الصوت
في تولّد الصوت
الصوت هو ما يصدر عن كل حركة اهتزازية لجسم رنان تحدث في الهواء ارتجاجًا يسير فيه إلى بعد ما — فمثلا إذا طرق بجسم صلب على كوبة من البللور لأجل حدوث صوت ومست حافة هذه الكوبة بالإصبع مسًا خفيفًا، حصل فيه رجات سريعة جدًا تدل على اهتزاز الكوبة — وإذا ضغط بالإصبع على الحافة الملموسة لإيقاف حركتها الاهتزازية شوهد انقطاع الصوت في الحال — كذا إذا علقت كرة صغيرة من العاج ملامسة لجدر ناقوس من الزجاج، ثم أحدث في الناقوس صوت شوهد أن الكرة تفعل جملة حركات ذهاب وإياب سريعة تدل على حركة اهتزاز الناقوس.
ويمكن بيان ذلك أيضًا بواسطة وتر مشدود، فإذا أبعد عن وضعه الذي يكون في حالة موازنة وترك شوهد فيه تفرطح، خصوصًا في جزئه المتوسط، وإذا كان مشدودًا شدًا قويًّا فيسمع منه صوت عندما يذبذب؛ وذلك لأن سرعة تذبذبه عند ذلك تكون عظيمة.
والأجسام الصلبة المجوفة إذا نفر عليها يحدث بذلك صوت عظيم، ذو رنين ويستمر زمنًا لتردد الهواء في جوفها وتموجه فيها؛ ولذلك لهم ينقبون مثل القانون والعود وما شاكلهما لتموج الهواء في جوفها.
وكذلك البوقات الطوال يخرج منها صوت عظيم؛ بسبب تموج الهواء في مسافة طولها.
وكذلك صوت الإنسان والحيوان يحدث عند تصادم الهواء الخارج من الرئتين في الحنجرة.
الفرق بين الشدة والارتفاع والنغمة
إذا عدنا إلى التجربة السالفة وأعطينا إلى الصفيحة طولاً بحيث تولد صوتًا عند تذبذب، وأبعدناها عن وضعها الأصلي قليلاً أو كثيرًا لتذبذب شوهد أن الصوت الذي تولده يكون أقوى، أي: أشد كلما كان اتساع الذبذبة المقابلة له أعظم ولو أن طبيعة الصوت المتولد تكون واحدة، ومن هنا يرى أنه يمكن أن يقال إن شدة الصوت تتغير بتغير اتساع الذبذبة المقابلة له.
وزيادة على ذلك، فقد ظهر لنا فيما سبق أنه بقصر الجزء المتذبذب تزداد سرعة التذبذب، وتزداد أيضًا تبعًا لها حدة الصوت، وبذلك يرى أنه يمكن أن يقال إن حدة الصوت أي ارتفاعه تزداد بازدياد عدد الذبذبات التي تحمل في زمن واحد، وأخيرًا فتوجد أصوات شدتها واحدة وارتفاعها واحد وتختلف عن بعضها بصفة ثالثة تسمى بالنغمة، وهي التي تسمح لنا بتمييز أصوات أنواع الآلات الموسيقية عن بعضها، كذا هي التي تسمح لنا بتمييز أصوات الأشخاص المختلفة — والنغمة ناتجة من كون كل صوت تولده آلة مخصوصة يكون دائمًا مصحوبًا بجملة أصوات أخرى خاصة بتلك الآلة دون غيرها.
اللغط
توجد أصوات لا تحدث على الأُذن إحساسًا مقبولاً كالأصوات الموسيقية — وذلك كمصادمة مَطرقةٍ لسندال وحصول الرعد، وغير ذلك وتسمى لغطًا — وهذه الأصوات ولو أنها لا تدوم إلا مدة يسيرة جدًا، فإن لكل منها شدة وارتفاعًا ونغمة خاصة به كباقي الأصوات.
في كيفية انتشار الصوت في الهواء والأمواج الصوتية
عندما يولد جسمٌ رنان صوتًا في الهواء، فإن الاهتزازات التي تحصل فيه عند ذلك، تنتقل إلى الهواء الذي يحيط به وهو الذي يوصلها إلى آذاننا.
