الفصل الثامن عشر
البيزيستراتيون (٤)
مؤامرة أرموديوس وأريستوجيتون
آل الأمر بحق المولد والبكورة إلى هيباركوس١ وهيبياس، كان هيبياس أكبرهما شديد الجد ميالًا إلى العناية بالأمور العامة
فأخذ بيده أعنة الحكم، وكان هيباركوس يميل إلى أخلاق الشبان محبًّا صديقًا لآلهة الشعر،
فهو الذي دعا إلى أتينا أناكريون٢ وسيمونيديس٣ وغيرهما من الشعراء، أما تيتالوس فقد كان أشد شبابًا وكانت له سيرة ملؤها
الجرأة والعنف، وهو مصدر ما ألم بهذه الأسرة من شقاء.
أحب أرموديوس ولم يلقَ جزاء حبه، لم يستطع أن يملك نفسه ويكبح جماح طبيعته العنيفة،
بل أظهر غيظه لا سيما في هذه الفرصة، كان من حق أخت أرموديوس أن تكون من حاملات الأسفاط
في حفل أتينا، فأبى عليها مهينًا أخاها أرموديوس وواصفًا له بالخنوثة، فحنق لذلك
أرموديوس واتفق مع أريستوجيتون ونفر كثير من أعضاء المدينة وائتمروا بمحاولة ما هو
معروف، فلما كان يوم العيد أخذوا يرقبون هيبياس وهو يستعد على الأكروبوليس لاستقبال
الحفل الذي كان ينظمه في المدينة هيباركوس، فرأيا أحد شركائهما يتحدث إلى هيبياس تحدث
الصديق، فظنا أنهما قد خُدعا وأرادا أن يضربا ضربة على الأقل قبل أن يؤخذا، فانحدرا إلى
المدينة منفردين متعجلين وصادفا هيباركوس بالقرب من ليوكوريون٤ حيث كان ينظم الحفل فقتلاه، وكذلك فشلت مؤامراتهما؛ لأنهما تسرعا، فأما
أرموديوس فلم يلبث أن قتله الحرس وأخذ أريستوجيتون فلقي قبل موته عذابًا طويلًا
أليمًا.
وقد اتهم في أثناء تعذيبه أشخاصًا كثيرين عُرفوا بشرف المولد، وبما كان بينهم وبين الطغاة من صداقة، وعجز هؤلاء في أول الأمر عن استكشاف أثر ما من آثار المؤامرة، وليس من الحق ما زعموا أن هيبياس قد نزع من المحتفلين أسلحتهم واستطاع بذلك أن يفجأ من كانوا قد اتخذوا الخناجر، فلم يكن الأتينيون يحتفلون في ذلك الوقت مسلحين، إنما استحدثت الديموقراطية هذه العادة في زمن متأخر.
ويقول أنصار الديموقراطية: إن أرموديوس٥ إذا كان قد اتهم أمام الطغاة أصدقاءهم فإنما تعمد ذلك ليحمل هؤلاء الطغاة
على اقتراف الإثم، ولينقص من قوتهم بحملهم على قتل أصدقائهم الأبرياء، ويقول آخرون: إنه
لم يخترع شيئًا، وإنما كان يتهم شركاءه في الجريمة حقًّا، فلما رأى أن كل ما كان يُبذل
من الجهد لم يكن ليذيقه الموت أعلن أنه ذاكر أسماء طائفة كثيرة من الشركاء، وأقنع
هيبياس بوجوب مصافحته تأكيدًا لصدق ما يقول، فلما صارت يد هيبياس في يده أخذ يهينه
وينعي عليه؛ لأنه يصافح قاتل أخيه، فاغتاظ لذلك هيبياس ولم يملك نفسه غضبًا واستل سيفه
فقتله.
١
ينكر توسيديد أن يكون هيباركوس قد شارك أخاه هيبياس في الأمر، ويرى أن القول
بذلك مصدره جهل الشعب وعدم ترويه، وليس من شك في أن أرسطاطاليس قد قرأ توسيديد،
فأي الرجلين أحرى بالثقة؟ انظر توسيديد فصل (٢٠) الكتاب الأول.
٢
شاعر غزل تغنى بالحب والخمر، وُلد في جزيرة تيوس نحو سنة ستين وخمسمائة
ق.م.
٣
شاعر غنائي أجاد المدح والرثاء، وُلد في جزيرة كيوس نحو سنة ثمان وخمسين
وخمسمائة ق.م.
٤
معبد في أتينا، انظر الفصل الذي أشرنا إليه آنفًا من كتاب توسيديد.
٥
كذا بالأصل اليوناني وصوابه أريستوجيتون، ولا شك في أن هذا سهو من الناسخ،
فقد بيَّن لنا المؤلف أن أرموديوس قد قتله الحرس.