من هو «آنجلو» القادم؟
مضى الوقت دون أن يظهر «كاسينا»، واشتد الظلام عدا الأنوار التي كانت تُضيء واجهة الفيلا، وبعض الأضواء المتناثرة في أنحاء الحديقة … أسرع الشياطين الثلاثة إلى المايوهات ثم قفزوا إلى حمام السباحة … وكان يفصل بينه وبين حوض التماسيح جدار من الصخر يرتفع نحو مترين … وقال «أحمد» وهو يسبح تجاهها: انتبها لِما يحدث … سوف أنزل في حوض التماسيح.
قال «عثمان» مرتاعًا: كيف تفعل هذا … هل أنت مجنون؟
أحمد: لا بد من المغامرة … لقد فهمت أشياء كثيرة.
قيس: هل هذا الشاب المسمَّى «آنجلو» جاسوس لرقم «صفر»؟
أحمد: لا أظن … ولكن هناك ما هو أخطر!
اقترب «أحمد» من حوض التماسيح، وبخفة الفهد تسلَّق الجدار ثم انحدر ناحية الحوض … وشاهد على الضوء الخفيف أجساد التماسيح الضخمة ممددةً في طرف الحوض تتناول عشاءها من اللحم … وفي سكونٍ تامٍّ نزل إلى الحوض، ووضع عينَيْه على سطح المياه وأخذ ينظر إلى أي بروزٍ على السطح … وشاهده … ولكن أين؟ … عند التماسيح!
كانت لحظة من أخطر لحظات حياته، ولكنه كان يعرف أن في هذه الرسالة التي ألقاها «آنجلو» في الماء تعليمات من رقم «صفر» … ولا بد أن هذه التعليمات تتعلق بالفيلم وبهم … وكان لا بد أن يحصل عليها.
أخذ يعوم في هدوء حتى اقترب من مكان التماسيح التي توقفت عن الأكل، وأدار واحد منها رأسه ونظر إلى «أحمد» … كانت عيناه الواسعتان تحملان نظرة جامدةً تشبه الزجاج … وكأنما كان — في مُخِّه الصغير غير المدرك — يظن أن هذه قطعة لحم أخرى للأكل.
أخذ «أحمد» يقترب … ويقترب … وتوقَّفت التماسيح الثلاثة عن تناول وجبتها … ودار أحدها دورةً واسعةً وأصبح يواجه «أحمد» … ولأول مرة ربما في حياته كلها أحسَّ «أحمد» بالرعب … أمام هذا الحيوان المخيف، أخذ ذهنه يعمل في سرعة البرق … وقرر شيئًا واحدًا يحاوله ثم يسارع بالفرار إن استطاع.
رفع ذراعه وأخذ يضرب الماء ضرباتٍ متلاحقة نشأت عنها موجات صغيرة أخذت تضرب في طرف الحوض … كان يهدف إلى تحريك الرسالة الصغيرة العائمة على وجه الماء لتقترب منه … وأخذت الموجات تضرب جدار الحوض وتحرك الرسالة الصغيرة في الاتجاه المعاكس، وفتح أحد التماسيح فكَّيْه ثم قبضهما بشدة فأحدث موجة ضخمة دفعت بالرسالة قرب «أحمد»، الذي ابتسم رغم خطورة الموقف؛ فقد ساعده التمساح. وقال متمتمًا: شكرًا لك أيها التمساح … في إمكانك أن تنضم إلى الشياطين!
ومدَّ «أحمد» ذراعه بحذرٍ، وأمسك بالرسالة في نفس الوقت الذي كان فيه التمساح يفتح فكَّيْه يحاول قَطْم ذراعه … وفي لحظة كالبرق كان «أحمد» قد ابتعد وهو يحمل الرسالة الثمينة في يده.
يحمل الرسالة «خالد». سيحاول السيطرة على الموقف من غرفة «كاسينا» … يجب نسفُ المكان وإحراق الفيلم.
ناول «أحمد» الرسالة إلى «عثمان» ثم إلى «قيس»، كانت أغرب رسالةٍ تلقَّوْها في حياتهم. وقال «أحمد» هامسًا: الآن عرفت أين رأيت «آنجلو» … إنه يشبه «خالد» تمامًا … خاصةً بعد أن حلق «خالد» لحيته الصغيرة … إن رقم «صفر» عبقري … و«خالد» في منتهى الشجاعة … لقد لبس ملابس «آنجلو» … واستطاعت النظارة السوداء أن تخفي عينَيْه.
