مقدمة الأعمال الكاملة للدكتور غالي شكري
ربما يقودنا إلى إعلان استيائنا من كتابة «المقدمات» بحثنا عن صلة نفرض بها أفكارنا على قارئ النقد. ليس لديَّ ما أقوله للقارئ إذا لم تتمكن تجربة غالي شكري النقدية والأدبية والثقافية والسياسية من القيام بهذه المهمة من تِلقاء نفسها. ولعل لغة الناقد القادرة على الإقناع هي مقالته النقدية لا ترجمته لمقاله. وأنا لا أحاول هنا أن أتدخل في العَلاقة بين القارئ وبين هذه المقالات والدراسات التي تُمثل حصيلة نصف قرن من بحث الراحل غالي شكري المتواصل عن منهج للبحث النقدي الجاد. ولكني أطمح إلى أن يحقق القراء والنقاد رغبتي في اعتبار هذه المجلدات الطبعة الأولى الحقيقية من أعمال الناقد والمفكر المصري الراحل غالي شكري (١٩٣٥–١٩٩٨م).
كان من أهم هموم غالي شكري العثور على معايير يتفق عليها النقاد لإقرار نجاح العمل الأدبي والفني.
لم أُقدِم على قطع أي جزء من أجزاء جسده النقدي في هذه الطبعة الأولى من أعماله، لكن ما دام الناقد غائبًا فكان لا بد مِن أحد يُشرف على نتاجه. ليس صحيحًا أن كل ما يقوله الناقد وثيقة. كل ناقد يرتكب كثيرًا من التغْيِيرات، وربما لذلك حذف غالي شكري من جميع قوائم مؤلفاته التي تُذيل جميع مؤلفاته، على مدار نصف قرن من الكتابة، اثنين من كتبه المطبوعة؛ ألا وهُما كتاب «كلمات من الجزيرة المهجورة» (طبعة أولى، لبنان، ١٩٦٤م)، وكتاب «ثورة الفكر في أدبنا الحديث» (طبعة أولى، القاهرة، مكتبة الأنجلو، سبتمبر ١٩٦٥م).
لذا لن يجد القارئ في هذه الطبعة الإلكترونية هذين الكتابين. إذ أجرى الراحل في حياته تطورًا في فكره وأشرف بنفسه على ذلك التطور. لا تنطوي هذه الرغبة على التباهي بكل ما اختاره الناقد للبقاء، ولكنها تعبيرٌ عن الوفاء لِمَا وافق على تسجيل ما يَقبله أن يكون عُرضة للناس. والأعمال الكاملة لا تكون أعمالًا كاملة إلا حين تنتهي حياة الناقد، وقد رحل الناقد الكبير في منزله بالقاهرة في مايو من العام ١٩٩٨م، وقد حان الوقت تمامًا لنشر تلك الأعمال على النحو الكامل عبر مؤسسة هنداوي.
الدكتور غالي شكري، كاتبًا ومفكرًا وناقدًا كبيرًا، أسهم بمؤلفاته العديدة والمتنوعة في إثراء جوانب الحركة الثقافية المصرية والعربية، فهو لم يتخلَّف لحظة واحدة عن متابعة دوره الفاعل والمؤثر في صياغة مجتمع العلم والتقدم والاستنارة، وآثر على الدوام أن يكون في موقع القلب من الحياة الثقافية اليومية، عبر اقترابه الحميم ومواكبته لنبض الواقع المُتغيِّر، والالتحام بمشكلات الإنسان المصري وهمومه وقضاياه.