الفصل التاسع عشر
البيزيستراتيون (٥)
طغيان هيبياس وسقوطه
ومنذ ذلك الوقت اشتد طغيانه وقسوته شيئًا فشيئًا، فقتل عددًا غير قليل من أعضاء
المدينة ونفى آخرين انتقامًا لأخيه، وحَذِرَه الناس جميعًا، مضت على ذلك ثلاث سنين رأى
فيها هيبياس أنه غير آمن في المدينة، فأخذ يحصِّن مونيكيا١ مقدِّرًا اتخاذها له منزلًا، وكان العمل في ذلك قد بدأ حين طرده كليومينيس٢ ملك سبارتا.
كان الوحي قد أعلن في كل وقت أن أهل سبارتا هم وحدهم مُدِيلُو دولة الطغاة، وإليك
كيف
وصلت إلى ذلك في أتينا: كان المنفيون وعلى رأسهم آل الكميون عاجزين عن أن يعودوا إلى
المدينة لضعف قوتهم، وكانوا كلما حاولوا ذلك فشلوا فيه؛ فقد حصنوا مثلًا ليبسيدريون٣ دون جبل البارنيس،٤ وأقبلت طائفة من الأتينيين فانضمت إليهم، ولكن الطغاة حاصروهم فيه وأخرجوهم
منه، ولذكرى هذا الفشل تغنى الناس على موائدهم بعد ذلك بزمن طويل هذه الأغنية: لتلعن
الآلهة ليبسيدريون خائن الأصدقاء، أي رجال أهلكت، شجعان في الحرب، كرام المولد، قد
أظهروا يومئذٍ أنهم أبناء كرام لآباء كرام.
فلما أيسوا من الفوز في كل ما حاولوا أمضوا عقدًا على أن يعيدوا بناء المعبد في دلف،
وقد أتاح لهم ذلك٥ مضافًا٦ إلى ما كان لهم من ثروة ضخمة أن يؤكدوا الحلف بينهم وبين سبارتا، وفي الحق
أن كاهنة المعبد أخذت كلما دخل رجل من أهل سبارتا أمرته بتخليص أتينا، وما زالت بأهل
سبارتا حتى حملتهم على إعانة المنفيين برغم ما كان بينهم وبين البيزيستراتيين من صلات
الضيافة، على أن ما كان من المحالفة٧ بين البيزيستراتيين وبين أرجوس لم يكن قليل الأثر في حمل سبارتا على إعانة
المنفيين، فأرسلت بطريق البحر جيشًا يقوده أنكيمولوس، ولكن التساليَّ كمياس أقبل في ألف
فارس لإعانة البيزيستراتيين فانهزم أنكيمولوس وقتل.
اغتاظ أهل سبارتا لهذا الفشل فأرسلوا من طريق البر جيشًا أقوى من الجيش الأول يقوده
الملك كليومينيس، فحاول الفرسان التساليون عبثًا أن يمنعوا هذا الجيش من دخول أتيكا،
فما زال بهم كليومينيس حتى فرقهم واضطر هيبياس إلى السور الذي يُسمى بيلارجيكون٨ فحصره فيه بمعونة الأتينيين.
لم يكن كليومينيس قد برح أتيكا حتى أسر أبناء البيزيستراتيين الذين كانوا يحاولون الهرب، فلم يلبث الطغاة أن فاوضوا في الصلح على أن تسلم حياة أبنائهم، فأجلوا خمسة أيام لنقل ما كان لهم ثم أسلموا الأكروبوليس إلى الأتينيين حين كان أرباجيديس أركونًا، وقد مضى على موت أبيهم سبع عشرة سنة كاملة، فإذا أضفنا إليها مدة سلطان بيزيستراتوس كان حكم الطغاة قد أخضع أتينا تسعًا وأربعين سنة.
١
ثغر في أتيكا.
٢
ملك من سنة تسع عشرة وخمسمائة إلى سنة تسعين وأربعمائة.
٣
هو اسم ما يقع في أتيكا من جبل البارنيس.
٤
جبل على الحدود بين أتيكا وبويوتيا يعرف اليوم بجبل أوزاس.
٥
لأن سبارتا كانت قد أخذت نفسها بحماية المعبد وتأييده، فكل عمل حسن يمسه فقد
كان يرضيها.
٦
إشارة إلى ما عُرف به أهل سبارتا وملوكها خاصة من بيعهم أنفسهم وقبولهم
للرشوة.
٧
كان العداء شديدًا قديم العهد بين سبارتا وأرجوس، وكان كليومينيس هذا من أشد
أهل سبارتا حرصًا على حرب أرجوس، وقد حاربها فقهرها وكاد يأخذها عنوة.
٨
سور الأكروبوليس، كان الأتينيون يزعمون أنه بناء البيلاجيين، وهم سكان الأرض
الأقدمون.