رسالة عند التماسيح
عندما وصلوا إلى الفيلا وجدوا أن «كاسينا» قد نام، وثار «كوجانا» فقد كان يريد أن يُقدم له تقريرًا عن العملية الناجحة، وذهب الشياطين الثلاثة إلى غرفتهم، وقام «قيس» بالبحث عن أجهزة التصنت في الغرفة فلم يجد شيئًا، وقال: إنهم لا يتجسَّسون علينا!
رد «أحمد»: ألم أقل لكما … إن «كاسينا» شديد الثقة بنفسه.
ونام الشياطين الثلاثة، ولم يستيقظوا إلا في التاسعة صباحًا، وكان «كاسينا» يجلس في الحديقة كعادته، وبجواره الفهد الأسود يُطعمه بيده، وألقى «كاسينا» نظرةً فاحصةً على الشياطين الثلاثة، وهم يتقدمون منه ثم أشار لهم بالجلوس.
قال «كاسينا» على الفور: لقد أعددنا خطتنا للحصول على الفيلم، ولعل صديقكم — مشيرًا إلى «أحمد» — يعرف أنني لا أناقش خططي مع أحد … والخطة بسيطةٌ للغاية وتعتمد على النوايا الحسنة عندنا جميعًا.
وسكت «كاسينا» وأخذ ينظر إلى الشياطين الثلاثة بهدوءٍ، بينما تمتد يده بالطعام إلى الوحش الأسود الجاثم بجواره، ثم قال: لن يغادر أحدكم هذا المكان حيًّا، إلا بعد أن نتسلم الفيلم.
ولم ينتظر تعليقًا منهم بل مضى يقول: إنني لا أتصرف كما تصرفت عصابة «الوحش الأصفر» … إنهم أغبياء أن يفكروا في إرسال أحدكم إلى المنظمة التي تتبعونها، فالذي حدث أنه وقع في أيدينا … أما أنا فخطتي كالآتي: سأرسل أحد رجالي إلى القاهرة … سيأخذ معه رسالة إلى زعيمكم، وسأكتب أنا الرسالة حتى لا تستخدموا أية شفرة في مخاطبة ذلك الزعيم، وعليهم هناك أن يسلِّموا الفيلم إلى مندوبي … وعندما يعود سأفرج عنكم.
قال «أحمد» على الفور: وماذا يضمن لنا أنك ستفرج عنا؟
رد «كاسينا»: كلمة شرفٍ … إن «كاسينا» عندما يعد بشيءٍ فلا بد أن ينفذه!
وسكت لحظات ثم أضاف: هناك احتمالٌ آخر، هو أن يحاول زعيمكم المساومة برجلنا مقابلكم، أي يقبض عليه، ولا يفرج عنه إلا إذا أفرجنا نحن عنكم، في هذه الحالة سأتركه يموت، إنه شابٌّ انضمَّ حديثًا إلينا، ولا يهمنا أن يعيش أو يموت … أما أنتم فسترون مِيتةً شنيعة لم يرَها أحدٌ من قبل …
وأشار «كاسينا» إلى التماسيح الضخمة التي استسلمت للشمس داخل حوض السباحة ومضى يقول: لقد أعددت كل شيء … وسيسافر رجلنا بعد ساعتين!
وأشار «كاسينا» بيده فظهر رجل معه كراسة ورق، وقال «كاسينا» مشيرًا إلى «أحمد»: والآن اكتب!
وناول الرجل الكراسة إلى «أحمد»، وأعطاه القلم، وقال «كاسينا»: نحن أسرى في يد «المافيا» أرسلوا الفيلم ثمنًا لحياتنا.
كتب «أحمد» نص الرسالة وقال «كاسينا»: والآن وقِّعوا!
وقع «أحمد» ثم «عثمان» ثم «قيس» … وتناول «كاسينا» الورقة، وأمعن النظر فيها ثم قال للرجل الواقف: والآن استدعِ «آنجلو» …
غاب الرجل لحظاتٍ وعاد ومعه شابٌّ … لم يكد الشياطين يرَوْنه حتى خُيِّل لهم جميعًا أنهم رأوه من قبل، ولكن عبثًا حاولوا أن يتذكروا … كان طويل القامة قوي العضلات، يمشي باختيالٍ وفخر، ويضع نظارة سوداء على عينيه.
قال «كاسينا»: ستأخذ هذه الرسالة إلى القاهرة.
قال «آنجلو»: فورًا يا سيدي.
كاسينا: ستأخذ رقم تليفون شخصٍ ما في القاهرة … فاتصل به، وسلمه هذه الرسالة وانتظر ست ساعات فقط لتحصل على الفيلم ثم عُد إلينا.
