مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم

لأحداث العراق وفتيانه نصيب وافر من الألعاب العربية القديمة. توارثوها عن الأجداد، وجُبلوا عليها كل هذا الزمن الطويل، فكانوا — وأيم الحق — سفرًا حافلًا يضم بين دفتَيه تاريخ العرب الأقدمين، وإن من هذه الألعاب ما تفرَّدوا به دون بقية الأقطار العربية، فكانوا يتسمون به وحدهم، والبعض الآخر شائع في جميعها يمارسه الناشئ السوري والحجازي واليماني، والناشئ العربي في شمالي إفريقية كما يمارسه العراقي؛ لأن العرب عندما أهلوا الأقطار قديمًا، وتوغلوا فيها بعد الفتح حملوا إليها ألعابهم في جملة ما حملوه من نشاط وصفاء ذهن وسلامة خُلُق، إنما تباينت أسماء تلك الألعاب، ولَحِقَها التحريف ونتجت منها هذه الألعاب الشعبية، فهي وإن كانت مختلفة في العرض فهي متحدة في الجوهر.

ولكن هذه الألعاب الشعبية بالرغم من أنها كانت تعالج منذ عهد قريب، فإن منها ما اندثر، ومنها ما يكاد يندثر فيتولاه الضياع.

ولما كانت هذه الألعاب تمثل ناحية كبرى من تقاليدنا الموروثة وأخلاقنا القومية القويمة، التي يعز علينا أن نزايلها فقد امتلأتُ أسفًا لإهمالها، وعقدت النية على إبرازها وإحياء معالمها، فبادرت إلى جمع ما تفرق منها، فصرت أُكثر من مراقبة الفتيان حين ألعابهم، وأستمع إلى الشيوخ يقصُّون عليَّ ما علق بأذهانهم منها، ثم رجعت إلى نفسي فتذكرت كل أيام صباي، وبالأخير عمدت إلى بطون أسفار اللغة والأدب فنقَّبت فيها، وبذلت الجهد لإرجاع ما توصلت إليه من الألعاب العراقية الشعبية إلى أصلها القديم، ووضعت لأغلبها أسماءها العربية الفصحى، فدونتها بأسلوب جذاب ولغة سلسلة.

وما كنت حريصًا على إحيائها إلا لبثِّ الدعاية الواسعة النطاق للرياضة البدنية في داخل المدرسة وخارجها، ولجعل الطلاب وغيرهم من الناشئة هواة للألعاب المفيدة وغُوَاةً للرياضة على اختلاف أنواعها؛ وليحتفظ الجميع بالتراث الذي وصل إليهم من قديم الزمن.

وقد انتقيت الألعاب التي تربي في النفس سرعة الحكم، والمبادرة إلى العمل، والتي تقوِّي روح الملاحظة والإرادة، والتي تعلِّم الفتى الإقدام في مواطن الخطر، ومع هذا فإنني لم أطرح جانبًا تلك التي وضعت لمحض التسلية، وأسقطت الألعاب التي لا يؤمن فيها على الطفل العثور، والتي كان ضررها أكثر من نفعها، كألعاب القمار وغيرها، كما أنني أنبه القارئ الكريم إلى «لعبة المكاسرة» فبالرغم من أنها تمثل الحياة بما فيها من مغالبة ومناضلة، إلا أنها لا تخلو من أخطار فهي تبعث بين الفريقين المتنازعين روح النفرة والشحناء، وتؤدي إلى الأذى وتعطيل الأعضاء، فكثيرًا ما يُخدش وجه أو يُشج رأس أو تُقلع عين بحجر يقذفه المتكاسرون بمقاليعهم؛ ولكي تكون المكاسرة مشبعة بروح المسرَّة لجميع اللاعبين، وجب أن تحول إلى شكل منظم آخر، وذلك بأن يتخذ اللاعبون هدفًا بعيدًا يصوبون إليه رمياتهم، أو يتبادرون في تبعيد قذيفاتهم كما يصنع اللاعبون في لعبة قذف القرص أو رمي الرمح، وهكذا يمكن القول في تحوير سواها من الألعاب، وأما المفرقعات فيحظر استعمالها إلا في الأعياد والأفراح، ولا تعانى إلا بملاحظة شديدة، ونوصي أن يتولى القيام بتنظيم إيقادها لجان خاصة تأخذ المسؤولية على عاتقها لما في معاناتها من خطورة، وقد قسمته إلى خمسة فصول:
  • الفصل الأول: في الألعاب الرياضية.
  • الفصل الثاني: في ألعاب الكرة.
  • الفصل الثالث: في ألعاب شتى.
  • الفصل الرابع: في الأعمال اليدوية.
  • الفصل الخامس: في الألعاب العربية القديمة.

وكان الفصل الأخير جدولًا عامًّا بما كان يمارسه العرب من الألعاب، ذكرناها وإن لم نتوفق في شرح بعضها أو الإسهاب فيها؛ لتكون حافزًا لغيري ممن تهمه الرياضة البدنية، ويدرك أن العقل السليم في الجسم السليم، ويعرف أن للأجداد تقاليد قويمة يجب أن يتمسك بها الأبناء.

ومن الله أستمد العون في خدمة الوطن المبارك.

عبد الستار القرغولي

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