توم والسور
– «توم»
لا أحد يجيب.
– «يا توم»
لا أحد يجيب.
– «تعال هنا حالًا يا توم سوير»
ضيقت العمة بولي عينيها وهي تدير نظرها في أنحاء غرفة النوم. لقد قلبت المنزل رأسًا على عقب، ولكن ما من أثر للصبي المشاغب. تمتمت عمة توم وهي تحرك المكنسة تحت الفراش: «انتظر حتى أجدك!» لكن دون طائل. وعندما وجدت النافذة مفتوحة أطلت برأسها خارجها، وبحثتْ في الحديقة عن ابن أخيها العنيد، ولكنها لم تر سوى كومة الأخشاب التي لم يقطعها والأعشاب التي لم يجزَّها. وفجأة سمعتْ صوت صرير منخفضًا خلفها، فاستدارت في الوقت المناسب لكي تمسك بالصبي الصغير من ياقة قميصه.
صاحت العمة صيحة انتصار، وقالت: «كنت متأكدة أنني يجب أن ألقي نظرة على الخزانة! ما هذا الذي على فمك؟»
وقف توم سوير أمام عمته، وشفتاه ملطختان باللون الأحمر.
أجاب توم: «لا شيء يا سيدتي.»
– «لا شيء؟ إنها مربى التوت الطازجة التي صنعتُها للسيدة هاربر. وما هذا؟ أخرِج يديك من جيبيك.»
أخرج توم يديه من جيبيه، فإذا بمسحوق أبيض يتساقط على الأرض.
فدست العمة بولي يدها بقوة في جيب توم، وصرختْ في ذهول: «يا إلهي! لا بد أنك تضع كيلوجرامًا من السكر في جيبك!» ثم وضعت يديها على خصرها، ونظرت لابنِ أخيها من أعلى وقالت: «لقد طفح الكيل يا توم سوير!»
وكان اليوم التالي هو يوم السبت، ويا له من يوم صيفي رائع؛ إذ كانت سماء الصباح مشرقة وصافية، والعالم كله ينبض بالحياة. أما توم فقد وقف حزينًا على الرصيف بالخارج، ومعه دلو به طلاء أبيض وفرشاة طويلة اليد. ونظر إلى السور القائم أمام منزل العمة بولي ليجد ارتفاعه نحو ثلاثة أمتار وطوله نحو نصف طول المنزل، وقد كان عليه أن يطليه كله عقابًا له على ما ارتكبه من أخطاء بالأمس. فغمس الفرشاة في الدلو وهو يتنهد بصوت عالٍ، وبدأ يطلي أحد ألواح السور.
وبعد تحريك الفرشاة لأعلى ولأسفل عدة مرات، جلس توم وأخذ يفكر في كل اللهو الذي كان يخطط له في هذا اليوم، فقد كان يومًا مواتيًا للصيد والشجار وشتى أشكال المغامرات. لكنه عرف أن طلاء السور سوف يستغرق النهار كله، بل والأدهى من ذلك أنه سرعان ما سيأتي بقية الفتية ويرونه وهو يقوم بهذه المهمة الكريهة بينما يكون لديهم هم اليوم بأكمله لينعموا فيه بخوض المغامرات. ولا ريب أنه لم يطق هذه الفكرة، فنهض ببطء وعاد إلى مهمته مرة أخرى؛ يغمس الفرشاة في دلو الطلاء الأبيض ويطلي ألواح السور.
لم تمض على توم خمس دقائق في العمل حتى سمع صوتًا كان يخشى سماعه. إنه صوت صفير، وليس أي صفير، بل صفير غلام خرج في مغامرة شيقة. أدار توم رأسه فرأى بين روجرز يسير في الشارع وهو يقفز في مرح ممسكًا بتفاحة خضراء طازجة.
