الحيوانات
(١) هل للحيوانات لغة؟
القردة سوزي؛ استجلبها الأستاذ جارنر الأميركي من غابات أفريقيا الوسطى بعد أن قضى فيها نحو ست سنوات بين القرود يبحث عن عاداتها وأخلاقها وطرق تفاهمها، وكان قد اتخذ معه فونوغراف ليدون بواسطته الأصوات التي تتفاهم بها، وأدت رحلته هذه إلى لغط الصحف الأميركية كما هو منتظر.
وخلاصة بحثه أن خاصة التفاهم قوية فيها، وعندها أصوات تتفاهم بها أو تعبر عن حاجاتها يزيد عددها عن ٢٢ صوتًا (أو كلمة)، فالشمبانزي مثلًا إذا داهمه خطر من عدو جاءه، صات صوتًا خاصًّا بذلك فتجتمع القردة من أهله للأخذ بناصره، وعنده صوت آخر يعبر به عن اكتشاف فريسة، وآخر عن الوقوف على ماء، أو الالتقاء بحبيب أو الفرح أو الغضب أو غير ذلك.
قد التزم الأستاذ جارنر أن يغير بعض آرائه الأولى عن لغة القرود بعد أن رأى أن نظريته الأصلية لم يقبلها أحد من العلماء الباحثين في علم البسيكولوجيا الحيوانية، وتدلني اختباراتي الشخصية أن لا برهان على وجود ما يمكن أن يسمى لغة — أي الكلام المقصود المتقطع — عند القردة، وقد وصل إلى نفس النتيجة أكثر الباحثين في الموضوع.
على أني لا أنكر أن للقردة كما لغيرها من ذوات الفقرات مقدرة على إصدار بعض الأصوات في بعض الأحوال؛ من أمثلة ذلك ما ذكره أحدهم عن كلبه أن له نغمة مخصوصة تشير إلى وجود ثعبان، وقد لحظت بنفسي أن عصفورًا صغيرًا ربيته كان يصدر صوت إغاثة كل ما شاهد الهرة، وكذلك الديك فإنك إذا قلدت بالقرب منه صوت البازي فإنه يستغيث بصرخة تفهم منها الدجاجة الخطر المحدق بها، وفي اعتقادي أن هذه الأصوات هي أقرب شيء إلى اللغة عند الحيوانات.
ومن جهة أخرى لا شك أن لبعض الحيوانات مقدرة على فهم معنى عدد من الكلمات، كالفرس مثلًا، فكل فارس يلاحظ أن فرسه يفهم بعض الكلمات، ولكن الكلاب ولا سيما كلاب الصيد تفوق الفرس حذاقة؛ على أن لهذا مزية، وهي أنه يميز الأنغام الموسيقية، فالخيل في الحرب تقوم وتتأهب عندما تسمع النفير.
والقردة من هذا القبيل أقدرها جميعًا، ولا سيما نوع الشمبانزي الأوران أوتان، وسوزي المتقدم ذكرها من النوع الأول، وقد درسها المستر جارنر قبل إعطائها إلى حديقة الحيوانات بنيويورك عدة أشهر، وأكد أنها تعبر بلغتها عن خمسة معانٍ على الأقل، وهي: نعم – لا – الطلب – النفور – الفرح، على أن غيره ممن درسوا سوزي أنكروا ذلك، ولكنهم اتفقوا جميعًا على أن سوزي تفهم الأوامر التي يعطيها إياها معلمها وتعمل بمقتضاها للحال، وقد أحصيت هذه الأوامر فوجدوا أنها تقرب من الخمسين يتركب بعضها من كلمتين أو ثلاث كلمات وسوزي تجيب عليها كلها، ومن أمثلتها: قومي – اقعدي – خذي البرنيطة – ضعيها على رأسك – البسي ثيابك – اقلعيها – أعطيني المفاتيح – دقي الجرس – أنيري كبريتة … إلخ، وسوزي تجيب عليها كلها حالما تُلفظ، وقد اعترض بعضهم أنها تفهم الإشارات التي ترافق الأوامر لا الكلمات نفسها، ولكن هذا خطأ، فإن نحو تسعة أعشار الأوامر لا ترافقها إشارات مطلقًا، واعترض آخرون أنها لا تطيع إلا مربيها؛ ولكن لا غرابة في ذلك، فالطفل الذي تعوَّد أن يسمع أوامر والديه فقط لا يعبأ بأوامر الغرباء.
