المبجل هاك ينضم إلى عصابة توم
نظر هاك حوله في توتر.
– «هذه النافذة ليست شديدة الارتفاع يا توم، لو تمكنا من العثور على حبل، أظن أنه بمقدرونا أن نهرب من هنا.»
– «سحقًا لك! لماذا تريد أن تهرب؟»
– «لا أعتاد هذا النوع من الجموع يا توم، لا يمكنني النزول إلى هناك.»
– «آه يا أخي! ليس هناك ما يدعو للانزعاج، سأعتني بك.»
وبعد دقائق معدودات، كان ضيوف الأرملة يلتفون حول مائدة العشاء واثنا عشر طفلًا حول موائد جانبية صغيرة في الحجرة. وقد أُعدت هذه الوليمة على شرف الويلزي العجوز وابنيه عرفانًا لهم بالجميل من أجل الصنيع البطولي الذي قاموا به. وفي الوقت المناسب وثب الشيخ على قدميه كي يلقي كلمة شكر للأرملة، وبينما كان الجمع ينصتون في حماس شديد، إذا به ينقطع عن الكلام ثم يقول إن هناك شخصًا آخر في هذه الغرفة هو من يستحق الشرف الأعظم.
– «إنه هاك فين.»
دهش الجميع، وسرت في الغرفة موجة من التمتمة والهمس، بل إن الدهشة كانت تعلو وجه الأرملة نفسها؛ إذ علمت لتوها فحسب الدور الذي لعبه هاك في منع إنجون جو من إلحاق الضرر بها.
وبعد العشاء، فجَّرت الأرملة مفاجأة من صنيعها، فلقد أعلنت أنها تنوي أن تجعل هاك يقيم معها وتعلمه، وعندما تستطيع أن تدخر بعض المال فسوف تساعده على أن يبدأ مشروعًا صغيرًا. عندئذ تكلم توم: «هاك ليس في حاجه لهذا، فهو ثري بالفعل.»
لم يستطع الجمع أن يمنعوا أنفسهم من الانفجار ضحكًا لدى سماعهم أن هاك فين ثري؛ الأمر الذي بدا غير مألوف في مسامعهم، فاسترسل توم: «لقد حصل هاك على المال، ربما لا تصدقون، ولكنه حصل على الكثير منه. لا داعي للسخرية، أظن أنه بمقدوري أن أريكم، انتظروا دقيقة فحسب.»
أسرع توم خارج الباب، في حين تملكت الحيرة والارتباك من الجمع.
وبعد دقيقة عاد توم مثقلًا بأكياس النقود، ثم صب كتلة العملات الصفراء على المائدة، وقال: «انظروا، أما قلت لكم؟ إن نصف هذه النقود ملك لهاك والنصف الآخر ملكي أنا!»
لم ينبس أحد ببنت شفة للحظة ثم أخذ الجميع يصيحون طالبين تفسيرًا لهذا، والذي أسرع توم كي يقدمه. وبعد أن انتهى، جرى عد المال، فوُجد أنه يتجاوز الاثني عشر ألف دولار بقليل؛ لقد كان هاك فين ثريًّا!
أودعت الأرملة دوجلاس نقود هاك في البنك، وفعلت العمة بولي الشيء نفسه بنقود توم.
أما بالنسبة للقاضي ثاتشر والد بيكي، فقد اختلفت نظرته لتوم اختلافًا كبيرًا؛ إذ أصبح يكن له عظيم الاحترام؛ فما من صبي عادي يستطيع أن ينقذ ابنته من مثل هذا الكهف، وقد تمنى أن يراه محاميًا ذا شأن أو جنديًّا عظيمًا يومًا ما، بل وإنه كان على يقين من أن توم قد يذهب إلى مدرسة ويست بوينت ويتدرب في أفضل مدرسة قانون في البلاد.
وقد أدت ثروة هاك ورعاية الأرملة دوجلاس له إلى تقديمه للمجتمع، أو بالأحرى أجبرته على ذلك. وتعاظمت معاناته حتى كادت تفوق قدرته على الاحتمال؛ إذ حرص خدم الأرملة على أن يكون مهندمًا ونظيفًا ومصفف الشعر طوال الوقت. وقد اضطر إلى أن يتناول طعامه باستخدام الشوكة والسكين وأن يستخدم مناديل المائدة وكوبًا وطبقًا، وكان عليه أن يستذكر، وأن يذهب إلى الكنيسة، كما كان عليه أن يتحدث على نحو لائق كذلك.
