الثلاثون (٢)
أخذت المدينة تضعف شيئًا فشيئًا، فحاول ثيرامينيس — وكان شديد السخط على سوء فعل الثلاثين — أن يحمل هؤلاء الناس على أن يدعوا ما كانوا فيه من قسوة وعنف، وأن يمكنوا أخيار المدينة من العمل في مناصبها، فرفض الثلاثون أولًا، ولكنهم رأوا أن نصيحة ثيرامينيس قد انتشرت بين الناس، وأن الشعب حسن الظن به، فأشفقوا أن يصبح ثيرامينيس زعيمًا للديموقراطيين وأن يلغي سلطانهم المطلق، فأخذوا يكتبون «ثبتًا» بأسماء ثلاثة آلاف من أعضاء المدينة ليمنحوهم الحقوق السياسية.
فلم يرض ثيرامينيس عن هذا العمل بل ذمه وعابه؛ وذلك أن الثلاثين إذا كانوا يريدون أن يعطوا المعتدلين شيئًا من السلطان فما بالهم لا يدعون إليه إلا ثلاثة آلاف كأن أهل الخير في المدينة لا يتجاوزون هذا العدد، ثم هم يتخذون شيئين متناقضين تناقضًا تامًّا؛ يقيمون حكومة ملاكها العنف والشدة ويعرضون هذه الحكومة للخطر؛ لأنها أضعف من أن تتقي شر الخاضعين لها، لم يحفل الثلاثون بهذا الرأي، ولكنهم ماطلوا في إقامة «الثبت» الذي كانوا قد بدءوا فيه، واحتفظوا بأسماء الذين كانوا يريدون أن يمنحوهم الحقوق السياسية، وأخذوا كلما عزموا على إعلان هذا «الثبت» محوا ما كان فيه من الأسماء وأثبتوا مكانها أسماء جديدة.