الفصل الخامس

تهديد أم تحدٍّ؟

هل يمكن مقارنة صعود الصين مع صعود ألمانيا في القرن الماضي؟ هناك فروق كبيرة، لكن الصين تشترك مع ألمانيا ذلك الحين في الشعور بالكبرياء المجروحة، ويفيق المارد الذي مزق وخدع من قِبَل بقية العالم … والآن يعيش ثورة صناعية ويبني ترسانة أسلحة ستسمح له، خلال عقد أو عقدَين، بالثأر للأخطاء التي ارتكبت في حقه.

نيكولاس كريستوف
مراسل الصين السابق لصحيفة النيويورك تايمز

لقد آن الأوان لكي نكفَّ عن رؤية الصين من خلال عدسات التهديد، وأن نبدأ برؤيتها على أنها الفرصة العظيمة التي تمثلها بالفعل.

مهاتير محمد
رئيس الوزراء الماليزي

(١) عن المغنية الأولى وأصوات التينور وأوبرا بكين

يقول فريد زكريا المدير الإداري لمجلة «فورين أفيرز»: «تميل القوى العظمى إلى اعتلاء مسرح التاريخ مثل المغنيات الأوليات في الأوبرات الكبرى، تستولي على اهتمام كل من في المسرح وأسرهم.» قال زكريا كلامه هذا من موقعه في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، وهي مؤسسة تطورت عن عقلية عصر الصناعة في الحرب الباردة، وهذه العقلية، ولسبب وجيه، لن تنسى فهمها للقوة وللسياسة الواقعية، وهو الفهم الذي توافر لها من خلال الصراعات والمآسي التي حددت طبيعة العصر في القرن العشرين، ويرى زكريا «أن الحدث السياسي الدولي الذي حدد طبيعة هذه الحقبة هو صعود الصين كقوةٍ عظمى عالمية».

ومن سوء الحظ أن العالم يحمل تاريخًا بائسًا يخلو من «مغنيات أوليات» جديدات ذوات فعالية وتأثير، ولا توجد تدابير متفق عليها للتلاؤم مع العمليات الضرورية لإعادة تنظيم الثروة والقوة، والملاحظ — على مدى خمسمائة العام الأخيرة — أن غالبية القوى العظمى الجديدة زعمت أنها احتلت مكانها في التراتبية العالمية بفضل ثورة أو صراع مسلح، أو حتى حرب عالمية شاملة.

وراقب الاقتصاديون والمؤرخون والمتخصصون في السياسة الخارجية والصحافيون، صعود الصين في التسعينيات، وأجمعوا على عقد موازاة تشاؤمية بين هذا الحدث وألمانيا في عصر بسمارك، وأوروبا فيما بين الحربَين، بل تمادوا في تشاؤمهم وتحدثوا عن تماثل الصين وألمانيا الهتلرية واليابان الإمبريالية، وتقضي نظرة الصقور بأن الصين قوة عدوانية تحركها دوافع الهيمنة في آسيا، وهو ما من شأنه أن يشعل نار الحرب العالمية القادمة، ويردد الصقور دون شعور رؤية لينين، وهي أن الصين وافد جاء متأخرًا إلى وليمة القوى الكبرى، مضطرة رغمًا عنها إلى أن تكون عدوانية وتدفع بمنكبَيها أولئك الذين سبقوها على الطريق إلى المائدة، ويأخذ دعاة التعاون نهجًا آخر؛ إذ يذكرون من يوليهم أذنًا صاغية أن أوروبا وأمريكا عالجتا صعود ألمانيا واليابان بطريقة خاطئة، وأن على العالم ألَّا يكرر الخطأ ثانية مع الصين.

ترى هل أصبحنا في أواخر القرن العشرين أكثر «معقولية» بشأن مشاركة البلدان الصاعدة في القوة العالمية؟ إن عودة ألمانيا واليابان إلى الصعود ثانية كقوتَين كبيرتَين بعد الحرب العالمية الثانية، إنما تم كعملية سلمية، ويحكي عنه البعض أنه أسلوب يدعو إلى التفاؤل من هذه الناحية، ولسوء الحظ، أن التجربة لا يمكن تعميمها؛ بحيث يكون المعنى أن العالم الحديث اهتدى إلى وسيلة للترحيب بالقوى الجديدة؛ بحيث يحتضنها دون صراع عسكري، والحقيقة أن الملابسات واحدة من جميع النواحي.

وثمة أسباب خاصة باستراتيجية الحرب الباردة جعلت الولايات المتحدة تتجه عمليًّا إلى احتضان اليابان وألمانيا اقتصاديًّا، حتى حينما أصبحتا تشكلان خطرًا تنافسيًّا على المصالح الاقتصادية الأمريكية؛ إذ كان الهدف خلق قلاع إقليمية ضد خطر الشيوعية، ناهيك عن الأسواق للسلع والخدمات الأمريكية طوال مرحلة التوسع الطويلة بعد الحرب، وعمدت كذلك الولايات المتحدة باعتبارها دولة منتصرة في الحرب العالمية الثانية إلى تحييد اليابان وألمانيا عسكريًّا، فقط لكي تطمئن إلى أن هاتَين القوتَين الصاعدتَين من جديد لن تشكلا تهديدًا عسكريًّا في المستقبل.

والحقيقة أنه في النصف الثاني من القرن العشرين اضطر صناع السياسة الأمريكيون إلى التعامل مع المنافسين والمزاحمين ممن يتصفون، إما بالقوة الاقتصادية (اليابان وألمانيا وغيرهما)، وإما بالقوة عسكريًّا وسياسيًّا (الاتحاد السوفييتي السابق)، ولكن الصين هي أول قوة عظمى في القرن الواحد والعشرين سوف تحمل الصفتَين؛ من حيث عناصر القوة بدرجة عالية إلى حد ما.

وإذا قارنا بين الصين واليابان وألمانيا على مدى سنوات نموهم الإعجازي، نجد أن اقتصاد الصين يماثلهما دينامية، ولكنه سيكون أكبر حجمًا وربما، لهذا السبب، سيكون له أثره الأكبر في إجمالي الاقتصاد الكوكبي. وبينما كانت اليابان وألمانيا دولتَين تابعتَين — افتراضيًّا — للولايات المتحدة، من حيث المسائل الاقتصادية والعسكرية والاستراتيجية خلال الخمسين عامًا المنصرمة، فإن الصين مستقلة تمامًا، ولديها القدرة على أن تصبح مزاحمًا قويًّا جدًّا في مجال التحدي الاستراتيجي-العسكري-السياسي.

وتتكشَّف لنا طبيعة التباين في ضوء صورة الاتحاد السوفييتي الذي انحطَّ من الضعف الاقتصادي إلى ضعف شامل خلال الحرب الباردة، ولكن التنين الصيني يطلق من منخارَيه ألسنة لهب أقوى تنافسيًّا مما كانت عليه حال الدب الروسي. وبينما تفتقر الصين إلى دول تابعة — وهو ما لا ترغب فيه أو لا تخطط له الآن — مثلما تفتقر إلى ترسانة أسلحة لاستعراض القوة على نحو ما فعل السوفييت في السابق، فإنها تمتلك قوة عسكرية كافية يتعين النظر إليها بعين الاعتبار داخل اللعبة الكوكبية الكبرى، وفي آسيا على وجه اليقين.

وهكذا، فإننا إذ نتحدَّث عن الصين، إنما نتحدَّث عن صعود قوةٍ جديدةٍ عظمى من جميع النواحي؛ قوة شاملة تملك القدرة الاقتصادية وتحظى بثقل سياسي (خاصة في آسيا، وإن اتسع ليشمل الإطار الكوكبي بفضل ما تملكه من وسائل دولية عديدة، من بينها حق النقض داخل منظمة الأمم المتحدة)، وتملك قوة عسكرية (إذ إن الصين عضو في النادي النووي، وتمتلك أكبر جيش عامل في العالم).

وإذا ما شاء المرء أن يتكهن بالمستقبل. واقتصر في ذلك على الممارسات السابقة للمغنيات الأوليات للأمم العظمى الأخرى، فسوف يضيق مجال الاختيار ولا يجد سوى احتمالات الصدام العسكرية في المستقبل، إزاء صعود قوة جديدة لها أهمية الصين، وهذا هو تحديدًا ما يتكهن به البعض، ولكن من ناحيةٍ أخرى، إذا ما آمن المرء بأن القرن الواحد والعشرين سوف تحكمه وتنظمه الكفاءة الاقتصادية والتجارة الحرة، والنزعة الاستهلاكية النشطة وسوق كوكبية بغير حدود، هنا يصبح من المحتمل أن تتطوَّر الصين وتمثل الصوت الرابع المتناغم، وينضم إلى فريق التينور المتناغم (نسبيًّا)، الذي يضم ثلاثة عناصر (أمريكا الشمالية وأوروبا واليابان) والذي يحتل المسرح الآن. ولا تزال هذه النظرة التي تمثل الحكمة التقليدية حتى بضع سنين خلت، هي النظرة الرائجة في بعض الأوساط، خاصة بين دعاة «الاقتصاد الكوكبي الجديد»، الذين يعتقدون أن الحديث عن الحرب بين الدول — الأمم العظمى — هو ضرب من المفارقة التاريخية لا يتناسب مع حقبة أصبحت فيها القوة الاقتصادية هي كل ما تنطوي عليه المنافسة، ونحن نعتقد أن هذه النظرة التفاؤلية غير واقعية، ولكن باعتبارها السيناريو الأقل احتمالًا، فإنها تستحق بأن يكون لها الثقل نفسه، الذي تحظى به جميع النظريات التي تحدثنا عن الصين، وكيف يمكن أن تشعل حربًا عالمية ثالثة.

ولكن التصورات المجازية، شأن جميع محاولات التعميم عند الحديث عن الصين، تنطلق بعيدًا ثم تقيدها أخيرًا الاعتبارات الثقافية. إن الصين والغرب يقتسمان تراثًا ثقافيًّا عن «الأوبرا»، ولكن أوبرا بكين تختلف، وعلى نحو استثنائي، عن أوبرا بوتشيني، وكذلك يكون الاختلاف أيضًا بين مظاهر السلوك والأدوار وأساليب المغنيات الأوليات في الأوبرا هنا وهناك.

إن الصين الجديدة تختلف اختلافًا أساسيًّا عن القوى الكوكبية القائدة على مدى خمسمائة العام الأخيرة؛ فالصين متجهة بأنظارها إلى داخلها، وليست بها حاجة إلى استعمار بلدان أخرى؛ لكي تضاعف من نموها خلال الحقبة الراهنة، حتى لو افترضنا أن بعض الدوافع الصينية التقليدية تحثُّ بكين واقعيًّا على التماس سبيلٍ للسيطرة السياسية والعسكرية على مناطق حدودها.

إن الصين مكتظةٌ بسكانها، كما يعرف الجميع، ومثل هذا الوضع يمكن أن يجعل منها أمة قوية اقتصاديًّا من حيث الكم، ولكنها فقيرة ومتخلفة من حيث دخل الفرد، وكما أوضحنا في الفصل الرابع أنه لم يكن هناك أبدًا «اقتصاد هو الأضخم على الصعيد العالمي»، وليس أيضًا الرائد عالميًّا من حيث نصيب الفرد من الثروة ومستوى المعيشة، وإذا استطاعت الصين، ومتى استطاعت أن تصبح ثانية الاقتصاد الأكبر في العالم، فإن تخلفها الداخلي المستمر سوف يجعلها، كقوة فاعلة على المسرح العالمي، مختلفة تمامًا عما كانت عليه بريطانيا والولايات المتحدة، عندما انعقد لكلٍّ منهما الدور القيادي عالميًّا.

وتمثل الولايات المتحدة أيضًا نوعًا من القوى العظمى، مختلفًا تمامًا عما سبقها؛ إذ بينما تلتزم الولايات المتحدة سياسة محورها المصلحة الذاتية (وهي ما ينبغي أن تكون عليه)، فإن أهدافها تتحدَّد على نحو أكثر انفتاحًا، واتبعت (على الأقل خلال الربع الأخير من القرن العشرين) في سبيل تحقيق أهدافها نهجًا حميدًا أكثر من أي قوة عظمى أخرى؛ فالولايات المتحدة لا تحاول عمدًا إقامة إمبراطورية مملوكة ملكية خاصة لها وحدها؛ ومن ثم الحفاظ على إمبراطوريتها.

وتتفرَّد الولايات المتحدة ومن ناحية أخرى؛ إذ قد تكون هي أول قوة عظمى حديثة تدخل طريقًا هابطة، وتنتصر على خطر السقوط. وحيث إن الولايات المتحدة لم تَعُد قوة على طريق السقوط (على نحو ما كان عليه ظاهر الأمر في السبعينيات والثمانينيات). وحيث إن الصين تركز اهتمامًا على قضاياها الداخلية لتنمية ذاتها، فإن لنا أن نعتقد بإمكان أن تصطنع أمريكا والصين طريقة للتعايش على أساس من رؤية لمستقبل مشترك، وسوف يكون هذا على نقيض نظرة المحصلة صفر السلبية، التي تقفز من حالة السقوط، والتي أغوت الأمم تاريخيًّا بالاندفاع إلى أتون الحرب دفاعًا عن الوضع القائم.

نعم، يجب أن نتعلَّم دروس التاريخ، ولكن يجب أيضًا أن نحذر الطريق السهلة في تصور تطابق الأحداث؛ ومن ثم نخطئ في الاستفادة من دروس التاريخ، وإلا، وهو الأسوأ، فلن نصل إلى استنتاجات خاطئة تمامًا.

لقد كان للحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي مبرِّرٌ لوجودها ولا خيار فيه، ويمكن لنا أن ندافع عن الأسلوب الذي انتهجته الولايات المتحدة من جانبها في هذا الصراع، ولكن الشواهد التي لا جدال فيها هي مواقف الاتحاد السوفييتي، التي انطوت على نزاعات التوسع والعدوان والتخريب في كل ركن من أركان المعمورة، ولقد كانت الحرب الاقتصادية مع اليابان لها ما يبررها، وإن بدَتْ أقل إثارة للإزعاج، أو كان بالإمكان ترشيدها على أقل تقدير؛ إذ بلغ الاقتصاد الياباني قوة كاسحة، حتى أصبح — في وقت ما — يهدد الصناعات الأمريكية الأساسية، وينذر بخطر إشاعة عدم الاستقرار في التجارة العالمية.

ولكن الصين مختلفة، إنها قد تشكل في نهاية المطاف خطرًا جيوبوليتيكيًّا محتملًا، مثل الطراز السوفييتي. بيد أننا، وكما أشرنا في السابق، نشكُّ في هذا الاحتمال، ولكن يتعيَّن على الأمريكيين في جميع الأحوال الانتظار سنوات طويلة ليروا إن كان مثل هذا السيناريو حقيقيًّا أم لا، ويمكن أن تصبح الصين خطرًا اقتصاديًّا مثلما هي حال اليابان، ولكن، وكما سبق أن أشرنا أيضًا، فإنه ليس خطرًا بعيدًا فقط، بل تقابله وتعوضه فرص إيجابية تحقق مصالح اقتصادية أمريكية.

وإنها لمأساة حقًّا أن تفلت منا فرصة تاريخية للتعاون مع الصين، ونفيد من علاقة قوية معها، بل وربما يتسنى لنا أن نؤثر فيها في اتجاه إيجابي، والمأساة أن تفلت الفرصة لا لشيءٍ سوى لانشغالنا بإعداد وإحكام وسائلنا لخوض حرب باردة، ونقول هنا ما سبق أن لاحظه الاقتصادي روبرت جي صمويلسون: «تظل أخلاقيات الحرب الباردة مرجعًا زائفًا، ويقول إن الحط من قدر الصين وضرب صدورنا ربما يشعرنا بالرضا، بيد أن هذه سياسة خاطئة، بل وخطرة. إن معاملة الصين كخصم عنيد، ربما تصبح أسلوبًا يشبع حاجة في نفوسنا.»

(٢) إعادة النظر في الخطر الصيني

نحن نؤمن بأن الولايات المتحدة والصين يمكن أن تتراجعا عن إشعال حرب باردة جديدة؛ ومن ثم تطوير شراكة إيجابية من أجل المستقبل، بيد أن هذا الإيمان مشروط — إلى حد كبير جدًّا — بتقديرنا لنوع القوة التي تمثلها الصين اليوم، ونوع القوة العظمى التي ستكون عليها الصين، خلال القرن الواحد والعشرين.

