أتينا بعد بيركليس
ظل النظام السياسي صالحًا في أتينا ما بقي بيركليس رئيسًا للحزب الديموقراطي، فما هي إلا أن مات حتى اشتد الفساد، فقد اختار الشعب له رئيسًا لأول مرة رجلًا لم يكن موضع ثقة المعتدلين، وكانت العادة قد جرت أن يكون رؤساء الحزب الديموقراطي من المعتدلين، فأول رئيس للشعب كان سولون، ثم جاء بعده بيزيستراتوس، فلما سقط حكم الطغاة رأس الشعب كليستينيس من آل الكميون، ولم يضع الحزب الآخر بإزائه خصمًا بعد أن سقط إيزاجوراس، ثم كانت رئاسة الشعب لكسانتبوس ورئاسة الأرستوقراطية لملتيادس، ثم جاء بعدهما تيميستكليس للديموقراطية وأرستيديس للأرستوقراطية ثم أفيالتيس زعيم الشعب وكيمون زعيم الأغنياء، وخلفهما في الحزب الديموقراطي ملتياديس وفي الحزب الأرستوقراطي توكوتيدوس حليف كيمون.
فلما مات بيركليس كانت رئاسة الأرستوقراطية إلى نكياس الذي مات في صقلية، ورئاسة الديموقراطية إلى كليون بن كليانيتوس الذي يظهر حقًّا أنه أضاع الشعب بحدته، وهو أول من أخذ يصيح على المنبر ويهين خصومه، ولم يحتفظ بوقار الخطباء كغيره، بل أخذ يشمر كيتونه أثناء كلامه.
وأرى أن أشد الرؤساء حزمًا في أتينا بعد القدماء إنما هم «نكياس وتوكوتيدوس وثيرامينيس»، فأما نكياس وتوكوتيدوس فيكاد يجمع الناس على أنهما لم يكونا رئيسين شريفين فحسب، بل كانا حازمَين مستمسكين بما ترك الأولون لهما من سنة وعلى أنهما قد استحقا ثناء المدينة.
وأما ثيرامينيس، فيختلف الناس فيه؛ لأنه عاش في عصور ملؤها الاضطراب، ومع ذلك فيظهر بعد الامتحان الدقيق أن ثيرامينيس لم يهدم كل النظم كما يَصِمُه بذلك خصومه ظلمًا، بل أيدها كلها حين لم يكن يأتي ما يخالف القانون، مظهرًا بذلك أنه يستطيع كما يجب على كل وطني مخلص أن يخدمها جميعًا، فإذا اقترفت مخالفة القانون فلم تكن تلقى منه الطاعة والرضى، بل المعصية والعداء.