الفصل الخامس
هو علم يبحث فيه عن المعلومات التصورية والتصديقية من حيث توصيلها إلى غيرها، والمشهور أن واضعه «أرسطو الحكيم» المسمى أيضًا: «أرسطاطاليس» وفي كتب الفرنساوية أو أرسطاطاليس هو الذي كمل هذا الفن، وأن «أفلاطون» أيضًا هذبه، وأن «زنون» وضعه، ونسبة هذا العلم للجنان كنسبة النحو للسان، والعروض للنظم ونحو ذلك.
ولهذا العلم مبادٍ ومقاصد؛ فمباديه التصورات والتصديقات ومقاصده التعريفات والأقيسة، والتصور إدراك غير الحكم، وعكسه للتصديق فإذا تصورنا حقيقة الرجل من غير أن نحكم عليه بإثبات ونفى كان ذلك تصورًا، وإذا حكم عليه بأنه عالمٌ مثلاً فإنه يكون تصديقًا، والتصور قسمان: بسيط، مركب، فالتصور البسيط: إدراك الشيء مجردًا عن صفاته، والمركب: إدراك الشيء مع بعض صفاته، مثال الأول: ما إذا تصورت الإنسان ولم يخطر ببالك أنه متحرك، ومثال الثاني: ما إذا تصورته وميزته من الجماد بتحركه فالتصور لا يكون إلا في المفردات، كما أن التصديق لا يكون إلا في القضايا، والقضية، هي حكم يحصل بإثبات تصور إلى آخر، أو نفيه عنه، فالتصور المسند إليه الإثبات أو النفي يسمى: الموضوع، والتصور المسند إلى الموضوع مما تقدم يسمى: المحمول، والموضوع والمحمول يسميان جزئي القضية، وهذان الجزآن يجمعهما جزء ثالث يسمى رابطة، مثال ذلك ما إذا قلت: «زيد فصيح» فإن زيدًا هو الموضوع وفصيح هو المحمول، والرابطة مقدرة والتقدير زيد هو الفصيح، فإن الرابطة ظاهرة، ثم إن القضية إما كلية يعني مستغرقة لسائر الأفراد، كما إذا قلت: كل إنسان صنعة الله تعالى، وإما جزئية كما في قولك: بعض الحيوان إنسان، وكل من القضية الكلية والجزئية مسور.
وإما شخصية وإما مهملة؛ فالأولى كزيد قائم والثانية كالإنسان كاتب بقطع النظر عن الكلية والجزئية، وإما طبعية: كما في قولك: الظلم رديء، والقضية أيضًا إما بسيطة أو مركبة؛ فالقضية البسيطة ما كانت غير متعددة الموضوع والمحمول، كما في قولك: الفضيلة حميدة، والرذيلة ذميمة، وبخلافها المركبة؛ فهي ما تعدد فيها الموضوع فقط، أو المحمول فقط، أو هما معًا، كما إذا قلت: الفضيلة والرذيلة ضدان لا يجتمعان، ونحو ذلك، وإذا كانت القضية المركبة مصنوعة من عدة قضايا بسيطة فإنه يكفي في كذبها كذب بعض أجزائها، وأما التعريفات التي هي مقاصد التصورات ومصححات القضايا فإنها تنقسم إلى تعريف بالحد، وتعريف بالرسم، وتعريف لفظي، فمثال التعريف بالحد قولك: الإنسان حيوان ناطق، ومثال التعريف بالرسم قولك: الإنسان حيوان كاتب، ومثال التعريف اللفظي قولك: الإنسان هو الآدمي إذا فرضنا أن لفظ الآدمي أشهر وأعرف من لفظ الإنسان، ويمكن أن يجعل من هذا القسم الثالث سائر تفسير الألفاظ المترجمة من لسان إلى آخر، مثال ذلك: إذا قدرنا أن أعجميًا لا يعرف معنى كلمة الله، فإنه تعرفها له تعريفًا لفظيًا بقولك له: الله هو «خداي».
وكل من الحد والرسم ينقسم إلى تام، وإلى ناقص، على حسب كونه بالجنس، أو الفصل القريب أو البعيد، أو بالخاصة، أو بالعرض العام، كل منها منفردًا أو مجتمعًا، وهذا كله موضح في كتب المنطق.
