مارك وصموئيل وجهًا لوجه!
كانت الصرخات التي تنبعث من داخل المنزل أو القلعة هي كل ما يُقلق «أحمد» في تلك اللحظة … تُرى ماذا حدث بالداخل؟!
كانت «ساندرا» هي الأخرى في غاية الاستغراب، وأخذَتْ تنظر ﻟ «أحمد» وفي عينَيْها بريق التساؤل!
بعد عشر دقائق من الحيرة المتناهية ظهر الحراس من جديد على درجات المنزل، وتوجهوا إلى «أحمد» و«ساندرا» وصاحوا قائلِينَ: معذرة … مستر «صموئيل» بانتظاركم الآن.
ووقعت الكلمات على أذن «أحمد» و«ساندرا» وقوع الصاعقة؛ فالمقابلة كانت مع «رودجر» أحد أعوان «صموئيل» قائد عصابة «المنتقمون»، وشعر «أحمد» بأن هناك شيئًا ما يُدبَّر له … فتباطأ قليلًا وهو يدخل المنزل وبجانبه «ساندرا» كان المنزل من الداخل شديد الغرابة؛ فكل جدرانه من المرايات الكبيرة … فما إن تدخل حتى ترى كلَّ ما يدور بالمنزل وبخارجه بسهولة كبيرة، فضلًا عن تأثير المرايا الغريبة على الأشخاص؛ فهي عادةً ما تصيبهم بالدوار أو عدم التركيز.
أغلق «أحمد» عينَيهِ قليلًا … قبل أن يقوده أحد الحراس ومعه «ساندرا» إلى غرفة جانبية … جلس فيها الزعيم «صموئيل» في المنتصف، وما إن دخل الحارس عليه ليبلغه بمجيء «أحمد» و«ساندرا» حتى صاح بلهجة حادة: مرحبًا … أحضرتم النقود؟
كان «صموئيل» حاد النظرات، وحاد الذكاء أيضًا … رمق «أحمد» بنظرة ارتياب قبل أن يسأله: دكتور «مارك»؛ ما جنسيتك؟ ثم هل أحضرتم النقود؟
وكرَّر التحديق في «أحمد» ثم «ساندرا».
قال «أحمد»: إن هذا ليس اتفاقًا بل تعذيبًا … إنني أعترض على هذه العملية وقد صرفتُ النظر عن شراء العروسة أو المومياء.
فضحك «صموئيل» ضحكة مُخيفة وقال: إنك يا دكتور «مارك» لست دكتورًا … ثم توالَتْ ضحكاته، ونظر إلى «ساندرا» ليرى وقع المفاجأة عليها ولكنها كانت متماسكة … فقال «صموئيل» موجِّهًا حديثه ﻟ «أحمد»: أتفهمني يا مستر «أحمد»؟ (قالها بالإنجليزية)، وشعر «أحمد» على الفور أن الموضوع سيئ جدًّا ويحتاج إلى تصرُّف فوري قبل أن يُعذَّب. فمن الواضح أن «صموئيل» يهوى عملية التعذيب، وأن الصراخ الذي أتى من المنزل في أثناء وقوفه مع «ساندرا» في الخارج لم يكن إلا بسبب الآلام التي لاقاها «رودجر» قبل قتله.
تقدَّم «أحمد» إلى الأمام متظاهرًا بالهدوء، وقال مخاطبًا «صموئيل»: أتسمح لي بالجلوس كي نستطيع التفاهم؟ وتظاهر بالجلوس، في الوقت نفسه الذي اندفع فيه باتجاه «صموئيل»، ولأشد ما كانت دهشة «ساندرا» أن يُفتح السقف ويختفي «أحمد» في لمح البصر! بينما وقفَتْ هي مشدوهة لا تدري ماذا تفعل في هذه اللحظات!
كانت المفاجأة شديدة ﺑ «أحمد» فقد وجد نفسه في بدروم قذر، به بقايا جثث آدمية برائحتها الكريهة … وفجأةً انفتح السقف مرة أخرى ليسقط شيء آخَر، ظنَّه «أحمد» «ساندرا»، ولكن فوجئ بأنه شخص آخَر، كان «رودجر»، ولكنه كان ميتًا من أثر التعذيب الذي ظهر على وجهه وعلى عينَيْهِ.
صُعق «أحمد» ممَّا رأى! ولكن ما العمل إذن وسط هذا البدروم؟! جلس «أحمد» في أحد الأركان وأخذ يفكِّر بهدوء في كيفية التصرُّف … وماذا سيفعل الشياطين أمام هذه التطورات الغريبة؟
فكيف عرفه «صموئيل»؟ وكيف اكتشف خيانة «رودجر»؟ وما دور «ساندرا» بالتحديد؟ وهل هي ساندرا الحقيقية، أم هي شبيهة لها أتقنَتِ الدور تمامًا؟!
