خطر بداخل المنزل المسكون
بحلول ظهر اليوم التالي، عاد الصبيَّان إلى المنزل المسكون. وكان الغموض والغرابة يكتنفان الصمت المطبق الذي يعم هذا المنزل القائم تحت أشعة الشمس المحرقة، بينما يبعث المكان المهجور على الكآبة والحزن، حتى إنهما كانا مرتعدين من الذهاب إليه. وأخيرًا، زحفا تجاه إحدى النوافذ واختلسا النظر وهما يرتجفان؛ فرأيا بالداخل أعشابًا ضارية نامية وحجرة بلا أرضية ومدفأة قديمة ودرجات سلم منهارة وخيوط العنكبوت الممزقة تتدلى في كل الأرجاء.
دخل توم وهاك في هدوء وهما يتحدثان في همس وآذانهما منتبهة إلى أضعف الأصوات وعضلاتهما متأهبة للتقهقر الفوري. وتفقدا الأرضية بنظرات فاحصة شاملة؛ وهنا أخذت مخاوفهما تتقهقر شيئًا فشيئًا، فوضعا أخيرًا أدوات الحفر جانبًا وقررا أن يتفقدا الطابق العلوي.
كان الطابق العلوي مظلمًا وقذرًا مثل الطابق السفلي تمامًا. وعثر الصبيَّان في أحد الأركان على خزانة، لكن اتضح أنها فارغة، فشعرا بالإحباط، وكانا على وشك النزول إلى أسفل وبدء العمل عندما …
قال توم: «أنصت!»
همس هاك: «ما الأمر؟ وأخذ وجهه يمتقع من الذعر.»
– «هناك! … أتسمع هذا؟»
– «أجل! … يا إلهي! لنهرب!»
قال توم: «لا تتحرك! إنهم قادمون تجاه الباب الأمامي مباشرة.»
انبطح الصبيَّان على الأرض وأخذا يحدقان في الحجرة الموجودة في الطابق السفلي عبر بعض الألواح المكسورة. وقد استلقيا ساكنين قدر استطاعتهما، مترقبين في ارتعاد.
انفتح الباب الأمامي ودخل منه رجلان. فالتفت توم إلى هاك وتمتم في هدوء: «ذلك هو الإسباني الكهل الذي عرَّج على المدينة مرة أو مرتين في الفترة الأخيرة ويقول الناس عنه إنه لا يسمع ولا يتكلم، أما ذلك الرجل الآخر فإنني لم أره من قبل.»
وكان الرجل الآخر رث الثياب متسخ المظهر مكفهرَّ الوجه. أما بالنسبة للإسباني الغامض، فقد كان يتدثر بشال صوفي ملون طويل. وكان شاربه أبيض كثيفًا وشعره الأبيض الطويل يتدلى من تحت قبعته المكسيكية وكان يرتدي نظارات خضراء. جلس الرجلان على الأرض، وجهاهما إلى الباب وظهراهما إلى الجدار، فحاول توم وهاك أن يسترقا السمع إلى كل كلمة يقولانها.
قال الرجل المكفهر الوجه لرفيقه: «لا، لقد فكرتُ في الأمر مليًّا ووجدته لا يروق لي؛ فهو أمر خطير.»
قال الإسباني متبرمًا: «أمر خطير! هذا هراء!» فصُدم الصبيَّان لدى سماعهما صوته.
فما إن سمع توم وهاك صوت الرجل الإسباني حتى ارتعدت فرائصهما؛ فقد كان ذلك الإسباني هو إنجون جو متنكرًا! طال الصمت ثم تكلم إنجون فقال: «وهل هناك شيء أخطر من المجيء إلى هنا في وضح النهار!»
– «أعرف هذا، وأريد الإقلاع عن هذا الأمر اللعين؛ وكلما أسرعنا، كان ذلك أفضل.»
أخرج الرجلان بعض الطعام، وبدآ يعدَّان الغداء. وبعد طول تفكير قال إنجون: «اسمع أيها الرجل، ارجع إلى النهر من حيث أتيت وانتظر هناك حتى آمرك، ولسوف أجازف بأن أعرِّج على هذه المدينة مرة أخيرة لكي ألقي نظرة. ولسوف نقوم بهذا العمل «الخطير» بعد أن أتحسّس ما حولنا قليلًا. وبعدها نرحل إلى تكساس!»
