شن بنج: المغامر
ما العمل؟ العمل نضال. هناك صعوبات ومشكلات تواجهنا في تلك الأماكن ويتعيَّن أن نتغلب عليها ونجد لها حلًّا. نحن نذهب إلى هناك لكي نعمل ونناضل ونتغلب على تلك الصعاب، والرفيق الجيد هو مَن يتوق إلى الذهاب إلى هناك، إلى حيث الصعاب أشد وأقوى.
أهلًا، أنا شن بنج، إذا لم أخطئ سأكون واحدًا من أثرى أثرياء المدنيين أصحاب المشروعات الخاصة في الصين. أحاول أن أكون من البرجوازية الوليدة الجديدة التي حاول الشيوعيون الصينيون الإطاحة بها على مدى خمسين عامًا تقريبًا.
بهذه الطريقة الاستفزازية يروق لشن بنج، الذي يفيض حماسًا، أن يحيي الاقتصاديين الأجانب أمثال ميلتون فريدمان وغيره من أنصار السوق الحرة. ويستطرد شن في الحديث وتبدو قوة شخصيته كأنه تدفعه بعيدًا خلف كرسيه الدوار الجلدي الأسود، وقد جلس على رأس منضدة مؤتمرات داخل جناح مكتبه. عيناه تومضان حماسًا، وهو يملأ الحجرة بصوته الهادر، وقال لنا: «أمثالي يميلون إلى الثقة بأنفسهم على أسس أو من دونها، وأستطيع بهذه الثقة وبلساني الطويل أن أكون مقنعًا.» ويستخدم مساعديه كعلامات وصل وإيضاح، ويتناثر — مع كل صرخة — رماد سيجارته المارلبورو في منفضة السجائر الأبنوسية، وفوق الأرض.
إنه يكذب النظرة الشائعة عن أن الشعب الصيني يلتمس التماثل. ويتباهى شن بأنه يريد دائمًا أن يكون مختلفًا، وقال لنا كنت أريد منذ عام ١٩٧٣م أن أحطم القيد المزدوج للحياة البشرية: الاقتصادي والسياسي. ولقد كان من المتعذر آنذاك الانخراط في مشروعات أعمال بطريقة مجدية، لقد كانت المشروعات الخاصة القليلة المسموح بها هي تعبيد الطرق وأعمال الصيانة والإصلاح والمطاعم الصغيرة جدًّا. وهكذا ظل شن، وبنص كلماته: «نسخة حديثة من النخبة المتعلمة الإقطاعية المؤمنة بصواب موقفها.»
وكتب عدة تقارير توضح كيف يمكن للصين أن تستخدم «درج السلم» و«حزام التنمية الساحلي» لتبدأ قفزتها الأولى في النمو. وكتب عام ١٩٨٤م تقريرًا يسميه «التقرير الشهير» الخاص بالنجاح الباكر لمدينة شن جن، وهي المنطقة الاقتصادية الخاصة قرب هونج كونج. وشن أيضًا له اهتمام بالفلسفة؛ إذ ألف في عام ١٩٨٧م كتابًا عنوانه «الإيكولوجية الاجتماعية»، يستكشف فيه نوع الموئل البشري الذي يفيد كأساس «للوجود الاجتماعي البشري» في الصين مستقبلًا. ولا يفتأ هذا الرجل، الذي يصف نفسه بأنه «أغنى أغنياء الصين»، يحافظ على صلة له بعالم البحث والكتابة، مثله مثل أجيال النخبة المتعلمة قبله. ويوزع على الحضور دائمًا بطاقة التعريف بنفسه كرجل أعمال، وبطاقة تعريف أخرى كمدير بحوث بمركز الصين للبحوث الاقتصادية بجامعة بكين.
وكانت الأحداث التي أحاطت بفاجعة ميدان تيان آن مين عام ١٩٨٩م، هي التي قذفت أخيرًا بشن بنج إلى البحر وبعد أن فقدَ شن الأمل في أن يكون له تأثير ما في إصلاح النظام، فكر أول الأمر في الانضمام إلى كثيرين من أصدقائه الذين شرعوا في ترك الحكومة والاتجاه لعمل شركة كمشروع مشترك، وهيَّأت له هذه الظروف فرصة تعلم كيفية ممارسة الأعمال الأجنبية، ولكنه رأى في ذلك مجرد منتصف الطريق؛ ذلك لأن هذا الوضع يعني أنه لا يزال مربوطًا بنظام يريد الخلاص منه بالكامل. ولم تكن فكرة أن يبدأ تأسيس شركة خاصة به تمثل اختيارًا له أيضًا. لم يجد شن سبيلًا للحصول على رأس المال، سواء من أقاربه أو من أصدقائه أو من المصارف (التي كانت حتى ذلك الوقت تقرض المشروعات المملوكة للدولة، أو التي تقرها الدولة فقط). وبدلًا من هذا كله، اتخذ شن طريقه إلى هونج كونج، حيث ذهب إلى هناك للعمل وكيل استيراد وتصدير. وزخرت السنوات الست التالية بمغامرات ذكرته بقصص البطل هورايتو الجير.
