الفصل الخامس
(١) تعليم أصول نحو اللغة الفرنساوية
(٢) علم التاريخ
(٣) علم الحساب والهندسة
(٤) علم الجغرافيا بأنواعها
(٥) فن الترجمة
ترجمت مدة إقامتي في فرنسا اثني عشر كتابًا وشذرة يأتي ذكرها في آخر هذا الكتاب، يعني اثني عشر مترجمًا بعضها كتب كاملة، وبعضها نبذات صغيرة الحجم.
(٦) كتب في فنون مختلفة
وقرأت مع «مسيو شواليه» كتابًا صغيرًا في المعادن وترجمته.
وقرأت في فن الطبيعة رسالة صغيرة مع «مسيو شواليه» من غير تعرض للعمليات.
وقرأت في فن العسكرية من كتاب يسمى «علميات ضابطان عظام» مع «مسيو شواليه» مائة صحيفة، وترجمتها.
«اعلم يا محبنا أن هذه أول مرة التحم فيها صفنا مع الصفوف الإسلامية من منذ وصولنا إلى العساكر الموسقوبية، ثم إن سائر ما رأيته مما يذهل العقول ويحير الألباب، تقصر عنه العبارة، كيف وهو أمر غريب! بالنسبة إلى مثلي، فلو كنت مثل جنابكم من العسكر المتمرن على الحروب سافرت في غزوة مصر، ورأيت واقعة أبي قير، وحصار مدينة عكا لما حار لبي حين رأيت شيئًا جديدًا لم أكن عاينته قبل ذلك، مما يكل عنه الوصف، ولكن تأمل يا أخي في أمري حيث إني قد كنت في خفر مليكنا، وخرجت من مكتب «سنسير» ولم أحضر من الوقائع إلا وقعة الأندلس، فلم أشعر إلا أن وجدت نفسي قدام جبل «بلقان» بعد أن جبت البراري والقفار، وعاينت المشاق بتهديد أهلها لنا وتخلصهم منا، وإدهاشهم لجيوشنا، وانظر في استعجابي وذهاب صوابي حين خرجت الفوارس التركية متصافة صفوفًا عجيبة للحروب الإسلامية بأعلى «شملا» وقد وصل إلى شريف علمكم من دفتر علم «الموسقو» تفصيل هذه الواقعة، وشر أحوال الجمع الغفير من عساكرنا، والخبر بأنها صارت ضائعة، وقد شاهدت بعيني رأسي سوء ميتة «الميرالاي باردي الموسقوبي» بحالة رديئة؛ حيث انقسم نصفين بضربة مدفع تركية، ومن الآن فقط ظهرت صعوبة هذه الحرابة، وطول مدتها لا يعد من الغرابة، وإن كان بعساكرنا شجاعة وصلابة في الحروب، فعساكر الإسلام لها مصادمة قوية بمعزل عن الهروب، وهذه المصادمة هي التي تستهل الخطر، وتخترق المانع لبلوغ الوطر، ينتج منها ثمرتان: الأولى: أنها تلقي الحيرة في عقول الرجال، والثانية: أن عاقبتها دائمًا تفرغ الفزع في قلوب الأعداء، ولو كانوا من الأبطال، ولو شاهدت عيناك ما شاهدته من أن الفرسان العثمانية تروع (ص ١٦٢) الإنسان بمجرد منظرها المرعب، وبسرعة اقتحامها المدهش المعجب، ومشيها على صوت الألحان الوحشية، وصهيل الخيول الكردية، ونزولها كالصواعق على المشاة الموسقوبية لحكمت مثلي بأن هذه الحرابة تطول، وأن اضطرام نارها قل أن يزول، أو ليس أن للدولة العثمانية فرسانًا عظيمة مرتبة بترتيب عجيب، وهمة عليه بنظام غريب؟ أو هل ينكر أحد أن رجالهم متمرنون على ركوب الخيل، وأن خيولهم على أصل خلقتهم الوحشية طائعة لسيدها في الإقدام والإحجام، يبلغ عليها في الحرابة المقصود والمرام؟ فيا ويح العساكر القرابة التي يلتحم صفها بصف هذه الخيول المركوبة لهؤلاء الفحول الذين لهم زيادة عن قوتهم الجهادية، دعامة غيرتهم الإسلامية والوطنية، وهذه مزية لا توجد يقينًا في عساكر «الموسقو»، ثم ازدحام الخلائق في أوقات الحروب له تدبير صحيح، ولكن في هذه الواقعة لا يجهل إنسان ولو كان من «القزاق» أن الفخر لعساكر الإسلام، وهذا الخبر ربما ظهر لك أنه عجيب من مثلي، خصوصًا وأنا قد جئت متطوعًا في عسكر «الموسقو»، لأشاركهم في اقتحام الأخطار، وأقتسم معهم الفخار، ولكن لما وصلت إلى هنا ظهر لي أن الظن قد خاب، وأني قد حدت عن الصواب، ورأيت أعداءنا الذين كنا نتهمهم بحقارة الرتبة والرداءة هم الليوث الضراغم، ليس لهم شيء من الدناءة، بل هم أقرب إلى قبول التأدب والظرافة من الإفرنج.
واعلم يا أخي أن غيرتي على خلاص الأروام من يد العثمانية لم تنقص شيئًا، ولكن أقول ليت شعري، هل تلزم الغارة على إسلامبول في خلاصهم؟ أو ليس مما يتحسر عليه أن ما خسرناه في أخذ مدينة «إبرائل» من العساكر كان يكفي وحده في فك أسر الأروام وتحرير رقابهم، وتقليل سفك دمائنا بعساكر الإسلام، وقد أسرنا عن قريب أحد ضباط العساكر العثمانية، وكان شابًا بديع الصورة كثير الجروح، فعفا عساكرنا عن قتله ولم يكن ذلك لغيره، ورقوا لملاحته وجراحته، فخاطبته باللغة الإيطاليانية، ففهم مقالي وأجاب سؤالي، وأخبرني بأن أباه له من العمر الآن ثمانون سنة، وله إخوان في خدمة حسين باشا لا يشك في نصرة الدولة العثمانية، بل يقول: إن الترك يصلون إلى موسقو، واعلم يا أخي أن في «شملا» نحو مائتي ألف محارب، ويتجدد عليها كل يوم، وسلطانهم بكل عظيم عن يقين، وها أنا الآن أطوي لك كتابي لأضع قدمي في ركابي، فالآن عساكر الأعداء تحارب في طليعة جيشنا، وأنا بين دوي ألحان الترك، وعجيج أصوات الروس غريق، وهذه حرابة مهولة إن نظرت بعين التحقيق.