ونحن نرى أن ثمة شكًّا محدودًا في أن الصين ستكون قوة عظمى قومية النزعة، لا تعنيها سوى مصالحها القومية قبل أي شيء آخر، وأن التزامها المشروع بهذه المصالح سوف يفرض تحدياتٍ مركبةً عديدةً على الولايات المتحدة وغيرها، وليس من المتوقع — في المستقبل القريب — أن تصبح الصين ديموقراطية بالكامل ولا رأسمالية بالكامل، ونعتقد أن علاقاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية مع البلدان الأخرى؛ سوف يحكمها ويدفعها اقتصاد سياسي وتاريخي ثقافي ونسق عقائدي يختلف في بعض النواحي عما نحن عليه، وهذا من شأنه أن يفضي حتمًا إلى اختلافات وصدامات، ولكن دون حاجةٍ إلى أن يتحوَّل إلى تطاحن شامل أو احتكاك مستمر، نعم ستمثل الصين تحديًا، وستكون بهذه الصورة أمامنا، بيد أن هذا لا يعني أنها ستصبح وجوبًا خطرًا يتهددنا.

نحن نعتقد أن الصين معنية أساسًا بقضية تنميتها الاقتصادية الداخلية وبنظامها السياسي، وليست معنية بتوسيع إمبراطوريتها في الخارج أو استعراض قوتها العسكرية على نطاق كوكبي، وإن تركيز الصين على واقعها الداخلي هو وليد قُوًى عميقة الجذور في ميراثها الكونفوشي، وتاريخها العريق. إن جنج هي، القائد العسكري البحري الأسطوري منذ ستة قرون مضت، توافرت لديه المهارات اللازمة والتكنولوجيا البحرية ليجعل الصين قوة عسكرية بحرية رائدة على الصعيد العالمي، قبل صعود إسبانيا والبرتغال بقرن من الزمان، وقبل ثلاثة قرون من تاريخ ظهور هولندا وبريطانيا ليقوما بهذا الدور، ولكن الصين نأت بنفسها عن استعراض قوتها عالميًّا، وظلت تركز على إمبراطوريتها الآسيوية.

ونعتقد أن هذه الحقبة تزيد عن مجرد كونها مادة تاريخية مهمة، إنها تعكس نمطًا سوف نشهده ثانية خلال القرن الواحد والعشرين؛ إذ سيكون الصينيون — بوجه عام — عازفين عن استعراض القوة كوكبيًّا، بيد أن الصين داخل آسيا سوف تستعرض قوتها وتؤكد ثقلها — وبطريقةٍ هادئةٍ أغلب الأحيان، وسافرة أحيانًا — إذا ما اقتضت ذلك الضرورة — ولكن الصين أساسًا ستصبح، على الأرجح، قوة حديثة مسئولة وليست دولة شريرة، وثمة أساس قوي جدًّا يدعونا إلى الاعتقاد بأنه إذا ما احتضنت الولايات المتحدة الصين بدلًا من أن تعزلها، سوف تتدفق منافع كبيرة إلى مشروعات الأعمال الأمريكية، وإلى الشعب الأمريكي، بما في ذلك فائدة خفض النزاع المحتمل مع الصين إلى أدنى حدٍّ ممكن.

ونحن في هذه التقييمات، وعلى نحو ما أسلفنا، نختلف وبأقصى قوة عن تقييمات الصقور أصحاب مدرسة الخطر الصيني، ولكن حيث إن نظرة الصقور بلغت هذا القدر من البروز والغلبة — بل وهددت أحيانًا بأن تكون هي النظرة العامة السائدة — نجد لزامًا أن نحلل — على الأقل — بعض حججها الرئيسية؛ لهذا انتقينا بضع قضايا رئيسية لكي نوضح، من خلالها، كيف أن حكمنا على المسائل الواقعية القاسية، في شأن الصين، يختلف اختلافًا بينًا عما ذهب إليه الصقور:

إن القضايا التي تثير قلق الصقور ليست أبدًا شيئًا مقصورًا عليهم، وخاصًّا بهم وحدهم، فإن الكثير من الاتجاهات والأحداث التي يروونها، تثير فينا نحن أيضًا قلقًا عميقًا، ونحن لا نتشكك، إلا نادرًا، في الوقائع التي يحكيها الصقور، وإنما نتشكك في تأويل هذه الوقائع وسياقها وميزاتها، ثم الاستنتاجات التي يصلون إليها آخر الأمر، وليسمح لنا القارئ بعد هذا التنويه التحذيري أن نفكر معًا في بضع حجج مميزة صاغتها مدرسة الخطر الصيني.

(٣) الصين كتهديد عسكري للولايات المتحدة

الصين، كما يزعم الصقور، مشغولة بتعاظم أسلحة الدمار الشامل، ويقال إن العسكرة تمثل الواقع المحوري للصين اليوم، وتتكرر المرة تلو الأخرى في أدبيات الصقور عبارة أن الصين «ملتزمة» بأن تكون خصم أمريكا على المدى البعيد، ويتصور العديد من كبار الصقور وقوع حرب ساخنة بين الولايات المتحدة والصين، وأنها ستندلع أولًا بشأن قضية تايوان.

ولا خلاف على أن النفقات العسكرية السنوية للصين تزايدت أخيرًا، وأن موازنة عام ١٩٩٦م، كما تفيد التقارير، زادت بنسبة ١١ في المائة عن العام السابق لها، وأن موازنة عام ١٩٩٧م زادت بنسبة ١٣ في المائة عن موازنة عام ١٩٩٦م، واطَّردت الزيادة الرقمية، كما هو مبيَّن في تقارير الصين الرسمية عن إنفاقها العسكري؛ ومن ثم فإن الصقور يقينًا على صواب حين يقرِّرون أن الموازنة العسكرية أعلى كثيرًا من القيمة التي حدَّدتها بكين عام ١٩٩٦م، وقالت إنها ٩ بلايين دولار، ولكنها يقينًا ليست ٨٧ بليون دولار، كما زعم كلٌّ من ريتشارد برنشتاين وروس مونرو في كتابهما «الصراع القادم مع الصين».

وثمة مشكلات كثيرة تواجهنا عند وضع تقدير حقيقي لموازنة الأسلحة في الصين، مثال ذلك أن الصينيين لا يدرجون بند البحوث والتطوير العسكري في ميزانياتهم، على نحو ما يفعل الغرب، ونلاحظ أن بعض المعدات الصينية — الأكثر تقدمًا — تأتي في صورة صفقات مقايضة مع روسيا؛ ولهذا فإنها لا تكلف شيئًا وتعامل كمقاصة. وأين وكيف تجري عملية إعادة تدوير أرباح عشرين ألف مشروع مدني مملوكة لجيش التحرير الشعبي، أو كيف يجري تعويضها؟ هذه متاهة يعجز عن فهمها حتى أعضاء المكتب السياسي الصيني، وتكاد تكاليف الأيدي العاملة لا تساوي شيئًا تقريبًا؛ لذلك فإن الصين يمكنها أن تبقي على جيش عامل يماثل ثلاثة أمثال حجم القوات المسلحة الأمريكية، بكلفة أقل من عُشر كلفة الرواتب.

ويرى خبراء البنتاجون — بعد تسوية جميع هذه العوامل المتداخلة ثقافيًّا، وتعديل سعر المشتريات على أساس التكافؤ — أن الصين تنفق الآن على الأرجح ما بين ٢٤ بليونًا و٣٦ بليون دولار في السنة، وإذا أخذنا بالتقدير الأكبر وهو ٣٦ بليون دولار — وهو رقم يثير ثائرة الصينيين إذ يرونه ضخمًا بصورة تدعو إلى السخرية — فإن موازنة الصين ستبدو مع هذا مجرد شظية من الميزانية العسكرية للولايات المتحدة؛ إذ تبلغ حوالي السُّبع.

وإذا وضعنا هذا في السياق الآسيوي، نجد أن الصين تنفق على موازنتها العسكرية أقل مما تنفقه اليابان، مع ملاحظة أن اليابان من المفترض أنها دستوريًّا دولة سلمية ومحظور عليها بناء قوة مسلحة هجومية.

وتمثل نفقات الصين العسكرية أخيرًا مفاجأة بعد سنوات من خفض الموازنة بناءً على رغبة دنج هسياو بنج، عندما حاول أن يوجه كل الموارد الممكنة للاستثمار في الاقتصاد المدني؛ ولهذا انخفضت موازنة الصين العسكرية طوال الثمانينيات من حيث الشروط المطلقة، وانخفضت كثيرًا جدًّا كنسبة مئوية من إجمالي الدخل القومي.

وتشير بعض المصادر إلى أن النفقات العسكرية للصين انخفضت من ١٦ في المائة من إجمالي الدخل القومي إلى ما بين ٣ و٥ في المائة أخيرًا، وإذا نظرنا إلى النفقات في ارتفاعها من حيث الشروط المطلقة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، نجد أن الصين كسرة بالقياس إلى الولايات المتحدة التي بدأت، وهي الأقوى، تزيد موازنتها العسكرية ثانية بعد سنوات من الاستقطاعات الضخمة عقب الحرب الباردة.

وقد يجد الرئيس جيانج زيمين، الذي يفتقد مصداقية دنج هسياو بنج لدى الجيش، أن من الضروري أن يكافئ القادة بهذه الاعتمادات المالية، وبرامج الإنفاق التي وعدهم دنج بأنها ستكون ذات يوم العائد الذي يحصلون عليه مقابل سنوات تضحياتهم من أجل الاقتصاد المدني، ولكن القوات المسلحة التي يضيفها جيانغ هي قوات سبق خفضها بأعداد كبيرة. والمعروف أن عدد القوات النظامية العاملة في جيش التحرير الشعبي انخفض على مدى الخمسة عشر عامًا الأخيرة من أكثر من ٤ ملايين إلى ٢٫٩ مليون، وتعهد جيانج في المؤتمر الخامس عشر للحزب في سبتمبر ١٩٩٧م، بخفض إجمالي عدد القوات المسلحة نصف مليون آخر، وقد تكون زيادة القدرة العسكرية الصينية استجابة دفاعية إزاء تغير ميزان القوى الأمريكي، ذلك أن مستويات الإنفاق أخذت في الازدياد في كل أنحاء آسيا مع تسارع سباق التسلح في الإقليم، وعلى الرغم من أن الصقور يرون الصين تنمو اقتصاديًّا، وتقرن ثروتها الجديدة بزيادة الإنفاق العسكري، فإن حقيقة الأمر أن نفقات الصين انخفضت سريعًا، إذا نظرنا إليها كنسبة مئوية من إجمالي الإنفاق العسكري في آسيا؛ إذ انخفضت من ٥٤ في المائة في عام ١٩٨٠م، إلى ٣٤ في المائة في عام ١٩٩٤م.

ويعتقد كل خبير عسكري تقريبًا أن جيش التحرير الشعبي متخلف للغاية من حيث العتاد، ويلحظ الباحث روبرت إس. روس الخبير في قضايا الأمن ذات العلاقة بالصين ما يلي: «إن أشد الأخطار التي تمثلها اختبارات صواريخ الصين عام ١٩٩٦م هو أنها آيلة إلى زوال؛ فالصواريخ بدائية بحيث كان بالإمكان أن تضل طريقها وتصيب تايوان»، ويؤكد روس بعد ذلك أن استعراض الصين لقوتها في البحر يعتمد على جيل من طائرات الخمسينيات والستينيات، «وبينما تعمل الصين جاهدة من أجل تطوير طائرات حديثة، فإن أحدث طائراتها المقاتلة المنتجة محليًّا، وهي الطائرة إف ٨-١١، تعادل الطائرة الحربية في الستينيات، وأكثر من هذا أن هذه الطائرة البدائية لم تدخل بالكامل بعد في مجال الإنتاج».

نعم حصلت الصين على طائرات أحدث وأكثر تقدمًا من روسيا، وهي الطائرة سو-٢٧، وذلك في صفقات على سبيل المقايضة، وكان لهذه الصفقة آثارها التي أفزعت الأمريكيين، الذين أقلقهم احتمال عودة التحالف الصيني-السوفييتي القديم، ولكن أفضل ما لدى الروس من معدات حتى الآن هو طراز السبعينيات، الأقل تقدمًا مما تبيعه الولايات المتحدة لتايوان وأقل تقدمًا بكثير مما تنتجه اليابان للدفاع عن نفسها بالاشتراك مع الولايات المتحدة، كذلك فإن الغواصتَين من صنف كيلو-كلاس Kilo-Klass، اللتَين اشترتهما الصين من روسيا عام ١٩٩٥م، ظلتا راسيتين لمدة عامين في المرفأ تعانيان مشكلات خطيرة بسبب سوء الصيانة، ويقول روبرت كارنبول، المحرر المختص بشئون آسيا والباسيفيك في مجلة جينز دفنس ويكلي: «إن مجرد شراء غواصة أو مدمرة أو طائرة مقاتلة لا يعني أن لديك القدرة على استخدامها بكفاءة»، ويضيف إلى هذا تقرير إخباري يقول: «إننا لا نستطيع أن ننفي احتمال أن الروس باعوا للصين غواصات معيبة.»

ويتصور الصقور أن لدى الصين خطة للهيمنة على الممرات البحرية في آسيا، وأن بكين، بدافع من نزوة، قد تسدُّ الطريق على تدفق النفط إلى اليابان وغيرها، وهذا سيناريو مهم يرى أن الصين لم تكن يومًا قوة بحرية، وأن قوتها البحرية الآن ضئيلة بالقياس إلى قوة اليابان، حقًّا أن بكين أشارت منذ عهد قريب إلى أنها تخطط لتطوير قوة بحرية أكثر خطرًا، وقد يرى البعض في هذا مدعاة للقلق، وسوف يؤكد آخرون أن أي قوة عظمى في وضع الصين تواجه توترات ونزاعات كثيرة في شمال وشرق آسيا — وحوالي ٤٠ في المائة من إجمالي دخلها القومي منصرف إلى التجارة العالمية — لا بد لها حتمًا أن تسعى إلى تطوير أسطول حديث لها.

ويعتقد المراقبون للصين — من ذوي العقلية العسكرية — أن الصين تتجه إلى تطوير حاملة طائرات، وأن توافر مجموعة مهمة من الحاملات يمثل بالتأكيد ضرورة مطلقة للسيطرة على الممرات البحرية في آسيا، ولكن تطوير وتجهيز ولو حاملة طائرات واحدة يستلزم ما بين عشر إلى خمس عشرة سنة، وأن تطوير مجموعة من حاملات الطائرات هو مشروع يستغرق ما بين عشرين إلى خمس وعشرين سنة، وواضح أن مثل هذه الآفاق تجعل الخبراء من أصحاب الفكر الهادئ يعتقدون — دون استبعاد احتمال أن تثير الصين قلاقل عسكرية في آسيا على المدى القريب — أن الولايات المتحدة لديها ترف الانتظار عشرة أو عشرين عامًا تراقب الصين كيف تتقدَّم وكيف تجري تحديث مجتمعها، وذلك قبل أن نحدد ما إذا كنا في حاجة إلى أن نتعامل معها كخصم على المدى الطويل.

إن استخدام الصين لقوتها من حينٍ إلى آخر — على نحو ما فعلت حين أجرت اختبارات استفزازية بالذخيرة الحية لمدفعيتها قرب تايوان واستيلائها على بعض الجزر المتنازع عليها (وهو ما سوف نناقشه فيما يلي) من شأنه أن يربك جيرانها وهم يعيشون على مقربة من بلد تتزايد قوته على نحو لا يستطيعون التنبؤ به، ولكن بالنسبة لنا نحن البعيدين جدًّا عنها ونحاول أن نفهم الآثار بعيدة المدى للاحتمالات المرتقبة للقوة، فإن من المهم أن نتذكر أن كل حالة للتخطيط الصيني للقوة العسكرية حتى الآن، ومهما كانت مثيرة للقلق، إنما انصبَّت على أقاليم وحدود هي موضع تنازع، وتتعلق بما تتصوره الصين مصالحها الاستراتيجية الخاصة بأمنها وسلامة أراضيها على طول حدودها. ونحن لنا أن نختلف مع تصورات بكين بشأن مستوى الخطر الذي يتهدد أمنها القومي، وربما لا نحب أن نرى القوة هي الوسيلة في كل حالة من الحالات، ولكن من المهم أن نعترف بأن أي نشاط من هذا النوع جرى توجيهه على نحو محدود للغاية، ولم يتحول في أي مرة إلى نزاع أوسع نطاقًا.

