الفصل الثالث عشر
حال الأحزاب بعد سولون
إذن فقد بدأ سولون سياحته للأسباب التي قدمناها، سافر وترك المدينة مضطربة، ومع ذلك
فقد حوفظ على النظام أربع سنين، ولكن الأتينيين في السنة الخامسة بعد أن قام سولون
بمنصب الأركون لم ينتخبوا أحدًا للقيام بهذا المنصب لشدة ما كانوا فيه من اضطراب، ثم
عاد هذا الاضطراب بعد أربع سنين، وترك الأتينيون مدينتهم من غير أن يولوا عليها
الأركون، ثم مضت أربع سنين أخرى وانتخب داماسياس أركونًا، فقام بعمله سنتين وشهرين
وأُبعد منه قهرًا، فقر رأي الأتينيين حينئذٍ لهذا الاضطراب أن ينتخبوا عشرة لمناصب
الأركون: خمسة منهم يمثلون الأوباتريداي١ وثلاثة يمثلون الزراع واثنان بين العمال، هذه الجماعة من الأركون قامت على
سلطان المدينة في السنة التي وليت عمل داماسياس، وهذا يدل على أن الأركون كان يملك أوسع
أنواع السلطان وأشدها قوة، فإن الأحزاب إنما كانت تجاهد أشد الجهاد للاستئثار بهذا
المنصب.
ومهما يكن من شيء فما زال الأتينيون يألمون لهذه الاضطرابات الداخلية، وكان بعضهم
يعلل سخطه قبل كل شيء بإسقاط الديون الذي انتهى بهم إلى الفقر، وآخرون كانوا يعلنون
سخطهم لما أصاب النظام من تغير شديد بعد هذه الثورة ذات الخطر، وقوم آخرون كان يبعثهم
على السخط ما يملأ قلوبهم من غيرة وحسد. كان في أتينا حينئذ أحزاب ثلاثة: حزب الباراليين٢ الذي كان يديره ميجا كليس بن الكميون، والذي كان يُظهر الميل إلى أن يكون
السلطان في يد الطبقة الوسطى، وحزب البيديين٣ الذي كان يميل إلى حكومة الأقلية من الأرستوقراطية، والذي كان رئيسه
ليكيرجوس، وحزب الدياكريين٤ وعلى رأسه بيزيستراتوس الذي كان يظهر أنه أشد الناس ميلًا إلى نصر
الديموقراطية.
وكان هذا الحزب الثالث قد عظم وكثر عدده، فقد دعا إليه الفقر من أصابه إسقاط الديون، ودعا إليه الخوف من كان يخشى أن يحرمه مولده حق الانتساب إلى المدينة، وآية ذلك أن الأتينيين بعد أن أسقطوا سلطان الطغاة أصلحوا السجل المدني ومحوا منه أسماء كثير من الناس كانوا يستمتعون بحقوقهم المدنية والسياسية ظلمًا، وكان كل حزب من هذه الأحزاب يتسمى باسم المكان الذي يزرعه.
١
هم الأشراف، ومعنى الكلمة باليونانية مَن حسُن مولده.
٢
هم أهل الساحل.
٣
هم أهل السهل وأصحاب الأرض.
٤
هم أهل الجبل.