وعندما وافقه الرجل، تناولا طعامهما في صمت، وبعدها أخذا يتثاءبان، فقال إنجون جو: «إني أحتاج إلى قسط من النوم! هذه نوبتك في الحراسة.»
جثم إنجون جو على الأعشاب، وعلى الفور غطّ في نومه. وبعدها بوقت يسير، أخذ الحارس يتمايل نعاسًا أيضًا؛ إذ أخذت رأسه تميل لأسفل أكثر فأكثر، وسرعان ما غرقا كلاهما في سبات عميق. فتنفس الصبيَّان الصعداء ثم همس توم: «والآن حانت فرصتنا، هيا!»
قال هاك بصوت مرتعش: «لا أستطيع، سأموت إذا استيقظا من النوم.»
نهض توم بتؤدة، لكن ما إن وطأت قدماه الأرض اللعينة حتى أصدرت صريرًا عاليًا جدًّا، فذاب قلب توم كالشمع وكاد يموت رعبًا. تجمد الصبيَّان في مكانهما وهما يعدَّان اللحظات. وأخيرًا لاحظا أن الشمس قد بدأت تشرق.
وفجأة توقف إنجون جو عن الغطيط ونهض ونظر حوله.
قال إنجون باسمًا، وهو يكِز الرجل الآخر بقدمه: «أحارس أنت؟!»
ازدرد الرجل ريقه وقال: «يا إلهي! هل رحتُ في النوم؟»
ضحك إنجون جو.
– «لقد حان وقت التحرك يا شريكي، فماذا سنفعل ببقية المال المسروق الذي معنا؟»
– «لا أعرف، أرى أن نتركه هاهنا كما كنا نفعل دائمًا، فلن نحمل معنا ستمائة دولار فضيّ!»
وافق إنجون على رأيه، فقال: «حسنًا، لكننا سندفنها هذه المرة على عمق كبير.»
قال شريك إنجون: «رأي سديد.» ثم سار عبر الحجرة وانحنى على ركبتيه والتقط أحد الأحجار الثقيلة الموجودة بجانب المدفأة المنهارة، ثم أخرج كيس نقود وأخذ عشرين أو ثلاثين دولارًا لنفسه، ومثلهم لإنجون جو. وعندئذ أعطى الكيس لإنجون الذي كان جاثيًا في ذلك الحين على ركبتيه في أحد الأركان، يحفر باستخدام سكينه مسنون النصلين الذي يشبه الحربة.
نسي توم وهاك كل مخاوفهما لدى رؤيتهما العملات البراقة؛ فيا للحظ! إن ستمائة دولار لمبلغ كافٍ لأن يثري ستة صبْيان! وها هو ذا كنز سهل المنال للغاية؛ فأنت تعرف أين ستحفر بالضبط!
اصطدم سكين إنجون بشيء ما.
سأل شريكه: «ما هذا؟»
– «إنه لوح خشبي قديم، لا، إنه صندوق، أنا متيقن من هذا. انتظر!» ثم مدّ إنجون يده في الصندوق ثم أخرجها.
– «إنه مال يا رجل!»
تفقد الرجلان حفنة العملات الذهبية، وكان الصبيَّان من فوقهما يشعران بالبهجة بالمثل.
قال إنجون: «سننتهي من هذا الأمر سريعًا. فثمة معول صدئ قديم على الجانب الآخر من المدفأة، لقد رأيتُه منذ دقيقة.»
ثم ركض، وأحضر معول وجاروف الصبيين، وفي غضون لحظات معدودة أخرجا من الأرض صندوقًا صغيرًا مصنوعًا من الحديد، لكن تعلوه طبقة من الصدأ بسبب وجوده هناك كل هذه السنين. نظر الرجلان إلى الكنز في صمت، وهما لا يكادان يصدِّقان ما يريانه بأعينهما.
قال إنجون جو: «يا صديقي، يوجد هنا الآلاف من الدولارات.»
أضاف شريك إنجون: «لطالما كانت هناك أقاويل بأن عصابة توم موريل العجوز المضطلعة بسرقة البنوك قد اعتادت أن تأتي بالقرب من هنا في الصيف.»
