تاكسي إلى الجحيم!
قال «أحمد»: وهكذا استطعنا استعادة الطفل «أدهم»، وفي نفس الوقت لم نخسر الأسرار العسكرية فقد احترق الفيلم.
عثمان: إذن مهمتنا الآن إنقاذ أنفسنا.
أحمد: يجب أن نأخذ زمام المبادرة، ونمضي فورًا، إن كل دقيقةٍ نفقدها تضع عصابة منهما أو العصابتين معًا في أعقابنا.
وفي الحال قام الثلاثة بإعداد حقائبهم، وحمل كلٌّ منهم حقيبة المركز السري المزودة بالجيوب السحرية التي لا يمكن اكتشافها، ثم أسرعوا ينزلون … ودفع «أحمد» حساب الفندق، ثم خرج الثلاثة، ولحسن الحظ وجدوا سيارة تاكسي في الانتظار أمام الباب، فقفزوا إليها وطلب «أحمد» من السائق الاتجاه فورًا إلى مطار «طوكيو».
مضت السيارة في طريقها المعتاد، وكان الشياطين الثلاثة صامتين، يفكرون في الساعات المقبلة بل الدقائق المقبلة، وهل تنتهي على خيرٍ حقًّا … هل يصلون إلى الطائرة، ويركبونها ويغادرون «طوكيو» نهائيًّا بعد انتهاء مغامرة «كلمة السر طوكيو»، ولم ينتبهوا في البداية إلى رائحةٍ غريبةٍ أخذت تنتشر في جو السيارة، ولكن بعد دقائق قليلة شاهدوا حاجزًا من الزجاج السميك يرتفع بينهم وبين السائق، وأحس «أحمد» بالخطر فورًا، وللأسف الشديد كانت أسلحتهم في الحقائب. ومدَّ «أحمد» يده لفتح باب السيارة فلم ينفتح، وحاول فتح الزجاج فلم ينفتح أيضًا، وكانت السيارة تسير بسرعةٍ عالية في الطريق السريع، وفجأةً انحرفت في شارع جانبي تُظلِّله الأشجار الكثيفة، ثم أخذت المشاهد تغيم أمام عيون الشياطين، فتأكَّدوا أنهم يستنشقون غازًا مخدرًا قويًّا ينبعث من مكانٍ ما في الجزء الخلفي من السيارة، كان فخا محكمًا، وتذكَّر «أحمد»، وهو يغيب عن وعيه أنهم وجدوا سيارة التاكسي في انتظارهم أمام باب الفندق ودون استدعاء، فكيف عرف الخاطفون أنهم سينزلون في هذه اللحظة بالذات؟!
ثم لم يكن هناك سوى إجابةٍ واحدة؛ إن الخاطفين وضعوا أجهزة تصنُّت في جدران غرفة الفندق، واستمعوا إلى كل أحاديثهم.
مضَت نحو عشرين دقيقة … ثم انحرفت السيارة إلى غابةٍ كثيفة، وسارت قليلًا، ثم توقفت أمام مبنى أسود اللون تُظلِّله الأشجار، وكان الشياطين الثلاثة بين اليقظة والمنام … وهم يُساقون إلى المبنى الأسود المختفي بين الأشجار، وقد انتعشوا قليلًا عندما تعرضوا للهواء النقي، واستطاعوا أن يتبيَّنوا الوجوه الصفراء التي تُحيط بهم … كانوا جميعًا من اليابانيين، ولكن عندما وصلوا إلى باب المبنى ودخلوا، كان في انتظارهم رجلٌ طويل القامة غريب الملامح.
قال الرجل دون مقدماتٍ: لقد أفلتَت الفتاتان ومعهما الطفل … ولكنكم وقعتم في أيدينا …
لم يَردَّ أحدٌ من الشياطين الثلاثة، كانوا يشعرون بدوارٍ حتى إن «أحمد» لم ينتظر أن يدعوَه الرجل للجلوس، فقد ارتمى على أقرب كرسي إليه، وأخذ ينظر حوله ثم قال: هل نستطيع الحصول على فنجان من القهوة؟!
الرجل: ستحصلون على كل شيءٍ … المهم أن نتفاهم!
قال «أحمد»: أريد أولًا فنجانًا من القهوة ثم بعد ذلك نبدأ الحديث!
كان «قيس» و«عثمان» قد جلسا، وجلس الرجل أيضًا، ودون كلمةٍ أخرى أشار بيده، ولاحظ الشياطين أن ثمة شخصًا يقف في جانب مظلمٍ من الصالة الواسعة … وسمعوا وقع خطواته وهي تتلاشى تدريجيًّا.
عاد الرجل يقول: إنني رجلٌ محترف، وبهذه الصفة أحب أن أعقد معكم اتفاقًا ننفذه كرجال يتحدثون إلى بعضهم البعض.
لم يرد أحدٌ من الشياطين فمضى الرجل يقول: إننا نريد نسخةً أخرى من الفيلم، لقد اتفقنا على سرقتها لحساب إحدى الدول، وقد قبضنا العربون، والآن ماذا يكون موقفنا إذا لم نحصل على الفيلم؟!
ظل الشياطين الثلاثة لائذين بالصمت، واستمر الرجل في حديثه: إن سمعتنا كرجال محترفين ستتعرض للإهانة والاحتقار … سواء من هذه الدولة أو من بقية العصابات العاملة في الميدان، وها أنتم ترون ببساطة أن المسألة ليست مسألة نقود فقط ولكنها مسألة كرامة أيضًا.
