الفصل الثاني
في الخروج من مرسيليا إلى دخول باريس وفي المسافة بينهما
اعلم أن عادة المسافرين من مرسيليا إلى باريس بالعربات أن يستأجروا العربة أو موضعًا
فيها، فأما أن يأكلوا على كيسهم أو يدفعوا قدرًا معلومًا للعربة
١ والقوت مدة الطريق.
ثم إن السفر يكون ليلاً ونهارًا إلا وقت الأكل ونحوه، وكل البلاد التي في الطريق فيها
مواضع معدة للطعام والشراب، مشتملة على سائر أنواع المطعومات والمشروبات في غاية
النظافة والظرافة. وفيها محال للنوم مفروشة بالفرش العظيم، وبالجملة فهي مستكملة الآلات
والأدوات.
فلما ركبنا عربات السفر، كل جماعة منا في يوم، وسرنا من مرسيليا سيرًا سريعًا،
مستمرًا على حالة واحدة، ولا يتأثر الإنسان، كسفر البحر بالرياح ونحوها، وصلنا مدينة
ليون في ضحوة اليوم الثالث، ومدينة ليون، على البعد من مرسيليا باثنين وتسعة عشر
فرسخًا، ومن «مرسيليا» إلى «باريس» مائتان وأحد عشر فرسخًا فرنساويًا، وقد مكثنا في
«ليون» نحو اثنتي عشرة ساعة للاستراحة، ولم أرَ داخل هذه المدينة إلا بالمرور فيها، أو
من شباك البيت الذي كنا فيه:
ومن لم يستطع أعلام رضوى
لينزل بعضها نزل السفوحا
ثم سرنا منها ليلاً إلى «باريس»، فدخلناها صبيحة اليوم السابع من خروجنا من مرسيليا،
وقد مررنا بقرى كثيرة، وأغلبها مشتمل على البيع والشراء والخفر، عظيمة الأبنية مزينة
بالأشجار، وبالجملة فالقرى مسلسلة متصلة ببعضها
٢ غالبًا، خصوصًا (ص ٤٤) مع جد السير، حتى إن الإنسان لا يظن إلا أنه في بلدة
واحدة، والمسافرون غالبًا في ظل الأشجار المرصوصة بوجه مرتب مطرد في سائر الطرق، وندر
تخلفه في بعض المحال. ثم إن الظاهر في هذه القرى والبلاد الصغيرة أن جمال النساء وصفاء
أبدانهن أعظم من ذلك في مدينة «باريس» غير أن نساء الأرياف أقل تزينًا من نساء «باريس»
كما هو العادة المطردة في سائر بلاد العمران.