الفصل السابع
لا يخفى أن العائلة السلطانية القديمة قد رجعت بعد تعاهد الدول الإفرنجية على السلطان «نابليون» وإخراجه ونفيه إلى جزيرة «سنت هلينة»، وترجيع هذه العائلة إلى البلاد بعد أن كانت في البلاد الغريبة، فتملك هذه العائلة إنما هو بمعاهدة ملوك الدول الإفرنجية، فهي في الحقيقة مملكة على فرنسا رغمًا عن أنف غالب الفرنساوية، فلما وقعت الفتنة خشي الفرنساوية من أن الملوك المذكورين يأتون بجيوش على بلادهم، وينصبون كرسي هذه العائلة، فتخلصوا من ذلك بتملك العائلة الأخرى التي هي عائلة «أرليان»، ولكنهم لم يعلموا هل ترضي الملوك بذلك أو لا؟ وعزموا على أنهم إذا لم يرضوا بذلك وجاءوا لمحاربتهم حاربوهم، ولو حصل ما حصل وجهزوا ما يدل على ذلك.
ولنذكر لك هنا نسبة ملوك الإفرنج بالنظر لهذه المادة فنقول: اعلم أن ملك إسبانيا يوافق بسياسته وسلوكه سياسة ملك فرنسا القديم، وهو أيضًا من أقاربه؛ لأن العائلة التي تحكم ببلاد إسبانيا من العائلة التي تحكم ببلاد فرنسا، فهي تميل إليها ظاهرًا وباطنًا، ومثلها في ذلك الميل بلاد البرتوغال، فهاتان المملكتان لا يحصل منهما شيء يخاف به على العائلة القديمة، وأما بلاد إيطاليا فإن دولة «نابلي» ودولة «رومة» ودولة «سردنيا» توافق أيضًا في سياستها سياسة «البربون»، يعني العائلة القديمة، فحينئذ ملوك هذه الدول تأثرت باطنًا بما وقع في بلاد الفرنساوية، وأما دولة «المسقو»، ودولة «النيمسا»، ودولة «البروسه»، و«الإنكليز» فإنها متعاهدة على تولية عائلة «البربون» القديمة المملكة، فهي أيضًا تأثرت بذلك نوع تأثر، وخصوصًا الدولة المسقوبية، وأما الدول الصغيرة ببلاد الإفرنج فإنها تابعة للدول الكبيرة، فلم يبق مع دولة الفرنساوية الجديدة إلا بعض أقاليم صغيرة تريد الحرية، غير أن أهل دولة الإنكليز أظهرت الرضا بما وقع؛ فلذلك ملكهم كان أول من اعترف بالمملكة لملك الفرنساوية الجديد، وقد جرت العادة أن الملك إذا تولى لا بد من أن يعترف له الملوك بالتملك، ويقروه على ذلك، وهو من الرسوم غالبًا، يقال إن حضرة مولانا السلطان الأعظم لما سمع بذلك، وأخبره «الإيلجي» أجاب بأنه لا يصنع شيئًا حتى يرى ما تصنع ملوك الإفرنج، فإن أقروه على ذلك أقره أيضًا ومدخلية الدولة العلية في ميدان دوائر الدولة الإفرنجية قليل.
وممن توقف في الإقرار مدة طويلة ملك الموسقو، ثم بعد ذلك أقره بشرط ألا يتغير شيء في ميزان بلاد الإفرنج، يعني أن الإفرنج تبقى على ما هي عليه، من غير أن يحصل بها راجحية أو مرجوحية في السياسة، بمعنى أن مملكة فرنسا مثلاً لا تزيد عما كانت عليه قبل الفتنة، والظاهر أن أكثر الملوك التي أقرت ملك الفرنساوية الجديد، إنما أقرته على ذلك، ورضيت بما وقع رضاه وقتيًا؛ حتى إن الفرنساوية تحس بذلك وتجهر به، كأنها لا تثق بذلك الصلح الذي تراه كأنه هدنة وتعليق.
ولما خرجت من فرنسا كان جميع الناس يتوقع فيها إشهار الحرب وظهوره بين النيمساوية والفرنساوية، أو الموسقوبية، أو الإسبانيول، أو البروسة.
والله — سبحانه وتعالى — أعلم بما كان ربما يكون، وللفرنساوية الآن التئام مع الإنكليز لم يسبق مثله أبدًا، وأما الكلام على الرجوع فراجعه في خاتمة الرحلة.