والتفت «كاسينا» إلى «أحمد» قائلًا: والآن ما هو رقم التليفون؟
قال «أحمد»: ولكن رقم التليفون هذا سري جدًّا، ولا أحد يستطيع ذكره.
احمرَّ وجه «كاسينا» غضبًا وقال: لا تضيع وقتنا … إن أي مناقشةٍ غير مجدية.
أمسك «أحمد» القلم، وكتب الرقم على الرسالة … فقد كان منطق «كاسينا» واضحًا.
وفكر «أحمد» أن رقم «صفر» سيتصرَّف … وأنه سوف يُغيِّر الرقم بعد ذلك.
ابتسم «كاسينا» بعد أن انتهى كل شيءٍ وقال: إن لكم مطلق الحرية في التنقل داخل الأسوار طبعًا … ولست أظنُّ أنكم ستحاولون الفرار.
وضحك عاليًا وهو يقول: لم يسبق لإنسانٍ دخل هذا المكان أن خرج منه إلا بإذنٍ مني!
انطلق الشياطين الثلاثة إلى حوض الاستحمام … كان منظره يُغري بساعة من السباحة، ودخلوا إلى إحدى الغرف، وطلبوا ثلاثة مايوهات … وبعد دقائق كان الثلاثة قد ألقوا بأنفسهم في المياه الباردة، وقضوا ساعةً رائعةً نسوا فيها كل شيءٍ عن مغامرتهم، وعن هذا السجن الممتع المخيف.
في الليل دعاهم «كاسينا» إلى سهرةٍ مع رجاله … ومما أدهش الشياطين الثلاثة أن «كاسينا» يعاملهم برقةٍ بالغةٍ … وكأنهم ليسوا أعداء، وكل منهم يسعى للقضاء على الآخر.
وفي الصباح الباكر أخذ الشياطين الثلاثة يدرسون المكان … كانوا يتظاهرون بأنهم يقضون وقتًا ممتعًا بين جنبات الفيلا والحديقة الواسعة، والحقيقة أنهم كانوا يدرسون الموقع دراسةً وافية بما في ذلك سور الحديقة، واكتشف «قيس» أن هناك أسلاكًا مكهربة تحيط بالسور، مخفاة بعناية تحت الشجيرات التي تغطيه … كما اكتشف «عثمان» أن بالسور مواسير مدافع رشاشة ممكن أن تطلق أوتوماتيكيًّا من مركز تحكُّم داخل الفيلا، وعندما تابع «عثمان» هذه المواسير استطاع أن يعرف أن مركز إطلاقها موجودٌ في غرفة «كاسينا» نفسه.
قال «عثمان» معلِّقًا: إنها نموذجٌ فريدٌ لمقرِّ عصابة … ففيها جميع أنواع الترفيه، وأيضًا جميع أدوات القتل والدمار.
وكان موعد وصول «آنجلو» في المساء … وجلس الشياطين الثلاثة عند باب غرفتهم وأمامهم الحديقة الواسعة في انتظار ما سيحدث، ماذا سيفعل رقم «صفر»؟ هل يُسلِّم الفيلم! هل يتركهم لمصيرهم؟! هل يحاول شيئًا ثالثًا؟!
ومضى الموعد المحدد لوصول «آنجلو» ومضت ساعة أخرى ثم ظهر «كاسينا» وهو يتمشَّى وحوله رجاله، كانوا جميعًا في حالة من الغضب المكتوم لتأخُّر «آنجلو» واقترب «كاسينا» من الشياطين الثلاثة ونظر إليهم طويلًا ثم قال: يبدو أن زعيمكم لا يهتم بمصيركم … لقد تأخر «آنجلو» أكثر من ساعة … وأقسم إذا لم يظهر خلال نصف ساعة أخرى …
ولم يكمل «كاسينا» حديثه حتى وقفت سيارة أمام الباب، واستدارت العيون كلها إليها، وفتح باب الحديقة، وظهر «آنجلو».
حلَّت ابتسامةٌ محل التكشيرة على وجه «كاسينا»، واستدار ذاهبًا إلى كرسيه المفضل فجلس ومدَّد ساقيه … وتقدم «آنجلو» منه … بمشيته الفخور، وقوامه الفارع … ومرة أخرى أحسَّ الشياطين الثلاثة أنهم رأوا هذا الشاب من قبل … ولكن متى وأين؟
قال «آنجلو» وهو ينحني باحترام ويفتح حقيبته: هذا هو الفيلم يا سنيور «كاسينا»! أمسك «كاسينا» بالعلبة التي تحوي الفيلم، وأخذ يهزُّها في يده ثم قال: اذهب بها إلى المعمل … ويجب أن تحصل على الرسومات أولًا للتأكد أن الفيلم هو الذي طلبناه.
