير ملابسه، وخرج للوفاء بموعد كان قد حدده.
في طريقه تذكر بتبرم أنه كان ثمة استدعاء إلى المجلس في الساعة الخامسة. ذكَّره هذا بأيام تدريبه الخوالي. ثم تذكر أنه لم يُحدَّد مكان لاجتماع المجلس. كان من المزمع أن يجد فرانسوا الهادئ في ميدان ليستر؛ لذا حوَّل مساره إلى ذلك الاتجاه.
انتظره فرانسوا بصبر وابتسام وإجلال كعادته. قال: «لقد انعقد المجلس في الساعة الثانية، وعليَّ أن أُخبرك بأننا اتخذنا قرارًا بشأن مشروعَين.» وأخذ ينظر يمنة ويسرة، بحرص بالغ.
قال: «في جرافسيند»، نَطَقها «جوايسيند»، «توجد سفينة حربية موضوعة في المخازن. إنها السفينة «جروندوفيتش»، سيكون حاضرًا في ذهنك أن الربان هو النبيل سفاردو. لا يوجد ما يدعونا إلى أن نُحبَّه.»
سأله بارثولوميو: «والثاني؟»
مجددًا مضى فرانسوا في استخدام الإيماء الصامت الذي انزعج منه رفيقه من قبل.
قال بنبرة انتصار: «ليس أقلَّ من البنك.»
ارتعب بارثولوميو.
قال: «البنك، بنك إنجلترا! يا إلهي، لقد جُنِنتم! لقد فقدتم عقولكم!»
هز فرانسوا كتفَيه بتسامح.
وقال: «هذه هي التعليمات.» ثم قال باقتضاب: «إلى اللقاء.» وبانحناءته الخفيفة المغالى فيها، ذهب.
لو كانت حاجة بارثولوميو إلى الانفصال عن المائة الحمر موجودة في السابق، فقد تضاعفت هذه الضرورة الآن ألف مرة. زال من عنده أيُّ شك عالق، وأقلُّ ذرة من وخز الضمير بشأن الدور الذي اضطلع به.
نظر إلى ساعته، وأسرع إلى وجهته.
كانت الحجرة الحمراء في فندق لابورن هي ما ينشده.
وجد طاولة وطلب مشروبًا.
كان النادل كثيرَ الكلام على غير العادة.
وقف النادل إلى جانب الطاولة المنعزلة التي جلس عليها بارثولوميو، ودردش بود واحترام. ولاحظ الزبائن الآخرون الذين اعتادوا ارتياد المكان ذلك بفتور، وتساءلوا عما إذا كان الأمر المشتركُ بين الاثنَين الذي كان النادل يتحدث بشأنه هو سباقَ خيل أم مِلكيةَ منزل.
كان النادل يتحدث.
«… أنا ميال إلى عدم تصديق قصة سفينة جروندوفيتش، لكن السفارة والربان يعرفان، متى ستغادر؟»
قال بارثولوميو: «ما إن يكون بوسعي ذلك.»
أومأ النادل برأسه ونفض بعضًا من رماد سيجارة من فوق الطاولة بمنديله.
تساءل: «وامرأة جراتس؟»
أبدى بارثولوميو إيماءة تُفيد التشكُّك.
قال النادل وهو ينظر بتفكير إلى خارج النافذة: «لماذا لا تأخذها معك؟»
كانت بذرة هذه الفكرة في ذهن بارثولوميو، لكنه لم يكن قد نطق به مطلقًا؛ ولا حتى لنفسه.
«إنها جميلة جدًّا، وخطر لي أنها ليست غير مبالية تمامًا بمحاولاتك لاستمالتها؛ فهذا النوع من النساء لديه ميل إلى من هم على شاكلتك، وبصراحة سيسرنا أن نراها قد ابتعدت عن طريقنا، أو ميتة.»
لم يكن إم مينشيكوف محبًّا للانتقام على الإطلاق، لكن كان ثمة إخلاص واضح في صوته عندما تلفظ بالكلمتَين الأخيرتَين. كان إم مينشيكوف في السابق الذراعَ اليمنى للقائد الأعلى للشرطة السرية لسنوات طويلة؛ حتى إنه لم يكن من الممكن أن يشعر بأي تأنيب ضمير بصدد مشروع التخلص من عدوٍّ للنظام.
قال بتأمل: «لقد ظننت أننا نلنا منها ذات مرة. كانوا سيتخلصون منها في قلعة سانت بيتر وسانت بول، لكنني منعتهم. وأظن أنها كانت ممتنَّة لذلك، وعطوفة للغاية، ولكن الأمر انتهى.»
دفع بارثولوميو ثمن مشروبه، وبتفاخر منح بقشيشًا للرجل المتزلف الواقف أمامه. وتذكر وهو يفعل ذلك أن مينشيكوف كان مليونيرًا.
قال مينشيكوف بجدية: «الباقي يا سيدي.» وأعاد له بضعة بنسات مجلجلة وورقتَين نقديتَين مطويتَين بإحكام تُعادلان مائة جنيه. كان يُؤمن بمبدأ «ادفع الاستحقاقات أولًا بأول.» ووضع بارثولوميو النقود في جيبه بلا مبالاة.
وقال بصوت مرتفع: «طاب يومك.»
قال النادل: «إلى اللقاء، يا سيدي، ورحلة موفَّقة.»