معركة الفيلَّا السوداء!
قال الرجل على الفور: قالوا لنا إن لك صديقَيْن محبوسَيْن عند عصابة «الوحش الأصفر» … وإنك تريد إطلاق سراحهما!
رد «أحمد»: هذا كلامٌ صحيحٌ …
قال الرجل: لقد وضعنا خطة الهجوم … وستغادر طائرةٌ خاصة جزيرة «سنتشوزا» هذا المساء؛ لتصل إلى «طوكيو» بعد ثلاث ساعات … وسيتم الهجوم فورًا … هل تحب أن تشترك فيه؟
رد «أحمد»: بالتأكيد … فأنا دخلت هذا المكان … وبعض التفاصيل تصبح مهمة.
الرجل: إذن … أمامك ساعتين للراحة … ثم تسافر …
وعاد الرجل يطعم الفهد الأسود … واتجه «أحمد» إلى غرفة تُطلُّ على حمام السباحة … كانت بسيطةً ولكن مفروشة بفخامةٍ بالغة … فتمدَّد على الفراش ووضع رأسه فوق كفيه، واستسلم لراحةٍ ممتعة … وتفكير عميق …
أحضر أحد الخدم طعامًا خفيفًا، وبعض العصير … تناولها «أحمد» بشهية … وبعد ساعةٍ تقريبًا كان قد ارتاح تمامًا، فخرج يتجول في المكان … كان شيئًا مدهشًا لم يره من قبل … حصن حقيقيٌّ تحرسه الوحوش الآدمية … ووحوش الغابة … أسواره من الأشجار الكثيفة … ودار «أحمد» حتى وصل إلى باب … استطاع أن يرى منه المحيط وعلى الشاطئ القريب كان يقف يخت فاخر أشبه ببارجة … أخذ «أحمد» يتأمله بإعجاب وهو يقف تحت الشمس بلونه الأبيض ونوافذه الزرقاء … كأنه إوزة بحرية تقف مختالة فوق الموج الخفيف.
لم يطل تأمل «أحمد» لليخت … فقد حضر أحد الحراس قائلًا: إن الزعيم يريد أن يراك.
سار «أحمد» خلف الحارس، وقاده إلى داخل المبنى الرئيسي … وفي غرفة شديدة الفخامة كان يجلس الرجل النحيف، ولكن لم يكن معه الفهد الأسود … قال الرجل مشيرًا إلى مقعد أمامه: اجلس … إننا نريد أن نتحدث …
وأشعل الرجل سيجارًا طويلًا ثم قال: إن ما أريد أن أقوله لك هو أننا لا نهزل … ولا بد أن «بالوتشي» قد حدَّثك عنِّي …
لم يرد «أحمد» … فمضى الرجل يقول: ستعودون أنتم الثلاثة إلى هنا … وستبقون حتى يصل الفيلم … فإذا لم يصل فستكونون طعامًا للوحوش أو التماسيح …
قال «أحمد»: من الأفضل ألَّا تهددني … إن من يعمل في هذا الميدان لا يهمه أية أنياب تلتهمه، والموت بالرصاص كالموت بين فكي أسد …
قال الرجل: اسمي «كاسينا»، وتستطيع أن تناديني بهذا الاسم … فهل اتفقنا؟
أحمد: أظن أننا اتفقنا يا سنيور «كاسينا» …
كاسينا: عظيم … سنلحق بالطائرة الآن!
أحمد: ألا تطلعني على خطة الهجوم؟
كاسينا: لا داعي لهذا … إن رجالنا هناك مستعدون لهذه الجولة … فاترك لنا حق الانتصار على «الوحش الأصفر» …
قال «أحمد» من مكانه … وسمع صوت محرك السيارة يقف بالباب الخارجي … وبعد دقائق كان يسابق الريح مرة أخرى إلى مطار «سنغافورة» الدولي … وحملته الطائرة هو والرجال الأربعة الذين جاءوا معه من إيطاليا … «كوجانا» والثلاثة الآخرين.
هبطوا مطار «طوكيو» قرب منتصف الليل، كانت في انتظارهم سيارتان من طراز «مازدا» الكبيرتان … وقال «كوجانا»: سنهاجم الآن …
أحمد: كم عددنا؟!
كوجانا: ثمانية وبك نصبح تسعة!