وقام شن — ممثلًا لشركة هونج كونج — برحلات عديدة بالقطار إلى الكثير من المناطق النائية على طول الحدود مع روسيا، وكان يحصل هناك على طلبات لصفقات من الملابس والمنسوجات، ويعود بالسلع إلى هناك ليبيعها ويحصل على عمولة ما بين ٣ و٥ في المائة، ويقول: «خلال هذه الفترة بدأت فقط أتعلَّم شروط وقواعد اقتصاد السوق». ويشير إلى أنه كسب حوالَي ١٢ ألف دولار فيما بين عام ١٩٨٩م ومطلع ١٩٩١م، وهو مبلغ هائل بالنسبة لغالبية الصينيين، ولكن المبلغ لم يكن كافيًا في نظر شن، فضلًا عن أنه أحس بأنه لم يحصل عليه بالسرعة الكافية.
عند هذه النقطة بدأت حكايات شن بنج عن عمله تأخذ طابع الدراما في روايته لها، وبدأ يحكي كيف أنه وجد نفسه في أماكن مذهلة، في أزمنة تاريخية، ولكنه عرف كيف يستثمر — بوعي — ظروفه التي وجد نفسه فيها، مما ساعده على تشييد إمبراطوريته.
وتجري أحداث المشهد الأول من الدراما داخل الأراضي الحدودية الشمالية الموحشة في بورما، التي تسكنها العصابات ومهربو المخدرات. وبدأ هناك وبمساعدة مجموعة من الأجراء الجائلين البحث عن أحجار الياقوت، وبعض أنواع الأخشاب الصلبة، وقال لنا: «كنت أشبه برعاة البقر عندكم، من حيث حمل السلاح وكل شيء آخر، فيما عدا أنني كنت أركب الأفيال.» ويقول شن ببساطة عن الأخطار: «المال أهم من الحياة.»
أحداث المشهد الثاني تعرض شن وهو في ألمانيا، حيث دخل في شراكة مع صديق ألماني لاستيراد أثاث صيني، وأخفق هذا المشروع أيضًا. ويقول: «وجدت نفسي بعد شهر أنني لا أستطيع أن أجني ثروة في بلد غربي، المنافسة شرسة، والسوق مشبعة، بيد أنني مع هذا فهمت الرأسمالية على نحو أفضل، وتعلمت من خلال خسارتي أن النجاح أيضًا لا بد أن يقترن بأهمية الجودة.»
وحلَّ شهر أغسطس ١٩٩١م، وانتقل المشهد إلى موسكو، وسألناه لماذا؟ وفسر لنا شن ذلك بقوله: «كانت تجري تغييرات كثيرة هناك، وكما يقول المثل الصيني: الفرصة حيث تكون الفوضى.» زِدْ على هذا أن أبا شن يعيش هناك منذ الخمسينيات، منذ أن التزم الجانب الخطأ في حرب دبلوماسية باردة صينية-سوفييتية غامضة، والمعروفة باسم «حادثة الوانجين». وتحتاج القصة، كما حكاها شن، إلى أن يصوغها روائي متميز، ولكن يكفي أن نقول إن موسكو بدت له فرصة لمشروعات أعمال مغرية بفضل عاملَين جذباه؛ أولهما: أن يرى أباه الذي لم يرَه منذ أن كان صبيًّا؛ والثاني: إمكان اختبار فرص النجاح في تجربة جديدة.
واجهت موسكو، فور وصول شن، فوضى محاولة الانقلاب ضد جورباتشوف. ويقول شن إنه كان واحدًا من بين مَن تسلقوا ظهر الدبابات، بعد أن تصدى يلتسين للمتآمرين المتشددين. وتعرَّف عليه في الطريق مراسل وكالة أنباء تاس، الذي التقاه في بكين، وطلب منه المراسل أن يظهر في التليفزيون الروسي ليعرض رأيه بشأن مصير الإصلاح في بلدان الكتلة الشرقية. «ولكنني لم أنسَ أنني كنت هناك لكسب المال.» وجمع شن سترات شتوية ثقيلة، وحملها معه إلى الطرف الآخر من الحدود، حيث تشيكوسلوفاكيا، وأدرك هناك خاتمة أول سراب خايله.