(٢) الفرس النبيه الحاسب
كثيرًا ما بحث العلماء في؛ هل للحيوان عقل؟ وهل عقله من نوع عقل الإنسان، وإنما يختلفان في الرتبة أو هما يختلفان في النوع؟ أم ليس للحيوان عقل، ونحو ذلك من الأبحاث التي ليس هنا محل النظر فيها؟ على أنهم توصلوا بالاستقراء إلى أن الحيوان أرقى إدراكًا مما كانوا يتوقعون. وقد اشتغل جماعة منهم بتجربة ذلك في الحيوانات المألوفة، فوجدوا أرقاها عقلًا: الفرس والكلب والهر والفيل، وأنها تمتاز عن سائر أصناف الحيوان بالانعطاف إلى الأحياء التي هي أرقى منها، كما ينعطف الإنسان إلى المعبودات العليا، وقد كتب بعضهم المقالات الضافية في هذا الموضوع.
وإنما يهمنا في هذا المقام حكاية فرس نبيه علمه صاحبه الحساب حتى صار يجمع ويطرح ويضرب، وعلمه حركات كثيرة لا تصدر إلا عن عاقل مفكر. وذلك أن رجلًا ألمانيًّا اسمه هرفون اوستن يقيم في شمالي برلين تفرغ لدرس طبائع الحيوان منذ أربع عشرة سنة، ولحظ منذ أربع سنوات أن فرسًا روسيًّا من أفراسه فيه طبيعة التفكير، فوجه عنايته إلى هذا الجواد وأخذ في ترقية تلك الطبيعة فيه، فنجح نجاحًا باهرًا، وسماه «حنا النبيه»، وجرى في تعليمه وتثقيفه على أحدث طرق التعليم المدرسي في أوروبا بالرسم أو الكتابة على الألواح السوداء بالطباشير أو بالخرز أو بأدوات أخرى لترقية الشعور فيه بالروائح والألوان ونحوها، ووجه عنايته إلى تعليمه الحساب بالأرقام، فعلمه الجمع والطرح والضرب والقسمة، وهو يتعلم الآن الكسور العشرية، وما وراءها.
وشاع أمر هذا الفرس في برلين وتألفت لجنة من علماء الحيوان لمشاهدته وامتحانه؛ فتحقق عندهم أنه يفعل ذلك عن نباهة وتفكير وليس عن سليقة أو عادة، وقد أخذ بناصر فون اوستن في هذا الشأن وأيد رأيه هرشيلنس — أشهر علماء الحيوان في برلين — وآل خبرة في المؤتمر الدولي لحماية حياة الحيوان في أفريقيا، الذي انعقد في لندن منذ بضعة أعوام، وقد رحل شيلنس المذكور إلى أفريقيا حتى قطعها كلها تقريبًا واكتسب اختبارًا عظيمًا في تدريب الحيوانات، فلما امتحن «حنا النبيه» رآه يجيب على كل مسألة تُطرح عليه جوابًا لا سبيل إلى الشك في أنه صادر عن روية وتفكير، وهو يقرأ الخط ويعرف قيمة الأعداد أو النقود أو نحوهما، وإذا نظر إلى الساعة عرف الوقت تمامًا، وإذا أريته صورة بعض الأشخاص الذين يعرفهم عرفه حالًا، ولكنه بالطبع لا يظهر معرفته بالنطق، ولكنه يجيب على ما يُطرح عليه بتحريك الرأس، فإذا أراد «نعم» حنى رأسه، أو أراد «لا» هزه، وهز الرأس علامة النفي في البشر كما لا يخفى. وأما الأسئلة الحسابية فإنه يجيب عليها بالنقر على الأرض بحافره الأيمن، وإذا أراد تأكيد جواب بما ينوب عن رفع الصوت عند الآدميين رفس الأرض بحافره الأيسر رفسًا شديدًا.