يحب الصقور أن يلعبوا لعبة الاستقراءات المباشرة، ويفيد هذا أنه إذا ما واصلت الصين نموها الاقتصادي الراهن وأنماط إنفاقها العسكري العام الواحد تلو الآخر، حتى المستقبل البعيد، فإن اقتصادها سيصبح أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة؛ ومن ثم ستصبح قادرةً على دعم جيش أكبر حجمًا، ولكن هذه الاستقراءات المباشرة ليست دائما قابلة للصواب.

ربما يكون الصقور على صواب من حيث إن بعض المفكرين الاستراتيجيين في الصين يتصورون، على الأقل، أن بالإمكان، على المدى البعيد، إبعاد الولايات المتحدة عن المنطقة الآسيوية المطلة على المحيط الهادي، كذلك، فإن الصقور على صواب أيضًا؛ إذ يؤكدون أن على الأسطول الأمريكي وغيره من القوات المسلحة التخطيط للبقاء في آسيا، حيث إنهم يمثلون جانبًا حاسمًا وحرجًا في توازن القوى، والذي يفرض بعض القيود على أشد ميول الصين عدوانية، ولكن الملاحظ حتى الآن أن بكين لا تبذل أي جهد نشط لإخراج الولايات المتحدة من آسيا، حقًّا أن خبراء كثيرين يعتقدون أنه على الرغم من بعض الضربات المقنعة التي توجهها الصين بين الحين والآخر ضد القوات الخارجية، التي يتعين عليها أن تترك آسيا، فإن العقيدة الاستراتيجية الرئيسية للصين تفضل وجود الولايات المتحدة على الأقل للعقد القادم أو نحو ذلك؛ إذ ترى الصين في هذا عاملًا يكبح إعادة بناء اليابان عسكريًّا، علاوة على بعض الاتجاهات الأخرى التي تراها بكين خطرة؛ ومن ثم فإن دور القوات العسكرية الأمريكية سيمثل قضية كبرى في المستقبل البعيد، ولكنه الآن لا يمثل مشكلة ذات أهمية في العلاقات الأمريكية-الصينية.

والمعروف أن الولايات المتحدة سوف تواصل تطوير قوتها العسكرية المروعة، وتستمر في الإنفاق لإنتاج كل ما يمكن تصوره من أحدث منظومات الأسلحة؛ لذلك فإننا لسنا في حاجةٍ إلى الزعم بأن حافزنا إلى هذا الإنفاق هو بعبع الخطر الصيني، إن الكثير من الأخطار المحتملة في عالم اليوم، بما في ذلك خطر الصين، على ضآلته، الذي يدور حول الزعم بأن الصين ستتحول إلى أمة شريرة، وتهدد جيرانها الآسيويين أو الغرب بقدراتها النووية كافية جميعها لجعل واشنطن تركز على المسار الذي اتخذته لنفسها.

وإذا ما سلمنا بالقدرات الأمريكية الاستثنائية في مجال التقانة العليا الحربية والآليات ذات الصلة باحتمالات القوة في المستقبل، فإن الحقيقة الواقعة توضح أن العالم ربما لم يخضع أبدًا لهيمنة عسكرية من قبل أمة واحدة، نعم حري بأن نراقب الزيادات التي تفرضها الصين في مجال الإنفاق العسكري، غير أنها، على وجه اليقين، تمثل جهودًا تبذلها قوة عسكرية في الخمسينيات لكي تصل إلى السبعينيات، ولكن الجهود الأمريكية في مجال البحوث والتطوير العسكريين تمثل من ناحية أخرى تطوير القدرة العسكرية الحاسمة لمطلع القرن الواحد والعشرين، ونحن نشعر بالثقة حين نتنبأ بأنه، حتى خلال الفترة من ٢٠١٠م وحتى ٢٠٢٥م، لن يكون هناك أبدًا أي مجال للمقارنة بين ما سوف تبلغه القوة الصينية من حيث المدى والقدرة على الصعيد الكوكبي، وبين ما ستكون عليه الولايات المتحدة الأمريكية.

حقًّا الصين قوة نووية كما يحلو للصقور أن يؤكدوا، ورءوسها النووية هي الرءوس الوحيدة الآن الموجهة إلى الولايات المتحدة، ولكن إذا كانت هناك صواريخ نووية تعدُّ على أصابع اليد يمكنها أن تصل إلى سواحلنا الغربية، فإن برنامج الصواريخ النووية الصيني ليس هو المجال الأكبر في ترسانة أسلحة بكين، إن عددًا قليلًا جدًّا من الخبراء هم الذين يعتقدون أن الصين الآن، أو حتى بعد سنوات عديدة، يمكن أن تمثل خطرًا عدوانيًّا لا يمكن للتكنولوجيا الدفاعية الأمريكية أن تكبح جماحه تمامًا.

ونذكر هنا إحدى حجج الصقور، والتي تقول: لا تزال هناك عقود عدة قبل أن تصبح الصين القوة العظمى العسكرية الثانية على وجه البسيطة؛ ولذلك فمن الأفضل أن نستعد لها من الآن، ويرد على هذه الحجة أوين هاربر رئيس تحرير «ناشونال إنترست» في مقال محكم الحجة والصياغة ويفند رؤية الصقور إذ يقول: «عبارة عقود عدة تمثل في السياسة فترة زمنية طويلة، ومع مرور هذه العقود ستكون الولايات المتحدة ذاتها قد حققت تقدمًا تكنولوجيًّا كبيرًا جدًّا؛ إذ سيكون العالم مختلفًا تمامًا، وسوف تتوافر لنا جميعًا حينئذٍ فكرة أوضح عن نوايا الصين، وإذا حدث وظهر أن الصين هي الخطر الذي يحذرنا منه الصقور، فسنجد أمامنا وقتًا كافيًا للاستعداد لها.»

(٤) أعلنت الصين أن الولايات المتحدة عدوها

يحكي برنشتين ومونرو تعليقات مشئومة على لسان عدد من كبار العسكريين الصينيين الذين يؤمنون بأن الولايات المتحدة هي عدو الصين، ويستهلان كتابهما بتعليق مثير للانزعاج قاله الفريق مي جنيو: «سيكون من الضروري ضرورة مطلقة أن ننمي شعورنا للانتقام … يتعين علينا أن نخفي قدراتنا، وأن نتحيَّن الفرصة الملائمة لكي نصفي حساباتنا مع أمريكا في المستقبل.»

ولكن الواقع أن بعض الناس يرون أن هذا الرأي ليس سياسة رسمية، ذلك أن الصين تعيش حقبة تتزايد فيها الأصوات المتباينة بحيث نجد مفكرين صينيين آخرين ممن لهم نفوذ كبير، وكذا جماعات مصالح يعبرون عن وجهات نظر مغايرة، ونحن حقًّا لا نسمعهم دائمًا في هذا البلد، بل كما قال ألاستير جون الأستاذ بجامعة هارفارد: «نغرق أصواتهم بحديثنا عن استراتيجية الاحتواء الجديدة، والتي نبسط فيها الأمور تبسيطًا مخلًّا، ونحن نعرف أن صينيين كثيرين عملوا بجدٍّ ونشاط من وراء الكواليس، وأفاد هذا بدرجة ما في تقييد، وربما تخفيف حدة دافع الصين نحو السلوك العدواني.»

علاوة على هذا، فإن غالبية الصينيين الذين يعتقدون أن الولايات المتحدة هي عدوهم لا يبدءون بوضع خطة استراتيجية للقوة الصينية، ويخلصون إلى القول بأن تحدي أمريكا فكرة جيدة، وإنما نجد العكس؛ إذ يخلصون إلى نتيجةٍ مؤداها أن أمريكا معادية بدليل ما يرونه من أن أمريكا تبذل الجهود للإضرار بالصين خلال السنوات القليلة القادمة، معنى هذا أن تفكيرهم هو رد فعل وليس فعلًا منطلقًا تأسيسًا من رغبة داخلية لديهم. وعلى الرغم من اتساع نطاق هذا الرأي — مع العلم بأن الصقور يتزايدون في البلدَين — فإنه رأي قابل للتغيير، إذا ما أصبحت السياسة الأمريكية تجاه الصين أكثر بنائية.

(٥) الصين قوة توسعية في آسيا

موضوع آخر يمثل عقيدة سائدة بين الصقور تفيد بأن الصين، حتى وإن لم تهدِّد مباشرة القوة العسكرية الأمريكية الآن، فإن بكين تتصف بعدم المسئولية، وتمثل قوة عسكرية مغمورة متعطشة للهيمنة على آسيا، وسبق أن قيل إنها تثير أكثر فأكثر خوف جيرانها الآسيويين، ويرى الصقور أن الصين تسعى إلى «الهيمنة» وهنا لعب يثير السخرية بمصطلح الهيمنة الماركسي، والذي كان كلمة السر عند بكين للتعبير عن نوايا السوفييت في السبعينيات، ومن الطبيعي أن عملية السعي من أجل الهيمنة في آسيا من شأنها — في ذاتها — أن تضع الصين في صراع المصالح الأمريكية هناك، والنتيجة أنه إذا لم تحتوِ الولايات المتحدة الصين، فسوف تهيمن الصين آخر الأمر على آسيا؛ ومن ثم تهدد مصالح أمريكا الكوكبية على المدى البعيد.

وإذا كان الصقور يعنون بكلمة «هيمنة» أن الصين في طريقها لتصبح قلب وروح الاقتصاد الآسيوي، وأن بلدانًا كثيرة من جيرانها الآسيويين سوف ينحنون لرغباتها بسبب قوتها الاقتصادية (على نحو ما تنحني بلدان كثيرة في كل أنحاء المعمورة للمصالح الأمريكية)، فإنهم يكونون قد أصابوا الرأي؛ إذ من المرجح أن تكون هذه هي الحال خلال ما بين خمس وعشرين إلى خمسين سنة. وإذا كان الصقور يرون أن الصين حين تكشف عن عضلاتها العسكرية في مضيق تايوان وفي جنوب بحر الصين، إنما تسعى إلى ردع الآخرين، فإنهم يكونون على صواب، ولكن إذا كان الصقور يتصورون أن الصين لها نوايا عسكرية توسعية لغزو بلدان آسيوية، فإن دليلهم على مثل هذا واهٍ وضعيف للغاية.

وكثيرًا ما يستشهد البعض بتهديدات الصين واستفزازاتها ضد تايوان أخيرًا، وكذلك ما يقال عن تدخُّلها العسكري واحتلالها للتبت. إن سياسة الصين في هاتين الحالتين ليست جديدة، فإن تصميم الصين على استعادة تايوان قديم منذ خمسين عامًا، و«تحرير» التبت حديث بدأ منذ أربعين عامًا، وإن زَعْم الصين بأن لها السيادة على هاتين المنطقتين، وتأكيدها بأن المسألتين تدخلان ضمن المسائل الداخلية وليست دولية؛ من الأمور التي يقتنع بها كثيرون من الغربيين من أصحاب الفكر المستقل.

والدليل الثاني الذي يتردد كثيرًا لتأكيد النزعة الاستفزازية العسكرية لدى الصين، هو مطالبتها بالجزر المتنازع عليها، وهي مجموعة جزر باراسايل (شيشا)، وسبراتلي (نانشا)، واستخدام الصين بين الحين والآخر للقوة العسكرية لتأكيد سيادتها على هاتَين الجزيرتَين ضد ادعاءات الأطراف المقابلة، مثل فيتنام والفليبين وماليزيا وغيرها. وحدث في عام ١٩٧٤م، وبينما كانت الصين لا تزال اسميًّا حليفة لفيتنام الشمالية، أن استولت على جزيرة من جزر باراسيل، وطردت القوات الفيتنامية الشمالية بعد مناوشات عسكرية بسيطة، وفي عام ١٩٨٨م، تطاير بعض الشرر بين القوات الصينية والقوات الفيتنامية في شأن جزر باراسيل.

وبعد ذلك، وفي عام ١٩٩٥م، أقام الصينيون محطة تجسس على واحدة من مجموعة جزر سبراتلي التي تطالب بها الفليبين، وعلمت مانيلا بذلك بناءً على معلومات سرية بلغتها على لسان صياد (وليس، وهذا هو المهم، بناءً على تقارير من المخابرات الأمريكية)، وكان رد فعل مانيلا شعورًا بالصدمة والاحتقار، وقال خوزيه ألمونت كبير المستشارين في الفليبين: «نحن لسنا سوى كائن صغير أمام جبل شاهق، ولا نملك حتى مقلاعًا لقذفه بالحصى.»

وعندما احتجَّت مانيلا رسميًّا، أرسلت الصين فريقًا بحريًّا لتأكيد وحماية دعواها، وفاجأت الصين كذلك أعضاء رابطة بلدان جنوب شرق آسيا (الآسيان)، حين أكدت من طرف واحد سيادتها على جزر سبراتلي، وأثار هذا حالة من الهلع الشديد في عواصم جنوب شرق آسيا، ورد فعل جماعيًّا نادر الحدوث يؤكد رفضهم لنهج الصين، وطالبوا بالتفاوض. وترى العواصم الآسيوية في تصرفات الصين في جنوب بحر الصين دليلًا واضحًا على نوايا بكين على المدى البعيد، وقال مارك فانلسيا من مركز الشرق والغرب في هونولولو: «يمكن النظر إلى مسار النزاع باعتباره مؤشرًا إلى اتجاهات في العلاقات الإقليمية في فترة ما بعد الحرب الباردة، هل ستكون الصين جارًا متعاونًا حميدًا، كما تفيد مزاعمها، أم سوف تسعى من أجل الهيمنة؟».

والجدير ملاحظته أن المطالبات القانونية الفعلية بالجزر تشتمل على مجموعة مختلطة من الوقائع والوثائق والاتفاقات، والرسوم والخرائط المسحية التاريخية المبهمة والمشوشة، وتطالب الصين أساسًا بكل مجموعتَي جزر سبراتلي وباراسيل، على الرغم من استعدادها للمشاركة في حوارات ومفاوضات مع جيرانها في جنوب شرق آسيا، والشيء الذي لا يذكره الصقور هو أن تايوان تتفق في الرأي بوجه عام مع مطالبات الصين، التي تقرر أن هذه الجزر، هي في واقعها، ضمن الأراضي الصينية (والحقيقة أن تايبيه تتفق من حيث المبدأ مع بكين فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية الصينية).

وثمة قضايا مهمة بعيدة المدى في شأن البترول المحتمل في المياه القريبة من الشاطئ، وكذلك مسألة السيطرة على الطرق البحرية، بيد أن القسط الأكبر من الحجج الخاصة بهذه الجزر، إنما تعتبر مسألة رمزية أكثر منها مسألة ذات أهمية استراتيجية، وتمثل موضوعًا للأخذ والعطاء في التفاوض بشأن النظام الجديد في جنوب شرق آسيا، وهذا هو ما يفهمه جميع المدعين، ويود الصقور أن يرى الأمريكيون في سقوط إحدى الجزر المرجانية المغمورة من بين مجموعة جزر سبراتلي، كأنه المكافئ المعنوي لعملية هتلر حين ضم إلى ألمانيا منطقة سوديتلاند، بيد أن جزر سبراتلي لن تكون من هذا النوع، إن بعضها مغمور تحت سطح الماء أغلب أوقات السنة، وليس فيها جزيرة واحدة كبيرة بحيث تفيد لدعم عمليات بحرية أو تتسع لانتشار جنود على سطحها للدفاع عن الجزر، ويشير إلى هذا أحد المعلقين بقوله: «الحقيقة العسكرية لجزر سبراتلي أن احتلالها سهل، والدفاع عنها والاحتفاظ بها صعب، وأن الدفاع عنها من شأنه أن يستنزف، لا أن يدعم، قدرات الصين العسكرية الضاربة».

وأبدت الصين في مناسبات قليلة رغبتها في أن تكون القوة صانعة للحق، وأن تتشبث بالاقتراح القائل بأن الحيازة تسعة أعشار القانون، ولكن الاستيلاء على هذه الجزر أبعد ما يكون عن أن يكون تعبيرًا عن نزعة توسع نشطة وعدوانية، على نحو ما يريد أن يصورها الصقور، ولم تبدِ الصين حراكًا طوال العام — وقتما كانت فيتنام تحتل العديد من جزر سبراتلي — وأكثر من هذا أنه — على مدى فترات الصراع بشأن تايوان — لم تحاول الصين أن تتحدى احتلال تايوان للجزيرة الأضخم حجمًا من بين جزر سبراتلي، ولم يضايقها أن ماليزيا أقامت منشآت سياحية فوق جزيرة أخرى.

