توم يتصارع مع ضميره
بحلول وقت الغداء كانت قد انتشرت أنباء المقتل المريع للطبيب روبينسون في كل أنحاء القرية. وقد صرف السيد دوبينز الفصل الدراسي لبقية اليوم؛ إذ لم يكن بمقدور أحد أن يفكر في شيء سوى الحادث الشنيع الذي وقع الليلة المنصرمة.
وعُثر على سكين ماف بوتر الملطخة بالدماء بالقرب من جثة روبينسون ورأى شخصٌ ما ماف بوتر وهو يغتسل في جدول النهر نحو الساعة الثانية صباحًا، وكان مفاد الحديث الدائر أن القرية مقلوبة رأسًا على عقب للعثور على القاتل.
وبالتدريج بدأت أفواج من سكان القرية يتدفقون إلى المقابر. وقرر توم أن ينضم إلى الموكب، وبوصولهم إلى المكان المرعب، تسلل إلى مقدمة الجمع، وعلى الفور اندفع هاكلبيري سريعًا إلى جانب توم.
قال أحدهم: «واحسرتاه على هذا الرجل! واحسرتاه على هذا الشاب المسكين!»
قاطعه آخر: «عسى أن يصبح عبرة لنابشي القبور!»
نظر توم عبر الجمع وكاد قلبه يتوقف عندما وقعت عيناه على وجه إنجون جو الوحشي، وعندئذ ساد اضطراب بين الجموع.
صرخ صوت: «ها هو ماف بوتر!»
– «لا تدعوه يهرب!»
وقف ماف بوتر في مكانه بلا حراك، وهو ينظر حوله في ارتباك. وعندما رأى القتيل، أخذ جسده ينتفض ويرتجف بعنف شديد.
أخذ ماف بوتر يبكي بشدة ويقول: «لم أقتله يا أصدقائي، أقسم بشرفي إنني لم أفعل هذا البتة.»
سأله المأمور: «أليست السكين سكينك؟» ثم أخذ يلوح بالسكين في وجه بوتر.
وكاد ماف بوتر يتهاوى على الأرض عندما قبض عليه بعض الرجال الذين كانوا يقفون على مقربة منه، فأجلسوه على الأرض، فأخذ يبكي إلى أن وقعت عيناه على إنجون جو الذي كان مشرق الوجه.
قال بوتر: «أَخبرهم يا جو، أخبرهم! لا فائدة من تكتم الأمر الآن.»
وقف توم وهاك صامتين وكتما أنفاسهما عندما حملقا في إنجون جو في انتظار أن يتكلم. والتزم إنجون الهدوء قدر استطاعته ثم سرد على وتيرة واحدة حكاية مليئة بالأكاذيب؛ إذ أخذ يصف كيف تصارع بوتر مع الطبيب روبينسون وكيف انتهى به الحال إلى قتله إياه.
التفت شخص ما إلى ماف بوتر، وسأله: «لماذا لم ترحل؟ وما الذي أتى بك إلى مسرح الجريمة مرة أخرى؟»
تنهد بوتر، وقال: «لـ … لم أستطع أن أمنع نفسي، كنتُ أنشُد الهرب، لكنني لم أستطع أن أذهب إلى مكان سوى هذا.»
أجهش ماف بوتر بالبكاء من جديد، بينما أخذ إنجون جو يكرر سرد حكايته بعد أن نطق بالقسَم هذه المرة. وصعق الصبيَّان من أكاذيب إنجون جو، ومن كونه سيفلت من العقاب على هذه الأكاذيب. لكن توم وهاك كانا مرتعدين من الإفصاح عن الحقيقة خوفًا من انتقام إنجون جو.
ازدادت الأمور سوءًا بمرض بيكي ثاتشر وتوقفها عن الذهاب إلى المدرسة. ماذا لو ماتت! تملكت المخاوف من توم حتى إنه لم يعد يجد متعة في أي شيء على الإطلاق، ولا حتى في أن يصير قرصانًا. وكان يصل إلى المدرسة مبكرًا كل يوم، وبدلًا من أن يلعب مع الأصدقاء، كان يتسكع عند بوابة المدرسة الأمامية مثبتًا نظره على الطريق.
ولاحت له مجموعة من الفتيات، فتكدر توم وانزعج من كل فتاة منهن لمجرد أنها ليست الفتاة المنشودة التي كان يتوقع رؤيتها. وعندما تلاشت آمال توم، اتجه إلى مبنى المدرسة الكئيب الموحش. وعندئذ شاهد فتاة أخرى قادمة من بعيد، فإذا به يصرخ ويضحك ويطارد الأولاد الآخرين من حوله. وجازف توم بحياته فقفز من فوق السور وانقلب واقفًا على رأسه. وكان يؤدي كل هذه الأعمال البطولية وعينه في ذات الوقت تراقب بيكي، وبعدئذ بدأت صيحات الحرب عندما خطف قبعة أحد الصبْيان وألقى بها على سقف مبنى المدرسة ثم اخترق زمرة من الصبْيان، فأوقعهم على الأرض قبل أن يتجه إلى بيكي مباشرة ويبسط ذراعيه عليها ويكاد يوقعها على الأرض.
التفتت بيكي في ازدراء وهمهمت: «أف! بعض الناس يظنون أنهم أذكياء، ودائمًا ما يستعرضون!»
احمر وجه توم خجلًا، وقام من على الأرض ومضى في طريقه في هدوء وهو يشعر بالمهانة الشديدة.
وتجاهل توم بيكي على غداء هذا اليوم تجاهلًا تامًا، وتظاهر بأنه لا يراها وهي تجول في سعادة ووجه نضر جيئة وذهابًا تلهو مع بقية زملائها في الفصل، وكان واضحًا وضوح الشمس أنها تحاول أن تلفت نظر توم. وابتعد توم بعيدًا حتى يستهل حوارًا مع إيمي لورانس.
وفي وقت الراحة بين الحصص الدراسية، استمر توم يتودد إلى إيمي ويبذل كل ما في وسعه كي يتأكد من أن بيكي تراه. وفي آخر الأمر وجد توم بيكي تشاهد الصور في كتاب مصور مع ألفريد تيمبل وهما يجلسان على نحو حميمي على مقعد صغير خلف مبنى المدرسة، غارقيْن بشدة في المشاهدة ورأساهما متقاربان جدًّا فوق الكتاب حتى إنه بدا عليهما أنهما لا يدريان بأي شيء آخر في العالم بأسره، ولا سيما بتوم وإيمي.
سرت الغيرة في عروق توم كالنار في الهشيم، ولمّا لم يطق تحمل منظر بيكي وألفريد للحظة واحدة أخرى، ودع توم إيمي وركض عائدًا إلى منزله. واستمرت بيكي تشاهد الصور مع ألفريد، لكن لمّا لم يعد هناك توم ليعاني من الغيرة، بدأت الدقائق تمر عليها وكأنها دهر، لذا أخذت بيكي تشعر بالحزن. ولمّا رأى ألفريد أن بيكي بدأت تنصرف عنه، ظل يستلفت انتباهها: «ها هنا صورة جميلة. انظري إلى هذه!»
صرخت بيكي: «لا تزعجني! فأنا لا أكترث لهذه الصور!» وعندئذ أجهشتْ بالبكاء وابتعدت بعيدًا.