انكسار القلب يأتي سريعًا
كانت الشمس ساطعة خارج الفصل وبدا الهواء منعشًا، أمَّا بداخله فلم تكن هناك نسمة واحدة. ورأى توم عصفورين أزرقين يحلِّقان في السماء في هدوء؛ فتفاءل واستبشر أنه لن يعيش وحيدًا ثانية، ثم نظر إلى بيكي التي كانت منهمكة في دراستها، فرآها أجمل من إيمي لورانس التي كان يتودد إليها من قبل في المدرسة. وعندما حلّ وقت الظهيرة أخيرًا، تدفق التلاميذ خارج المبنى المدرسي الصغير، مسرعين إلى منازلهم لتناول الغداء. وعندما نهضت بيكي من مقعدها، همس توم في أذنها: «اخرجي معهم وعندما تَصلين إلى الزاوية، تسللي من بينهم وانعطفي عبر الممر وعودي إلى هنا مرة أخرى كي نلتقي.»
وبعد قليل، عادا إلى المدرسة التي أصبحت خالية. فجلسا معًا وأمامهما ورقة بيضاء وأعطاها توم قلمه الرصاص وأمسك بيدها وهو يرشدها في الرسم، وبعد قليل ظهر منزل آخر على الورقة؛ فابتسمت بيكي له.
سألها توم بعدما انزوى شغفها بالرسم: «هل تحبين الفئران؟»
– «لا، أكرهها بشدة!»
– «حسنًا، أنا أيضًا أكرهها — الأحياء منها. لكنني أتحدث عن الفئران الميتة.»
– «لا، لا أبالي بأمر الفئران، لكن ما أحبه بشدة هو مضغ العلك.»
– «وأنا أيضًا. أتمنى لو كان معي بعضها الآن!»
– «أنا معي بعضها.»
وهكذا جلس توم وبيكي في هدوء يمضغان العلك لبعض الوقت، وهما يدليان أرجلهما من المقعد.
سألها توم: «هل سبق لك أن ذهبتِ إلى السيرك؟»
– «أجل، وقد وعدني أبي أن يصطحبني إلى هناك مرة أخرى، إذا أحسنتُ السلوك.»
– «لقد ذهبتُ إلى السيرك ثلاث أو أربع مرات وأنوي أن أصير مهرجًا في السيرك عندما أكبر.»
– «سيكون هذا لطيفًا، فالمهرجون منظرهم رائع جدًّا؛ إذ يرتدون ملابس مليئة بالرقع الملونة.»
– «كما يحصلون على مال وفير — فقد سمعت أن أجر الواحد منهم قد يصل إلى دولار في اليوم.»
أخذ توم عندئذ نفسًا عميقًا: «أخبريني يا بيكي، هل سبق لك وأن خُطبتِ لأحد؟»
– «لا.»
– «وهل تحبين ذلك؟»
– «لا أعرف. وما هي الخطبة؟»
– «ما الخطبة؟ لا شيء. كل ما عليكِ هو أن تخبري أحد الصبْيان بأنكِ لا تحبين أحدًا غيره أبدًا أبدًا، وعندئذ تقبِّلينه، هذا كل ما في الأمر. يمكن لأي شخص أن يفعل هذا.»
– «ولماذا القبلة؟»
– «لأن هذا ما يفعله الجميع؟ هل تتذكرين ما كتبته لك على الورقة؟»
– «أجل.»
– «وماذا كان ذلك؟»
– «لن أخبرك.»
قال توم: «سأخبرك أنا،» ثم وضع يده على خصر بيكي وهمس في أذنها قائلًا: «أنا أحبك.»
– «والآن حان دورك — عليك أن تهمسي في أذني بالطريقة نفسها.»
ترددت بيكي للحظة. فأدار توم وجهه بعيدًا، فمالت بيكي في خجل وهمست في أذنه همسًا خافتًا: «وأنا … أحبـ … ك.»
وعندئذ هبت من مكانها وجرت من حول الطاولات والمقاعد إلى زاوية الفصل حيث خبأت وجهها بين ذراعيها.