ويبدي زعماء جنوب شرق آسيا السياسيون، عن حق، ضيقهم إزاء ما يمكن أن تفعله الصين بعد ذلك، ويقول ضابط بحري فليبيني: «الصين تشبه حالة عدوى في جزر سبراتلي، وعلينا أن نستحدث كمًّا كافيًا من المضادات الحيوية لوقف سريان العدوى»، والملاحظ أن الدبلوماسية الهادئة داخل إطار دول جنوب شرق آسيا تحقق على الأقل بعض التأثير من أجل الحيلولة دون استيلاء الصين على جزيرة أخرى، مثال ذلك أنه في مارس ١٩٩٧م، عندما احتجَّت فيتنام ضد الصين بسبب إقامة منشآت بترولية في المياه المتنازع عليها، دارت بين البلدَين مفاوضات مثمرة دون أن يحدث أي عمل عسكري، وفي مايو من العام نفسه احتجَّت حكومة الفليبين ضد أنشطة الصين فوق جزيرة أخرى صغيرة متنازع عليها، واستجابت الصين وهدمت الكوخ موضوع الخلاف، لكن مثل هذه المفاوضات ومظاهر التعاون لن تدوم أبدًا، ولكنها مؤشرات من بين علامات أخرى صغيرة تحدث يوميًّا وتكشف عن سلوك الصين، هذا الكيان الضخم، إزاء جيرانها مما يوضح على الأقل ميلها إلى أن تصبح قوة عظمى، مسئولة وذات طبيعة سوية معقولة.

والقول بأن الصينيين ضعاف شديدو الحساسية، بحيث يضطرون إلى الاستجابة بأسلوب عسكري إزاء أي استفزاز ضد الأقاليم التي يطالبون بها، قول أكدته للمرة الثانية قضية جزر دياويو (سنكاكو)، إذ تطالب الصين واليابان بهذه البقع المكونة من رمال الباسيفيك (وتؤيد تايبيه الصين في هذه القضية أيضًا، بل لعلها أكثر حماسًا بشأنها)، وحدث في عام ١٩٩٦م أن أقام فريق صغير من اليمينيين اليابانيين كوخًا ورفعوا العلم الياباني على واحدة من الجزر، وكان الهدف محاولة ادعاء سيادة اليابان؛ لمناهضة اتفاق مشترك لإبقاء الوضع على ما هو عليه، بينما تدور المفاوضات بين طوكيو وبكين في اتجاه تسوية دائمة.

ويمكن للمرء أن يتصور استجابة صينية غاضبة وحماسية ضد ما يمكن اعتباره عملًا استفزازيًّا من جانب عسكريين ويمينيين يابانيين، لقد تفجرت في الماضي براكين الغضب الصيني ضد أساليب اليابانيين الوحشية داخل الصين في أثناء الحرب العالمية الثانية، وهو ما صورته الكتب المدرسية اليابانية؛ ومن ثم فإن القول بأن الصين شديدة الحساسية (وشديدة الانتقاد) إزاء تصرفات اليابان نحوها؛ يعتبر إغفالًا شديدًا في تقريرنا لأحداث النصف الثاني من القرن العشرين.

وسرعان ما استنكر الصينيون الحادث الذي وقع في دياويو، الذي مس عصبًا قوميًّا عميقًا لدى عامة الجماهير (على عكس الحملات التي كانت تصطنعها الحكومة ضد الأجانب في الماضي)، وهنا كان الطلاب الصينيون وغيرهم على أهبة الاستعداد للمسيرة في تظاهرة ضد المنشآت الدبلوماسية اليابانية، والمخازن التجارية والمشروعات المملوكة لليابانيين، وانتشرت النار سريعًا إلى هونج كونج (حيث لقي رجل مصرعه عرضًا في تظاهرة انفعالية) وذلك إلى تايوان (حيث طالب أعضاء البرلمان حكومة تايوان أن تكون على أهبة الاستعداد للحرب ضد اليابان).

وكان بإمكان الصين أن ترسل كتيبة رمزية من قواتها المسلحة لتنزل إلى البر هناك، وتؤكد دعواها بالنسبة للجزيرة، وإزاء الحرج الذي وقعت فيه طوكيو بسبب تبجح أعضاء الجناح اليميني، الذين بنوا الكوخ هناك، وجدت الحكومة اليابانية أن من العار عليها قبول هذه النتيجة، ولكن لم يحدث هذا ولا ذاك، إذ فجأة تحرك مسئولون صينيون للجم جماح الجماهير المعارضة، وأعلنت أن المشكلة سيتم حلها عن طريق مفاوضات ثنائية مع اليابان، وسرعان ما هدأت النفوس في الصين، وإن ظلت آثار الحدث مشتعلة في أنحاء أخرى من آسيا.

وثمة تفسير لسلوك الصين وهو أن السلطات خشيت أن يلجأ الطلاب، إذا ما سمحت لهم الدولة بالتحرك، إلى حشد صفوفهم والتظاهر، الأمر الذي قد يتحول سريعًا من موضوع الاهتمام الأصلي، وهو مشكلة دياويو، ويأخذ شكل احتجاجات عامة على طريقة أحداث ميدان تيان آن مين، وربما كان هذا صحيحًا من ناحية، ولكن ثمة تفسير آخر أبعد مدًى من الناحية الاستراتيجية. المعروف أن الصين كانت تحقق تقدمًا مطردًا في علاقتها مع اليابان، ولا تريد أن تنتهي المسألة بحرب كلامية على جبهتَين: ضد اليابان بشأن دياويو، وضد الولايات المتحدة بشأن تايوان، وأيًّا كان السبب، فإن اختفاء مسألة دياويو من الحوار العام في الصين كشف أولويات القيادة الصينية في اختيار المعارك المهمة، وتوجه ثقلها ضد النتائج المحتملة بالنسبة للمصالح الاستراتيجية والقومية، معنى هذا أن بكين، وعلى عكس نظرة الصقور، ليست نظامًا خطرًا مسعورًا ومتعطشًا لتوجيه الضربات في كل اتجاه، إنها قوة رشيدة تتصرف بناءً على روية وحذر للمحافظة على نفسها في غالب الأحيان على أقل تقدير.

(٦) الصين عدوانية واستفزازية تجاه تايوان

نعم هي كذلك، ولكن حتى هذا العنصر القوي الصلب، في دعوى الصقور، حري بأن نتأمله بحذر شديد. إن تهديدات الصين الأخيرة لتايوان تشتمل على مناورات عسكرية استفزازية وبيانات تنذر بالحرب خلال عامي ١٩٩٥-١٩٩٦م، ولقد كانت أحداثًا مذهلة ومثيرة للقلق، ولكنها تفسر جانبًا صغيرًا من العلاقة الجديدة عبر المضيق التي أقيمت من قبل، خلال، ومنذ، تلك الأزمة.

أولًا وقبل كل شيء، من المهم أن نفهم دور مشكلة تايوان في تصور بكين لأمنها القومي، ونذكر هنا ما قاله خبير في شئون الصين، من أن الحوار الأمريكي العام بشأن حافز الصين إلى موقفها الشرس تجاه تايوان، إنما يشتمل على كل الفروض التي يمكن تصورها: استياء تاريخي، نفور من ديموقراطية تايوان، وحمية قومية، وصراع السلطة الداخلي، جميع الفروض الممكنة فيما عدا ذلك الذي يتعلق بمحاولة السيطرة على جزيرة تبعد عن شواطئها بمائة ميل … «أن تسعى الصين التزامًا بمصلحتها القومية».

وليس ضروريًّا أن يتفق المرء مع الصين في تصورها لمصلحتها القومية؛ لكي يعترف بعمق إيمان بكين بحقها في استعادة تايوان، وبأن هذا واجبها ومصيرها، ومسألة حيوية لأمنها القومي ولمصالحها الوطنية، ومع هذا، وعلى الرغم من كل تهديدات بكين ضد تايوان، وعلى الرغم من كل بياناتها التي تؤكد احتفاظها بحقها في «تحرير» تايوان بالقوة، فإن خبراء البنتاجون يقررون أن الصين تفتقر إلى العدة الحديثة اللازمة للقيام بعملية تقليدية سريعة، وعلى مستوى كفء لغزو واحتلال تايوان، اللهم إلا إذا كانت الصين على استعداد لتحمل خسائر هائلة في الأرواح، مستفيدة من قوتها البشرية الضخمة؛ للقيام بعملية تحتاج، في حالة عدم استخدام هذا الأسلوب، إلى معدات متقدمة للغاية من بينها سفن إنزال برمائية وقوة جوية، وصواريخ دقيقة في إصابتها لأهدافها، ولكن دراسات أجهزة الاستخبارات البحرية الأمريكية عن أحدث التدريبات، والمناورات العسكرية الأكثر تقدمًا للصين حتى الآن بشأن الاستعدادات لغزو تايوان؛ أفادت بأن قدرات الإمدادات والتموين «اللوجستية» وقدرات الرفع البرمائي في حاجة إلى تحسين، حتى يتسنى لها أن تنجز «عملية ناجحة وسريعة وفقًا لخطة محتملة لغزو تايوان».

وسبق للكولونيل كارل دبليو أيكنبري، وهو خبير أمريكي متميز في شئون آسيا العسكرية، أن راقب عن كثب كبار قادة أفرع الخدمات المختلفة في جيش التحرير الشعبي الصيني، وشاركهم في جولاتهم لزيارة قواعد أمريكية، كما زارهم في الصين، ويعتقد أن قدرتهم على التآزر الاستراتيجي والتكتيكي لا تزال متخلفة كثيرًا، مما يجعلها عاجزة عن دعم حملة عسكرية حديثة الأسلوب للهجوم على تايوان واحتلالها، ناهيك عن شن حملات مماثلة ضد أقطار آسيوية أخرى.

وبينما يصرخ الصقور بأعلى أصواتهم مطالبين بحماية تايوان من الصين العدوانية، فإننا لا نسمع مثل هذا الصراخ وبهذه الحدة في تايوان ذاتها، ذلك أنهم هناك ينظرون إلى الصين في الغالب باعتبارها فرصة لمشروعات أعمال استراتيجية، أكثر من كونها خطرًا استراتيجيًّا. والجدير ذكره أن أكثر من ٢٠ بليون دولار استثمار مباشر لعدد من الشركات والأفراد المستثمرين تدفقت من تايوان إلى الصين فيما بين عامي ١٩٩٠م و١٩٩٦م، وأن أكثر من ٢٠ في المائة من صادرات تايوان تتجه الآن إلى الصين عبر وسيلة أو أخرى، وأن حوالي ٤٠ في المائة من جميع الشركات المسجلة في سوق الأسهم في تايوان لها عملياتها الاقتصادية داخل الصين.

وثمة شركة تايوانية لصناعة النودلز سريعة التحضير Instant-noodle تمثل نموذجًا لنجاح الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين، وتعتبر الصين وتايوان شريكتين تجاريتين أساسيتين، وتحظى الصين بتدفق مهم من الخبرات التكنولوجية والإدارية من تايوان. حقًّا أن تايوان تمثل مكونًا حاسمًا في التشكيلة الاقتصادية التي اعتمد عليها الخبراء الغربيون للإعلان عن إنشاء الصين العظمى (وتضم أيضًا جنوب وسواحل الصين وهونج كونج وماكاو واقتصادات جنوب شرق آسيا، التي يهيمن عليها أساسًا رجال أعمال من عرق صيني).

ولقد انتقلت صناعة الجزء الأكثر من الأحذية في تايوان إلى الصين؛ التماسًا للأجور المنخفضة (تمامًا مثلما سبق لهذه الصناعة أن أغلقت أبوابها في أمريكا، وانتقلت إلى تايوان وإلى غيرها من الأسواق الآسيوية منخفضة التكلفة)، وتضم مدينة دونج جوان في مقاطعة جواندونج التي ازدهرت بالاستثمار الأجنبي حوالي ١٣٥٠ شركة تابعة لرابطة تايوان المحلية، وأعرب المديرون التايوانيون في مدينة دونج جوان عن إذعانهم الكامل للسلطات الصينية المحلية، التي تفرض نظامًا صارمًا وشروطًا شبه عسكرية على آلاف العمال، وأكثرهم من صغار الفلاحات من ريف الصين، الذين يعملون في صناعة أحذية رياضية، من ماركتَي ريبوك ونايك وغيرهما، التي ستجد سبيلها إلى صالات العرض الأمريكية.

وليس لنا أن ندهش إزاء هذا التعاون في مجال العمل على الطبيعة، وأن الصين لم تتخذ أي إجراء عقابي اقتصادي ضد مشروعات الأعمال التايوانية في الصين، حتى في وقت اشتداد الأزمة خلال عامي ١٩٩٥-١٩٩٦م، ويقول مدير لمشروع ضخم مملوك لتايوان، ومقام في الصين: «ذهب بنا الظن إلى أننا سنكون أهدافًا لهم، ولكن لم يحدث لنا شيء حتى ونحن نطالع مقالات الصحف كل يوم وهي تشجب حكومتنا».

وحض لي تنج-هوي مشروعات الأعمال التايوانية على أن تحد من استثماراتها في الصين، وأصيبت سوق الأسهم في تايبيه بانهيار مفاجئ في أكثر من مناسبة خلال الأعوام الثلاثة الماضية؛ بسبب مخاوف من خطر صيني عدواني، ولكن الحساب الختامي لأضخم مشروعات أعمال تايوان يكشف عن أن الصين مجال أعمال شديد الجاذبية، بحيث لا يمكن التخلي عنه، بحلول نهاية عام ١٩٩٦م كانت الشركات التايوانية تواصل المزيد من الاستثمارات المهمة، على نحو يساعد الصين على ارتقاء سلم التقانة العليا في كل المجالات، ابتداءً من برامج الهاتف الخلوي، وحتى التكنولوجيا الحيوية، واستهلَّت شركة فورموزا للبلاستيك نشاطها، وهي أضخم شركات تايوان، باستثمار ضخم يبلغ ٣٫٢ بلايين دولار لإنشاء محطة قُوًى في مقاطعة فوجيان الصينية، وبدأت تنفيذ مشروعها هذا حتى بعد أن حثتها حكومة تايبيه على التوقف، والجدير ملاحظته أن سوق الصين تقدم للشركات الكبرى — بوجه خاص — جدولًا لا مثيل له في تايوان، ويقول جيفي والج، أحد المديرين التنفيذيين لدى شركة الصين للكيماويات والصيدلة ومركزها في تايوان: «نحن في تايوان لم ندخل مجال التكنولوجيا الحيوية على الإطلاق، إن سوق تايوان صغيرة جدًّا؛ ومن ثم فإنها لا تستحقها»، ولكن هذه الشركة تنشئ في الصين منشأة للتكنولوجيا الحيوية قيمتها ٥٠ مليون دولار.

وثمة بادرة أخرى تشير إلى تنامي التجارة عبر المضيق تتمثَّل في اتفاق الشحن الذي أصبح ساريًا في عام ١٩٩٧م، ويسمح لسفن الصين وتايوان: بأن ترسو في موانئ البلدين، ويحدث هذا لأول مرة منذ ٤٨ عامًا، على الرغم من أنه مقصور على تبادل نقل البضائع بين سفن البلدين.

ولنحاول أن نقرأ كيف تغطي وسائل إعلامنا الموقف بين الصين وتايوان. إن وليام أوثر هولت من اتحاد البنوك، ينحي باللائمة على الأمريكيين لأنهم «يعرفون كل صغيرة وكبيرة عن قواعد إطلاق الصواريخ المقامة حول تايوان، ولكنهم لا يعرفون شيئًا عن المبادرات الصينية السلمية الناجحة إلى حد كبير، وعلى مدى جيل كامل تجاه تايوان، وكيف أن هذه المبادرات حولت العلاقة بينهما من علاقة عزلة وقصف مدفعي متبادل إلى علاقة جوار وتجارة واستثمار وتبادل سياحي»، ولو كان هناك مجرد اشتباه في تطور العلاقة الاقتصادية عبر المضيق حدث بين الأعداء السابقين في الشرق الأوسط أو بلدان يوغسلافيا السابقة، لرأينا الأمريكيين يهللون فرحًا لما يعتبرونه انتصارًا فائقًا لعملية السلام، ولكن الصقور يريدون بدلًا من ذلك تركيز الحوار على عدوان الصين واحتمالات الحرب ضد تايوان.

