سؤال بلا إجابة
كان الوقت حوالي الظهيرة … عندما انطلقَت سيارةُ الشياطين من المقر السري. وفي داخل المقر كان بقيةُ الشياطين يجلسون أمام شاشة تليفزيون تنقل لهم صورةَ السيارة، وهي تحمل مجموعة المغامرة في طريقها إلى حيث يقع الصراع.
قال «مصباح»: لقد تمنيت أن أكون مع المجموعة.
ردَّ «قيس»: مَن يدري، قد يتم استدعاؤك في أيِّ لحظة؛ فالمغامرة ليست سهلة … وقد تحتاج إلى مجموعة أخرى …
ولم يعلِّق أحدٌ من الشياطين، كانوا فقط يتابعون السيارة، وهي في طريقها تحمل مجموعة المغامرة … أما داخل السيارة فقد كان «أحمد» يراقب الطريقَ الممتد حتى نهاية الأفق، بينما جلس «خالد» إلى عجلة القيادة …
قالت «هدى»: إن الوقت ضيقٌ تمامًا؛ فنحن ينبغي أن نكتشف كلَّ الأشياء في ليلة واحدة.
ردَّ «بو عمير»: إن ذلك يجعل من الشياطين القوة الحقيقية التي تخشاها كلُّ العصابات بما فيها «سادة العالم».
أضاف «أحمد»: إن ضيق الوقت لا أعتبره ضدَّنا، بالعكس إنه في صالحنا تمامًا، فالعصابة سوف تظنُّ أن ضيقَ الوقت لا يعطي لأحد فرصةً للتحرك؛ وذلك يعني أنهم ينفذون خططَهم بطريقة صحيحة؛ فلو أن خطَّتَهم قد اكتُشفت لتغيَّر الموقف.
لم تعلِّق «هدى» وغَرِق الآخرون في أفكارهم. كان عقرب الساعة في تابلوه السيارة يُشير إلى الواحدة عندما انطلقت السيارة.
نظر «عثمان» إلى الساعة، وكانت تُشير إلى الثانية، فقال: إن أمامنا ساعةً أخرى قبل أن نَصِل إلى المطار.
لكنه ما كاد ينطق جملتَه حتى لمع ضوءٌ قويٌّ في عينَي «خالد» جعل عجلة القيادة تهتزُّ في يده … وصرخ «أحمد»: لا تضَعْ قدمَك على الفرامل. وكان هذا تصرُّف «خالد» فعلًا حتى قبل أن ينطق «أحمد» … خرجَت السيارة عن الطريق إلا أنها ظلَّت متقدمةً في خطٍّ مستقيم، ولم يفعل الشياطين شيئًا؛ فإن ما حدث كان مفاجأة تمامًا. نظر «أحمد» خلفه كان الضوء المبهر لا يزال موجودًا …
سأل «بو عمير»: هل هي مجرد سيارة عادية؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: لا أظن ذلك، وهذه مسألة شديدة الخطورة.
أوقف «خالد» السيارة، لكنها كانت بعيدة تمامًا عن الطريق … فتح «أحمد» الباب وقفز بسرعة، وتَبِعه «بو عمير» و«عثمان» في الوقت الذي أدار «خالد» السيارة في اتجاه الطريق الرئيسي مرة أخرى، أخرج «أحمد» منظارَه المكبَّر واتجه إلى مصدر الضوء، كان لا يزال ساطعًا كما هو.
قال «عثمان»: لا أظن أننا ينبغي أن ننطلق دون أن نعبأَ به … بسرعة أخرج «أحمد» جهاز اللاسلكي الصغير، وأجرى اتصالًا مع المقر السري، في نفس اللحظة كان الضوء قد اختفى تمامًا، إلا أن رقم «صفر» قال ﻟ «أحمد»: لا تجعلوا شيئًا يعطِّلكم ودعونا نرى.
نقل «أحمد» الرسالة إلى بقية المجموعة فأسرعت إلى السيارة التي كانت بجوارهم فعلًا … وعندما ركبوها، وأخذوا اتجاهَ الطريق الصحيح، ظل سؤال يتردد في أذهانهم: ما معنى هذا الضوء المفاجئ الذي كاد يؤدي إلى كارثة؟ وهل له علاقة بالمغامرة الجديدة؟!
لم تستطع «هدى» أن تكتم السؤال، فطرحته على المجموعة … قال «خالد»: أظن أنه ضوء بلا هدف …
قال «عثمان»: هي مسألة تحتاج إلى تفكير، فلا أظن أنه ضوء تائه.
قال «بو عمير»: ربما يكون أحد الحيوانات الهائمة في الصحراء.