قال إنجون: «أعرف هذا. ويبدو أن هذه العصابة هي من تركت هذا الكنز، أظن ذلك.»
– والآن أنت لست في حاجة إلى القيام بتلك المهمة الأخيرة.»
عبس وجه إنجون جو.
قال إنجون: «أنت لا تعرفني!» ثم امتلأت عينا إنجون جو بالقسوة والفتور واستأنف كلامه قائلًا: «لا يتعلق الأمر بالسرقة؛ فالأمر شخصي ويتعلق بالثأر! وسأحتاج إلى مساعدتك في هذا، وعندما ننتهي منه نرحل إلى تكساس.»
رد الرجل: «ليكن كقولك.» ثم سأله: «وماذا سنفعل بالصندوق؟ هل ندفنه مرة أخرى؟»
وعندما قال إنجون: «نعم.» كاد توم وهاك ألا يستطيعا أن يُخفيا غبطتهما، لكن بعدها بثوان معدودة صرخ إنجون جو: «لا!» فعبس وجها الصبيين، لكن سرعان ما تحول عبوس وجهيهما إلى رعب، عندما قال إنجون: «إن ثمة تراب جديد على هذا المعول! ما سبب وجود هذا المعول، وهذا الجاروف هنا؟ وعليهما تراب جديد، ليس إلا! من الذين أتوا بهما إلى هنا؟ وإلى أين ذهبوا؟ هل سمعت أحدًا؟ أرأيت مِن أحد؟ أوَتريدنا أن ندفنه مجددًا ويأتوا هم فيروا الأرض منبوشة! أنت غير محق، أنت غير محق؛ سنأخذ هذا الكنز إلى وكري.»
– «بالطبع! كنت أفكر في الشيء نفسه. أتقصد الرقم واحد؟»
– «كلا، بل أقصد الرقم اثنين، تحت الصليب، فالمكان الآخر غير آمن؛ فهو مكشوف للغاية.»
شعر الصبيَّان بالإحباط وتمنيا أن يقول إنجون وشريكه أي كلمة من شأنها أن تدلهما على المخبأ الذي يتحدثان عنه، فماذا قصد إنجون جو عندما ذكر أنه سوف يخفي الكنز «تحت الصليب»؟ تُرى تحت أي صليب؟
وبدلًا من أن يقولا شيئًا من شأنه أن يدلهما، قال الرجل الآخر لإنجون جو: «حسنًا، إن الظلام الآن كافٍ لأن ننطلق، فلنتحرك!»
نهض إنجون وذهب إلى كل نافذة وأطل منها بحذر ليتفقد هل من أحد بالخارج، وعندئذ قال:
«من عساه أن يكون قد أحضر هذه المعدات إلى هنا؟ أتظن أنهم من الممكن أن يكونوا في الطابق العلوي؟»
أطبق إنجون يده على سكينه وسكن في مكانه للحظة ثم اتجه إلى الطابق العلوي، فارتعد توم وهاك حتى أنهما كادا يتوقفان عن التنفس وفكَّرا في الاختباء في الخزانة، لكن قواهما كانت قد فارقتهما وكل ما كان بمقدورهما فعله هو الإنصات إلى صوت وقع الأقدام التي كانت تَصر على درجات السلم، وعندئذ فجأة صدر صوت انهيار ألواح خشبية عندما وطئ إنجون وسط حطام درجات السلم المتهدمة.
فسأله شريكه: «ما الفائدة من كل هذا الآن؟ إنه إذا كان ثمة أحد فوق، فدعه يمكث هناك، فإن هذا لا يعنينا في شيء! سيحل الظلام التام في غضون خمس عشرة دقيقة، وليتتبعنا إذا شاء. في وجهة نظري: أيًّا كان من أحضر هذا المعول وهذا الجاروف إلى هنا، فإنه لمحنا وظن أننا أشباح أو أرواح شريرة أو ما شابهها وهرب وأراهن على أنه لا يزال يركض مبتعدًا حتى الآن.»
تبرَّم إنجون قليلًا قبل أن يوافق على رأي شريكه، ثم جهز الرجلان أمتعتهما بما فيها الصندوق الثمين، وتسلَّلا في هدوء إلى خارج المنزل حيث الغسق الآخذ في الإظلام.