الفصل الأول
في الخروج من مصر، إلى دخول ثغر إسكندرية
كان خروجنا من مصر يوم الجمعة، الذي هو ثامن يوم من شعبان، سنة إحدى وأربعين ومائتين بعد الألف، من الهجرة المحمدية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام، فتفاءلت بأن عقب هذا الفراق يحصل الاجتماع، وأن تسلم العودة سيقوم مقام الوادع.
فركبنا زوارق صغيرة، وتوجهنا إلى الإسكندرية، وأقمنا على ظهر النيل المبارك أربعة أيام، ولا فائدة لذكر بعض البلاد والقرى التي رسونا عليها.
وكان دخولنا الإسكندرية يوم الأربعاء (ثالث عشر يومًا)١ من شهر شعبان، فمكثنا فيها ثلاثة وعشرين يومًا، في (سراية) الوالي بها.
وكان خروجنا إلى البلد في هذه المدة٢ قليلاً، فلم يسهل لي ذكر شيء من شأنها، غير أنه ظهر لي أنها قريبة الميل في
وضعها وحالها إلى بلاد الإفرنج، وإن كنت وقتئذ لم أر شيئًا من بلاد الإفرنج أصلاً،
وإنما فهمت ذلك مما رأيته فيها دون غيرها من بلاد مصر، ولكثرة الإفرنج بها، ولكون أغلب
السوقة يتكلم ببعض شيء من اللغة الطليانية ونحو ذلك، وتحقق ذلك عندي بعد وصولي إلى
«مرسيليا» فإن إسكندرية (عينة) «مرسيليا» وأنموذجها، ولما ذهبت إليها سنة ٦٢ وجدتها
قطعة من أوروبا.
١
الصواب: الثالث عشر.
٢
في المطبوعة: المدينة.