محمد أفندي سالم
هو المطرب الشهير شهي التغريد، والمبدع الكبير معبدي الأناشيد. ذو الصوت الشجي الجوهري، المتموج الجهوري، المخترع الناظم (محمد أفندي سالم).
هو في درجة ومن طبقة المرحوم (عبده أفندي الحمولي) في الغناء، ومن نظرائه في إتقان الترتيب ووحدة الأداء. وقد اعترف له المرحوم فوق ذلك حيث قال: أحسن الأصوات في مصر صوتان: (سالم) في الرجال و(ألمز) في النساء.
وقد علم الله أنه ما تكلم بغير الحق. وما نطق إلا بالصدق لأن صوت المترجم سليم رخيم أشهى إلى الآذان من رجوع العافية إلى جسم السقيم. وأصفى من ماء الغمام. وأضوأ من بدر التمام. إذا انكشفت عنه حجب الغمام في حندس الظلام. صوت إذا شدا به بين رجال حلبته كان لهم كعذر الذنوب. أو سله من صقاله كان كحسام صقيل يفرق به عن القلب صدأه ويفتح باب الفرح. أو بذور الحياة تنبت في القلب نور السرور بحسن ترجيع الأنغام. أو هزار مغرٍ يغرد فيغري الخلي بالوجد والغرام. فهو يمتاز عن غيره بصفائه وتهاديه في حلة من الحلاوة. وحلية مضيئة من الطلاوة. لو تجسم لكان حقه. أن يجمل الياقوت حقه.
فما صوت الطيور على غصون الأشجار. ولا خرير ماء الغدران والأنهار. ولا البشرى رجع بها الرسول. بقرب بلوغ المحب غاية المحب — ولا صوت الحبيب يرن أذن المغرم الولهان. بعد طول الصد والهجران — بألذ وأطرب من صوت (سالم) وهو يشنف على عوده الأسماع بأطرب النقر، ويقرن معه غناء كالغنى بعد الفقر.
*** ولكن لما كان أكثر العوام. كالأنعام. لا يفقهون للجمال الحقيقي معنى. ويدعون بأن المترجم قد كبر سنًا. وقد غاب عنهم بأن الشبان في مصر لا يمكنهم أن يأتوا بمثل ما يأتي به هذا المغني المجيد. من محاسن الإبداع وأحاسن الأناشيد. وإنه مهما كبر فصوته لا يزال في شبابه يستنزل به الأعصم من وكره ويسبي الليث في غابه — أما كفى على فضله دليلاً أنه يغني الأدوار بدون مساعد. ويأتي فيها بالطرف والفرائد. وتجده مع ذلك لا يتعالى. ولا يتكبر ولا يتعالى. بل يجاوب من يكرر الطلب عليه من السامعين بكلام ظريف كالوشي المنمق. والرحيق المروق، يسر المحزون. ويسهل الحزون. فيسكرون سكرين: سكر غنائه الرقيق، وسكر حديث العذب الأنيق.
وعسى بتلك الشهادة الحقة التي لا أريد بها غير الخدمة العامة — أن يتنبه أصحاب الأعراس الكبيرة إلى هذا الفرد الباقي في تلك الأمة فيزينون أفراحهم بصوته المطرب. ويكملون أنسهم يتفننه المعجب. ولا يصغون إلى كلام الوشاة الذين في قلوبهم مرض. أو يكون لهم في الفساد غرض. عمه الله بالتأييد. وعمره العمر المديد. ولو كره المنافقون.