كان عقل «أحمد» يعمل بسرعة، فأخرج أحد الأجهزة الحساسة جدًّا وأرسل رسالة شفرية عاجلة إلى الشياطين قال فيها: «الأمر مخيف جدًّا … غيِّروا مكانكم أولًا قبل أن تفكِّروا كيف تتصرفون …»، ثم كانت الكلمات الأخيرة «أنا الآن بدون أجنحة، ولا أقوى على الطيران.»
كانت رسالة «أحمد» الشفرية كافية للشياطين بأن يتركوا المكان فورًا، وينتقلوا إلى مكان آخَر … وهم في غاية الذهول … فكيف حدث هذا؟ لا أحد يعرف!
قالت «إلهام» بلهجة عصبية: لا بد من التحرُّك فورًا.
قال «بو عمير»: لا تتعجلي يا «إلهام» إن الأمور تشابكَتْ فجأةً على نحو غريب.
فتدخل «فهد» قائلًا: إن «ساندرا» هي العميل المزدوج الذي أوقع ﺑ «أحمد».
قالت «إلهام»: لقد كان بمقدورها أن توقعنا جميعًا … فلماذا اختارت «أحمد» بالذات؟!
فجأةً صاح «عثمان»: إن «ساندرا» التي قابلتنا ليست «ساندرا» الحقيقية! ولعل التي قامت بهذا الدور شبيهة لها … وأكمل «عثمان»: إن «ساندرا» الحقيقية وقعَتْ في أسر عصابة «المنتقمون» بطريقة أو بأخرى، وعرفوا منها كل التفاصيل الخاصة بنا … فجاءوا بفتاة شبيهة لها لتقوم بالدور نفسه.
قالت «إلهام»: وهذا يجعلني أكرِّر تساؤلي: لماذا لم توقعنا جميعًا في قبضة «المنتقمون»؟! ولماذا اختارت «أحمد» بالذات؟!
قال «فهد»: لعلها فعلَتْ ذلك كنوع من الخداع حتى لا ينكشف أمرها لنا بسهولة.
فأومأ «بو عمير» برأسه موافقًا على كلام «فهد»، ثم قال: لقد حان وقت التحرُّك الآن قبل أن يهاجمونا.
كان «أحمد» في تلك الأثناء لم يزل بداخل البدروم القذر المليء بالبقايا الآدمية، وفجأةً انفتح السقف مرةً أخرى وأُلقِيَتْ جثة مرةً أخرى منها … وذُعر «أحمد» مما يرى؛ فالواضح أن «صموئيل» يتخلص من أيِّ أحد يشك فيه بالقتل، وهذا ما سيفعله معه بكل تأكيد … وقف «أحمد» وظل يقطع غرفة البدروم وهو يفكِّر في كيفية التصرُّف، وفجأةً فُتحت إحدى الحوائط الجانبية، ودخل ثلاثة رجال البدروم ليقتادوا «أحمد» إلى حيث جلس «صموئيل» زعيم عصابة «المنتقمون».
قال ﻟ «أحمد»: لا أريد أية مراوغة، لقد انكشفتم، وزملاؤك الآن في الطريق إلينا … مَن أنتم؟ ولماذا تريدون خداعي؟
فكَّر «أحمد» قليلًا قبل أن يُجيب: إن معي النقود التي سنشتري بها المومياء، ومدَّ الحقيبة الجلدية قائلًا: وهذه النقود دفعة أولى قبل استلامنا المومياء … ثم أكمل: نحن جهة طبية نريد الحصول على المومياء لإجراء التجارب عليها لمعرفة سر قدماء المصريِّينَ في التحنيط.
ضحك «صموئيل» ضحكةً مرعبة وضغط على زر صغير أمامه فانزاحت إحدى الستائر وظهرت مجموعة من التماثيل والقطع الأثرية، وقال «صموئيل» وهو يشير لها: ألا تريدون شراء هذه القطع النادرة؟ ثم توالَتْ ضحكاته وهو يقول: لتسرقوها وتعيدوها مرة أخرى إلى بلادكم، ثم أشار إلى أحد الحراس الذين يقفون خلف «أحمد» إشارة لها معنى، وغاب الحارس قليلًا، ثم عاد وهو يحمل شيئًا ملفوفًا بعناية شديدة، ووضعه أمام الزعيم «صموئيل» الذي قام بكشف الغطاء عنه، فظهرت المومياء المصرية … كانت ساكنة وملامحها الصغيرة دلَّتْ على سنوات عمرها.