ولبيان الصفة التي ينتقل بها الصوت في الهواء يكفي ملاحظة ما يحصل على سطح ماء راكد عندما تمس نقطة من نقطة جملة مرات متتالية بطرف عصاه، فيشاهد عند ذلك تولد جملة أمواج صغيرة دائرية تبعد شيئًا فشيئًا عن النقطة التي تتولد فيها — وإذا تأمل للأجسام الخفيفة السابحة على سطح ذلك السائل يرى أنها ترتفع كلما تقابلها موجة بدون أن تنتقل من مواضعها — ومن ذلك ينتج أن الاضطراب الذي يحصل في النقطة الممسوسة بالعصاة يولد في جميع نقط السائل على التعاقب بدون أن ينقلها حركات صعود وهبوط مشابهة التي تحصل في تلك النقطة — وبهذه الكيفية ينتشر أيضا الصوت في الهواء، أي أن الجسم المتذبذب لا يولد حركة انتقالية في الهواء، بل يحدث في نقطة على التعاقب حركات ذهاب وإياب صغيرة مشابهة للتي تحصل في الجسم الرنان، والذي يولد سمع الصوت هي الحركة الاهتزازية التي تحصل في الطبقة الهوائية الملامسة لغشاء الطبلة — وقد سميت الاضطرابات التي تحصل في الهواء حول الجسم الرنان (بالأمواج الصوتية) وذلك للاشتباه الموجود بينها وبين الأمواج المائية.
سرعة انتشار الصوت في الهواء
إذا نظر إنسان إلى مدفع وقت طلقه، وهو بَعيد عنه، فإنه يرى اللهب الذي يخرج منه قبل أن يسمع الفرقعة، فهذا يدل على انتشار الصوت ليس وقتيًا، بل يستغرق زمنًا لانتقاله من نقطة إلى أخرى.
ومن جهة أخرى إذا لاحظ الإنسان ألحان موسيقى تصدح على بعد، فإنه يسمع تطابق وتوالي ألحانها كما لو كان بجوارها فهذا يدل أيضًا على أن جميع الأصوات تسري في الهواء بسرعة واحدة مهما كان ارتفاعها وشدتها وعلى ذلك يكفي لتعيين سرعة انتشار الأصوات تعيين سرعة انتشار أحدها.
ثم إنه إذا انتقل إنسان في نقط مختلفة البعد عن مدفع وصار يعين في كل منها الزمن الذي يمضي من وقت رؤيته لهب المدفع إلى سماع صوته، فإنه يرى أن هذه الأزمنة تكون مناسبة الأبعاد تلك النقط من المدفع، فهذا دليل أيضًا على أن سرعة انتشار الصوت منتظمة؛ ولذا عرفت سرعة الصوت بالمسألة التي يقطعها في الثانية الواحدة.
وأول تجربة فعلت لتعيين سرعة الصوت بضبط كاف كانت في فرنسا سنة ١٨٢٢ وقد فعلت هذه التجربة بالقرب من باريس بين (فيلجويف) (ومونتيري) فوضع مدفعان في البلدين المذكورين، وأطلق المدفع الذي في البلد الأولى فحسب الذين في البلد الثانية الزمن الذي مضى من وقت رؤية لهب المدفع إلى سماع صوته، ثم أطلق المدفع الذي في البلد الثانية خوفًا من أن يكون لاتجاه الهواء تأثير على انتشار الصوت، وحسب الذين في البلد الأولى الزمن الذي مضى من وقت رؤية اللهب إلى سماع الصوت — وقد عملت هذه التجربة جملة مرارًا لزيادة الضبط وأخذ متوسط تلك الأعداد وحيث كان يمكن أن يعتبر أن الضوء يقطع المسافة الواقعة بين البلدتين المذكورتين في مدة غير محسوسة؛ إذن يكون متوسط هذه الأعداد هو الزمن الذي يقطع فيه الصوت المسافة المذكورة، وعلى ذلك، فإذا قسم هذا المتوسط على مقدار هذه المسافة يكون خارج القسمة هو سرعة الصوت — وقد عملت هذه القسمة، فكان الخارج هو ٣٤٠ مترًا أعني أن الصوت يقطع في الهواء ٣٤٠ مترًا في الثانية الواحدة.
وأما سرعة الصوت في الأجسام الصلبة في أعظم أيضًا فقد عمل (بيوت) عدة تجارب على مواسير الزهر المعدة لتوصيل المياه، فظهر له أن سرعة الصوت في الحديد الزهر هي تقريبًا قدر سرعته في الهواء عشر مرات ونصف.
انعكاس الصوت والصدَى
إذا صادفت الأمواج الصوتية في سيرها عائقًا ثابتًا، فإنها تنعكس بواسطته كما ينعكس الضوء بسطح مصقول وانعكاس الصوت بهذه الكيفية وهو المحدث للصدى، فإنه متى صرخ إنسان على مسافة من حائط مرتفع أو تل يسمع إعادة صوته يعذر من طويل أو قصير على حسب بعد المسافة؛ وذلك لأن الأمواج الصوتية عندما تصادم الحائط أو التل ترد بواسطته إلى أذنه.