ونحن لا نريد أن ننفي احتمال اشتعال أزمة أخرى بشأن تايوان، مثال ذلك إذا ما أعلنت تايوان الاستقلال، واضطرت الصين إلى الرد على هذا عسكريًّا. ولكن النظرة المتوازنة إلى جميع الوقائع تشير إلى أن القصة الكبرى التي جرت أحداثها خلال التسعينيات تمثلت في غلبة التطبيع والسلم على العلاقات بين الصين وتايوان، على الرغم من لحظات التوتر الشديد خلال السنوات القليلة الماضية.

(٧) الصين بلد شرير يرفض الالتزام بالقواعد الدولية

ثمة نمط سلوكي صيني أثار في السنوات الأخيرة فزع المفكرين في مختلف أنحاء العالم، وهو بيع الصين لباكستان معدات ومواد ذات علاقة بالأسلحة النووية، وساعدت إيران على تطوير مفاعل نووي، وباعت لإيران مكونات للحرب الكيماوية، وهربت إلى داخل الولايات المتحدة مادة AK-47s لبيعها لعصابات الطرق في كاليفورنيا، وارتكبت مجموعةً من الأخطاء الاقتصادية القاتلة ابتداءً من تنامي فائض تجاري ضخم مع الولايات المتحدة، إلى تشغيل مصانع مملوكة للدولة عملها الرئيسي هو القرصنة المتمثلة في سرقة الملكية الفكرية الأمريكية.

لا شك في أن سلوك الصين غير الملتزم بالقواعد المتفق عليها دوليًّا سلوك ينبغي انتقاده وإدانته ومعاقبته (مثال ذلك، أنه كان من الصحيح تمامًا فرض عقوبات تجارية ضد القيادات الصينية، التي تبيع مواد حربية كيميائية لإيران)، ولكن المنظور المستقبلي ضاع وسط غابة الانتقاد بشأن هذه القضايا، فالصين بلد خرج للنور من موقع العزلة الدبلوماسية الكاملة منذ خمس وعشرين سنة، إلى موقع العضو النشط المحترم والمسئول في الأمم المتحدة. والملاحظ أن الصين عند التصويت داخل مجلس الأمن نادرًا ما استخدمت حقها في الاعتراض، ويشهد الواقع بأنها وقفت إلى جانب الولايات المتحدة أكثر مما عارضتها، وامتنعت سياسيًّا عن التصويت أكثر مما استخدمت حق الاعتراض (الفيتو)، عندما كانت لا ترغب في مساندة بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، ورأت في هذا تدخلًا سافرًا.

والصين عضو في ٤٩ منظمة حكومية دولية أخرى، وكذا في أكثر من ألف منظمة أخرى غير حكومية، تبدأ من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك التسويات الدولية (وقبلت الصين اتفاقات بازل، وتلتزم بقواعدها في شأن معدلات الكفاية الرأسمالية لبنوكها)، وحتى منظمة أبيك (منتدى التعاون الاقتصادي الباسيفيكي الآسيوي) وغيرها من منظمات إقليمية، وطبعي أن هذه العضوية المتشعبة والمتعددة تجعلها تدخل في نسيج شبكة واسعة من العلاقات الدولية والتي تلتزم بها، ووقعت بكين أيضًا على عديد من الاتفاقات العالمية بشأن البيئة، بل وعلى ما يصل إلى تسعة اتفاقات بشأن حقوق الإنسان، هذا على الرغم من أن امتثالها يقبل تأويلات متباينة.

نعم، ولكن الصين، لسوء الحظ، تاجر سلاح كبير، وإن بعض أسلحتها منافسة لدرجة كبيرة في الأسواق العالمية، علاوة على أن بعض أهدافها السياسية الخارجية يمكن تعزيزها عن طريق مبيعات السلاح، ولكن الصين إجمالًا تعتبر تاجر سلاح صغيرًا جدًّا بالقياس إلى الولايات المتحدة. ويبلغ إجمالي مبيعاتها حوالي ١٠ في المائة من صادرات السلاح الأمريكية، وتعتبر مبيعات الصين من الأسلحة أقل كثيرًا من مبيعات تجار السلاح التقليديين مثل فرنسا وإسرائيل. حقًّا باعت الصين أسلحة لبلدان كانت واشنطن تفضل ألا يكون بين الصين وبينها عمل تجاري، ولكن جميع البلدان المتورطة في تجارة السلاح، وأولها الولايات المتحدة، ينتهي بها الأمر إلى بيع السلاح لأنظمة شريرة، وإن قصة الولايات المتحدة وكيف عززت ترسانة صدام حسين قصة مشهورة جدًّا، والملاحظ أن الصين خلال الثمانينيات والتسعينيات لم تحاول أبدًا أن تورد سلاحًا لنظام تراه الولايات المتحدة نظامًا خطرًا.

ونذكر هنا ما قاله كلٌّ من أندروجي، ناثان، وروبرت إس. روس في دراستهما عن السياسات الأمنية الصينية:

«منذ نهاية الحرب الباردة، وسجلُّ الصين عن عمليات نقل السلاح وصادراتها من المفاعلات النووية سجلٌّ نظيف نسبيًّا، تفاوضت الصين في مطلع التسعينيات من أجل بيع صواريخ إم-٩ لسوريا، ولكنها ألغت الاتفاق في عام ١٩٩٢م بعد مفاوضات طويلة مع الولايات المتحدة … وعقب قرار الولايات المتحدة بيع طائرات إف-٦ إلى تايوان، أخذت بكين على عاتقها مساعدة إيران على استحداث مفاعل نووي، وردًّا على شكاوى الولايات المتحدة … أعلنت الصين عام ١٩٩٥م أنها ستعلق الاتفاق».

وبينما نجد العنوان الذي يتصدر الحديث يصور الصين تاجر سلاح للدول الإرهابية، يؤكد ناثان وروس على حقيقة أساسية أقل ذيوعًا: اعتادت الصين أن تتلاءم مع المصالح الأمريكية، وأن تستجيب في بعض الحالات لضغوط واشنطن، وعاد التوافق إلى الظهور بدلًا من المواجهة، وأصبحت له الفعالية عندما حصل الرسميون الممثلون للولايات المتحدة على اتفاق محدد المضمون، يقضي بأن تمسك بكين عن بيع صواريخ كروز إلى إيران، وأن تحد من مساعداتها النووية إلى النظام الإيراني أيضًا، وكان هذا جزءًا من خدمة متبادلة الثمن هدفها إنجاح قمة جيانج زيمين وكلينتون عام ١٩٩٧م. ويمكن للمرء أن يعترض على البدائل التجارية التي قدمها الجانب الأمريكي (رفع الحظ الذي ظل زمنًا طويلًا يمنع الشركات الأمريكية من بيع معدات توليد الطاقة النووية للصين)، ويمكن للمرء أن يسأل عن الحجية القانونية لنفاذ الاتفاق بشأن إيران، ولكن إذا كان إنهاء مبيعات الصواريخ الصينية والمساعدات النووية لإيران يمثِّل هدفًا مهمًّا — وهو ما يقره غالبية خبراء السياسة الخارجية — إذن فقد كان هذا خطوة في الاتجاه الصحيح. ولا ريب في أن هذا التقدم الكبير ما كان له أن يتحقق عن طريق المواجهة، حقًّا لو أن الصقور استطاعوا أن يحولوا دون زيارة جيانج للولايات المتحدة، أو جعلوا من الزيارة سببًا للحرج، فإن بكين كان لها أن ترد على ذلك بأساليب متعددة، ربما يكون من بينها زيادة مساعداتها لطهران.

ويذهب ناثان وروس إلى أن باكستان هي الاستثناء المهم بالنسبة لموقف الصين، من حيث رغبتها في أن تلعب مباراة كرة مع الولايات المتحدة حول مبيعات الأسلحة والمسائل النووية، ذلك أن الصين عززت لدى إسلام أباد حافزها لاستحداث التكنولوجيا النووية. إن باكستان، بالتأكيد، من أهم البلدان في العالم بالنسبة إلى بكين، إذ تراها الثقل الاستراتيجي المقابل للهند، وتراها حلقة وصل بينها وبين منطقة الهلال الخصيب الإسلامي في الشرق الأوسط، وأيضًا قلعة ضد النفوذ الروسي في أقصى الغرب الآسيوي، هذا علاوة على أن بكين تربطها علاقات ودية مع باكستان أقدم كثيرًا من الولايات المتحدة (وقد اختارها كيسنجر لتكون مكان الوساطة للتقارب التاريخي في عامي ١٩٧١-١٩٧٢م)، وأيًّا كانت المساعدات التي تقدمها الصين إلى باكستان، فإنها ولا ريب جزءٌ من سياسة خارجية مرتكزة على رؤية وتدبر عميقَين، وليست نزعة مغامرة انتهازية لدولة شريرة.

وإذا انتقلنا إلى القضية الشهيرة بشأن محاولات الشركات الصينية بيع أسلحة «إيه كي-٤٧» AK-47s لعصابات قطاع الطرق في الولايات المتحدة، فإن القضية تبدو بوضوح أنها ليست من الأهداف الواعية للسياسة الصينية، وإنما هي نتاج جيش التحرير الشعبي حين تحرك في اتجاه اقتصاد السوق، وأنشأ إقطاعات شخصية وغير مركزية، وتوجد الآن على الأقل ثمانية اتحادات شركات صينية هدفها الربح، ومرخص لها بالعمل في مجالات متباينة من مجالات تجارة السلاح على الصعيد العالمي، وتحتل المناصب التنفيذية القيادية في هذه الشركات شخصيات هم من أقارب كبار قادة الحزب، والمعروف أن هذا عمل مربح، والقائمين عليه شبه أحرار في تحقيق كل ما يستطيعونه من ربح.

ولا يزال مكتب التحقيقات الفيدرالي يبحث هذه القضية، ولكن حدث في هذه الأثناء أن وجدت محكمة في بكين أن أربعة من القياديين التنفيذيين مذنبون في تهمة تصدير غير مشروع لأسلحة إلى الولايات المتحدة، وربما يستخدم الصينيون هؤلاء الأربعة كبش فداء لخطة يعرفها جيدًا ويقرها من هم في مستويات أعلى، بيد أننا مع هذا نشك كثيرًا في أن بكين لديها أي خطة رسمية للتربُّح من حروب العصابات الأمريكية، أو لزعزعة الاستقرار السياسي للولايات المتحدة عن طريق بيع الأسلحة للعصابات، وإنما الشيء اللافت للنظر، حتى درجة الذهول، هو التشابه مع مواقف أخرى حيث تحطمت سيطرة الصين المركزية؛ إذ إن وحدات كانت في السابق جزءًا من اقتصادات وفورات الحجم الكبير، المعتمدة على مستوًى عالٍ من التخطيط؛ بات مطلوبًا منها الآن أن تعول نفسها وأن تربح.

والقول بأن مراكز القوى المتنافسة لها أن تعمل كما تشاء، وأن بعضها سيخرب حدود الالتزام أو يسيء استعمال الحرية الجديدة الممنوحة لها، إنما هو من الآثار الجانبية الطبيعية لعملية تحويل الاقتصاد الصيني إلى اقتصاد سوق، وحري بالأمريكان أن يسعوا إلى معاقبة الأفراد الصينيين أو الشركات الصينية ممن ينتهكون قانون الولايات المتحدة، ولكن هذا نهج مختلف تمامًا عن فرض عقوبات اقتصادية ضد كل الصين، نظرًا لأن الأمريكيين غير راضين عن السياسات المحلية الصينية، وأن اتحاد شركات راند RAND، وهو من مراكز الفكر المعنية بالصناعات الخاصة بشئون الدفاع، أكد في دراسة له عام ١٩٧٧م، أن على الولايات المتحدة أن تسمح للشركات المرتبطة بجيش التحرير الشعبي الصيني، بالعمل على الأرض الأمريكية (مع مراقبتها عن كثب). وأضافت الدراسة أن أرباح أنشطتها التجارية ليست مستخدمةً من أجل مشتريات الأسلحة.

والمسألة النووية قضية أخرى أثارت قلق صناع السياسة، اعتادت الصين أن تعارض دائمًا احتكار الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق للسلاح النووي، وأحجمت عن الاشتراك في عملية الحد من الأسلحة النووية التي بدأت عقب انتهاء الحرب الباردة، وتعتقد بكين أن أسلحتها النووية مصدر للقوة في العالم، وأنها لا تعتزم التخلي عنها وفاء لعملية صاغتها أمريكا لنزع السلاح النووي، وأن حل هذه المشكلة يتمثل في أن يشارك الصينيون في صياغة إطار نزع السلاح، ولكن الملاحظ في هذه الآونة أن الصقور يصورون قادة الصين كأنهم يختالون في تبجح بقنابلهم الذرية مهددين العالم، بيد أن هذه صورة مبالغ فيها تمامًا. والمعروف أن الصين خفضت كثيرًا جدًّا من برنامج تجاربها النووية، وتعمل على توجيه القسط الأكبر من ميزانيتها العسكرية لإنتاج أسلحة تقليدية، لا أسلحة نووية.

ويوجد على الجبهة التجارية عديد من الشكاوى الأجنبية من ممارسات الصين، ولكنها أقل كثيرًا من الشكاوى التي كانت ضد اليابان منذ عقد مضى، والمعروف أن سوق الصين مفتوحة للتجارة وخاصة للاستثمار، وأن أبوابها مفتوحة أكثر مما كانت عليه حال سوق اليابان آنذاك. وعلى عكس اليابان في الماضي، التي حرصت على أن يكون ميزانها التجاري إيجابيًّا لمصلحتها مع جميع شركائها، تواجه الصين عجزًا تجاريًّا مع بعض شركائها التجاريين الكبار (مثل اليابان)، وفائضًا محدودًا مع أوروبا.

وانتقلت الصين من عدم المشاركة تقريبًا في نظام التجارة العالمي، إلى ما قدره ٣٠٠ بليون دولار في السنة، قيمة الواردات والصادرات، ويمثل إجمالي التجارة الآن رقمًا مذهلًا يتراوح ما بين ٥٠ إلى ٦٠ في المائة من إجمالي الناتج المحلي للبلد في السنة؛ مما يجعل الاقتصاد الصيني نسبيًّا أكثر اندماجًا في العالم عن الاقتصاد الأمريكي أو الياباني، وحدث كل هذا خلال عشرين سنة فقط، واستطاع المستثمرون الأجانب أن يستثمروا في تأسيس الشركات وشراء الأصول، بل وأن تهيئ إمكانات العمل لمنظمات المال الغربية تأسيسًا يستحيل عليها — من حيث الشكل حتى الآن — العمل في اليابان؛ بسبب نظام الحماية المفروض بشأن سوق الاستثمار بها.

ويدور الجدل بشأن انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية، وهذه مسألة غاية في الأهمية، تريد الصين أن تحتفظ بالأوضاع الخاصة بها وبإعفاءات البلد النامي، وتريد الولايات المتحدة معاملتها مثل معاملة البلد المتقدم، والشيء المهم هنا أن الصين تدافع عن حقها في هذه القضية دون أن تحاول الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية؛ متسترة وراء ادعاءات زائفة أو محاولة تأكيد حقها في إعفاءات خاصة تتجاوز الواقع. صفوة القول: إن الصين تلتزم موقفًا مبدئيًّا بشأن عضويتها في ضوء مصالحها.

إن المصالح الأمريكية والصينية تتباين وتتباعد بالنسبة لموضوعات رئيسية عديدة، ومن الطبيعي عند إثارة مثل هذه الموضوعات، أن لا بد وأن تؤكد الصين مصالحها، وهذا لا يجعل منها دولة شريرة، وإنما هذا هو ما يجعل منها قوة كبيرة مستقلة على الطريق؛ لتصبح قوة عظمى. وإنها لسذاجة أن نتوقع من دولة عظمى مثل الصين أن تقنع باتباع جميع القواعد التي سبق أن سطرتها القوى العظمى السابقة. إن الصين سوف تطالب بأن تكون داخل عملية صياغة القواعد العالمية. ولا ريب في أن المصالح الأمريكية سوف تجد فرصة لخدمتها والوفاء بها على أفضل وجه، حين يصبح بالإمكان أن تكون الصين قوة داخل الإطار، وليس بمطالبتها بأن تتبع بعض القواعد الأشد تطرفًا والتي ذكرناها آنفًا.

