أخبار مبهجة ومفاجأة عظيمة
جاءت ليلة الثلاثاء والحزن العميق يغشى قرية سان بيترسبيرج؛ فقد استسلم معظم الباحثين وقال الكثيرون إن الطفلين لن يُعثر عليهما أبدًا. ونحو منتصف الليل دوى صوت عظيم صادر عن قرع أجراس القرية وعجت الشوارع بالجموع المهتاجة الذين لم يجدوا الوقت لارتداء ملابسهم بالكامل، وكانوا يصرخون: «لقد عُثر عليهما! لقد عُثر عليهما!»
وانفرجت أسارير العمة بولي، بينما لم تقو السيدة ثاتشر على الكلام؛ لقد ظلت تبكي طوال الوقت، لكن الدموع المنهمرة الآن هي دموع الفرحة. واستلقى توم على أريكة والجميع يتجمهرون حوله، وقد روى القصة: كيف أنه ترك بيكي ومضى وحده للعثور على فتحة للخروج من الكهف، وكيف أنه سار في سردابين قدر ما وصل إليه حبل طائرته، وكيف أنه واصل المسير في سرداب ثالث طويل بطول أقصى امتداد لحبله وأنه كان على وشك النكوص والتراجع حتى لمح بقعة صغيرة بعيدة جدًّا بدت كضوء النهار، وكيف أنه أنزل حبله حينها وأخذ يتلمس طريقه نحو تلك البقعة ثم أخرج رأسه وأكتافه من الفتحة، ورأى نهر الميسيسبي العظيم يجري إلى جانبه!
ولم يكن من السهل التخلص من آثار ثلاثة أيام وليال من المشقة والجوع؛ فقد مكث توم وبيكي طريحي الفراش طوال يومي الأربعاء والخميس. وكاد يوم السبت ينقضي عندما ترك توم فراشه أخيرًا.
ذهب توم من فوره ليرى هاك، الذي كان راقدًا محمومًا حمَّى شديدة، ولكن الأرملة دوجلاس كانت تختصه بالرعاية ولم تسمح لأحد بزيارته.
وبعد مرور أسبوع كان هاك لا يزال طريح الفراش، وعرَّج توم على بيكي ليراها، وقد طلب منه القاضي ثاتشر وبعض الأصحاب أن يتحدث عن مغامراته بداخل الكهف.
قال القاضي عندما فرغ توم من الحديث: «حسنًا، لن يُفقد أحد في هذا الكهف بعد الآن.»
سأله توم: «لماذا؟»
– «لأنني وضعت على بابه الكبير لوحًا حديديًّا كبيرًا منذ أسبوعين وأحكمت غلقه بثلاثة أقفال وأحتفظ بمفاتيحه الآن.»
شحب وجه توم بشدة.
فسأله القاضي: «ما الخطب يا ولدي؟ ليحضر أحد كوب ماء!»
وأُحضر الماء ورُش به وجه توم.
– «والآن ها أنت بخير، أخبرني يا فتى ما الخطب؟»
– «آه، أيها القاضي، إن إنجون جو موجود داخل الكهف!»
بعد ساعات قلائل فُتح باب الكهف ووُجد إنجون جو ممدًّا على الأرض ميتًا ووجهه قريب من فتحة الباب؛ إذ مات المسكين البائس جوعًا.
وبعدما تعافى هاك أخيرًا، تحاور الصبيَّان ولم تكن هناك أخبار عن الكنز بعد. وقد فُتشت حجرة إنجون جو في الحانة، ولكنها وُجدت فارغة.
قال هاك: «أظن أن إنجون جو خلف وراءه أصدقاء قد أخذوا المال. على كل، إنه كان سيصبح لعنة علينا يا توم!»
– «إن هذا المال لم يدخل إلى الحانة من الأصل يا هاك!»
– «ماذا؟»
– «إنه في الكهف!»
وبعد ذلك بفترة وجيزة استعار الصبيَّان قاربًا صغيرًا وسارا به عبر النهر، وعندما أصبحا على بُعد بضعة أميال أسفل الكهف، وجَّه توم هاك كي يدير الدفة نحو الشاطئ.