مثال ذلك أن أستاذه اوستن أراد مغالطته بين يدي اللجنة التي تعينت لامتحانه، فقال له إن اثنين واثنين يعدلان خمسة، فضرب الفرس بحافره الأيمن على الأرض أربع ضربات أرفق كلًّا منها برفسة من حافره الأيسر، وامتحنوه أيضًا في القراءة، فكان يتهجى كل كلمة تكتب له على اللوح، وذلك أن بعض أعضاء اللجنة المذكورة كتب له على اللوح بعض الألفاظ المألوفة، مثل: كلب أو هر ونحوهما، فكان الفرس يميز كل لفظ عن سواه تمييزًا تامًّا، ثم امتحنوه بعملية حسابية طويلة فأجاب عليها بلا غلط، وجاءوه بقفة مملوءة خرقًا بألوان مختلفة وجعلوا يسألونه إخراج خرق يعينونها بألوانها، فلم يخطئ في خرقة واحدة، وسألوه عن عدد الحضور وعدد الذين يتقلدون النظارات منهم وعن السيدة التي على رأسها قبعة خضراء فأجاب بكل دقة.
على أن هذه الأسئلة طرحها عليه الحضور على سبيل التسلية بعد فراغهم من امتحانه في القراءة والحساب، فلما رأوا غرابة تلك النباهة ارتابوا من ذلك الفرس وظنوا في الأمر تلاعبًا من اوستن وشيلنس، فاحتاطوا لذلك بإخراجهما من المكان، وعمدوا إلى مغالطة الفرس فتقدم إليه أحدهم وبيده ريال وسأله عن الوقت يوهمه أنه يريه ساعة فلم يجبه.
قضت اللجنة في ذلك الامتحان ساعة وبعض الساعة، وقبل انفضاض الجلسة طلب إليه أحدهم أن ينظف معلفه بخرقة، وأنه إذا فعل ذلك كافأه بعلاوة في علفه، فتلفت الجواد يمينًا وشمالًا حتى وقع نظره على خرقة بين يدي شيلنس فالتقطها بفيه وأسرع إلى إصطبله وأخذ في مسح معلفه بتلك الخرقة حتى نظف تمامًا، ثم أعاد الخرقة إلى اوستن.
وكان في جملة الذين حضروا ذلك الامتحان دوق كوبورج غوطًا، ودوق ورتمبرج، والبرنس شيسويغ هولستين، والبرنس والبرنسس بلس، وكثير من الأشراف المشهورين، وكانت لجنة الامتحان مؤلفة من الأستاذ ستامف عضو من أكاديمية العلم في برلين، والأستاذ ناجل رئيس مدرسة الفيسيولوجيا في برلين، والدكتور مسنر وغيرهم من العلماء والأطباء، وقد أجمعوا على أن ما شاهدوه من نباهة هذا الفرس إنما هو نتيجة تعليم مدرسي مبني على إعمال الفكرة، وليس من قبيل السليقة أو العادة أو التدريب الميكانيكي، وتقدم كل واحد من أعضاء اللجنة المذكورة إلى صاحب الفرس وأستاذه بعبارات التهنئة لما توفق إليه من نجاح هذا التلميذ.
ولما شاع خبر هذا الفرس تسابق الأغنياء إلى اقتنائه، فطلب بعض الأميركان إلى هرفون اوستن أن يبيعه إياه بمبلغ ٧٥٠٠ جنيه فلم يقبل، وقال إنه لا يبيعه بأي ثمن كان لأنه لا يطيق فراقه؛ لما تمكن في قلبه من الاستئناس به، وإنما اكتفى هو ورفيقه هرشيلنس بشهادة وقعت اللجنة عليها بما شاهدته من تلميذهما النبيه.