ولأجل سماع الصدى يلزم أن يكون بعد العارض الذي يرتد عليه الصوت عن الشخص المتكلم ١٧ مترًا على الأقل؛ وذلك لأنه لا يمكن سماع صوتين متفاوتين إلا إذا كانت المسافة بين حدوثهما عُشْر ثانية على الأقل — وبما أن الصوت يقطع في عشر ثانية ٣٤ مترًا فيجب حينئذ لسماع الصدى وجود الشخص المتكلم على نصف هذه المسافة من العائق أي على ١٧ مترًا منه وبدون ذلك، فإنه يسمع صوته والصدى الناتج منه في آن واحد.
في الأجهزة المُعدَّة لعد الاهتزازات الصوتية
ولأجل بيان طبيعة الصوت المتولد بهذه الكيفية، وسبب تولده نفرض مثلاً أن القرص الثابت من بنت الماء المستعملة فيه اثنتا عشرة فتحة، وإن القرص المتحرك فيه فتحة واحدة، ففي كل دورة من هذا القرص تأتي فتحته على التوالي أمام الاثنتي عشرة فتحة الموجودة في القرص الثابت، وبذلك ينفذ منها الهواء اثنتي عشرة مرة، وينقطع مثلها، وحيث إن الهواء الذي يخرج من هذه الفتحة يحدث دفعات متتالية على الهواء الخارجي فيتولد منه حينئذ صوت يزداد ارتفاعه بازدياد عدد الدفعات التي تحصل في زمن واحد أي: بازدياد سرعة الدوران.
أما إذا كان في القرص المتحرك اثنتي عشرة فتحة كما في القرص الثابت، فيرى أنه متى كان أحد ثقوب القرص الأول أمام آخر من القرص الثاني، تكون جميع الثقوب الأخرى أمام بعضها مثنى مثنى — ومن ذلك ينتج أن الهواء يخرج من الاثنتي عشرة فتحة مرة واحدة، وتكون حينئذ الدفعة التي تحصل منها على الهواء الخارجي قوية أي أن شدة الصوت تزداد — أما ارتفاعه فيكون كما كان في الحالة الأولى ما دامت سرعة الدوران واحدة؛ وذلك لأن عدد الذبذبات التي تحصل في الدورة الواحدة من القرص المتحرك يكون أيضًا اثنتي عشرة ذبذبة.
تعيين النسبة الكائنة بين عدد ذبذبات صوتين
يوجد آلات تصلح بالأخص لتعيين النسبة الكائنة بين عدد الذبذبات التي تحصل في آن واحد عند تولد صوتين ارتفاعهما مختلفان.
فإذا وضعنا الآن ساقًا ثانيًا كالساق، وتحت ذلك الساق وأحدثنا ذبذبة الساقين في آن واحد، ثم أدرنا الاسطوانة بعد رسم خطين رأسيين على سطحها على بعد مناسب من بعضهما، يرى أنه إذا كان الساقان يولدان صوتين ارتفاعهما واحد يكون عدد التعاريج الموجود بين هذين الخطين واحدًا في كل من الحلزونين أي: أن عدد الذبذبات التي يحدثها كل من الساقين في زمن واحد يكون واحدًا — أما إذا كان الساقان يولدان صوتين مختلفين، فيكفي لإيجاد النسبة الكائنة بين عدد الذبذبات التي تحصل في آن واحد عند تولد هذين الصوتين عند التعاريج المقابلة لكل ساق على حدتها وقسمة العددين الناتجين على بعضهما.
(تنبيه) — إذا فرض أن طبقة النيلج الموجودة على الأسطوانة أ ب تجمدت والتصقت على سطحها بعد رسم الشكل الحلزوني المتعرج فيها، وأديرت هذه الأسطوانة بعد إبعاد طرف الإبرة ط عنها في اتجاه مضاد للذي أديرت فيه لرسم هذا الحلزون إلى أن تعود إلى وضعها الأصلي ثم وضع سن الإبرة في النقطة التي تبتدئ فيها التعاريج وأديرت الأسطوانة ثانيًا في الاتجاه الأول يرى أن السن المذكور يكون مجبورًا أن يتبع التعاريج التي رسمها أولاً على سطح الأسطوانة، وبذلك يتذبذب القضيب وبالصفة التي كان يتذبذب بها عندما كون التعاريج المذكورة أي أنه يعيد الصوت الذي أحدثه أولاً وعلى ذلك أسس الفونوجراف المنسوب إلى (إيديسون).