– «والآن يا هاك، يمكنك من مكاننا هذا أن تجد الفتحة التي خرجت من خلالها من الكهف، فهي قريبة جدًّا، فانظر هل يمكنك العثور عليها؟»
فتش هاك في كل الأرجاء ولكنه لم يعثر على شيء. فسار توم مزهوًّا بنفسه نحو مجموعة من شجيرات السماق، وقال: «ها هي الفتحة! انظر إليها يا هاك، إنها أضيق فتحة في هذا البلد. لطالما كنت أرجو طيلة عمري أن أصير لصًّا، لكنني ما كنت أعرف أنني سأحصل على شيء مثل هذا. سنتكتم الأمر، ولكننا سنطلع عليه جو هاربر فقط لأننا سنحتاج بلا ريب إلى عصابة، عصابة توم سوير، يبدو هذا الاسم رائعًا! أليس كذلك يا هاك؟»
– «بلى، يبدو كذلك يا توم، ولكن على من سنسطو؟»
– «أظن أنه أي شخص في الغالب.»
– «يا له من أمر رائع يا توم!»
في تلك الأثناء كان الصبيَّان مستعدين للدخول من الفتحة، وكان توم يتولى القيادة، وقد شقا طريقهما نحو الطرف البعيد من النفق، وبعد بضع خطوات أخرى، وصلا إلى جدول المياه حيث كان توم وبيكي يمكثان. فلما رأى توم ذلك المشهد ثانية وتذكر ما اجتازه من رعب هناك، ارتعدت فرائصه، وقد أرى توم هاك قطعة الفتيلة الصغيرة التي تبقت من الشمعة على كتلة من الطين على الجدار، وأخبره كيف أنه هو وبيكي قد شاهدا لهب الشمعة وهو يشتعل على نحو متقطع ثم يخمد. وكان توم وهاك الآن على بعد خطوات معدودة من البقعة التي رأى توم عندها إنجون جو أول مرة.
– «والآن سأريك شيئًا ما يا هاك.»
ثم رفع توم شمعته عاليًا، وقال: «انظر إلى أقصى مدى يمكن أن تصل إليه عيناك، هل ترى هذا؟ على الصخرة الكبيرة هناك، ذلك الشيء المرسوم بدخان الشمعة؟»
– «إنه صليب يا توم!»
– «ألا ترى رقم اثنين تحت الصليب؟ هه؟»
أخرج كل صبي سكينه وبدأ يحفران ولم يتجاوزا في حفرهما عشرة سنتيمترات فحسب حتى اصطدما بشيء خشبي.
بدأ هاك يحفر وينبش، وبعد قليل أخرجا صندوق الكنز.
قال هاك: «أخيرًا حصلنا عليه!» ثم فتح الصندوق وأخذ يغرف بكلتا يديه العملات القديمة ويقول: «نحن أثرياء!»
وبعد أن عبأ الصبيَّان العملات في أكياس، قررا أن يخبئا المال في مخزن الحطب الخاص بالأرملة ثم يدفنانه في غضون الأيام القلائل المقبلة. حمَّل الصبيَّان العربة التي تجرها اليد، وكانا يمران بكوخ الويلزي العجوز بالضبط عندما قررا أن يستريحا قليلًا. ولمّا همّا بالرحيل، خرج الشيخ بنفسه من الكوخ.
– «يا للحظ! أيها الصبيَّان، لقد جعلتما الجميع ينتظرونكما. هيا أسرعا وسأجر لكما العربة بنفسي. أسرعا، أسرعا!»
أراد توم وهاك أن يعرفا لم كل هذه العجلة، ولكن لم يكن هناك وقت للتساؤل. وبعد فترة وجيزة، صاروا في منزل الأرملة دوجلاس. وكان هناك جمع غفير بانتظارهم يضم كل شخص ذي شأن في القرية. رحبت الأرملة بالصبيين ترحيبًا حارًّا، كما يليق لأي شخص أن يرحب بمثل هذين الكائنين الذين يكسوهما الطين والوحل وشحم الشمع. فاحمر وجه العمة بولي خجلًا، وهي تهز رأسها لتوم.
قال الويلزي العجوز: «لم يكن توم بالمنزل فشعرت باليأس من العثور عليه، لكنني التقيته هو وهاك بمحض المصادفة عند باب منزلي مباشرة، ثم أحضرتهما إلى هنا على عجل.»
قالت الأرملة: «أحسنت يا رجل. والآن اتبعاني أيها الصبيَّان.»
اصطحبتهما المرأة إلى أعلى السلم، وهي تقول: «والآن أيها الصبيَّان، اغتسلا وبدلا ملابسكما، فهاهنا سترتان جديدتان من أجلكما وقمصان وجوارب، وكل شيء، وهما على مقاس هاك، ولكنهما سيناسبان كليكما، هيا ارتدياهما. نحن بانتظاركما، ثم انزلا متى تهندمتما جيدًا.»