ردَّد «عثمان» كلماتٍ مماثلةً وكذلك «قيس»، ثم لبسوا ثيابهم ومزَّق «أحمد» الرسالة قطعًا صغيرة ثم أخذ يلوكها بين أصابعه حتى أصبحت عجينة من الورق، ثم دخل إلى دورة المياه ووضعها في البالوعة ثم دفق عليها الماء.
لم يكن الثلاثة يعرفون ماذا سيحدث. كيف سيُسيطر «خالد» على الموقف … ولم يَطُل بهم الانتظار … فقد انطفأت الأنوار فجأة، وسمعوا صوت طلقاتٍ من بعيد، وأدركوا أن «خالد» قد بدأ، فاندفعوا من الباب في اتجاه الفيلا.
كانت الأضواء الساطعة من بعيدٍ تجعل كل شيء يبدو كالشبح، وكانوا في حاجةٍ إلى أسلحة بشكلٍ عاجل، ورأوا شبحًا يتحرَّك في اتجاه أبواب الحيوانات المتوحشة فقفز «عثمان» ثلاث قفزاتٍ عالية … ثم كانت الرابعة وسقط على الرجل كالصاعقة … وفي حركةٍ عنيفةٍ لوى ذراعه حتى سمع صوت طرقعة العظام … ثم ضربه بسيف يده ضربةً رهيبةً فسقط الرجل، واستولى «عثمان» على أول سلاحٍ وكان مدفعًا رشاشًا من طرازٍ لم يرَوْه من قبل. وأسرع «أحمد» و«قيس» خلف «عثمان» في اتجاه الفيلَّا … كانت أصوات الطلقات ما زالت تدوِّي فيها، وأطلق «عثمان» بضع طلقاتٍ على مصراع في نافذةٍ قريبةٍ، وسقط المصراع … وضرب ما بقيَ منه بكعب المدفع ثم قفزوا إلى الغرفة … كانت غارقةً في الظلام، ولم يكن معهم أي شيءٍ يمكن إضاءتها به … وتحسس «أحمد» الجدران … وصاح بصوت مكتوم: «أسلحة!» وانتزع مدفعًا، وسلم «قيس» واحدًا … ثم اجتاحوا الباب بطلقات الرصاص واتجهوا إلى مصدر الصوت … سمعوا صوت «خالد» يقول بصوت مرتفع: إن «كاسينا» أسيري … فإذا لم تفرجوا عن زملائي قتلته كالكلب.
وصاح «قيس»: نحن هنا؟
وتطايرت طلقات الرصاص ناحيتهم … وقال «أحمد»: أضئ الأنوار.
وسمعوا حركة … ثم أُضيئت الأنوار كلها … كان «خالد» يقف خلف باب وقد ألقى «كاسينا» على الأرض، ووضع قدمه فوق رقبته … وكان يحمل مدفعًا رشاشًا وقد تلوثت ثيابه بالبارود.
وفي مقابله وقف رجال «كاسينا» … كانوا خمسة، أصيب منهم اثنان جلسا على الأرض يتأوهان.
صاح «خالد»: إن الفيلم في هذه الغرفة.
دخل «قيس» مسرعًا ونظر حوله … كان الفيلم موضوعًا على آلة تكبير … وقد تم إعداد جزء كبير من المستندات على الورق … وقال «أحمد»: أشعِل فيه النار …
مدَّ «قيس» يده في جيب «كاسينا» وأخرج ولاعة … وبسرعة أشعل النار في الفيلم وفي المستندات … وقال «أحمد»: اترك النار تشتعل في الغرفة كلها … ودار «قيس» بالولاعة على الستائر فأشعل فيها النار وأخذ يرقب الفيلم وهو يحترق بسرعة البرق ومعه المستندات، وقال «خالد»: والآن أفسحوا الطريق لي ولزملائي.
قال «كاسينا» الذي كان منهارًا تحت قدم «خالد» والمدفع الرشاش موجَّه إلى رأسه: أفسحوا لهم الطريق!
قال «قيس»: ستمشي معنا …
ودفعه بقدمه فوقف «كاسينا» … كان الرجل المتغطرس منهارًا تمامًا … وكان ثمة جرح كبير في خدِّه ينزف … وأفسح الرجال لهم الطريق … وأسرع «أحمد» يُجرِّدهم من أسلحتهم ثم دفع بهم إلى إحدى الغرف وأغلق الباب.