(٨) الصين دكتاتورية فاشية وأكبر منتهك لحقوق الإنسان في العالم

من دواعي السخرية أن الصورة الحقيقية لحقوق الإنسان، حسب المعنى الواسع لها، أضحت أكثر إشراقًا في الصين، حتى بعد أن أصبحت البلاد هدفًا للنقد المتزايد من الأمريكيين وغيرهم من الأجانب، ولاحظ وليام أوفر هولت ذلك وقال:

«يسمع الأمريكيون التفاصيل الدقيقة عن انتهاك الصينيين لحقوق الإنسان على النحو الذي يريدونه هم في الحقيقة، ولكنهم يجهلون تمامًا مظاهر التحسن الاستثنائية في حرية الكلام وحرية الحركة وحرية العمل … وهي مظاهر تستثير اهتمام كل من يراقب الصين عن كثب، إن الساسة الأمريكيين والصحافة الأمريكية يكادون يقصرون تعريفهم لحقوق الإنسان في حدود مصير حوالَي ٢٠٠٠ من المنشقين، ويغفلون مظاهر التحسين في حرية … خمس الجنس البشري».

وربما ثمة مبالغة في طرفي المعادلة التي أوردها أوفر هولت، ولكن الحقيقة السياسية الأساسية تؤكد عبارته الشاملة، إن العدد الفعلي للمنشقين المودعين في السجون عدد صغير يتراوح ما بين ٢٠٠٠ و٣٠٠٠، وطبعًا هناك آلاف غيرهم رهن الإقامة الجبرية في بيوتهم، أو رهن المراقبة الدقيقة، ونعرف أن كثيرين آخرين هجروا موقفهم الانشقاقي بسبب مناخ القهر، وتم نفي الآلاف، ولكننا حتى إذا ما أخذنا جميع من يتعرضون بشكل أو بآخر من أشكال القهر، فإن عدد المضطهدين لآرائهم أو معتقداتهم السياسية هو الأقل في الصين منذ الخمسينيات.

ونذكر فيلمًا من إنتاج هوليوود عُرض في خريف ١٩٩٧م بعنوان الركن الأحمر Red Corner، ونجم الفيلم ريتشارد جير أشهر من عرفته أمريكا ممثلًا لدور الدلاي لاما واستقلال التبت، والفيلم لا علاقة له بالتبت (على الرغم من أن جير وصفه بأنه بيان سياسي بشأن التبت على أي حال!) ولكن الفيلم حكى بدلًا من ذلك قصة القبض خطأً على أمريكي للاشتباه في أنه قتل امرأة صينية في أثناء زيارته الصين، ثم يتابع رواية عملية المحاكمة، وعلى الرغم من أن الفيلم استهدف فضح أراجيف النظام القانوني في الصين، ووحشية السجون الصينية، فإنه ثبت في النهاية أن جير غير مذنب، وتحقق هذا أساسًا بفضل جهود مضنية لمحامية صينية شابة، وهو دور قامت به ممثلة صينية، ونجحت المحامية بفضل دفاعها أن ترغم المحكمة على سماع الحقيقة، ومن دواعي السخرية، أن بعض النقاد الأمريكيين الذين عارضوا الفيلم انتقدوه زاعمين بأنه «ضرب من الفانتازيا» التي تصور الواقع الحقيقي للبراعم الأولى للديموقراطية وسيادة القانون، والتي تنفذ إلى صميم البيروقراطية السلطوية، هذا بينما نراهم يستسيغون الطابع الوحشي للدور الذي لعبه جير، وهو شيء ليس له سابقة في تاريخ الصين المعاصر.

إن الشعب الصيني يحظى بقدرٍ من الراحة النفسية إزاء التعبير عن النفس، يتجاوز كثيرًا كل ما كان يعرفه في تاريخه الثقافي، وذاعت وسائل الإعلام الصحافي التي تجاوز عدد منشوراتها المتداولة ١٠ آلاف بالمقارنة بما كان في السابق منذ عشرين عامًا؛ إذ لم تكن تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة وجميعها مجلات وصحف معتمدة رسميًّا، وإن حوالي ٩٠ في المائة من النشرات الجديدة ليست صادرة عن الحزب الشيوعي، ولا خاضعة لرقابة.

واتسع نطاق الحرية الأكاديمية اتساعًا كبيرًا جدًّا، وإن مراكز الفكر في الصين — التي يتعاظم استقلالها عن الحكومة بقدر تزايد اعتمادها على نفسها، من خلال دورها الاستشاري وغير ذلك لحساب القطاع الخاص — تصدر دراسات وأبحاثًا مستقلة ومتميزة، والملاحظ أن الكتب التي لا تحظى برضا الحكومة يتم إصدارها وتكون من أكثر الكتب مبيعًا وأوسعها انتشارًا (مثال ذلك كتاب «الصين تستطيع أن تقول لا»). ونسمع في الصين أغاني الاحتجاج ضد أغاني الروك الصينية، والملاحظ أيضًا أن بعض زعماء القرى من أعضاء الحزب يمنون بالهزيمة في الانتخابات المحلية الحرة، ويدرك كل إنسان الآن أن الناس في الصين يمكنهم ممارسة حياة أكثر حرية قياسًا إلى الماضي، ما داموا لا يشكلون تحديًا سافرًا للمنطلقات الفكرية وللشخصيات المركزية في النظام. معنى هذا أن ثمة نقلة مهمة وجبارة في مسيرة التقدم، وهكذا أضحت الصين بينها وبين الديموقراطية الأصيلة والحرية الحقة مسافة قصيرة … جد قصيرة.

ومع هذا، فإن أي إنسان زار الصين في أواخر الستينيات أو في مطلع السبعينيات لا بد له، إذا عاد ثانية، أن يلحظ التباين الهائل بين الشخصيات وأساليب الحياة، وهو تباين لم يكن ملحوظًا في المرحلة المبكرة، والجدير ملاحظته أن الحزب الشيوعي من سنوات قريبة كانت له السيطرة على البلاد من القمة حتى مستوى الشارع، وأنشأ «لجان الحزب على مستوى الأحياء السكنية»؛ لمراقبة ومتابعة كل ما يجري ابتداءً من ولاء الأفراد وحتى الحزب، وتعاونهم مع سياسات تنظيم الأسرة، وكانت لجنة الحزب بالمصنع تراقب العمال، أو وحدة العمل التي لها حق الإشراف على عملهم وإقامتهم، ولا ريب في أن تخفيف القبضة الحديدية على هذه المؤسسات أفضى إلى حالة من الراحة التي لا حدود لها بالنسبة لمئات الملايين، ولكن هذه قصة لا نسمع عنها إلا القليل جدًّا.

نعم هناك اضطهاد لبعض المتدينين، ونعم أيضًا إن الحرية الحقيقية للعقيدة الدينية أبعد ما تكون عن الحقيقة في الصين، ولكن هناك كثيرين يمارسون شعائر المسيحية والبوذية والديانات الشعبية، وقد زاد عددهم هذه الأيام عن أي فترة سابقة منذ الخمسينيات، ويبلغ عدد المؤمنين بالمسيحية رسميًّا عشرة ملايين نسمة، ويزعم الباحثون في هونج كونج والولايات المتحدة أن عددهم يتراوح ما بين ١٢ و٦٥ مليونًا، بل هناك من يرتفع بالعدد ويقدره بحوالي مائة المليون، والمعروف أن حركة بيلي جراهام وغيرها من المنظمات الإنجيلية الأمريكية، هي حركات نشطة في الصين، ويعتقدون أن معارضة وضع الدولة الأولى بالرعاية لن تؤدي إلا إلى دعم التصور الرسمي الصيني بأن المسيحيين يشكلون خطرًا، مما يترتب عليه مزيد من الاضطهاد.

نعم ثمة قضايا لمنشقين لم تطبق فيها الحقوق التي شُرعت أخيرًا، وهي قضايا تثير الشك في طبيعة القانون في الصين، ولكن المحكمة الصينية تعمل اليوم، على نحو يمكن وصفه بأنه — على أقل تقدير — أقرب إلى الممارسة الغربية منه إلى ممارسات المحاكم في الحقبة السابقة؛ حيث كانت تعمل بغير تشريعات معترف بها، والملاحظ الآن أن رجل الشارع يستخدم القانون كل يوم لإنصافه من الحكومة المحلية وأصحاب الأعمال، بل والشركات الأجنبية.

ويشير الباحث ميرل جولدمان الذي كان نشطًا في الدفاع عن حقوق الإنسان في الصين، إلى أنه على الرغم من كل الانتهاكات الراهنة المستمرة:

«يجب أن نتذكر أن ثمة فارقًا كبيرًا بين انتهاكات حقوق الإنسان في عهدَي دنج وماو تسي تونج … إذ بينما هاجم ماو جميع طبقات الناس — من أمثال المثقفين المتغربين فيما بين عامَي ١٩٥٧–١٩٥٩م؛ وشن حملة ضد اليمينيين وملايين البيروقراطيين، وضد المثقفين في أثناء الثورة الثقافية، ناهيك عن موت أكثر من ثلاثين مليونًا من الفلاحين وقت العمل على إنجاز خطته الوهمية، التي حملت اسم «قفزة كبرى إلى الأمام» (١٩٥٨–١٩٦٠م)، ويمثل نظام الحكم في عهد دنج فترة قهر للمنشقين، وكان القهر موجهًا ضد أفراد بذاتهم وليس ضد أسرهم ولا ضد الطبقة التي ينتمون إليها».

ويستطرد جولدمان ليشير إلى أن المسجونين في عهد ماو عانوا في أغلب الأحيان من التعذيب، ومات منهم من مات في الأسر، بينما ترى المنشقين اليوم يعودون عادة إلى الظهور علنًا بعد فترة اعتقال، وأشهر هؤلاء المنشقين يدعى وي جنج شنج، وهو الذي صاغ فكرة الديموقراطية، وأن الصين في حاجة ماسة إلى «التحديث الخامس»، وأطلقت السلطات سراحه عام ١٩٩٧م، بعد أن أمضى قرابة ستة عشر عامًا في السجن، والملاحظ أن إطلاق سراحه وعودته للاستيطان ثانية في الولايات المتحدة «للعلاج الطبي»، إنما جاء نتيجة مباشرة لضغوط إدارة كلينتون، وكان هذا ثمنًا آخر لسياسة الارتباط حول زيارة جيانج زيمين، وواضح أن إطلاق سراح سجين سياسي لم يكن ليستلزم تدخلًا رئاسيًّا، ومع هذا، فإن حرية وي ما كانت لتتحقق إلا في مناخ عملية تجديد الارتباط مع الصين، وهي العملية التي بدأها كلينتون عام ١٩٩٧م. ومعنى هذا أنها ما كانت لتحدث أبدًا استجابة لسياسة المواجهة التي يدعو إليها الصقور، ولا ريب في أن حالة حقوق الإنسان في الصين حققت تقدمًا بأي مقياس موضوعي، وهذه حجة صادقة تمامًا إذا ما قبلنا أي جانب من تعريف الصين لحقوق الإنسان؛ إذ يرى الصينيون أن حقوق الإنسان يمثلها الطعام والملبس والمأوى والتنمية الثقافية والأمن، وكذلك حق الأفراد في الحياة داخل مجتمع مستقر، وتذهب الصين إلى أن هذه الحقوق هي الأهم ولها الأولوية على الأسلوب الغربي التقليدي بشأن الحرية السياسية الفردية، وبناءً على هذا المعيار نجد أن الصين خلال العشرين عامًا الأخيرة من القرن العشرين هي رائدة، وليست متقاعسة، على طريق تعزيز حقوق الإنسان لشعبها.

مرة أخرى يقول أوين هاريس رئيس تحرير مجلة «ناشيونال إنترست»:

«حقًّا ستكون هناك بعض المناسبات المروعة التي تكون فيها انتهاكات حقوق الإنسان رهيبة؛ بحيث يصبح — أو ينبغي أن يصبح — النهج الأخلاقي أمرًا ملزمًا. هكذا كانت الحال في النظامين الهتلري والستاليني القاتلين … والصين اليوم ليست حالة من هاتين الحالتين … إن أكبر تقدير لعدد المسجونين السياسيين في الصين هو ثلاثة آلاف، وإن هذا العدد في بلد تعداد سكانه ١٫٣ بليون نسمة يماثل ٠٫٠٠٠٢٣ في المائة، وهذا يكاد لا يعادل عدد الكولاك أو نزلاء معتقلات النازي، ومن دواعي السخرية أنه في أوائل السبعينيات، وبينما كان غالبية الأمريكيين-الليبراليين والواقعيين على السواء — يهللون حماسًا لانفتاح الولايات المتحدة على الصين، كان نظام ماو يماثل كلًّا من النظامين الهتلري والستاليني».

ويستطرد هاريس ليوضح أنه في الوقت الذي تبدو فيه حالة حقوق الإنسان في الصين غير جيدة، وفق المعايير الأمريكية، فإنها غير ذلك في ضوء بلدان أخرى في الشرق الأقصى أو الأوسط، ومع هذا فإن الولايات المتحدة في غالبية هذه الأحوال يمكنها أن تنشئ علاقات طبيعية، بل ووثيقة لا تجبُّها بنود خطة حقوق الإنسان.

إن الصقور يخطئون إذ يصدرون حكمًا بأن انتهاكات حقوق الإنسان شديدة القسوة، وأن نظام الحكم في الصين غير ديموقراطي بالمرة؛ بحيث يتعين مقاطعة الصين وليس الارتباط بها، ولكن يبرز هناك سؤال مهم وأكثر عمقًا، هل تحقق الديموقراطية بالأسلوب الغربي واحترام حقوق الإنسان بالأسلوب الأمريكي، يمثلان بعض الأهداف أو التوقعات الملائمة للصين.

نحن نعتقد أن مثل هذه التوقعات سوف تمني السياسة الأمريكية بحالة من الإحباط التي لا لزوم لها، على مدى سنواتٍ كثيرة قادمة، إن زعماء الصين وكذا الغالبية العظمى من أبناء الشعب الصيني لم يضعوا الديموقراطية السياسية هدفًا أو مطلبًا لهم، إنهم بوضوح يركزون على تحقيق حياة اقتصادية أفضل ومستوًى معيشي أرقى، وهو ما تحقق بالفعل للغالبية العظمى وليس للجميع بعد. وأكثر من هذا أن المثقفين في الصين ليس بين صفوفهم ديموقراطيون واعون بهذه المسألة، ليس لأنهم ألفوا حياة القطيع، بل لأنهم مستهلكون من أجل مشروع قومي، هدفه التحديث والتنمية الاقتصادية، ويرون أن المعركة من أجل الحقوق السياسية الديموقراطية هي انحراف عن الهدف.

وعبَّر عن هذا المعنى المفكر توماس متزجر؛ إذ قال إنه على الرغم من أن المنشقين والديموقراطيين الصينيين اعتلوا، وبشكل درامي، منصة المسرح العالمي في أثناء أحداث ميدان تيان آن مين، فإن غالبية الصينيين، وربما الغالبية الساحقة منهم: «إما كانوا غير مدركين لهذه المطالب الصينية من أجل الديموقراطية، وإما غير معنيين بها؛ إذ يحملون مشاعر متناقضة إزاءها أو ينتقدونها، ويرونها غير عملية ولا تكشف عن وعي بالمسئولية».

ويروق للأمريكيين الاعتقاد بأن الرغبة في الحرية السياسية وحقوق الإنسان، كما يعرفونها، هي أمر مطلق وعالمي شامل، ولكن ماذا لو أن الشعب الصيني غير راغب في الأسلوب الغربي لحقوق الإنسان بالحماس نفسه، الذي يريده لهم الأمريكيون؟ الحقيقة أن ثمة هوَّةً هائلة بين توقعات الأمريكيين بشأن ما ينبغي أن يريده الشعب الصيني، وما يريده هذا الشعب بالفعل، وخير مثال يوضح لنا ذلك تلك المعلومات التي أكدها استفتاء للرأي العام عشية استعادة الصين لجزيرة هونج كونج؛ إذ ردًّا على سؤال ما إذا كانت عودة الجزيرة عملًا مستصوبًا، أجاب بنعم ٤ في المائة فقط من الأمريكيين، هذا بينما المذهل أن ٦٢ في المائة من سكان هونج كونج الصينيين، قالوا إنه عمل مستصوب أن نتحد ثانية مع الصين.