قال توم محاولًا أن يهدِّئ من روعها: «بيكي، لقد انتهى كل شيء، انتهى كل شيء فيما عدا القُبلة، ولا يجب أن تخافي من هذا.»
ظلت بيكي هكذا لبعض الوقت، تدفن وجهها بين ذراعيها قبالة الجدار. وظل توم يتحدث محاولًا أن يقنعها بفضائل القُبلة، إلى أن استدارت وأنزلت ذراعيها، فقبَّلها توم برفق.
– «والآن انتهى الأمر، ولا يجب أن تحبي أحدًا غيري يا بيكي، كما يجب ألا تتزوجي من أحد غيري أيضًا.»
– «لن أحب أحدًا غيرك أبدًا يا توم، وأنت أيضًا يجب ألا تحب أحدًا غيري.»
– «نعم بالطبع، وهذا ليس كل شيء؛ بل عندما نسير إلى المدرسة أو نلعب في الحفلات، سنكون معًا على الدوام.»
– «هذا لشيء لطيف، لم أسمع عن شيء كهذا من قبل!»
– «إنه أمر رائع! لقد كنا أنا وإيمي لورانس …»
امتنع توم عن الكلام عندما أدرك في الحال الخطأ الذي وقع فيه.
– «توم، أنا لست أول واحدة تعقد خطبتك عليها؟!»
بدأت بيكي تبكي.
أخذ توم يتوسل إليها: «لا يا بيكي، لا تبكي. أنا لم أعد أهتم بإيمي لورانس.»
لكن بيكي استمرت في البكاء وحاول توم أن يضع يده حول رقبتها، لكنها دفعته بعيدًا. وتألم توم بشدة من رؤيتها تبكي، فوقف منزعجًا لا يعرف ماذا يفعل أو يقول.
– «بيكي، أنا لا أهتم بأحد سواك.»
ظلت بيكي لا ترد عليه، وإنما تبكي فحسب.
– «بيكي، ألن تجيبيني؟»
لم يَلقَ أي رد سوى المزيد من البكاء، فوضع يده في جيبه وأخرج أثمن مقتنياته — نجمًا نحاسيًّا لامعًا — كان قد حصل عليه من قمة أحد الأسوار.
– «من فضلك يا بيكي، ألن تأخذيه؟»
رمته بيكي في غضب إلى الأرض. فكانت رميتها نهاية الأمر بالنسبة إلى توم.
شعر توم بالغضب الشديد والحزن أيضًا، فسار إلى خارج المدرسة وأخذ يركض. أخذ يعدو أكثر فأكثر حتى وصل تل كارديف، وتجاوزه، ثم قصر دوجلاس، وتجاوزه أيضًا. ظل يعدو إلى أن اختفى مبنى المدرسة عن النظر، وعندئذ جلس لوقت طويل واضعًا مرفقيه على ركبتيه ومسنِدًا ذقنه إلى يديه. ما الذي فعله؟ أخذ توم يفكر ويفكر. لقد كان يقصد خيرًا، وقد عُومل معاملة الكلاب، الكلاب! ماذا لو تركها الآن واختفى تمامًا؟ هل ستشعر بيكي بالأسف من أجله!
وهنا خطرت بذهنه فكرة؛ سيصبح قرصانًا، إنها المغامرة التي طالما كان يحلم بها منذ أمد بعيد. يا لروعة أن يبحر عبر البحار الهائجة بسفينة سوداء فخمة، يرفرف في صاريها علم القراصنة. وبعد أن يذيع صيته بسبب أعماله الجسورة، سيعود إلى مدينته القديمة الهادئة سانت بيترسبرج بميسوري، ويسير صوب الكنيسة مرتديًا حذاءه الأسود الطويل ووشاحه الأحمر وسيفه ومسدساته مثبتة في حزامه. وعندئذ سينظر إليه الجميع، بمن فيهم بيكي، ويتهامسون فيما بينهم: «هذا توم سوير القرصان الشهير! أشجع رجل أبحر بسفينة!»
لقد تقرر مستقبل توم، فوثب على قدميه وركض عبر الغابة متصورًا حياته الجديدة الرائعة في أعالي البحار.