كانت كلمات الرجل الأخيرة تشبه جرس الإنذار، وكأنه يريد أن يقول إن الصمت في هذا الموقف لا يمكن احتماله، وأحسَّ «أحمد» أنه يجب أن يتحدث؛ ليعرف كل ما يدور في رأس الرجل.
قال «أحمد»: لا أظنك تنتظر منَّا أن نساعدك في عملية سرقةٍ ضد وطننا؟!
لوى الرجل وجهه الذي يُشبه وجه العرسة، وقال: لا مجال هنا للحديث عن الأوطان، ولا مجال أيضًا لترديد الكلام الذي سمعتموه في المدارس عن الوطنية، إننا هنا في موقف عمليٍّ جدًّا … اختيار بين الفيلم وبين أرواحكم.
أحمد: لقد نشأنا في المدارس على أن الوطن أكبر كثيرًا من كل حياةٍ؛ ولهذا فإن حياتنا لا تساوي شيئًا إذا ذكر اسم الوطن!
الرجل: إن عندنا من الوسائل ما يجعل أقوى القلوب تسقط من الرعب، فإذا أردتم أن تجرِّبوا فإنني في خدمتكم.
جاءت ثلاثة فناجين من القهوة … وانقضَّ الشياطين الثلاثة عليها … كانوا جميعًا يشعرون بنوعٍ من الدوار والصداع، وكان فنجان القهوة لكلٍّ منهم شيئًا هامًّا.
ابتسم الرجل وقال: إننا لم نتعارف بعد … اسمي «كيرش» وأعمل كمسئول في منطقة الشرق الأقصى لمنظمةٍ عالميةٍ سريةٍ … ويسرني أن أتعرف بكم!
ردَّ «أحمد» على الفور: نحن لا نستطيع التحدث عن أسمائنا … وتستطيع أن تنادينا بالأرقام.
ابتسم «كيرش» ابتسامة هازئةً وقال: هل نسيت أن جوازات السفر كلها معي؟
لم يهتز «أحمد» وقال: إن الأسماء التي بها ليست صحيحةً.
كيرش: دعونا من الأسماء … المهم الآن ما هي المنظمة التي تعملون لحسابها؟ إننا سنعرض عليكم أضعاف أضعاف المرتبات التي تتقاضونها منها، المهم أن نعرف من الذي يقود هذه المنظمة؟ ولحساب من تعمل؟ والنظام الداخلي لها؟
وضع «أحمد» فنجان القهوة والتفَت إلى «كيرش» قائلًا: ببساطة تريد أن نصبح خونة، يبدو يا سيد «كيرش» أنك لا تعرفنا!
ابتسم «كيرش» ابتسامة الواثق من نفسه، وقال: في مثل سنِّكم تصبح المثل العليا حقيقيةً، ولكن عندما تكبرون في السن …
رد «أحمد» مقاطعًا: تأكد أن لا شيء يمكن أن يجعلنا نخون أهدافنا … فلنتحدث في أي شيءٍ آخر.
احمرَّ وجه «كيرش» قليلًا، ثم قال: إذن نريد نسخة من الفيلم … نسخة لا تحترق.
كيرش: بسيطة جدًّا … سنحتجز اثنين منكم هنا، وسيخرج الثالث … وسنكفل له الوصول إلى بلادكم ليعود بالنسخة … فإذا لم يعد في حدود مدة معينة، فإن ما يحدث للاثنين الباقيين لا يمكن تصوره!
ورغم قسوة الأسلوب الذي يتحدث به «كيرش» فقد أحس «أحمد» ببعض الراحة، فإن خروج واحدٍ منهم معناه احتمال لإنقاذ الباقيَين؛ لهذا سارع بالرد قائلًا: لا بأس يا سيد «كيرش» بما تقترحه.
كيرش: ضع في اعتبارك أنني لا أحب الألاعيب، إن حياتي معرضةٌ للخطر بسبب ما حدث؛ فإن المنظمة التي أعمل لحسابها لا ترحم، وقد أمهلوني عشرة أيامٍ فقط لاستعادة الفيلم.
أحمد: سنحاول يا سيد «كيرش».
كيرش: إنكم في ضيافتنا الليلة … وعليكم أن تتفقوا على من يخرج، ومن سيبقى.
ووقف «كيرش» معلنًا انتهاء المقابلة، وأشار بيده بتحيةٍ بسيطةٍ، ثم اختفى وراء أحد الأبواب، ولم يكد يغلق الباب خلفه حتى همس «أحمد» ﻟ «قيس» و«عثمان»: افتحا عيونكما وآذانكما، إننا في حاجة إلى كل التفاصيل.
ظهر رجل قصير القامة أصفر اللون، وانحنى باحترامٍ لهم، ثم أشار بيده أن يتبعوه وساروا خلفه، فتح بابًا جانبيًّا وعبروا خلفه، ووجدوا أنفسهم فجأةً أمام مصعد صغير فتحه الرجل وأشار لهم بالدخول، دخلوا جميعًا ثم ضغط الرجل على زرار وتحرك المصعد هابطًا.
كان الصمت ثقيلًا، وحتى المصعد لم يكن يصدر عنه أي صوت، لكنه توقَّف فجأة، وفتح الرجل الباب، وكانت في انتظارهم مفاجأة أخرى، كان أمامهم دهليز من الصخر محفورٌ في قلب الجبل، ساروا فيه، ونزلوا بضع درجات أخرى ثم وقف الرجل أمام غرفة، أشار الرجل لهم بالدخول فيها، وعندما دخلوا ذهلوا، كانت الغرفة صمَّاء الجدران لا أثر فيها لفتحة، إلا فتحات التهوية في السقف، وأدركوا أن عدوهم أخطر مما توقعوا بكثير.