الفصل الثامن
وأقبل رسل علي إلى الكوفة، فوجدوا أميرها أبا موسى الأشعري راغبًا عن الفتنة كارهًا للقتال مخذِّلًا للناس عن نصر إمامهم، وكانت حجته في هذا يسيرة؛ فإن الإمام لم يكن يريد أن يحارب عدوًّا من الكفار، وإنما كان يوشك أن يحارب قومًا مثله يؤمنون مثله بالله ورسوله واليوم الآخر، فكره أن يقاتل المسلمون المسلمين. رأى ذلك لنفسه ثم لم يلبث أن رآه لأهل مصره جميعًا، وأيسر ما يأمر به الدين أن يحب الإنسان للناس ما يُحب لنفسه.
فقد كان أبو موسى إذن ناصحًا لنفسه ولأهل الكوفة حين نهاهم عن القتال وخذلهم عن نصر الإمام، ولكن أبا موسى كان قد بايع عليًّا وأخذ له بيعة أهل الكوفة، وهذه البيعة تفرض عليه نصر الإمام بنفسه وبأهل مصره، فإن تحرَّج من ذلك استقال الإمام وترك عمله وانضم إلى أولئك المعتزلين فاجتنب من الفتنة ما يجتنبون. فأما أن يكون قد بايع عليًّا وقبل أن يكون له واليًا ثم يأبى بعد ذلك أن ينفر مع أهل مصره حين استنفرهم الإمام فشيء لا يكاد يستقيم؛ ولذلك أرسل علي إليه يلومه ويعنفه ويعزله عن عمله، وأرسل واليًا جديدًا هو قرَظة بن كعب الأنصاري، وأرسل الحسن بن علي وعمَّار بن ياسر يستنفران الناس.
ويروي بعض المؤرخين أن الأشتر استأذن عليًّا في أن يلحق برسله إلى الكوفة، فأذن له، فلما بلغ المصرَ جمع نفرًا من قومه أولي بأس وأغار بهم على قصر الإمارة، وأبو موسى يخطب الناس، فاحتاز القصرَ وبيت المال، واضطر أبا موسى إلى أن يعتزل العمل، ففعل وخرج من الكوفة حتى أتى مكة فأقام فيها مع المعتزلين، ونفر أهل الكوفة لنصر إمامهم؛ فأتوه حيث كان ينتظرهم بذي قار.