وفي لقاء عارض، بينما كان شن يساعد صينيًّا مهاجرًا، ويقف غريبًا بلا حول ولا طَوْل، وجد شن نفسه ينشئ صداقة مع واحد من كبار معاوني الرئيس التشيكي فاتسلاف هافيل، وحدث أن أرسل إليه هذا المعاون بطاقة تحية وتهنئة. نظر شن إلى هذا العمل نظرة إكبار وتقدير، ولكنه أذهله أن نوع الورق والإخراج الفني للبطاقة دون المستوى، وأوحى إليه هذا فجأة بفكرة بطاقات عيد الميلاد. وهكذا بدأ شن بنج — الموظف السابق في الحكومة الصينية الشيوعية — يستعيد الروح الأصيلة لعيد الميلاد بين مسيحيي شرق أوروبا، عن طريق استيراد بطاقات التهنئة بعيد الميلاد من هونج كونج.
ولكن ليست المسألة أي بطاقات: رأى شن أن يلبِّي رغبة حبيسة وملحة لدى سكان شرق أوروبا في الحصول على بطاقات ذات مزايا إلكترونية؛ لهذا فإن البطاقات التي سيشتريها شن سوف تجمع بين موضوعات دينية تقليدية، وموضوعات لمناسبات موسمية، علاوة على ومضات ضوء خفيفة، وشرائح موسيقية تعزف أغاني مرحة. ويقول شن: «طلبت مليون بطاقة على أن تُشحن جوًّا، وطوفت بسيارتي في جميع أنحاء أوروبا الشرقية بحثًا عن وكلاء وتوقيع صفقات، وبعت كل البطاقات خلال أربعين يومًا بسعر دولار لكل بطاقة، ولكن هذا ليس سوى جزء من العملية؛ قبلت الدفع بالعملة التشيكية التي لم يكن يطلبها أحد آنذاك، ولكنني كنت أدرك أنها سرعان ما ستكون عملة قابلة للتحويل، وفعلًا هذا ما حدث، وحققت على الفور ثروة كبيرة.».
ويستطرد شن في حكايته ويقول: إن بعض الأصدقاء قدموه لواحد من أبناء أسرة روكفلر، الذي دخل معه في مشروع قصير الأجل هدفه صناعة تركيبات للحمامات، تتميز بصلاحيتها البيئية. ويعلن شن في حزن قائلًا: «ولكنها كانت فاشلة جدًّا جدًّا، ظننت أن العملية تحمل براءة اختراع، ولكن لا. إذ لم يكونوا بعد قد أنهوا تجاربهم عليها. وعجزنا عن الوفاء بالالتزامات المالية.» ويقول شن إنه بدلًا من أن يورط نفسه في دعاوى قضائية واستدعاءات، التزم نصيحة أصدقائه بأن يتجنب أي معركة محتملة معه، وأن يسدد الاستثمار الأولي لروكفلر، وينتهي وينهي المشروع. ويستطيع المرء أن يتخيل بسهولة أن القصة لها جانب آخر، ولكن شين حين يحكيها يستمتع في نفسه بالإيحاء بأنه، وهو الصيني الفقير، رد عن طيب خاطر لروكفلر ما لا يستحقه.
وبدأ شن مع مطلع عام ١٩٩٢م يشعر بأنه تعلم من الخارج كل ما يستطيع. علاوة على هذا «فقد جمعت أموالًا كافية لأعود إلى الصين رجلًا ثريًّا.» ويقول إن سياسة دنج هسياو بنج هي التي جعلته يحسم أمره؛ ذلك أنه في يناير ١٩٩٢م، كان الرجل العجوز العظيم القائم على السلطة في الصين قد استغل كل فرصة ممكنة ليحث البلد على المضي قدمًا إلى الأمام، بل وبأسرع الخطى في اتجاه إصلاحات بعيدة المدى نحو اقتصاد السوق، «وعرفت بحسي السياسي أن الوقت قد حان لكي أعود نهائيًّا، وأننا بصدد الدخول في مرحلةٍ تمثل فرصة عظمى.»