قال «أحمد»: أسرعوا إلى مرسى اليخت!
أخذوا يجرون في اتجاه اليخت … وفي هذه اللحظة سمعوا صوتًا أذهلهم … كان صوت أبواب أقفاص الحيوانات المتوحشة … وارتفعت زمجرة النمر الضخم وهو يخطو خارجًا.
قال «عثمان»: لقد نسينا الرجال الجرحى … لا بد أن أحدهم هو الذي فتح الأبواب … إنها تُفتح بالكهرباء!
قال «أحمد»: سيروا بهدوء … لا تطلقوا النار على الحيوانات إلا إذا هاجمتنا …
في هذه اللحظة ظهر من قلب الظلام الفهد الأسود … لم يكن في استطاعة أحدٍ أن يراه قبل أن يقفز على «قيس» الذي كان أقرب الأشخاص إليه … لقد دفعه وفاؤه لصاحبه أن يحاول إنقاذه … تدحرج «قيس» والفهد فوقه، وهو يحاول أن ينشب أظفاره وأنيابه في الشيطان القوي … كان من الصعب إطلاق الرصاص من مدفع رشاش على الفهد؛ فالطلقات قد تصيب «قيس»، وقال «أحمد»: راقبوا «كاسينا»!
ثم اندفع إلى المعركة الدائرة … ورفع المدفع الرشاش وهوى بكل قوته على رأس الفهد الأسود الذي صرخ، واندفع ناحية «أحمد» … كانت لحظة بين الحياة والموت ولكنها كانت كافيةً … وتكوَّم الجسد الأسود عند قدميه … وصاح: هيا بنا!
أسرعوا جميعًا إلى ناحية المرسى … وكانت الحيوانات قد انطلقت من عقالها … بينما اندفعت ألسنة اللهب تلتهم الفيلا … واختلط صوت الحيوانات الرهيب بصوت ألسنة النيران … كان مشهدًا مخيفًا.
وأسرعت غوريللا ضخمة خلف «أحمد» الذي كان يحمي انسحاب زملائه ومعهم «كاسينا» … وأخذت تقترب بسرعةٍ مذهلةٍ … لم يكن «أحمد» يريد إطلاق الرصاص عليها ولكن لم يكن هناك حلٌّ آخر … واختار قدميها وأطلق دفعة من مدفعه الرشاش، فسقطت الغوريللا تتأوَّه … ولاحظ «أحمد» أن النمر الضخم يقف بعيدًا يلعق مخالبه … فأدرك بغريزته أنه لا يستطيع مقاومة الرصاص.
وصلوا إلى اليخت الفخم … وأسرعوا يجتازون الممر الخشبي إليه … وقال «أحمد»: سنأخذ «كاسينا» معنا بعض الوقت.
كان «خالد» أمهرهم في قيادة اليخوت … فأسرع إلى غرفة الماكينات، وفي ثوانٍ قليلة كان صوت المحرك الضخم يهدر … وأسرع «عثمان» يفك الحبال … كان «قيس» يتولَّى حراسة «كاسينا» بينما وقف «أحمد» في جانب اليخت يغطي الانسحاب … وظهر رجال «كاسينا» وأخذوا يطلقون الرصاص … ولكن «أحمد» استطاع أن يصدَّهم عن الاقتراب حتى تحرَّك اليخت، وأخذت الطلقات تتباعد تدريجيًّا حتى تلاشت … بينما استدار اليخت واستقبل المحيط.
قاد «قيس» «كاسينا» إلى إحدى قمرات اليخت، وربطه هناك، ثم عاد إلى بقية الشياطين في غرفة القيادة … كان الفهد الأسود قد جرحه بمخالبه وأحس بالإعياء فجلس، ولم يكد «أحمد» يراه حتى قال: تعال … لا بد أن هناك غرفة إسعاف في هذا اليخت … أما أنت يا «عثمان» فعليك بإطلاق اليخت بأقصى سرعة … إننا نريد أن نرسو على أقرب ميناء، فسوف يخرجون لمطاردتنا.
•••
هل يصل الشياطين إلى ميناء آمن؟ هل يفعل «كاسينا» شيئًا آخر؟ هل يصل رجال العصابة إلى اليخت؟ هذا ما ستعرفه في القصة المثيرة القادمة.