وقد خاضت جرائد برلين في شأن هذا الفرس وتجادلت وتناظرت، ولكنها أجمعت على أن «حنا النبيه يمثل أعظم حادث يتعلق بعلم النفس في المملكة الحيوانية.» ونشرت جريدة وورلدوورك الإنكليزية رسالة من رجل شاهد ذلك الفرس فأثنى على نباهته، ويبين كيف يجمع الأعداد ويطرحها. فقال إنهم يأتونه بأسلاك عليها كُرات بشكل السبحة يختلف عدد ما في السلك الواحد عما في الآخر، فجاءوه بثلاثة أسلاك في الواحد أربع كرات وفي الثاني ست وفي الثالث ثلاث كرات وعلقوها بين يديه معارضة بعضها فوق بعض، وطلبوا إليه أن يجمعها، فضرب بحافره الأيمن على الأرض ١٣ ضربة، ثم جاءوه بصفيحة عليها الرقم خمسة وسألوه كم واحدة من هذه تساوي عشرين فضرب برجله على الأرض أربع ضربات، وعرضوا عليه قطعًا من المعادن الثمينة فميز بين الذهب والفضة والنحاس ودل على الذهب بضربة وعلى الفضة بضربتين وهكذا.
ثم ذكر المراسل تعبيره عن أحرف الهجاء، فقال إنه يدل على الأحرف بالأعداد، ولكل حرف عنده عدد، فإذا سُئل أن يتهجى كلمة؛ ضرب بحافره ضربات تدل على حروفها، وإذا أريته ساعتك وسألته عن الوقت فإذا كانت الساعة ١١ ونصف مثلًا ضرب أولًا ١١ ضربة وصبر قليلًا ثم ضرب ثلاثين ضربة وهي الدقائق، قال الكاتب: «وقد يظهر ذلك غريبًا، ولكنني رأيته بعيني يفعل ذلك، ورأيت فيه نباهة غريبة لتمييز الألوان، فوصفوا أمامه أحد عشر لونًا متحاذية، وأخذ أستاذه يسأله عن لون لون منها، وهو يدل عليها بحافره، وله مهارة غريبة في أداء الألحان الصفيرية؛ حتى قد يميز بين النغمة وأجزائها.» وقاسوا نباهة هذا الفرس بالنسبة إلى الإنسان فوجدوها تقابل نباهة غلام عمره ١٣ سنة.
(٣) الحيوانات المدرعة «القنافد الحرشفية»
طُبع الأحياء على أن ينالوا رزقهم بسعيهم حتى النبات، فإنه يرسل جذوره في أعماق الأرض؛ حيث يجد سبيلًا للغذاء، ويوجه أغصانه نحو النور حيثما اتجه التماسًا للبقاء، على أن الأحياء يزدادون افتقارًا للسعي كلما ازدادت حاجات الحياة عندهم، فإذا تشابهت أغراضهم منها تنازعوا عليها وجاهدوا في تحصيلها؛ ولذلك قالوا: «الحياة جهاد» فيفترس القوي الضعيف إلا من استطاع دفاعًا. ولكل حيوان سلاح طبيعي يدافع به عن نفسه يختلف باختلاف نوعه، فالكلب يدافع بأنيابه، والفيل بخرطومه، والأسد ببراثنه، والإنسان بيديه وعقله.
ومن معجزات الخلق أن الحيوانات التي حُرمت سلاحًا تدافع به عن نفسها أو تكافح به عدوها أوجدت الطبيعة فيها أعضاء تساعدها على الفرار بتسلق الأغصان أو دخول الثقوب أو التحليق في الجو، أو أعدت لها جلودًا صلبة تتلقى بها الضرب أو العض أو الرفس، كما يتلقى المقاتل النبال والسيوف بأدراع الفولاذ؛ ولذلك سميناها الحيوانات المدرعة.
من أشهر أمثلتها عندنا، التمساح، فإن جلده قد لا يخترقه الرصاص فضلًا عن النبال أو السيوف، والسلحفاة تمشي ودرعها الصلبة تغطيها كالقبة، فإذا خافت أذية تكمشت وأخفت رأسها وأرجلها تحت تلك الدرع، ومن هذا القبيل السرطان على أنواعه، وكثير من أصناف الخنافس ونحوها، ومنها القنافد التي تكتسي جلودها بالحسك الغليظ أو الحراشف الصلبة، أغربها قنفد هندي من ذوات الحراشف يسمونه بنغولين حراشفه، كالقراميد تتراص متراكمة.