ووجد شن، شأن كثيرين من أقرانه منظمي المشروعات، أن أسرع طريق إلى الثروة يكمن في المضاربة على العقارات، وينطوي هذا بطبيعة الحال على قدر كبير من السخرية في حكومة شيوعية تسمح بتطور سوق للأملاك العقارية؛ إذ قبل ذلك بأربعين سنة فقط، استولت الدولة على كل الأراضي والعقارات الخاصة ووضعتها في يد الدولة منعًا للاستغلال. ولا تزال الأرض في الصين، وعلى مدى النصف الثاني من القرن العشرين كله تقريبًا، تحتفظ بقيمة اسمية، ولكن لأغراض محاسبية فقط، ولم تخضع للتجارة بيعًا أو شراء. وفجأة في أواخر الثمانينيات سمحت الدولة للحكومات المحلية بتقدير قيمة الأرض وبيع حقوق الانتفاع بها. ولم تكن هناك بطبيعة الحال من سبيل لمعرفة ما «القيمة» الحقيقية. وإزاء هذا الوضع، تولدت سوق ضخمة ومزدهرة للملكيات العقارية.
وفجأة، إذا بكل من أوتي نفاذ البصيرة أو شهوة للموازنة بين الأسعار أو علاقات، وجد نافذة لفرصة متاحة يمكن من خلالها أن يشتري من البائعين الذين لا يكادون يعرفون حقيقة قيمة ما يبيعون، وبعد ذلك يحول المشتريات إلى آخرين بحاجة إليها. وهذه عملية تقوم على فن بسيط يسير، وتحقق غالبًا نتائج مذهلة. وكانت الخطوة الأولى رفع السعر لشراء خيار لتطوير الملكية، ولكن البعض من أمثال شن لا يملك سوى القليل من المال ليضعه في صفقة. وحاول آخرون جمع المال اللازم من أقارب وأصدقاء، أو من مستثمرين في هونج كونج، ويحدث أحيانًا أن يعطي قرضًا كمقدم للثمن للوفاء بالتنفيذ. وعادة ما يتم البيع مقدمًا للمنازل أو المكاتب أو ملاعب الجولف أو أي شيء آخر، بينما لا تزال إجراءات الشراء قيد التنفيذ. وما إن يملك المشتري هذه الودائع في يديه، حتى يبدأ في تطوير الملكية العقارية، أو يطرح الاستثمار سريعًا إلى شخص آخر رغبة في ربح هائل.
استهدفت هذه الأعمال الأشخاص المارقين الذين اختطوا لحياتهم مسارًا خاصًّا من أمثال شن بنج، وأفاد منها أيضًا المضاربون غير الملتزمين بمشروعات أعمال؛ ولهذا تساقطت مشروعات عقارية كثيرة، كأنها بيوت من ورق، ولكن أهل الثروة والذكاء أفادوا بهذه الصفقات، كأساس لبناء هياكل شركات سوف تغير وجه الصين. وكم هو عسير أن نبالغ في تقييم أثر حالة انتعاش العقارات في انطلاقة الاقتصاد الصيني. لقد خلقت قيمة وبنية أساسية من بين ما كان يمثل مناخًا «أحمر» رقيقًا.
وهكذا، وُلد مشروع مدينة لي هو تايد الجديدة. ويمثل المشروع اثنتين من أهم وأعظم المصالح التي يلتمسها شن بنج: كسب المال، والتفكير الفلسفي. وتبلغ مساحة الأرض كيلومترًا مربعًا، وهي على شكل جزيرة بازغة فوق سطح مياه البحيرة، وقيمتها تساوي ٢٤ مليون دولار. دفع مقدمًا لثمنها حوالي ٩٫٥ ملايين دولار. وجمع شن موارده ومخصصاته المالية في مشروعاته الخاصة، وحصل على قرض قدره ٢٫٤ مليون دولار من بنك الصين. هذا علاوة على بيع ٢٨ في المائة من أسهمه في المشروع لأصدقاء له في هونج كونج. وبحلول نهاية العام ١٩٩٥م، كانت ٣٠٠ أسرة تقيم على أرض المشروع، وبلغت قيمتها حوالي ١٠٧ ملايين دولار. ويملك شن بنج ٧٨ في المائة من المشروع، سواء ملكية مباشرة، أو من خلال شركته تايد جروب.