عاد توم مرة أخرى إلى عمله، وعندها جال بباله خاطر، فوقف منتصبًا وحملق في السور الذي يمتد أمامه في تركيز شديد. انتاب روجرز الفضول بشأن ما يفعله توم، فوقف مباشرة خلف توم الصامت، وكان توم لا يزال يسمع صفيره الذي انقطع وحل محله صوت قضمة كبيرة مليئة بالعصارة عندما قضم روجرز تفاحته. وتظاهر توم بأنه لم ير روجرز البتة وعاود الطلاء مرة أخرى.
أخذ بين روجرز يصفر مرة أخرى، هذه المرة بصوت أعلى، لكن توم استمر في الطلاء.
وأخيرًا قال بين ساخرًا: «هل أنت مضطر للعمل؟»
لم يستدر توم ليجيبه، بل وضع فرشاته في الدلو وعقد ذراعيه على صدره وأخذ يفرك ذقنه بيده وهو يحدق في السور كما لو كان يفكر في لغز عظيم.
سعل بين في محاولة أخرى ليسترعي انتباه توم، وقال: «هل أرغمتك العمة بولي على العمل؟»
استدار توم منبهرًا كما لو كان قد فوجئ بوجود أحد في المكان.
صاح توم: «يا إلهي، بين! لم أشعر بوجودك!»
ابتسم بين قبل أن يقضم قضمة أخرى من تفاحته الشهية، وقال: «أنا متأكد من أنك لم تشعر بوجودي، أنا ذاهب للسباحة في البحيرة، ألا تتمنى لو أنك تستطيع أن تأتي معي؟ أنا على يقين من أنك تؤثر العمل طوال اليوم!»
رمق توم بين بنظرة فاحصة من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، وسأله والحيرة تعلو وجهه: «أي عمل ذاك الذي تتحدث عنه؟»
قال بين وهو يشير إلى فرشاة الطلاء والسور: «أليس هذا عملًا مفروضًا عليك؟»
نظر توم إلى بين نظرة مزدرية أخرى ثم استدار والتقط فرشاته واستمر في الطلاء.
صرخ بين: «لعلك ستخبرني أن طلاء هذا السور يروق لك!»
لم يلتفت إليه توم وقال: «لن تتوفر الفرصة كل يوم لصبي لأن يطلي سورًا بأكمله بمفرده.»
توقف بين في منتصف قضمته لتفاحته وأخذ يشاهد توم وهو يمرر فرشاته في استمتاع شديد فوق السور ويخطو للوراء بعد كل تمريرة أو اثنتين للفرشاة ويراقب ما أنجزه بإعجاب.
– «دعني أجرب هذا يا توم!»
توقف توم والتفت نحو بين في تؤدة وتظاهر بأنه يدرس الفكرة لبرهة.
– «لا، أنا آسف؛ فلا أظن العمة بولي ستوافق على ذلك؛ فلقد أخبرتْني أن ثمة صبيًّا من بين كل ألف صبي هو الأمثل لطلاء هذا السور.»
قال بين مترجيًا: «هيا يا توم! دعني أجرب! مرة واحدة فقط! لو كنت مكانك كنت سأدعك تجرب.»
أخذ توم يفرك ذقنه مرة أخرى، ثم حدق في بين في جدية كما كان يحدق في السور بجدية من قبل.
فصرخ بين: «سوف أعطيك تفاحتي!»
أخذ توم ينعم النظر في الأمر للحظات أطول، وعندئذ أعطى بين روجرز الفرشاة ببطء شديد.
جلس توم — الذي لم يعُد حزينًا — في ظل شجرة والتهم آخر قضمة شهية من التفاحة الخضراء وهو يشاهد بين يطلي السور تحت أشعة الشمس المحرقة. لقد تبين لتوم أنه قد توصَّل إلى شيء رائع: كي تجعل أحدًا يرغب بشدة في شيء ما، فكل ما عليك فعله هو أن تجعل هذا الشيء صعب المنال.