يعد البنغولين المشار إليه من القنافد أكلة النمل؛ لأنه يقتات بالنمل، ويسميه أهل السودان «أبو الأظلاف»، ومنه تباينات كثيرة في جنوبي الهند وجنوبي أفريقيا وشرقيها في موزمبيق وزنجبار والصومال وغيرها، ومنها طويل الذيل وقصيره وكبير الرأس وصغيره، والتباين الهندي الذي نحن في صدده بري غير أليف طوله قدمان، وهو صغير الرأس قصير الذيل حراشفه مثلثة الشكل تشبه نوعًا من القرميد تسقف به المعامل، ويستدل من صغر رأسه على ضعف دماغه وقلة حيلته ولولا صلابة جلده لانقرض عن وجه الأرض؛ لأنه يتقي به طوارئ الطبيعة وهجمات الكواسر، ولكل حرشفة حافة حادة كالنصال، تكون في طفولية القنفد شعرات متحاذية ناعمة الملمس جميلة اللون ينسكب عليها من جلده عصارة لزجة فتلتحم وتتكاثف وتتصلب بتوالي الأيام؛ حتى تصير كالنصال المثلثة تتصل من قاعدتها بالجلد ويبقى سائرها مطلقًا، وهي تندرج بأوضاعها حتى تصير مثل حراشف الأدراع الفولاذية تكسو الحيوان كله إلا بعض رأسه وجزءًا من بطنه.
يخرج البنغولين في طلب فريسته ليلًا، فيمشي مشية متلصص وعليه أدراعه، فإذا أتى وكر نمل استل لسانًا طويلًا تكسوه مادة لزجة، فيرسله في الوكر فيذعر النمل ويطلب الفرار؛ فتعلق مئات منه على حافتي اللسان كما يعلق العصافير على عيدان الدبق، ثم يجتذب لسانه ويزدرد ما اصطاده بلا مضغ؛ ولذلك لم يكن له أسنان، وإنما يساعده على طحن الطعام حصى صغيرة يختزنها في معدته كما تفعل الطيور.
وللبنغولين أربع قوائم؛ المقدمتان منها قصيرتان، وأظافرهما طويلة كالمناجل يستخدمها للنقب أو الحفر، وتعيقه عن المشي وقلما يمشي، فيقضي نهاره مختفيًا، وإنما يخرج ليلًا للبحث عن طعامه، فيمشي إلى وكر النمل متكاسلًا متباطئًا كأنه يعمل بقول صاحب الأمثال «اذهب إلى النملة أيها الكسلان» لكنه لم يتعلم طرقها.
وإذا اعترضه في مسيره حيوان مفترس أو أراد الإنسان أذيته، فلا هو سريع الحركة ليفر من الأذى، ولا قوي الساعد للدفاع عن نفسه، ولكنه صلب الجلد؛ فيدخل رأسه بين يديه ويطوي ذيله على بطنه فيصير كرة قد برزت حراشفها كالنصال الحادة لا يخترقها ناب ولا يمزقها مخلب، فكيف يستطيع الحيوان أن يشمه بأنفه قبل القبض عليه على عادة الحيوانات المفترسة؟
بذلك بقي هذا الجنس من الحيوانات إلى اليوم، على أنه آخذ بالانقراض؛ لأن علماء الحيوان يعرفون من تبايناته ثمانية أو عشرة نصفها يعيش في أواسط أفريقيا وجنوبيها، والنصف الآخر في الهند وجاوى وجنوبي الصين فلم يبقَ منها إلا أفراد مبعثرة في براري تلك البلاد كبقايا الفنيين واللابلنديين في أوروبا والإسكيمو في أميركا والسامويين في سيبيريا متخلفة عن أممها الذاهبة.
ومن عجائب الحيوانات المدرعة، السرطان، ومنه صنف إنكليزي يسمى لوبستر، عليه دروع من الحراشف دقيقة التركيب، ولا سيما عند المفاصل فإنها تلتحم هناك بحراشف متراكبة تتصل بالجسم بأربطة كالمسامير التي تتصل بها حراشف الدروع عند الركب.