قال «صموئيل»: أتريد أن تشتري هذه؟ وضحك ضحكته المجنونة ثم أكمل: إني سأقوم بتجربة التحنيط عليك الآن بواسطة أعواني الأطباء … لكي يكون عندنا اثنتين من المومياء بدلًا من واحدة.
كان من الواضح أن «صموئيل» يسخر من «أحمد» ويتوعده، وفجأةً دوَّى صوت صفير حاد، تَبِعَتْهُ عدة طلقات نارية، فاندفع الحراس تلقائيًّا باتجاه الأصوات، بينما ظل «أحمد» بمفرده مع «صموئيل» … وانتهز «أحمد» الفرصة فاندفع باتجاه «صموئيل» الذي شَلَّتْه المفاجأة، واشتبك مع «أحمد» في صراع عنيف.
كان «صموئيل» برغم تقدُّمه في العمر قويَّ الجسم، مفتول العضلات، فأطبق على «أحمد» بقوة، وشعر «أحمد» باختناق شديد، فاستجمع قوته وأطلق قدمه اليسرى ليتخلص من مسكة «صموئيل»، فتوجع لها، وترك «أحمد» قليلًا، فاستغل «أحمد» الموقف وعاجله بضربة أخرى شديدة، فتركه «صموئيل» ليصبح «أحمد» حرًّا طليقًا، فانهار بوابل من الضربات على «صموئيل» الذي احتملها بشكل غريب، ثم عاجلَ «أحمد» بضربة قوية، ثم أسرع «أحمد» نحو مكتب «صموئيل» وضغط على زر صغير به، وسمع صوت «صموئيل» وهو يقول: «أرجوك لا تفعل!» لكن السقف كان قد انفتح وسقط «صموئيل» منه بأسفل البدروم … في الوقت نفسه الذي أمسك فيه «أحمد» بمسدس «صموئيل»، وحمل المومياء بين يدَيهِ ووضعها على المكتب.
في تلك الأثناء كان بقية الشياطين قد اشتبكوا مع الحراس، كان القتال عنيفًا؛ فقد كان الحراس في منتهى القوة وعلى أعلى مستوى من التدريب، وكان عنصر المفاجأة قد أصابهم جميعًا فلم يقووا على فعل شيء.
كان «عثمان» قد اشتبك مع واحد من الحراس، وكان في غاية القوة، فانهال على «عثمان» ضربًا وأخذ «عثمان» يتحاشى ضرباته القوية … إلى أن أُتيحَتْ له الفرصة، وابتعد عنه ليخرج كرته الجهنمية ويسددها كالمدفع إلى الحارس الذي وقع على الأرض بلا حراك، فالتقط «عثمان» كرته وسددها نحو آخَر كان مشتبكًا مع «فهد» في قتال عنيف.
حسم الشياطين المعركة، في الوقت نفسه الذي فوجئوا به ﺑ «أحمد» وهو يهبط عليهم من الطابق الثاني حاملًا المومياء بين يدَيهِ، وصاح مخاطبًا «فهد»: احمل هذه المومياء وتوجَّهْ بها إلى خارج القلعة. ثم نادى على «عثمان» و«بو عمير» و«إلهام» فاندفعوا إليه بسرعة … وأزاح «أحمد» الستارة الضخمة، ليكشف عن مجموعة من الآثار النادرة … ﻟ «ست نفرت» زوجة «رمسيس الثاني» أعظم ملوك مصر، وتمثال آخَر صغير من الجرانيت للإله «حتحور»، ومجموعة أخرى نادرة من القطع الأثرية، ومجموعة أخرى من الأوباش أو الخدم عند ملوك مصر الفرعونية.
وبسرعة قام الشياطين بحمل هذه الآثار ووضعوها في حقيبة جلدية، وتوجهوا بها خارج المنزل، وسرعان ما استقلوا السيارة باتجاه المطار … وعلى الفور تم حجز أماكن لهم في طائرة شركة «مصر للطيران» التي سهَّلَتْ مهمتهم لتغادر الطائرة مطار «روما» الدولي، وعلى متنها الشياطين، ومعهم المومياء الصغيرة، لينهوا مهمتهم على أكمل وجه، ولكن دون أن يتوصلوا إلى حقيقة «ساندرا» الفتاة السمراء … وقصة اكتشاف أمرهم … والتي ستعرفها خلال المغامرة القادمة.