جلس الشياطين الثلاثة صامتين، كان كلٌّ منهم يفكر … ترى هل حقًّا أرسل رقم «صفر» الفيلم الأصلي؟ أم أن هناك خدعة مثل التي فعلها من قبل، وجعل الفيلم يحترق عندما حاولت عصابة «الوحش الأصفر» تكبيره؟ وإذا كانت هناك خدعةٌ جديدة … فما هي؟ وهل سيخرجون فعلًا أحياء من هذه القلعة المحصنة؟
مضت ساعة تقريبًا ثم ظهر «آنجلو»، واتجه إلى «كاسينا»، وهمس في أذنه ببضع كلماتٍ وقام «كاسينا» متجهًا إلى المبنى الرئيسي، ومشى خلفه بعض أعوانه … بينما اتجه «آنجلو» ناحية الشياطين الثلاثة، ومن خلف نظَّارته لم يكن في الإمكان معرفة ماذا يعني ذهابه إليهم، لكنه مرَّ بجوارهم تمامًا دون أن يُحدثهم، ثم تجاوزهم، ومشى ناحية التماسيح، واقترب تمامًا من الحوض ثم مضى.
نظر «عثمان» إلى «أحمد» طويلًا … كانت نظرته تعني شيئًا لم يقله … نعم … وكان يفكر أن حدثًا خطيرًا وفريدًا يحدث في هذه اللحظة دون أن يُدركه أحد، فمشى «عثمان» بهدوء ناحية حمام السباحة وجلس على الحافة … ومد يده يغازل التماسيح … كان غزلًا مخيفًا … فلو أطبق فم التمساح على يده لقطعها على الفور …
ولكن «عثمان» لم يكن يفعل ذلك على سبيل الهزار أو الغزل … فالذي لم يلمحه أحدٌ من الواقفين في الضوء هو أن «آنجلو» ألقى بشيء صغير في حوض التماسيح، وأحسَّ «عثمان» أن ذلك الشيء لم يكن عبثًا خاصةً وأن «آنجلو» استطاع بمهارةٍ أن يعطي ظهره لرجال العصابة، وهو يلقي هذا الشيء إلى التماسيح، بحيث يراه الشياطين ولا يراه رجال العصابة.
أخذ التمساح الضخم يفتح فمه ويغلقه … وفي كل مرةٍ كان يصدر صوتًا أشبه بإغلاق بابٍ حديديٍّ … وكان الشيء الذي ألقاه «آنجلو» أشبه بسدادة زجاجة من الفلين، وكانت تحركات التمساح قد أبعدت الشيء عن متناول يد «عثمان»، فأحسَّ بالضيق، ولاحظ أن رجال العصابة لم يعجبهم ما يفعله، فقد اتجه أحدهم إليه وقال: ابتعد عن التماسيح! لم يكن أمام «عثمان» إلا أن يستمع إلى النصيحة، فقام متثاقلًا وذهب إلى «أحمد» و«قيس» فقال الأخير: ماذا كنت تفعل؟
رد «عثمان»: حدث شيء خطير!
قيس: ما هو؟
عثمان: إن «آنجلو» ألقى بشيءٍ في حوض التماسيح … أعتقد أنه يخصنا!
قيس: يخصُّنا نحن؟
عثمان: نعم!
مال «قيس» على «أحمد» الذي كان يجلس بجانبه، وهمس في أذنه بكل ما سمع من «عثمان»، ولمعَت عينا «أحمد»، وتذكر على الفور أين رأى «آنجلو» … إنه لم يره هو ولكن رأى شبيهًا له … وأدرك خطة رقم «صفر» كلها … وابتسم … إن الساعات القادمة تحمل الكثير، والمهم الآن الحصول على الرسالة الموجودة في حوض التماسيح … ولكن لماذا ألقى «آنجلو» بالرسالة في حوض التماسيح الإجابة الوحيدة هي ألَّا يحصل عليها أحدٌ إلا الشياطين … فإذا لم يحصلوا عليها فربما كانت هناك خطةٌ أخرى … ولكن المهم الآن كيف يحصلون على الرسالة … وقام «أحمد» فجأة وقال: ما رأيكم في حمام الآن؟ … إنني مشتاق إلى المياه الباردة في الحوض … وفهم «قيس» و«عثمان» ما يعني «أحمد» بهذا الكلام.