الفصل السادس عشر
بيزيستراتوس (٢)
وصف حكومته
كذلك قام سلطان بيزيستراتوس، وكذلك اختلفت عليه الصروف، وقد حكم بيزيستراتوس المدينة
كما قدمنا، وهو إلى إجلال القوانين أقرب منه إلى انتهاك حرمتها، وقد كان سهل الجانب حلو
الخلق حليمًا رفيقًا، وكان يُقرض الفقراء ما يمكنهم من أن يستثمروا أرضهم، وإنما كان
يفعل ذلك لشيئين؛ الأول أنه كان يريد أن يتفرق هؤلاء الناس في الأرض ليزرعوها، وأن لا
يعيشوا في المدينة، فإذا فرغوا لاستثمار الأرض فنمت ثروتهم لم يكن لهم من الرغبة ولا
من
الوقت ما يمكنهم من الالتفات إلى الأمور العامة، الثاني أنه كلما زُرعت الأرض واستُثمرت
نمت ثروته وكثر دخله؛ لأنه كان يجبي الضريبة على ما تثمر الأرض، ولهذا كله أقرَّ قضاة
في الضواحي، وكان يخرج بنفسه من حين إلى حين ليلاحظ كل شيء وليفصل بين المتخاصمين، حتى
لا يحتاج الزراع إلى أن يتركوا مزارعهم ويحضروا إلى المدينة.
وقد خرج مرة فجرت له هذه الحادثة المعروفة وهي أنه رأى رجلًا يزرع في الأرض التي
تُحيط بالهوميتوس
١ حقلًا يُعرف منذ ذلك الوقت بالحقل الصريح، ورأى أنه لا يقلب إلا الحصى فأمر
عبده أن يسأل الرجل ماذا تثمر له هذه الأرض، فأجاب الرجل لا تثمر لي إلا العناء، ومع
هذا فإن بيزيستراتوس يجبي عليها الضريبة، فأعجب بيزيستراتوس بهذه الصراحة وبمحاولة
الرجل استثمار أرضه على جدبها وأعفاه من كل ضريبة.
ولم يتخذ في حكومته شيئًا مسيئًا أو محنقًا، إنما عمل في سبيل السلم واستطاع أن يحفظ
الأمن والهدوء في داخل المدينة، ومن هنا نشأ هذا المثل الذي ردده الناس كثيرًا من بعده
«أن الحياة في سلطان بيزيستراتوس لهي الحياة في عصر كرونوس»،
٢ وإنما استحال سلطانه إلى ظلم وقسوة في زمن متأخر بعد أن أسرف أبناؤه
واسترسلوا في الطغيان، وإنما كان يَحمد الناس له سيرته التي كانت تُظهر رفقه وحبه للشعب
على أنه أطاع القوانين في كل تدبيره للمدينة من غير أن ينتحل لنفسه سلطة غير مشروعة،
ولقد دُعي يومًا أمام مجلس الأريوس باجوس متهمًا بالقتل، فحضر مجلس الحكم كرجل يريد أن
يُدافع عن نفسه، وفزع المتهِم فلم يحضر. ومن هنا طال سلطانه واستطاع أن يسترد الملك مع
يسر وسهولة كلما أبعد عنه، فقد كان له حب كثير من الأشراف وحسن استعداد الشعب؛ لأنه كان
مستوي الميل إلى الحزبين، فاكتسب بعض الناس بالصداقة وبعضهم بمآثر خاصة، وكانت قوانين
الأتينيين التي شُرعت لاتقاء طغيان الطغاة هينة قليلة القسوة، لا سيما القانون الذي شرع
لمن يميل إلى الطغيان أو يُعِدُّ له، وهذا نصه:
إن القوانين الآتينية التي شرعها آباؤنا تقضي بأن من مال إلى الطغيان أو أعد
له فهو معاقب هو وذريته بالآتميا.