سألت «هدى» بدهشة: كل هذا الضوء؟!
ردَّ «بو عمير»: ربما يكون ضوء ما على عينَيه … ضوء الشمس مثلًا.
انطلقت السيارة في طريقها. كان ثمة خاطر يتردَّد في رأس «أحمد»: إن ضياع بعض الوقت في الطريق أمام مثل هذه المفاجآت هل يكون له علاقة بالمهمة التي خرجوا من أجلها خصوصًا وأن الوقت ضيق …؟
استبعد «أحمد» أن يكون هذا الضوءُ مقصودًا أو له علاقة بالمغامرة. لكن فجأة، ظهرَت سيارة ضخمة في طريقها للاصطدام بسيارة الشياطين، أسرع «خالد» وانحرف بسرعة، لكن السيارة الأخرى كانت من الطول، بحيث اصطدمت سيارةُ الشياطين بمؤخرتها. طارت سيارة الشياطين في الهواء ثم نزلت على الأرض وانقلبت عدة مرات، حتى استقرت في النهاية على الأرض، خرج الشياطين بسرعة لكن السيارة الأخرى كانت قد اختفت برغم ضخامتها، لم تكن سيارة الشياطين قد تأثرت بالصدمة، فهي مجهَّزة ضد الصدمات كذلك … فالشياطين أيضًا لم يُصَب أحدٌ منهم بسوء … فالسيارة مجهَّزة من الداخل لمثل هذه الحالات … وبسرعة أرسل «أحمد» رسالة شفرية إلى المقر السري، حتى إن «خالد» سأله: ولماذا رسالة شفرية؟
وبسرعة جاءت رسالة رقم «صفر»، شفرية أيضًا تقول: استمروا في طريقكم، إننا نقوم بمسح المنطقة.
من جديد أخذت السيارة طريقَها، نظر «خالد» في ساعة السيارة، وقال: لقد ضاعت ساعة.
قال «أحمد»: لا يهمُّ … ارفع سرعة السيارة …
ضغط «خالد» قدمَ البنزين فانطلقت السيارة بسرعة مجنونة، كانت «هدى» تفكِّر: إن هذه السرعة يمكن أن تتسبَّب في فشل المغامرة تمامًا … توقَّفت لحظة ثم فكَّرت: إن ظهورَ أيِّ شيء مفاجئ مع هذه السرعة لن يعطيَ «خالد» فرصة التصرف …
في نفس الوقت كان «أحمد» غارقًا في تفكيره حول ما حدث، كان يقلب الأمر: هل ما حدث صدفة أو أنه مسألة مقصودة.
نظر له «عثمان» وقال: ينبغي أن نعرف حقيقة ما يحدث، حتى يكون في حسابنا …
ردَّ «أحمد»: هذا صحيح.
أرسل رسالة شفرية بهذا المعنى إلى المقر السري وانتظر … جاءَه ردٌّ يقول: استمر، سوف نعود إليك بعد أن يتمَّ تمشيط المنطقة …
كان «خالد» يركِّز انتباهه تمامًا … فما حدث في مرتين متتاليتَين، الضوء المبهر والسيارة الضخمة جعله يخشى ظهورَ شيءٍ جديد فجأة مرة أخرى، وربما يكون في ذلك شيءٌ خطير على الأقل تأخرهم عن مهمتهم؛ ولذلك فعندما سألَت «هدى»: ألَا يمكن تخفيض السرعة عند حدٍّ معقول، حتى يمكن تلافي المفاجآت … لم يسمعها … فقد ركَّز كلَّ حواسه في الطريق …
فجأة جاءَت رسالةٌ من المقر السري: لا شيء هناك غير عادي، إنها مسألة مصادفة لا أكثر، كلُّ شيء على ما يرام!
عندما نقل «أحمد» الرسالة إلى بقية الشياطين قال «عثمان»: ما زلتُ غيرَ مطمئن!
هتفَت «هدى» في دهشة: «عثمان» هل تشكُّ في معلومات المقر السري؟
لم يردَّ بينما نظر «أحمد» إليه نظرةَ معاتبة … إلا أن ما حدث لم يكن يفوت هكذا ببساطة خصوصًا عندما حدث فجأةً دَوِيُّ طلقات في اتجاه السيارة، ولولا أن السيارة كانت ضدَّ الرصاص لحدثَت أشياءُ أخرى خطيرة.
كان صوت اصطدام الطلقات مسموعًا داخل السيارة، حتى إن «عثمان» قال: إنني لا أصدِّق أن ما يحدث مصادفة، لا بد أن شيئًا ما يحدث في هذه المنطقة! … وبرغم أن طلقات الرصاص استمرت، إلا أن أحدًا لم يستطع أن يحدِّد مصدرها بالضبط، كانت طلقات الرصاص تأتي من أكثر من مصدر، لكن دون أن يظهر مَن أطلقها.