وفي مقال كتبه في عام ١٩٩٦م بروفيسور هاري إس. روبن، أستاذ الإدارة، نقرأ السؤال التالي: «متى ستصبح الصين ديموقراطية؟» ويجيب قائلًا: «عام ٢٠١٥م»، ويفسر ذلك تأسيسًا على بحث قدمه روبن أوضح فيه أن ثمة معامل ارتباط بين الديموقراطية المستقرة، ومتوسط الدخل الذي يتراوح بين خمسة آلاف وستة آلاف دولار، ويذهب روبن في افتراضاته عن أنماط النمو، إلى أن الصين لا بد أن يتوافر لها شرط أولي بالنسبة لدخل الفرد حتى تكفل استدامة النظام الديموقراطي بحلول عام ٢٠١٥م، ويوضح روبن، أسوة بعدد آخر من الباحثين، أن بلدانًا آسيوية أخرى عديدة، التي بدأت نظمًا ديكتاتورية جامحة — خاصة جنوب كوريا وتايوان وكذلك إسبانيا والبرتغال وشيلي والأرجنتين — حققت جميعها الانتقال من الدكتاتورية إلى الديموقراطية، حالما بلغ الدخل السنوي للفرد ما بين خمسة آلاف وثمانية آلاف دولار.

ونظرًا لأن النكسات الاقتصادية التي قد تعترض الطريق يمكن أن ترجئ هذا الجدول الزمني، نجد أن روبن يؤكد قائلًا: إن هؤلاء الذين يؤمنون حقًّا بضرورة انتقال الصين إلى الديموقراطية عليهم أن يدفعوا بعجلة التحول، وذلك بأن تطبق الولايات المتحدة سياسات اقتصادية وتجارية مواتية «لذلك حري بواشنطن أن تنأى عن جعل العلاقات التجارية رهينة لمجموعة مختلطة من الخلافات السياسية الراهنة، وحري بالولايات المتحدة بدلًا من ذلك أن تمنح الصين حق الدولة الأولى بالرعاية١ على الدوام، ولا تفرض عقبات جديدة تحول دون انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية.»

ونحن نرى أن روبن ربما كان شديد التفاؤل؛ إذ نعتقد أن الديموقراطية ربما يستغرق تحققها في الصين زمنًا أطول، وأن تطورها هناك ربما يكون أقل ازدهارًا مما يعتقد روبن، بيد أنه أصاب في حديثه عن جوهر القضية، إن طراز الديموقراطية الذي يريد الغرب أن يراه في الصين، يستلزم قاعدة مادية غير متوافرة حتى الآن، كما يستلزم أساسًا فلسفيًّا ومجموعة من المؤسسات التي لا تزال دون المستوى؛ ومن ثم فإن استخدام النفوذ التجاري والاقتصادي لمعاقبة الصين لأنها ليست ديموقراطية، إنما هو عمل ضد الهدف الذي يرمي إلى جعل الصين بلدًا مزدهرًا بالقدر الكافي لخلق مناخ خصب للديموقراطية.

ويمضي توماس متزجر إلى أبعد من ذلك، ويحث الأمريكيين على التخلي عن النظرة الثنائية التبسيطية المخلة، التي ترى الشيء «إما … وإما …»، وأن جميع الحركات الداعية إلى الديموقراطية هي حركات أخلاقية، وأن جميع النظم الحاكمة التي تقاوم الديموقراطية بالصورة الغربية هي نظم لا أخلاقية، ويقول متزجر تأسيسًا على دراسة لعالم الاجتماع سيمور مارتن ليبسيت: «في بعض الحالات قد يكون الحكم غير الديموقراطي التسلطي مستصوبًا خلال فترات الانتقال … ولكن المفارقة والحقيقة غير المرضية أن بعض حركات الديموقراطية «الفورية» يمكن أن تزعزع استقرار المجتمع، إلى الدرجة التي تصيب اتجاهه إلى الديموقراطية — على المدى الطويل — بنكسة تعيق حركته، ويسأل متزجر عما إذا كان الواجب يقتضي أن ندعم مثل هذه الحركات، وثمة مفارقة أخرى غير مرضية، وهي أن نظم حكم تعمل على إنجاز الشروط الاجتماعية اللازمة للديموقراطية قد تضطر إلى صون الاستقرار السياسي، عن طريق كبح جماح دعاة الانشقاق بالقوة، الذين يهددون استقرار المجتمع بجهودهم الرامية إلى الإسراع بتطبيق الديموقراطية».

وعلى الرغم من أن الصقور يبدون في صورة المدافعين عن الديموقراطية وحقوق الإنسان في الصين، فإنه وللأسباب التي أوضحها كلٌّ من روبن ومتزجر ربما يسهمون في إرجاء، بل والحيلولة دون حدوث تطورات ديموقراطية، وذلك لإصرارهم على توافر درجات غير واقعية وتعسفية من التقدم كشرط مسبق، لقيام علاقات تجارية وسياسية جيدة بين أمريكا والصين.

(٩) هل هناك بدائل؟

الشيء الغريب والمثير بالنسبة لمدرسة الخطر الصيني أن الغالبية من كبار أنصارها يصرخون ويولولون غاضبين؛ بسبب الأخطار التي تمثلها الصين، ولكنهم في الوقت ذاته ليس لديهم سوى بدائل سياسية قليلة جدًّا يمكن اقتراحها باعتبارها ذات قيمة، ولعل الاقتراح الأكثر تطرفًا وتحديدًا هو رفض منح الصين وضع الدولة الأولى بالرعاية، إلا بعد أن تمتثل للمعايير التي يقترحها الصقور بشأن التغيير السياسي. وهذا هو الاقتراح الذي له جمهور داخل الكونجرس، ولكنه غير كافٍ لإلغاء دور الرئيس، ما دام هو يحبذ قرار منحها الدولة الأولى بالرعاية، وأكثر من هذا، وكما يبين من التحول الكامل والمفاجئ لموقف نيوت جنجريتش بشأن هذه المسألة عام ١٩٩٧م، فإن أكثر الصقور أدركوا أن رفض منح الصين حق الدولة الأولى بالرعاية سوف يضر باقتصاد هونج كونج، مثلما سيعوق نمو منظمي الأعمال الصينيين الجدد، الذين يعتمدون على التصدير إلى الولايات المتحدة لضمان نجاح شركاتهم.

وإذا استمرت الغلبة لمنطق الصقور، فإن من المحتمل جدًّا أن يتجاهل الكونجرس الأمريكي مستقبلًا الرئيس بيل كلينتون، ويرفض منح الصين حق الدولة الأولى بالرعاية، أو أن رئيس ما بعد عام ٢٠٠٠م يوجه ضربة لمسألة حق الدولة الأولى بالرعاية، وفاءً بوعد قطعه في أثناء الحملة الانتخابية، ولكن لنحاول أن نتأمل للحظة ما قد يحدث لو انتهت سياسة منح الصين حق الدولة الأولى بالرعاية. أولًا لنتذكر أنه على الرغم من أن الولايات المتحدة تستوعب حصة غير متكافئة — ٤٠ في المائة — من صادرات الصين، فإن لدى الصين أسواقًا أخرى لتصريف سلعها، وفي حالة رفض منحها حق الدولة الأولى بالرعاية، فإن اليابان وأوروبا سوف تعملان يقينًا من أجل التودد إلى بكين واستيعاب المزيد من الواردات الصينية، وهنا سنجد أن مصالح الأعمال الأمريكية، القائمة على استيراد سلع صينية إلى داخل الولايات المتحدة، سوف تتجمع لتشكل قوة مؤثرة تطالب بإعفاءات تسمح بدخول سلع معينة على أساس تفضيلي. والمعروف أن بعض السلع الصينية رخيصة جدًّا؛ بحيث لن يؤثر فيها هيكل التعريفة الجمركية المرتفع، والذي يصل إلى ٤٤ في المائة، من دون منح الصين حق الدولة الأولى بالرعاية، معنى هذا أنها ستظل تباع بأسعار منافسة داخل السوق الأمريكية، نعم سوف تعاني الصين يقينًا من خسارة في إجمالي الصادرات، ولكن لن تكون الخسارة بنسبة مائة في المائة.

وسوف يتمثل نصيب الصين في السوق مما سوف تستعيده بنشاطها في أوروبا وآسيا، وما سوف يتبقى لها داخل الولايات المتحدة بعد عمليات الضغط وإعادة التسعير، وهنا سيكون صافي خسارتها بسبب رفض منحها حق الدولة الأولى بالرعاية، ما بين ١٠ و٢٠ في المائة من إجمالي صادرات الصين، وهل يكفي هذا لإحداث «ألم موجع» يرغم الصين على أن تتعلم الدرس وتسلك على نحو ما يريد لها الصقور الأمريكيون؟ لا طبعًا، ذلك لأن هذه ليست هي الطريقة التي تفكر بها الصين، ونذكر هنا ما قاله وزير الخارجية تيان فيشن في هذا الصدد: «لنتذكر أنه لم تكن هناك علاقات تجارية بين الصين والولايات المتحدة على مدى ٢٣ عامًا، قبل أن يفتح الرئيس نيكسون باب العلاقات بيننا، أحسب أنكم عشتم وكانت حياتكم جيدة، وكذلك نحن».

زد على هذا أن الصين سوف تثأر، وتكاد أن تكون على يقين من أنها سوف تسد الطريق أمام الواردات الأمريكية، وتلغي عقودها مع الشركات الأمريكية، وهنا سوف تنشط المصانع التي تزور الأقراص المدمجة وأفلام الفيديو الأمريكية، وتضاعف من إنتاجها بكامل طاقتها، وتعود إلى تزويد بقية دول آسيا بمنتجاتها، وليس هذا فحسب، سوف تكون هناك مظاهر للانتقام السياسي؛ إذ ربما تبيع الصين مزيدًا محدودًا من الصواريخ لإيران، وتطلق مزيدًا من القذائف ضد تايوان، أو تستثير غضب واشنطن، وربما تعتقل عددًا محدودًا من قادة المنشقين لتبين أنها لن تذعن للكونجرس الأمريكي.

ويروق لبعض الصقور الأمريكيين الاعتقاد بأن رفض منح الصين حق الدولة الأولى بالرعاية، يمكن أن يستقطع ١٠ في المائة من إجمالي الناتج المحلي، وأن هذه الخسارة كفيلة بأن ينهار الاقتصاد الصيني داخليًّا، ويرون، حسب توقعاتهم، أنه إذا ما ترنحت آلة النمو الصيني، فإن الخطوة التالية هي اندلاع ثورة سياسية ضد جيانج زيمين، وفي رأينا أن العكس تمامًا هو الأكثر احتمالًا، ذلك أن جيانج زيمين سوف يعمد إلى المزيد من حشد وتضامن شعبه لدعم الحكومة، داعيًا إياهم إلى ربط الأحزمة ومضاعفة الجهود، وسوف تلقي الصين باللوم على أمريكا؛ لأنها هي سبب جميع المشكلات الاقتصادية. ومع هذه الخيانة الأمريكية الجديدة سوف يصبح المزاج العام في الصين أكثر وطنية وأكثر عداءً للأمريكان، وأن غالبية الصقور واعون تمامًا بهذه النتيجة المحتملة، وهي السبب في ترددهم إزاء حق الدولة الأولى بالرعاية، ولكنهم عندما يواجهون ضغطًا يدعمون مطلبهم بكل السبل.

فكرة أخرى كثيرًا ما يدعو إليها الصقور، وهي الإبقاء على الصين خارج منظمة التجارة العالمية، وهذه هي الفكرة التي يفضلها ويدعو إليها ديك جيفارت وكثيرون من أهل اليمين في الكونجرس، ولكن هنا أيضًا بعض المشكلات: أولًا، أن الصين ليست متلهفة للغاية على الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية لمجرد الانضمام، إنها تريد المكانة والقبول الناجمين عن العضوية في النادي التجاري الأول في العالم، ولكن سبق لها أن كشفت عن إحجامها عن إدخال التغييرات المطلوبة في سوقها الداخلية لكي تنال العضوية، وإن مقاطعة الصين بقيادة الصقور ستعطي لبكين المبرر الذي تحتاج إليه، لتبقى سعيدة خارج منظمة التجارة العالمية، وتتجنب قواعدها ومسئولياتها، ومن دون الصين ستصبح المنظمة هيئة أقل فعالية بكثير على المدى الطويل.

وتمثل دعوة الصقور إلى رفع مستوى العلاقات مع تايوان فكرة أخرى يلحون عليها. إنهم يرددون عبارات مثل: لندعُ لي تنج-هوي مرات كثيرة، ولنبع لتايوان المزيد من الأسلحة المتقدمة، ولنعترف باستقلال تايوان حتى قبل أن تعلن هي استقلالها، ولكن الملاحظ أن المسئولين في تايوان أنفسهم لا يريدون من واشنطن أن تمضي في مثل هذه الطريق الاستفزازية غير المسئولة؛ لأنهم يعرفون أن الصين ستردُّ على هذا بإجراء عسكري ضدهم.

ويمثل الضغط بشدة على الصين بشأن حقوق الإنسان معلمًا رئيسيًّا قديمًا لنهج الصقور، ولكن شجب انتهاكات الصين لحقوق الإنسان لن يحقق أي نتيجة على الإطلاق، وكثيرًا ما يؤكد الصقور أن الترابط مع الصين لا يحقق أي تأثير، ولكن الواضح في كل مرة وعلى مدى هذا العقد أن الصينيين حين يطلقون سراح واحد أو اثنين من المنشقين (أو يوقفون برنامجًا لمبيعات الأسلحة بسبب اعتراض الولايات المتحدة)، إنما يتم هذا في سياق سياسات الترابط المشترك. والملاحظ أنه منذ أزمة تايوان ١٩٩٥-١٩٩٦م، عندما بدأ النهج الأمريكي يتحول من الترابط إلى المواجهة، بدا الصينيون عازفين تمامًا عن أسلوب التوافق.

والنتيجة النهائية دائمًا أن الصقور على استعداد لقرع أجراس الإنذار بشأن الصين، ولكن سرعان ما يتراجع أهل الفكر والمسئولية منهم عن اقتراحاتهم المتشدِّدة؛ لأنهم يعرفون جيدًا أنها لن تفيد، وأن حوار الصقور بشأن الصين هو نوع من «التنفيس» أكثر منه سياسة، كما يقول روبرت ماننج في معهد السياسة التقدمية، ويلحظ بول بلوشتاين كاتب العمود في واشنطن بوست أن الوصفات التي تتضمنها سياسة الصقور تبدو أحيانًا «فاترة» و«معتدلة»، على نحو مذهل في تصورها للخط الذي تمثله الصين في رأي الصقور، ويعرض برنشتاين ومونرو صورة مروعة عن الصين، ولكننا نجد أن برنشتاين نفسه يعرب عن قلقه؛ لأن الصقور الأمريكيين ربما أخطئوا فَهْم رسالته، وهي أن الصين لا يمكن «إجبارها قسرًا على الخضوع» عن طريق سياسة العقاب والإدانة فقط، ويذكر برنشتاين أن بعض الأدبيات المعاصرة الداعية إلى التشدد وتوجيه الضربات؛ تطالب بإسقاط سياسة الترابط لحساب سياسة الاحتواء الموجه، وإحجام أدعياء التشدد عن الوقوع في مأزق محاولة التضييق على الصين؛ بغية وضعها في موقف حرج.

لقد حددنا في الفصل الثامن عشر معالم وصفاتنا السياسية، عند معالجة العلاقة بين الصين والولايات المتحدة، ونحن تحديدًا لا نضمن أنها سوف تغير الصين وتحولها من غوريلا وزنها ٨٠٠ رطل إلى قط وديع، وإنما يتعين على صناع السياسة الأمريكية أن يفهموا أن مجرد حقيقة أن الصين في سبيلها لكي تكون قوة عظمى، إنما تعني تحديدًا أن من رابع المستحيلات أن رؤية أمريكية يمكنها أن تصوغ للصين مصيرها … إلا، ربما عند الأطراف فقط. إن صعود الصين ليس خطرًا من النوع الذي يحدثنا عنه الصقور، أو هكذا هي حتى الآن على أقل تقدير، ولكنها يقينًا سوف تثبت أنها تحدٍّ هائل للولايات المتحدة، ونحن نرى أن مقترحاتنا، إذا ما نظرنا إليها باعتبارها تركز على مصالح مشتركة وهموم مشتركة مع محاولة التكيف مع التحديات، وليس العمل على استئصالها، إنما تمثل فرصة للعمل المجدي أفضل كثيرًا من المقترحات التي يقدمها الصقور.

