الرياح والمياه

الصين قادرة بسكانها ومواردها على أن تصبح القوة العظمى في العالم بعد الولايات المتحدة، وإن كل العالم في الحقيقة سوف يؤثر فيه وبشكل حيوي تطور الأوضاع في الصين، والذي قد يثبت أنه عامل حاسم، خيرًا أو شرًّا، خلال القرنَين القادمَين.

برتراند راسل
مشكلة الصين (١٩٢٢م)

رصد الصين هو المهنة الوحيدة التي تجعل عالم الأرصاد الجوية يبدو دقيقًا ومحددًا.

نيقولا كريستوف
الرئيس السابق لمكتب بكين نيويورك تايمز

عبارة «فنج شوي» والتي تعني حرفيًّا «الرياح والمياه»، هي فن الكهانة في الصين القديمة، وهدفها خلق التناغم والتوازن في الفضاءات الطبيعية للحياة بغية تحقيق الصحة والثروة والحظ السعيد لدى من يسكنها، واشتهر الكهان الممارسون للفنج شوي اليوم بدورهم في مباركة أو انتقاء أو إعادة صوغ الإطار العام للبيوت والمكاتب والفنادق وناطحة السحاب في آسيا الصينية. إنهم يدرسون الزوايا والاتجاهات وقوى التناغم والتناقض من أجل تحديد الوضع الأمثل للفضاءات الطبيعية مع الفضاءات العقلية. ويلتمسون توازن الرياح والمياه، الين واليانج، والسماح لقوة الحياة أو تشي ذات الأهمية القصوى في الناموس الكوني الصيني، بالتدفق طليقة دون إعاقة.

وسادة فن فنج شوي يصفون وضع ترتيبات جديدة تنتظم فيها الفضاءات الطبيعية عندما تسوء الأمور؛ أي عندما يواجه الشركاء شدة أو محنة، أو في حالة المرض، أو عندما تظهر مشكلات أخرى يمكن تشخيصها عند مستوًى ما بأنها اختلال توازن القوى. ويحدد سادة فنج شوي أين تحفر لاستخراج المياه، وأين تدفن الميت، والرعاية الدقيقة للتنين الذي هو الأرض، والجبال التي هي عروق وشرايين التنين، والمياه التي هي تشي التنين، التي تسري في كل أنحاء جسده.

وسادة هذا الفن هم في الثقافة الصينية المساحون الأوائل الذين درسوا طبيعة الأراضي، وهم مهندسو القوى المائية ومخططو البيئة والمنجمون وعلماء النفس ومصلحو العقيدة، وروحانيو العصر الجديد. تراهم نشطين في هونج كونج وفي المدن الأخرى ذات الغالبية الصينية من السكان، بما في ذلك الآن مدن لوس أنجليس وسان فرنسيسكو ونيويورك وسيدني وغيرها. وتنطلق أساطير كثيرة عن أقوال متطرفة لفن الفنج شوي، كم من بنايات حديثة تصدعت وانهارت عند ذكر اسم سيد من سادة فن فنج شوي، وكم من بيوت فاخرة ورائعة شيدها أصحاب بلايين ولم يسكنها أحد؛ لأن أحد سادة فنج شوي قال إن المالك سيلقى حتفه داخلها. وهناك مسئولون تنفيذيون لشركات متعثرة نقلوا مكاتبهم إلى مخازن سرية بناءً على نصيحة كاهن الفنج شوي، ثم رأوا أسعار أسهم شركاتهم صعدت نتيجة ذلك إلى عنان السماء.

والمعروف أنه حُظرت ممارسة الفنج شوي طوال التاريخ الثوري الحديث في الصين، باعتباره هراء وخرافات، ولكن مع ارتفاع البنايات الضخمة الجديدة في الصين اليوم، خاصة في جوانجو وفي غيرها من مدن الجنوب، عاد سادة الفنج شوي إلى الظهور مرة أخرى؛ ليقصدهم من يسألهم المشورة.

وقد نجد في فن الكهانة الصيني صورة مجازية تعبر عن دورنا؛ إذ نحاول التنبؤ بمستقبل الصين. ودرسنا، مع ذلك، التدفقات الهادفة حسب وجهتها للأنهار التي تجري عبر تاريخ الصين. وأجرينا دراسة مسحية استقصائية لرياح التغيير التي تهبُّ قوية على تلك الأنماط، وتأسيسًا على دراساتنا، وصلنا إلى بعض الاستنتاجات الواضحة — والمثيرة أحيانًا — التي تنتظر مستقبل هذا التنين الكبير.

ونحن، مثل سادة فن الفنج شوي ذوي النوايا الطيبة، راغبون تمامًا في أن نكون صرحاء واضحين في تكهناتنا وتوصياتنا، حتى إن جاءت معاكسة للحكمة التقليدية، لقد حاولنا أن نكون محددين قدر الاستطاعة. نمحص ونغربل الرؤى أو السيناريوهات المتعددة التي يمكن أن تنجح، ونبقي على ما ننزع أكثر إلى الاعتقاد بأنها هي التي ستنجح.

ونحن، على عكس غالبية سادة فن الفنج شوي الذين عرضناهم، نقر بتوافر درجة عالية من العصمة والصواب في تنبؤاتنا. ونحن نفهم كذلك لماذا سيقع الكثير من أحداث التاريخ خلال الفترة التي نسطِّر فيها كلماتنا هذه، وبين فترة قراءتها مسطورة في كتاب. وتهدف نبوءاتنا إلى صياغة وتحديد أسلوب التفكير بشأن الصين ومستقبلها وكذا مستقبلنا. ونأمل — حتى إذا أخطأنا إزاء أحداثٍ بذاتها — أن يكون لنهجنا هنا قيمةٌ باقية.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