مقدمة

كان قراري — في فترة باكرة — أن تكون مصر، الماضي والحاضر واستشرافات المستقبل، هي الأرضية التي تتحرك فوقها غالبية كتاباتي، وظلت هي الاسم المرادف، أو المتداخل، في العديد من العناوين: الأسوار – لحظات مصرية، مصر في قصص كتابها المعاصرين، مصر – من يريدها بسوء، قراءة في شخصيات مصرية، مصر المكان، مصر الأسماء والأمثال والتعبيرات.

كان القرار صادرًا عن الوجدان بأكثر من نزوعه عن اتجاه سياسي أو أيديولوجية مذهبية أو طائفية. لعله محصلة الشعور بالمأزق الذي عاشته الحياة المصرية — في كل مستوياتها — منذ تفتح الوعي على نهايات الحرب العالمية الثانية، ثم مأساة الحرب الفلسطينية، وما رافق ذلك، وتلاه، من أحداث.

وإذا كانت الجهارة مما لا يحتمله العمل الفني، فإن الهمس بالكلمات — على حد تعبير أستاذنا محمد مندور — كان حرصي في كل محاولاتي الإبداعية. ما يضيق بالهمس، أسجله في قراءات إيجابية ودراسات لاحظت الكتابات النقدية أن السياسة ملمح مهم في محاولاتي الروائية والقصصية، وإن أحسست — شخصيًّا بالاطمئنان إلى تقديرهم للسرد الفني في هذه المحاولات، فهي إذن قد أفلتت من شرَك التقريرية والمباشرة.

لقد صدر لي من الكتب التي تنتسب إلى التراجم، أو السيرة الذاتية، أو إليهما معًا: قراءة في شخصيات مصرية، آباء الستينيات، نجيب محفوظ – صداقة جيلين، السحار – رحلة إلى السيرة النبوية. سدى هذه الكتب، شخصيات تتلمذت عليها، سواء بالعلاقة الشخصية والتلمذة المباشرة، أو بالقراءة والمتابعة.

الكتاب الذي بين يديك عن شخصيات أحببتها، وإن حالت ظروف موضوعية دون أن أتتلمذ عليها، أو أفيد منها بما ينعكس على كتاباتي الإبداعية، أو التي أعبر فيها عن قراءات إيجابية ووجهات نظر.

القيمة الأهم لكل شخصية في هذا الكتاب هي تأثيرها الواضح على بُعدٍ ما في الحياة المصرية، بحيث لم يقتصر التأثير على جماعة بذاتها من الشعب المصري، ولا على فترة معينة من حياته، إنما تواصل ذلك التأثير بعد غياب الشخصية. هذا ما نتبينه في زعامة جمال عبد الناصر، وفي ريادة الأفغاني، وفي التطور الذي ألحقه داود حسني بالموسيقى الشرقية، وفي أستاذ الواقعية السينمائية صلاح أبو سيف، ثم في المعلم الذي مثَّله عبد الحليم حافظ ليس على مستوى الغناء فحسب، بل على مستوى الظاهرة التي شملت أبعاد حياتنا السياسية والاجتماعية والثقافية.

محمد جبريل
القاهرة ١٥ / ٧/ ٢٠٠٨م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