إعادة الديموقراطية – أتينا بعد التأمين – أركينوس – حكمة الأتينيين
لم يكد يتم هذا الاتفاق حتى استأثر الخوف بمن قاتل إلى جانب الثلاثين، وأخذ يعزم كثير منهم على أن يترك المدينة، ولكنهم أخذوا يؤجلون هجرتهم كما يقع ذلك دائمًا، فلما رأى أركينوس كثرة عددهم، وكان يريد أن يحول بينهم وبين الهجرة ألغى آخر أيام الأجل الذي كان قد ضُرب لتقييد الأسماء، فاضطر كثير منهم إلى أن يبقوا كارهين حتى جاء اليوم الذي استطاعوا فيه أن يستردوا الأمن والشجاعة.
سار أركينوس في ذلك اليوم سيرة رجل قادر على تدبير الأعمال العامة ماهر في ذلك، كما سار هذه السيرة أيضًا حين طعن بمخالفة القانون في القرار الذي كان ترازيبيلوس يريد أن يحمل الشعب على إصداره، والذي كان يمنح الحقوق السياسية جميع من أقبل معه من بيرا، مع أن كثيرًا من هؤلاء الناس كانوا أرقاء من غير شك، وكما سار هذه السيرة مرة أخرى حين أخذ بعض أعضاء المدينة الذين عادوا إليها يظهر بغضه وعداءه لمن أقام فيها، فقبض عليه وقاده أمام مجلس الشورى، حيث طلب أركينوس أن يقتل من غير مقاضاة، يريد بذلك أن يظهر وجوب تخليص الديموقراطية والاحتفاظ باليمين، فإن تبرئة هذا الرجل تشجيع للآخرين وقتله إرهاب لهم بإعطاء المثل، وكذلك كان الأمر فإن موت هذا الرجل حال بين غيره من الناس وبين إيقاظ الفتنة، وأكثر من هذا أن الأتينيين بعد أن خرجوا من هذه المصائب لم يضيعوا ما ألقت عليهم من موعظة، بل أحسنوا الاستفادة منها، سواء في ذلك الأشخاص والدولة، فلم يكتفوا بإلغاء كل اتهام يتعلق بالماضي، بل اشتركوا وتعاونوا على أن يردوا إلى سبارتا ما كان قد اقترض الثلاثون من المال لينفقوه على الحرب، وإن كان الاتفاق قضى بأن يؤدي كلا الفريقين فريق أتينا وفريق بيرا ما اقترض؛ وإنما فعلوا ذلك لأنهم كانوا يعتقدون أن هذه هي أوضح طريق إلى تحقيق الوفاق، وقد رأينا في غير أتينا من المدن التي انتصر فيها الحزب الديموقراطي أن هذا الحزب لم يعن خصومه بما له، بل قسم بين أعضائه أرض الأرستوقراطية.
ثم صالح الأتينيون أهل إليزيس لسنتين مضتا من خروج هؤلاء من المدينة، وتم هذا الصلح حين كان إكسينانيتيوس أركونًا.