قال «خالد»: هل نستمر … أم أن المقرَّ السريَّ له رأيٌ آخر؟
قال «أحمد»: دَعْنا في طريقنا؛ إن لنا مهمةً أخرى.
في نفس اللحظة، أرسل رسالة شفرية إلى المقر السري، ومن جديد جاءَه الرد: استمرَّ لا تجعلوا شيئًا يعيق وصولَكم إلى هدفكم.
استمع الشياطين إلى رسالة رقم «صفر» ثم قال «بو عمير»: هل يمكن أن تحدث هذه المسألة بالصدفة؟!
ردَّ «عثمان»: إنني لا أتصور هذا … هناك شيء ما يحدث ضدَّنا، وضد المقر السري؛ إنني أكاد أقول إن عصابة «سادة العالم» لديها ما يؤكِّد أننا في الطريق إليهم.
لم يستطع «أحمد» أن يقول شيئًا، إن تكرار هذه الأحداث جعله لا يستطيع أن يجزم بردٍّ … غير أنه في النهاية لا يستطيع إلا أن يستمرَّ من أجل الوصول إلى الهدف الذي خرجوا من أجله … وهو هدف عظيم …
فجأةً … دوَّى انفجارٌ جعل سيارة الشياطين تهتزُّ لعنف الانفجار، وارتفعَت سحابة من الرمال غطَّت الطريق أمام «خالد»، حتى إنه خفض سرعة السيارة، وهو يحاول أن يرى الطريق … ففي هذه الحالة يمكن أن يصطدمَ بأيِّ شيء …
نظر الشياطين إلى بعضهم، وقالت «هدى»: كأننا نشترك في فيلم سينمائي … إنني لا أتصور أن يحدث هذا … وقريبًا من المقر السري … من الضروري أن يكون هناك هجومٌ على المقر.
قال «عثمان»: لقد كنت أشك منذ قليل … غير أنني متأكد الآن … في أن ما يحدث ليس مسألة عادية …
أوقف «خالد» السيارة … فنزل «أحمد» بسرعة … وقف يرقب بقايا سحابة الرمال التي أثارها الانفجار، ولم تمرَّ لحظة حتى كان «أحمد» يطير في الهواء؛ فقد انفجر شيء بجوار قدمَيه … نظر الشياطين إلى «أحمد»، وقد علَت الدهشةُ وجوهَهم … وقف «أحمد» بسرعة، كان يبدو مذهولًا: ما هذا الذي حدث؟ هل هناك هجومٌ حقيقي؟! نظر إلى ساقَيه — ولم تكن هناك أية إصابة — أخذ يتحسَّس ساقَيه وقدمَيه لكن لا شيء … عاد إلى السيارة، حيث كان الشياطين يقفون بجوارها … كانوا ينظرون إليه في دهشة، وكان هو ينظر إليهم دون فهم، لم يَعُد أحدٌ يستطيع أن يقول شيئًا … أو يفهم شيئًا …
ما معنى هذا … رصاص … وانفجارات … وأضواء مفاجئة … وسيارات ضخمة … ماذا هناك؟ إن ذلك في حدِّ ذاته مغامرة …
قال «عثمان»: هل نُرسل إشارة إلى المقر؟
نظر له «أحمد» ولم يردَّ؛ فقد تصور أن الردَّ سوف يكون بنفس الطريقة: تقدموا إلى الهدف ولا تَدَعوا شيئًا يعطلكم، وسوف نرى.
قال «بو عمير»: أظن أننا يجب أن نُبلغَ المقرَّ السري، وعليه أن يتخذ ما يراه، أما نحن فسوف ننطلق إلى هدفنا خصوصًا وأن الوقت يمر، وقد يصل إلى لحظة لا يمكن معها عملُ شيء وتكون عصابة «سادة العالم» قد حققت أهدافها، ويكون البترول العربي، قد أُضير مرة أخرى.
قال «أحمد» بعد لحظة: ينبغي أن نفعل ذلك، أرسلْ إشارة إلى المقر، ودَعْنا في طريقنا إلى هدفنا المرسوم.