وأما القياس: وهو المقصود الأصلي من علم المنطق فهو ما يلزمه لذاته تصديق آخر، مثال ذلك: ما إذا قلنا إن الله سبحانه وتعالى لا بد أن يقتص من الظالم للمظلوم، فإنك تقول هكذا: الله — سبحانه وتعالى — حكم عدل، وكل من كان كذلك فإنه يقتص للمظلوم من الظالم، فتكون النتيجة هكذا: الله سبحانه وتعالى يقتص للمظلوم من الظالم، فمتى سلمنا القضيتين الأوليين فلا بد أن نسلم القضية الثالثة: والقضيتان الأوليان تسميان مقدمتين، وإحداهما تسمى صغرى، والأخرى كبرى، وروح القياس هو النتيجة.
والقياس يكون صحيحًا إذا كان صحيح المادة والصورة، وفاسدًا إذا فسدت إحداهما، والمراد بصحة المادة أن سائر قضاياه تكون صحيحة، والمراد بصحة الصورة أن يكون منظومًا على كيفية يكون إنتاجها ضروريًّا، والقياس الصحيح: هو المسمى بالحجة والبرهان، وأما القياس الفاسد أو البرهان الفاسد فيسمى سفسطة، وهو ما يشبه الصحيح وليس صحيحًا؛ لعدم ملازمة نتيجته الظاهرية للمقدمات الصحيحة.
وفي كتب الفرنسيس أن القاعدة التي ينبني عليها القياس الصحيح ويمتاز من السفسطة هي إثبات أصلين؛ أحدهما مبنى الصحة، والآخر مبنى الفساد، وهما أن المستلزم لشيء مستلزم لذلك الشيء، والنافي لشيء ناف لشيء آخر هو ناف لذلك الآخر، أو ناف للاثنين معًا، وكيفية تطبيق هذا على القياس أنك إذا سئلت عن الغضب: هل هو مذموم؟ فأردت أن تستدل على أنه مذموم، فإنك تبحث عن طرف القضية الذي هو الموضوع، فإنك ترى من جملة تعريف الغضب أنه عيب، فحينئذ كلمة غضب متضمنة لمعنى العيب فتركب مقدمة هكذا: الغضب عيب، ثم تقابل العيب مع الذم الذي هو محمول القضية، فإنك تجد أن العيب يستلزم الذم، فتقول: العيب ذميم، فإذا لما رأيت أن الغضب يسلتزم العيب، والعيب يستلزم الذم، فإنك تنتج منه أن الغضب ذميم، فكل قياس لا يمكن أن تطبقه على هذا الأصل فإنه يكون سفسطة، مثال ذلك أرسطو فيلسوف، وبعض الفلاسفة صالح، فأرسطو صالح، فإن الإنتاج فاسد، وذلك أن القضايا لا تستلزم النتيجة؛ لأنه لا يلزم من كون أرسطو هو أحد الفلاسفة، وأن بعض الفلاسفة صالح أن أرسطو صالح.
وبعض أجزاء القياس قد يحذف للعلم به، كما في قولك: الفضيلة حميدة، فينبغي كسبها.
والقياس إما حملي أو شرطي، فكل ما تقدم مثال للحملي، ومثال الشرطي: لو كانت الشمس طالعة لكان النهار موجودًا، لكن الشمس ليست بطالعة — تخرج النتيجة قائلة — فالنهار ليس بموجود، ومحل ذلك كتب المنطق.
ثم إن الإفرنج كما يطلقون الكلمات على قواعد اللغة الفرنساوية، ويسمون ذلك إعرابًا نحويًا، يطبقونها على قواعد المنطق ويسمون ذلك [إعرابًا] منطقيًا، فإذا أراد إنسان إعراب «زيد فاضل» إعرابًا نحويًا، فإنه يقول مثلاً: زيد مبتدأ وفاضل خبره، أو نحو ذلك مما يليق بقواعد نحوهم، وإذا أراد أن يعرب إعرابًا منطقيًا فإنه يقول: زيد موضوع، وفاضل محمول، وهذه القضية قضية شخصية، ويفعلون ذلك في سائر الجمل.