وقد تحمل هاك كل هذه المشقة بشجاعة طيلة ثلاثة أسابيع كاملة، إلى أن فُقد في أحد أيام السبت، وعلى مدار يومين كاملين دأبت الأرملة في البحث عنه في كل الأرجاء، ولكن كل الجهود باءت بالفشل. وفي الصباح الباكر في اليوم الثالث ذهب توم سوير للبحث وسط بعض حظائر الخنازير الفارغة القديمة التي تقع وراء صوامع الحبوب المهجورة، فعثر على صديقه في إحداها. وكان هاك قد أمضى ليلته هناك، وعندما عثر عليه توم كان قد فرغ لتوه من تناول بعض فتات الطعام المسروقة، وكان يرتدي ثيابه البالية القديمة وينعم بمضغ قطعة من العلك. وأخبره توم عن المتاعب التي تسبب فيها وحثه على الرجوع إلى المنزل.
قال هاك متنهدًا: «لا تقدم على ذكر هذا يا توم، لقد جربت هذا ولم يفلح، أنا لا أصلح لهذا. إن الأرملة عطوف ولطيفة ومحبة، ولكنني لا أستطيع أن أتحمل طريقة العيش هذه؛ فهي تجعلني أستيقظ في الميعاد نفسه كل صباح وتجعلني أغتسل؛ وخدامها يصففون شعري بعنف؛ علاوة على أنها لن تدعني أنام في مخزن الحطب. وقد اضطروني إلى أن أرتدي ملابس لعينة تخنقني وأن أذهب إلى الكنيسة، وأتصبب عرقًا بشدة، فأنا أكره مواعظهم المؤثرة!»
– «جميعنا يضطر إلى أن يفعل هذا يا هاك.»
– «هذا لا يغير شيئًا، فأنا لست كالجميع، ولا يمكنني أن أطيق هذا. اسمع يا توم، إنه ليس بأمر محمود أن تصير غنيًّا؛ فهو لا يجلب معه سوى المزيد والمزيد من القلق، والمزيد والمزيد من المشقة؛ وأن تتمنى طوال الوقت لو كنت ميتًا. خذ أنت يا توم نصيبي من المال، وأعطني بين الفينة والفينة عشر سنتات عندما أكون في أشد الحاجة إليها واذهب إلى المنزل واعتذر للأرملة نيابة عني.»
– «هاك! إنك تعلم أنه ليس بمقدوري أن أفعل هذا، لكنك إذا جربت هذه العيشة فترة أطول قليلًا، فإنها ستروق لك.»
– «لا يا توم، لن أكون ثريًّا. أنا أحب الغابة والنهر وكل هذا، وسأتمسك به أيضًا. سحقًا! فبينما كنا نعد العدة لأن نصير لصوصًا، إذا بهذه الحماقة اللعينة تفسد علينا كل شيء!»
انتهز توم الفرصة، وقال: «اسمع يا هاك، أن أصير غنيًّا لن يثنيني عن عزمي على أن أصير لصًّا.»
– «هل أنت جاد فيما تقول يا توم؟»
– «منتهى الجدية، ولكننا لن نسمح لك يا هاك بالانضمام إلى عصابتنا ما لم تكن جديرًا بالاحترام كما تعلم.»
أجاب هاك: «توم، لطالما كنت ودودًا معي، ولهذا لن تحرمني من الانضمام إلى المجموعة. لن تقوم بذلك يا توم، أليس كذلك؟»
– «أنا لا أريد أن أفعل هذا يا هاك، ولكن ماذا سيقول الناس؟ عصابة توم سوير بكل عظمتها بها شخصيات وضيعة! وسيقصدونك أنت بذلك يا هاك، ولن يروق لك هذا، ولا أنا أحبذ هذا أيضًا.»
صمت هاك لحظة يفكر فيما قاله توم.
– «حسنًا، سأرجع إلى الأرملة لمدة شهر وأرى هل بمقدوري أن أتحمل هذه العيشة، إذا قبلت أن تضمني إلى عصابتك يا توم.»
– «حسنًا يا هاك، اتفقنا!»
– «ومتى سنبدأ؟»
– «في الحال. سنجمع الأولاد، ونستهل العمل الليلة في الأغلب.»
– «وما هذا العمل؟»
– «سيقسم بعضنا لبعض، ونحلف بألا نفشي أسرار العصابة حتى لو قُطعنا إربًا إربًا، ونقاتل كل من يحاول أن يؤذي أي فرد من أفراد العصابة.»
– «هذا عظيم يا توم، عظيم للغاية.»
– «حسنًا، أؤكد لك إنه لكذلك. ولا بد من أن يقسم الجميع عند منتصف الليل في أكثر البقاع التي يمكن العثور عليها وحشة وهجرًا. ولا بد من أن نقسم على نعش، وأن توقع عليه بدمك!»
– «هذا رائع! وهو أفضل مليون مرة من الاشتغال بالقرصنة. وسألتصق بالأرملة إلى أن أموت يا توم، وإذا ما صرت لصًّا عظيمًا، وأصبحت مثار حديث الناس، فأظن أنها ستفتخر بأنها ربتني.»
مضى الصبيَّان في طريقهما يتحدثان عن عصابتهما ويتصوران كل المغامرات الرائعة التي سيقومان بها.