(١٠) أسطورة الحلفاء

الصقور ودعاة التعاون مغرمون بوصفة سياسية واحدة ومحددة: دع «الحلفاء» يعملون أكثر. حقًّا إذا كانت هناك نتيجة واحدة لازمة من حجج واشنطن التي تتكرر مرارًا بشأن الاحتواء والكبح والترويض ومقرطة الصين، فهي أن حلفاء أمريكا عليهم أن يشاركوا بقوة في هذا الجهد.

وتمضي الحجة على هذا النحو: اليابان والبلدان الأخرى في آسيا هي دول الحدود المعرضة أكثر للخسارة، إذا ما تنامت الصين وأصبحت قوة حربية باحثة عن الهيمنة الاقتصادية والسياسية. والأوروبيون أيضًا لهم مصالح كبرى في الصين، بل لهم مصالح أهم في سبيل صون الاستقرار والنظام في النظام التجاري العالمي، ويبدو علاوة على هذا أنه لا توجد مجموعة واحدة من العلاقات الثنائية قادرة على إحداث تحول موضوعي في نظرة الصين السياسية، ولكن العمل على إشراك أطراف متعددة في قضايا مثل حقوق الإنسان والأمن والانتشار النووي؛ هو السبيل لكي يجد العالم فرصة أفضل لكبح جماح التنين المثير للرعب.

والملاحظ أن الجماعات السياسية من المثقفين وكذا ندوات البحث، تحاول مرارًا تربيع الدائرة عند مناقشة السياسة الأمريكية بشأن الصين، وذلك بإدخال فكرة الحلفاء. النقطة الأولى: إذا اشتركت أوروبا واليابان في قضية مشتركة مع الولايات المتحدة، فسوف يضطر الصينيون إلى الإنصات إليهم أو المخاطرة بالعزلة الكاملة، وهنا تأتي حتمًا النقطة الثانية: ربما تستطيع اليابان وبعض البلدان الآسيوية الأخرى ترجمة رسالة أمريكا ضمن السياق الثقافي الآسيوي؛ بحيث يمكنهم بذلك جعل رفاقهم الآسيويين في بكين يفهمون الرسالة على نحوٍ أوضح.

ولسوء الحظ، يبدي حلفاء أمريكا اهتمامًا قليلًا بشأن قبول هذه الرسالة المستحيلة، وسبب ذلك من ناحية تباين المصالح، وسبق أن اشتكى وينستون لورد وقتما كان على رأس قسم الشئون الآسيوية في وزارة الخارجية، وقال إن جهود الإدارة لإجبار الصين على احترام اتفاقات التجارة، ووقف انتشار الأسلحة استثمرتها أوروبا واليابان لمصالحهما؛ إذ بينما أبدَوْا سعادة لارتدائهم عباءتنا، استفادوا بجهودنا و«اختطفوا عقودنا».

وهناك يقينًا الكثير من مظاهر الخنوع والنفاق بين أوساط حلفاء أمريكا، وإذا كان هذا هو جوهر المشكلة، فسوف يكون طبيعيًّا بذل مزيد من الجهد لإعلاء شأن احترام الحلفاء لأنفسهم، والعمل على تمكينهم وتشجيعهم، ولكن القضايا الرئيسية ليست جبنًا أو شجاعة، بل الاختلافات في السياسة والفلسفة والمصالح. إن غالبية الأوروبيين والآسيويين لا يؤمنون بأن السياسة الأمريكية — على الأقل في الحدود التي رسمتها إدارة كلينتون حتى الآن — تعقد آمالًا كبارًا على الصين التي تتصورها ليبرالية وديموقراطية.

ويواجه الأوروبيون مشكلاتهم التجارية الخاصة مع الصين، على الرغم من أنها مشكلات أخف كثيرًا من المشكلات الأمريكية، ويعاني الاتحاد الأوروبي في مجموعه عجزًا تجاريًّا قدره نصف بليون دولار مع الصين (بالمقارنة مع حوالي ٤٠ بليون دولار مع أمريكا)، ولكن حتى هذا العجز المتواضع كافٍ لحفز الرسميين الأوروبيين لوضع برامج للحصص، وغير ذلك من ضوابط على الواردات. وتخطط أوروبا للحد من فيضان السلع الصينية، مثل المنسوجات ولعب الأطفال والمصنوعات الزجاجية، والإلكترونيات الاستهلاكية والخزف والأحذية، والتي أغرقت مثيلاتها الولايات المتحدة. والمعروف أن البلدان الأوروبية إجمالًا أكثر حمائية من أمريكا، عندما يتعلق الأمر بالمسائل المتعلقة بالمستوى الاقتصادي الجزئي الخاص بإبقاء السلع خارج أسواقها؛ إذ تعتقد أن هذا يفيد مصالحها أكثر من اتباع خطة واشنطن على المستوى الكلي في تعاملها مع الاتجاه العام لخطة الصين في الاقتصاد السياسي.

والأوروبيون دائمًا على استعداد للاستفادة من سوء العلاقات الأمريكية الصينية، وهكذا كانوا ابتداءً من هلموت كول في ألمانيا وجاك شيراك في فرنسا، وقد عمدوا إلى إثارة ضيق واشنطن بما اعتادوا عليه من الاتصال ببكين، فور شروع الولايات المتحدة اتباع سياسة عزل الصين ومعاقبتها. ولقد أفاد هذا النهج كثيرًا جدًّا الشركات الأوروبية، وكانت محصلته حصد صفقات متميزة ساومت عليها مؤسسات أمريكية.

وهكذا تستطيع الصين أن ترى أوروبا الطرف التجاري البديل عن الولايات المتحدة، وأن الأوروبيين أكثر من حريصين على أداء هذا الدور. وتعمد صحيفة الإيكونوميست، رائدة صحافة حرية التجارة إلى كشف الخطأ الفلسفي في النهج الأمريكي، وتقول في هذا: «إن أمريكا إذ تصر دائمًا وأبدًا على التهديد بفرض العقوبات … شجعت فكرةً تقرِّر أن التجارة لعبة الساسة». والحقيقة أن أمريكا وأوروبا حري بهما أن تبقيا التجارة والسياسة منفصلتَين إلا في وقت الأزمات.

وتمثل اليابان وليست أوروبا محور مشكلة أمريكا في محاولتها دفع الحلفاء إلى السير مع واشنطن في حربها الصليبية الأخلاقية السياسية. ذلك أن اليابان، شأن بقية آسيا، محصورة وسط هذا الصراع الطارئ، فهناك من ناحية منافع كبرى لليابان، حين تسمح لنفسها بأن تبدو في صورة الحليف الذي تعتمد عليه أمريكا. والملاحظ أن الصراع الأمريكي-الياباني الذي لم يتوقف بشأن التجارة، وهيمن تمامًا على العلاقات الثنائية طوال الشطر الأكبر من العقدين الأخيرين صراع آخذ في الاتساع، على الرغم من أن حالة اختلال الميزان التجاري لا تزال شديدة الوطأة؛ سبب ذلك أن صناع السياسة الأمريكية ورجال الاستراتيجية يخشون اليوم الصين أكثر من خشيتهم اليابان.

ولكن، بينما تفيد اليابان من ظهورها في صورة حليف أمريكا في آسيا، فإن الحقيقة الواقعة أكثر تعقيدًا. إن رجال الاستراتيجية الجغرافية في أمريكا إذ يتوقعون من اليابان أن تساعدهم على تنفيذ السياسة الأمريكية، إنما يحلمون بأن تسير الأحداث في مسار لن يتحقق أبدًا، ذلك أن غالبية الزعماء اليابانيين قليلو الاهتمام بمعركة واشنطن لفرض رؤيتها بشأن حقوق الإنسان على الصينيين، والحقيقة أنه حينما رحلت الشركات الأمريكية عن الصين عقب أحداث تيان آن مين، بقيت الشركات اليابانية في الخلف لتعزز مواقعها وتكبر.

وعندما حثت واشنطن طوكيو على أداء دور مهم للحد من تصعيد الموقف الأمريكي من مسألة تايوان، اعتذرت طوكيو بأدب، لعدم رغبتها في السير في طريق تعرف أنه لن تكون له من نتيجة سوى إثارة مزيد من ضيق بكين، وهي أصلًا ساخطة مستثارة. وأبدى في هذا الصدد أحد كبار العاملين في البيت الأبيض ملاحظة تكشف عن قدر عميق من الإحباط؛ إذ قال: «تلك هي طرقهم اللعينة لسفن النفط والتجارة — لماذا لا ينهضون ويطالبون الصينيين بتهدئة الموقف بالنسبة لتايوان؟».

وأجابت صحيفة يابانية بقولها: «نحن لا نظن أن معاداة الصين هي السبيل الصواب لحماية مصالح اليابان.»

والجدير ذكره أن اليابان، طوال فترة نموها عقب الحرب العالمية الثانية، قاومت أيَّ محاولة لكي تتصور نفسها اقتصادًا آسيويًّا خالصًا، وحاولت أن تدمج نفسها مع شمال أمريكا وأوروبا والاقتصاد العالمي، ولكن الآن، وقد تحول النشاط على نحو درامي إلى آسيا، فإن الشركات اليابانية، والمخططين الاقتصاديين اليابانيين عادوا ليركزوا اهتماماتهم على آسيا بعامة وعلى الصين بخاصة، وظلت اليابان سنوات حذرة ومترددة بشأن الاستثمار على أرض الصين، ولكنها الآن فاقت وتجاوزت الأمريكيين في استثماراتها.

واستشعرت دائمًا بعض الأوساط من آسيا إمكان أن تتغلب الصين واليابان على تناقضاتهما العميقة وتاريخهما المملوء بالمشكلات، وذلك لتعملا معًا على بناء شبكة اقتصادية آسيوية. ونذكر هنا أنه عقب معركة بيرل هاربور مباشرة، والحرب الشرسة بين اليابان والصين، كتبت الروائية الأمريكية بيرل باك رسالة إلى فرانكلين روزفلت تضمنت نبوءة فريدة: الصين واليابان كذلك البلدان الآسيوية الأخرى سوف تتكاتف بعد الحرب؛ لتشكل معًا حلفًا كبيرًا مناهضًا للغرب.

وتوقع خبراء آسيا في السبعينيات حدوث احتمالات مماثلة، ولكن كان الافتراض السائد دائمًا هو أن اليابان سوف تقود، وأن الصين سوف تتبع؛ اليابان ستلعب دور المركز المتروبوليتاني، بينما ستقوم الصين بتوريد الأرض والأيدي العاملة والموارد الرخيصة؛ ستقوم اليابان بإخراج الصين من العصر الاقتصادي المظلم، عصر الشيوعية، لتنقلها إلى العصر الحديث. وساد الظن بأن اليابان سوف تجني جزاء ذلك، إذ تقوم بعملية مماثلة لتلك العمليات التي نهضت بها الولايات المتحدة، وجنت مكاسب مقابل دفاعها عن غرب أوروبا وتطوير بلدانه بعد الحرب العالمية الثانية، ولكن في أواخر التسعينيات، بدا واضحًا فشل هذه الظنون، فها هي الصين تخرج إلى الوجود قوة عظمى. إنها لن تصبح مستعمرة تابعة للإمبراطورية اليابانية، ولكن بات لزامًا على اليابان، بدلًا من ذلك، أن تتكيف مع قوة التنين الصيني على نحو ما فعلت منذ قرون مضت.

لقد زحفت النزعة القدرية على التفكير الياباني إزاء الصين؛ إذ بعد ستة أعوام من الاقتصاد الذي يعاني القيود بعد حقبة فوران، علاوة على المشهد المثير لحالة النمو الاقتصادي الصيني الذي تجاوز العشرة في المائة، أحست اليابان بالهزيمة، ودب الوهن في أحلامها. وبينما تصور واحد من أصدقائنا اليابانيين المعنيين بالدراسات المستقبلية، قيام إطار اقتصادي قائد وخيِّر مؤلَّف من الرخاء المشترك في آسيا تمثِّل اليابان محوره، نجد اليوم البعض يعرب عن قلقه، ويتساءل إلى متى يمكن أن تبقى اليابان مستقلةً عن القوة الجبارة للصين الصاعدة.

ويقول كينيشي إيتو من منتدى اليابان للعلاقات الدولية: «يظن الغربيون أن الديموقراطية سوف تشفي الصين من مشكلاتها، ولكن حتى لو افترضنا أن الصين أصبحت ديموقراطية في الداخل — وهو أمر مشكوك فيه — فسوف تظل لها نظرة القوة العظمى غير الديموقراطية المتمحورة حول مصالحها الذاتية، إزاء اليابان والبلدان المجاورة الأخرى. إن مصيرنا نحن اليابانيين أن نعيش في ظل الصين، ويتعين علينا أن نتعامل ونتكيف مع هذا بأفضل ما نستطيع».

ويقول يوكيو أوكاموتو، أحد كبار مستشاري مؤسسة اليابان للسياسة الخارجية، إن الولايات المتحدة يتعين عليها أن تواصل أداء الدور العسكري القوي في آسيا، ويتنبأ قائلًا: إن لم تفعل ذلك فإن اليابان ستتحول لا محالة إلى تابعة للصين بكل خططها السياسية التي تمليها عليها بكين. ولكن حتى اليابان، وقد كانت السند الأقوى للحضور العسكري الأمريكي في المحيط الهادي، ربما لن تقف دائمًا إلى جانب الولايات المتحدة. ويتزايد الضغط السياسي المحلي داخل اليابان ليحول الرأي العام ضد الوجود العسكري الأميركي، وتجلى هذا واضحًا في قضية التلميذة اليابانية التي اغتصبها في عام ١٩٩٦م جندي أمريكي. ولقد كان القطاع الأكبر من الجمهور الياباني قلقًا أشد القلق يطالب بقطع دابر هذه الانتهاكات، وذلك بإنهاء الدور الأمريكي في اليابان، وشغلته هذه القضية أكثر مما شغلته آثار هذا الانسحاب في الأمن الياباني.

والجدير ملاحظته موقف البلدان الآسيوية الأخرى، عندما أرسلت الولايات المتحدة سفنها الحربية إلى تايوان في أثناء أزمة عام ١٩٩٦م؛ إذ لم تدعم أي حكومة آسيوية صراحة هذه الحركة، بل ولا حتى البلدان التي يعرف الجميع أنها شديدة الخوف من النزعة التوسعية الصينية، لم تحاول أي حكومة آسيوية أن تنتقد صراحة التدريبات العسكرية الصينية الاستفزازية. وتضامنت، على خجل مع بكين غالبية البلدان، بما فيها تلك التي تسبح في الاستثمارات التايوانية. ورأت أن معالجة الصين لمسألة تايوان شأن صيني داخلي تمامًا. وأكبر من هذا، أن الفليبين، وهي من أكثر البلدان قلقًا إزاء الأراضي التي اغتصبتها الصين من الجزء المتنازع عليه، طردت الأسطول الأمريكي من قاعدة خليج سوبيك، ولم تَدعُها إليه ثانية.

وتتهيَّأ البلدان الآسيوية للعيش مع الصين التي يرونها التنين المتعاظم باطراد وسطهم. ويواجه البعض هذا الاحتمال بالتركيز على فرصة الاقتصاد الإقليمي التي تخلقها الصين، ويستبد الخوف بالبعض الآخر، ولكننا لا نجد حكومة آسيوية تدعو أو تشجع واشنطن لشن حرب باردة جديدة مع بكين، وتريد غالبية الدول الآسيوية من الولايات المتحدة أن تواصل حضورها العسكري في الإقليم، كقوةٍ موازنةٍ تقابل القوة الصينية، ولكنَّ بلدانًا قليلة لديها الشجاعة لتقول هذا علانية؛ ولهذا حري بالأمريكيين حين يختارون المواجهة مع الصين مباشرة أن يدركوا أنهم يفعلون ذلك على مسئوليتهم وحدهم. وإن إدراك هذه الحقيقة وحدها كفيلٌ بأن يجعل الأمريكيين يتريثون.

١  وافق الكونجرس الأمريكي في سبتمبر على منح الصين وضع الدولة الأولى بالرعاية بشكل دائم. (المترجم)

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