واستطاع كثيرون تجميع ثروات في أوائل التسعينيات من العقارات الصينية، ولكن القليلين هم الذين حققوا هذا بحس مميز للسوق على نحو ما فعل شن بنج. ويقول — وفي نفسه شعور بالسعادة — إن مشروع تطوير لي هو سوف يكون تعبيرًا صادقًا عن الحس الصيني التقليدي إزاء المجتمعات الصغيرة «التي أصبح فيها الجيران عشيرة متماسكة، ويقدم كلٌّ منهم للآخر ما هو بحاجة إليه، ويتقاسم الجميع الأمجاد ذاتها والأخطاء نفسها. وهي الخصائص التي جعلت الأمة متماسكة على مدى آلاف السنين.» وسوف يجسد المشروع في الوقت نفسه الأفكار الإيكولوجية الاجتماعية، ويدمج جوهر التراث الصيني بخصائص العصر، ويجمع كل ما هو جيد من الشرق والغرب، والنبضات الثقافية المميزة للفن الصيني.
وقد يكون بعض حديث شن الجميل نوعًا من التسويق الذكي، ولكن الدفاع الأساسي للمزاوجة بين الماضي الرومانسي والمستقبل الجديد الشجاع هو من الأمور التي يؤمن بها صادقًا. ويقول: «إنني إذ أبذل جهدي من أجل أي مساهمة في الاستراتيجية الاقتصادية للصين، إنما هذا بسبب أنني استطعت أن أصنع جسرًا بين آسيا وأوروبا. ثمة نواقص في كلٍّ من اشتراكية الشرق ورأسمالية أوروبا، وأنا أحاول أن أتجنب الاثنتين وأخلق مزاوجة بين الطرفين.»
ويبدو أن شن تدفعه أمور تتجاوز مسألة القدرة على امتلاك مسكن مترف وفاخر في بكين، وسيارة يابانية تثير الخيال، ومال وفير للإنفاق على نزواته. إن ما يدفعه هو وكثيرون من أقرانه من أبناء الصفوة منظمي المشروعات؛ هو الرغبة في الحصول على اعتراف وتقدير بشركاتهم وأساليبهم في أداء أعمالهم. ويعود شن بنج المرة تلو الأخرى إلى موضوع منظم المشروعات كغريب أجنبي، ويقول لنا ذات مرة: «شركتنا مثل الشركات الخاصة الأخرى، تشبه الابن الذي نشأ في كنف زوجة الأب. نحن داخل النظام ولكن من دون وضع شرعي، وربما يعترف القانون بزواجنا الجديد، ولكن ليس معنى هذا أنه زواج عن حب، وإن مثل هذا الابن ربما يموت قبل الأوان، ما لم يكن قويًّا بصورة فريدة تؤهله للبقاء.»
ويبدي شن — في هذا الصدد — دهشته لأن مشروعات الأعمال الأمريكية لم تنبرِ لدعم منظمي المشروعات الخاصة من أمثال مشروعه والمشاركة معهم. ويسأل في أسًى: «لماذا يريد الأمريكيون عمل مشروعات مع القطاع المملوك للدولة فقط دون سواه؟ لماذا يقيمون مشروعات مع الرسميين بينما بإمكانهم عمل مشروعات معي؟» وأبدى هذا اللوم بعد أن حاول جذبنا في اتجاه مساعدته ليجد شريكًا أجنبيًّا يقاسمه جهده الوليد؛ ليصبح الرائد الأول لمشروع الإنترنت في الصين. ومن دواعي السخرية أن من بين الموضوعات المميزة التي تساعد شن على عمليات البيع هو تأكيده أن الوزارات والجهات الرسمية وثيقة الصلة، تدعم جهوده.
ترى هل يمكن للرأسماليين الطموحين وللشركات الكبرى أن تنهض وتزدهر في الصين الجديدة؟ إن شن بنج ليس على يقين تام؛ إذ إن الأمر في الغالب رهن رضا وبركات الجهاز الرسمي، وهبات رأس مال الأجنبي. فإن منظمي المشروعات من أمثال شن هم أبناء الزوجة للإصلاح في الصين، ولم يحصلوا بعدُ لا على فرصةٍ دائمةٍ لممارسة قدراتهم الغرزية على إقامة المشروعات على نطاق واسع، ولا على الأدوات الاقتصادية مثل الإقراض المصرفي أو الإنتاجات التمويلية. ويقول في استسلام ورضًا: «مستقبلي؟ إنه وثيق الصلة بمستقبل الصين، بإمكاني أن أعيش كرجل ثري في أي مكان، ولكنني أريد أن أسهم؛ لذلك سأبقى هنا.»
وبهذا تكون الصين سعيدة الحظ؛ ذلك لأن البلد بفضل شن وأعداد متزايدة من الرواد من أمثاله، سوف تجد سبيلها إلى بناء سوق حقيقية منفتحة في الوقت المناسب.