لاذ «أحمد» بالصمت … كان يفكر في «عثمان» و«قيس» … وكيفية إنقاذهما أولًا من براثن «الوحش الأصفر» … ثم بعد ذلك من أنياب «كاسينا» ولم يكن أمامه إلا أن يترك كل شيءٍ للظروف …
وصلت السيارتان إلى مشارف الطريق الفرعي المؤدِّي إلى الفيلا السوداء التي بها «عثمان» و«قيس» … ثم أدار السائقان عجلة القيادة … وانزلقت السيارتان إلى حضن الجبل وقال «كوجانا»: سننزل هنا، ونذهب سيرًا على الأقدام.
ثم أُنزِلت كمية ضخمة من مختلف أنواع الأسلحة من السيارتَيْن … بنادق سريعة الطلقات … ورشاشات … وقنابل يدوية … جهاز تفجير على البعد …
وحمل كل واحد من الرجال سلاحه ولاحظ «أحمد» أنهم لم يعطوه أي سلاح …
فقال ﻟ «كوجانا»: أمركم غريب … تريدون مني الذهاب إلى هذه المعركة وأنا أعزل بلا سلاح؟!
رد «كوجانا» بخشونة: وماذا تنتظر منا؟ هل نعطيك مدفعًا رشاشًا لتضربنا به في ظهورنا!
سكت «أحمد» ومشى الرجال في هدوءٍ تحت الأشجار الكثيفة، وبدلًا من سلوك طريق السيارات … اختصروا الطريق ومشوا حول الجبل، ولم يمضِ أكثر من ربع ساعة … حتى كانوا خلف الفيلَّا السوداء.
انبطح الرجال على بطونهم وبدءوا يزحفون … كان كل شيءٍ هادئًا تمامًا … ولكنه كان الهدوء الذي يسبق العاصفة، وبدأت العاصفة بالحارس الوحيد الذي كان يحرس الفيلَّا من الخارج؛ فقد كان يجلس على كرسي عند الباب الأمامي، وقد وضع سلاحه على ركبتيه ومضى يُدخن، فتقدم أحد رجال العصابة حتى أصبح خلفه تمامًا ثم نزل على رأسه بهراوة ضخمة سقط على إثرها دون أن ينطق بحرف واحد، وانحنى الرجل عليه وجرده من المفاتيح، ثم أشار بيده فتقدم بقية الرجال، وبسرعة عالج الرجل الباب بالمفتاح … وفي لحظات كان الباب مفتوحًا، وتدفق الرجال … وشاهد «أحمد» أسلوب رجال العصابات في الاقتحام وإطلاق المدافع الرشاشة في كل ركن، وعلى كل شيء، وارتفع صوت الرصاص كأنها معركة حربية … ولما كان المكان بعيدًا عن العمران؛ فلم يكن هناك أي خطرٍ من رجال الشرطة.
اقترب «أحمد» من الباب … وكانت عيناه على البندقية التي سقطت من الحارس فالتقطها ثم دخل الفيلَّا … كانت معركة شرسة تدور بين رجال عصابة «المافيا» وبين رجال «الوحش الأصفر» … ولكن كان من الواضح أن المعركة ستنتهي لصالح رجال «المافيا» … فقد كان للمفاجأة وقعها الصاعق.
اجتاز «أحمد» الأبواب والدهاليز متجهًا إلى المصعد الصغير، وسرعان ما كان ينزل إلى حيث يوجد صديقاه … وقد دهش أنه عندما فتح باب المصعد وخرج لم يكن صوت المعركة الدائرة فوقه يصل إلى هذا المكان السحيق تحت الأرض … وكان الدهليز مضاء، وحارس ممدد على كرسي طويل … وقد علق سلاحه على الحائط أمامه، لكن فجأة سمع الحارس صوت وقوف المصعد ولكنه لم يكن يظن أن الخارج منه هو سجين الأمس … فلم يتحرك من مكانه إلا عندما ظهر «أحمد» في الدهليز … فقد قفز ليمسك بسلاحه ولكن «أحمد» صاح به: لا تحاول!
وتوقفت ذراعا الرجل في الهواء وقال «أحمد»: افتح الباب!
تردَّد الرجل قليلًا، ولكن «أحمد» تقدَّم منه ووضع البندقية في رقبته … وأخرج الرجل المفاتيح ثم فتح الباب … ودفعه «أحمد» أمامه ودخل … كان «عثمان» و«قيس» مستغرقَيْن في النوم … وابتسم «أحمد» رغمًا عنه، ثم أشار للرجل أن يوقظهما … وعندما فتح «عثمان» عينَيْه ونظر حوله بدَتْ على وجهه علامات دهشةٍ شديدة، وقال «أحمد»: هيا بنا.
