محاكمة إنجون جو
أرَّقت مغامرة اليوم توم في أحلامه. لقد كاد يضع يده أربع مرات على الكنز الثمين، وفي كل مرة كان يفلت من يده. وعندما استيقظ توم من نومه قرر أن ما وقع له ربما يكون مجرد حُلم. ولمَّا انتهى من تناول فطوره، ذهب للعثور على هاك فين. فإذا كان ما وقع له هو مجرد حُلم، فإنه سيعرف ذلك من هاك بالتأكيد.
وجدَ توم صديقه جالسًا في أحد القوارب، مدليًا قدميه في الماء، وعليه سيماء الحزن الشديد.
قال توم في بهجة: «مرحبًا يا هاك!»
– «مرحبًا بك!»
ثم ساد الصمت لدقيقة.
– «أرأيتَ يا توم، لو كنا قد تركنا المعدات التي تسببتْ في افتضاح أمرنا عند الشجرة الميتة، لكُنا قد حصلنا على المال. أليس هذا أمرًا مريعًا!»
– «إذن لم يكن هذا حُلمًا، لم يكن حُلمًا! لقد تمنيت أن يكون حُلمًا!»
– «ما هذا الذي لم يكن حُلمًا؟»
– «كل ما جرى البارحة، لقد خيل إلي أنه حُلم.»
– «حُلم! لو لم يتحطم السلَّم لانقض علينا إنجون، وعندها كنت ستعرف أنه ليس بحُلم. لقد كنت أحلم بهذا الشرير إنجون جو طوال الليل. عليه اللعنة!»
– «لا يا هاك، لا تلعنه، وإنما اكتشف مكانه. لا بد أن نعثر عليه ونتبعه إلى «رقم اثنين».»
– «كنت أفكر في هذا اللغز، ولكنني لم أستطع حله، ما رأيك أنت؟»
– «لا أعرف، فهذا أمر محير للغاية. اسمع يا هاك، ربما يكون رقم منزل.»
– «لا يا توم، هذا ليس رقم منزل، فالمنازل غير مرقمة في هذه البلدة الصغيرة.»
– «انتظر الآن، دعني أفكر قليلًا. إنه رقم غرفة ما في حانة.»
– «آه، هاهنا يكمن الخداع! لا يوجد سوى حانتين. بمقدورنا أن نكتشف الأمر سريعًا.»
وبعد مرور نصف ساعة، كان الصبيَّان قد مرا على كلتا الحانتين؛ فكان يشغل الحجرة رقم ٢ في الحانة الأرقى محامٍ شابٌّ منذ فترة طويلة، أما في النزل الأدنى فقد كان الغموض يشوب الغرفة رقم ٢. فقد ذكر ابن صاحب الحانة الصغير أنها تُغلق طوال الوقت ولا يدخلها أحد أو يخرج منها سوى في الليل.
توصل الصبيَّان إلى أنه لا بد من أن تكون هذه الغرفة غايتهما. وسرعان ما توصل توم إلى خطة؛ وهي أن يستحوذا على المفاتيح التي تصل إليها أيديهما وينتظرا حلول الظلام حتى يجرباها، وعليه فسيصير الكنز في قبضتيهما بسهولة.
وفي تلك الليلة، أخدا يحومان حول المكان حتى تجاوزت الساعة التاسعة؛ أحدهما يراقب الممر، والآخر يراقب باب الحانة، فلم يدخلها أو يغادرها أحد يشبه الإسباني.
وهكذا كان الحال أيضًا يومي الثلاثاء والأربعاء، لكنَّ ليلة الخميس كانت ليلة واعدة؛ فقد تسلل توم من منزله وأخذ معه مصباح العمة بولي الصغير ومنشفة طويلة لكي يغطي بها المصباح. وقبل منتصف الليل بساعة أُطفئت كل أنوار الحانة ولم يدخل مخلوق إلى الممر أو يخرج منه، وكان الظلام الدامس يغشى كل الأرجاء، ولم يكن يعكر صفو السكون التام سوى صوت الرعد الآتي من بعيد.
أضاء توم المصباح ودثره في المنشفة وزحف الصبيَّان في سكون تام في الظلام نحو الحانة ووقف هاك حارسًا، بينما تحسَّس توم الخطى عبر الممر الحالك الظلام. ومرت بضع دقائق على وقوف هاك في حراسته، وتوم مختفٍ. ووجد هاك نفسه ينساق بالتدريج أكثر فأكثر نحو الممر وينتابه الخوف من مختلف الأشياء التي يمكنها أن توقظ الخوف في النفس. وفجأة ظهر وميض ضوء وهلّ عليه توم مذعورًا قائلًا: «اهرب! اهرب! لتنج بحياتك!»
لم يتوقف الصبيَّان عن الجري إلى أن وصلا إلى مخزن حبوب مهجور، وما إن التقط توم أنفاسه حتى قال: «لقد كان الأمر مخيفًا يا هاك! فقد جربت اثنين من المفاتيح في هدوء قدر استطاعتي! بيد أنهما أصدرا صوتًا مرتفعًا، حتى كادت أنفاسي تنقطع من شدة الرعب، وبدون أن انتبه لما أنا فاعل، قبضت يدي على مقبض الباب الذي انفتح! وإذ لم يكن مغلقًا أصلًا فقد وجدت نفسي أتدحرج للداخل، ووقعت المنشفة، ويا لهول ما رأيت!»
– «ماذا، ماذا رأيت يا توم؟»
– «كدت أقع في براثن إنجون جو!»
– «مستحيل!»
– «بلى، لقد كان مستلقيًا هناك، غارقًا في النوم على ما يبدو على الأرض وباسطًا ذارعيه.»
– «وهل استيقظ؟»
– «لا، لم يتزحزح قط.»
– «قل لي يا توم، هل رأيت ذلك الصندوق؟»
– «لم أنتظر لأتلفت حولي يا هاك، لم أر الصندوق ولا الصليب ولا أي شيء سوى فنجان صغير على الأرض إلى جانب إنجون.»
فكَّر توم للحظة ثم استأنف كلامه:
«انتبه يا هاك، يجدر بنا ألَّا نقوم بشيء آخر إلى أن نتأكد من أن إنجون جو ليس هناك بالداخل، فهذا أمر مرعب للغاية. وإذا دأبنا على المراقبة كل ليلة، فسوف نتيقن من رؤيته خارجًا في وقت من الأوقات، وعندئذ سنخطف هذا الصندوق في لمح البصر.»
واتفقا على أن هاك سوف يقوم بمراقبة الحانة كل يوم، بينما يقوم توم بعملية خطف الصندوق عندما يحين الوقت المناسب. وهكذا مضى الصبيَّان وكلٌّ يحلم بالثراء الذي سرعان ما سيكون من نصيبهما.