قفز «أحمد» داخل السيارة؛ فتبعه الآخرون، وعندما كان «بو عمير» يُرسل إشارة إلى رقم «صفر»، كان «خالد» يدوس قدمَ البنزين بقوة، جعلت السيارة تنطلق، بأقصى سرعتها …
كانت الإشارة التي أرسلها «بو عمير» شفرية، تقول «٦ – ١٧ – ٢٦ – ٤ – ٦ – ١٢» وقفة «٤ – ١٦ – ٧٠ – ١٦ – ١٨» وقفة «٨–١٦–١٢–١٥» وقفة «١٩ – ٦ – ١١ – ٦» وقفة «١٨ – ١٧ – ٦ – ٢٩» وقفة «١٩ – ٦ – ١٨ – ٧٠» وقفة «٦ – ٦٠ – ٥٠ – ٦ – ١٩ – ٣» انتهى.
انتظر الشياطين وصولَ ردِّ رقم «صفر»، كانوا في حالة صمت تامة، في نفس الوقت كانوا في حالة تحفُّز؛ فهم يتوقعون حدوثَ شيء في أية لحظة، ومَن يدري قد تنفجر السيارة في أيِّ وقت، أو تقذفهم طائرة بصاروخ.
كلُّ الاحتمالات بدءوا يضعونها في حسبانهم، فما حدث لم يقع لهم من قبل أبدًا، انقضى الوقت حتى بدأ «أحمد» يخشى أن يفوت كلُّ شيء، نظر في ساعة السيارة ثم نظر في ساعة يده، كانت عقارب الساعتَين تُشير إلى توقيت واحد.
قالت «هدى»: أخشى أن يمرَّ الوقت.
ردَّ «أحمد»: لا يزال الوقت في صالحنا، ما لم تعطِّلنا أحداثٌ جديدة.
همس «عثمان»: مَن يدري، ماذا يمكن أن يحدث الآن؟
تنهَّد «أحمد» وهو يقول: لقد تأخَّر ردُّ المقرِّ السري، لا بد أن يكون شيء قد حدث.
أضاف «خالد»: أخشى أن يكون المقرُّ نفسه قد تعرَّض لخطر ما.
التقَت أعينُ الشياطين، كانت الجملة التي قالها «خالد» تُثير الشك، وبدءوا يفكرون: هل يمكن أن يتعرَّض المقرُّ لأيِّ هجوم؟ … إن المقرَّ في مكان لا يعرفه سوى الشياطين والزعيم والعاملون داخله … حتى العملاء في جميع أنحاء العالم لا يعرفون مكانه …
كانت لحظات قلقة، جعلَت «عثمان» يقول: هل نُرسل إلى الزعيم مرة أخرى؟ …
تردَّد «أحمد» قبل أن يقول: لا أظن …
قال «بو عمير»: هل تكون الرسالة قد تعطلت؟
قالت «هدى» بسرعة: ماذا تعني؟
ردَّ «بو عمير»: أعني أن تكون جهة ما قد التقطَتها.
قال «أحمد»: لا أظن؛ فهذه شفرة جديدة لم تُستخدم بعد، وهذه أول مرة نستخدمها فيها.
تساءَل «خالد»: هل تجد مبررًا معقولًا لتأخُّر ردِّ المقر؟
ردَّ «أحمد»: لا أظن أنه يوجد مبررٌ معقول، ما لم يكن مبررًا خطيرًا، وأنا أستبعد ذلك تمامًا.
ظهرت ملامحُ المدينة من بعيد، فتنفَّس «أحمد» في عمق، وهو يقول: أخيرًا لقد وصلنا … لقد كانت رحلة صعبة …
قال «عثمان»: وهي لا تزال كذلك، حتى يَصِلَنا ردُّ المقرِّ السري.
قطعَت السيارة طريقَها إلى المطار. وعندما توقَّفت السيارة أمام صالة السفر، قفزوا بسرعة، وأخذوا طريقهم إلى الداخل. في نفس الوقت كان صوت المذيعة الداخلية يُعلن عن قيام الطائرة المتجهة إلى «نيويورك» بعد ربع ساعة.
تنفَّس «أحمد» بارتياح، وهو يقول: أخيرًا وصلنا في الوقت المناسب.
أخذوا طريقهم إلى صالة الإقلاع، حيث يستقلون الطائرة إلى «نيويورك» ومنها إلى «كراكاس».
وعند باب الدخول … قدَّموا جوازات سفرهم إلى الضابط الذي ألقَى نظرةً سريعة عليها، ثم أعادها لهم.
لاحظ «أحمد» حركةً سريعة من الضباط … لم يلحظها الشياطين؛ فقد دسَّ له ورقة صغيرة في جواز سفره. وعندما دخل جذب الورقة وقرأها بسرعة.
لقد كانت رسالة من المقر السري، لكنه لم ينقلها إلى الشياطين، فقد فكَّر أن يؤجلها حتى ينتهوا من مغامرتهم، لقد كانت رسالة طريفة سوف يضحك منها الشياطين كثيرًا.