وأسرع «عثمان» يُوقظ «قيس» الذي قال مندهشًا: ماذا حدث؟!
أحمد: لا شيء … إن المافيا تكرمت وقررت الإفراج عنكما! …
ثم أضاف مشيرًا إلى «عثمان»: هناك بندقية معلقة على الحائط خارج الغرفة … وعليك يا «قيس» أن تقوم بشد وثاق هذا الرجل …
وأسرع «قيس» بشدِّ وثاق الرجل، بينما قفز «عثمان» إلى الخارج، وعاد ومعه البندقية … وقال «أحمد»: هناك معركةٌ رهيبةٌ دائرة فوق … بين «المافيا» وعصابة «الوحش الأصفر» … يجب أن ننتهز الفرصة، ونهرب منهما معًا! …
وأسرع الثلاثة يقطعون الدهليز … وفجأة توقف «أحمد» وقال: ماذا بشأن دورة المياه … أليس من الممكن النفاذ منها؟
عثمان: لقد درسناها أنا و«قيس» … إن فتح الجدار والنفاذ منه يحتاج إلى وقتٍ طويلٍ …
وعاود الثلاثة السير حتى وصلوا إلى المصعد … فركبوه … وحملهم إلى الدور الثالث فوق الأرض … كانت المعركة قد هدأت … ولم يكن هناك سوى أصواتٍ غاضبةٍ هنا وهناك، وكان المشهد يبعث على الرعب، آثار طلقات الرصاص التي حطمت كل شيءٍ … أجسام الرجال مطروحةٌ هنا وهناك … وكان «كوجانا» يقف في وسط الغرفة … منكوش الشعر … ممزق الثياب وفي يده مدفعٌ رشاش … كاد «أحمد» يطلق عليه الرصاص لولا أن أحس بمدفعٍ رشاشٍ آخر مصوب إليه من الخلف … خلف الجمجمة تمامًا … وسمع «كوجانا» يقول: أين كنت؟
ردَّ «أحمد»: كنت أنقذ الزميلين …
كوجانا: ضع سلاحك أنت وزميلك … فأنتم محاصرون …
ألقى «أحمد» بالبندقية التي كان يحملها، كذلك فعل «عثمان» وأشار «كوجانا» لرجاله وإذا بهم يخرجون عبوات من مواد سريعة الاشتعال، ألقوا بها في جوانب الفيلا … ثم أشار لهم بالخروج، فخرجوا جميعًا، ومعهم الشياطين الثلاثة، وفي لحظات كانت النيران تشتعل بسرعة البرق.
أسرع الجميع إلى الخارج، ووجد «أحمد» أن السيارات قد تقدمت ووقفت أمام باب الفيلا، وركبوا، وانطلقت السيارات، ونظر «أحمد» إلى ساعته، كانت العملية قد استغرقت نحو ٤٥ دقيقة فقط، وأخذ يعد الرجال … وعرف أن «كوجانا» قد خسر رجلَيْن في المعركة.
لم ينطق «أحمد» بحرفٍ حتى وصلت السيارات إلى المطار مرة أخرى، ووجد «أحمد» أن جميع الإجراءات قد اتخذت ليسافروا في نفس الليلة، وبعد ساعة واحدة من انتهاء العملية … وكان واضحًا أن الخطة وُضعت بدقة … ونُفذت بمهارة بالغة … وخسارة رجلين في مغامرة مثل هذه ليست خسارة فادحة … لهذا كان «كوجانا» … واثقًا من نفسه … شامخًا بأنفه.
ركبوا الطائرة «البوينج» وانطلقت بهم في الظلام … كان «أحمد» يجلس بجوار «قيس» و«عثمان» … فقال: إننا ذاهبون إلى أغرب سجن في العالم … حراسه من الوحوش البشرية ومن وحوش الغابة … ومن المدهش أنني في الحقيقة لم أحاول الفرار منه … لقد أحسست أنني أريد أن أعود إلى هذا السجن مرة أخرى.
وعندما نظر إليه «قيس» و«عثمان» بدهشة أكمل حديثه قائلًا: إن «كاسينا» زعيم منطقة جنوب شرق آسيا … رجل فريد من نوعه، وهو يعتقد أنه في معزلٍ عن الخطر … ونريد أن نثبت له عكس ذلك …